نظرة على الصداقة الحقيقية

You are currently viewing نظرة على الصداقة الحقيقية
مفهوم الصداقة الحقيقية

الصداقة الحقيقية هي أهم علاقة عاطفية يمكن أن نحظى بها في الحياة. إنها رابطة وثيقة نشكلها مع شخص آخر، نختاره من منطلق قناعتنا ونمنحه قيمة خاصة في حياتنا. الصداقة الحقيقية رابطة تجلب معها قيماً مثل الولاء والحب والثقة، لكن مثل هذه الرابطة أصبحت نادرة في عالم تسيطر عليه العلاقات المؤقتة والسطحية، وتقل فيه قدرتنا على تنحية مصالحنا جانباً لبناء رابطة صداقة دائمة ومتينة.

الغرض من الصداقة

إن الأصدقاء ركن قوي في حياة البشر، وعلاقات الصداقة الحقيقية تفعل أكثر بكثير من مجرد مساعدتنا عندما نحتاج إليها. لكن في كثير من الأحيان تظهر الشكوك، وتقل الثقة. فما الذي يميز الصديق الحقيقي عن الصديق العابر؟ وما هي المؤهلات العاطفية التي يمتلكها هذا الصديق الحقيقي والتي تجعله فريداً ويندرج في فئة “أفضل صديق” أو “صديق الروح”؟

قال لي صديقي ذات مرة أن أفضل كلمة لشرح الصداقة الحقيقية هي “المعاملة بالمثل”. وقد قالها وهو يعلم أننا تعودنا على سماع جملة “لا ينبغي توقع أي شيء من الأصدقاء، وعلينا قبولهم كما هم” آلاف المرات، مما يعني تحمل كل أنواع الأخطاء والآثام التي يرتكبها الأصدقاء لأن هذا هو الغرض من الصداقة.

الحقيقة هي أنه منذ عصور ما قبل التاريخ أنشأ البشر بالفعل علاقات قائمة على الاهتمام المتبادل لجعل الحياة أسهل وأقل خطورة. وكانت الصداقة واحدة من هذه العلاقات، لكنها ليست أكثر من تحالف تطور على مدار الزمن، وكانت مفيدة فقط لكل من يشارك فيها بشرط أن تكون عادلة وإيجابية. أما في عالمنا اليوم نجد أن الصداقة تتمتع بالعديد من الميزات والفروق الدقيقة التي تتجاوز الصيد كفريق واحد أو تقاسم اللحوم على قدم المساواة. ولكن ماذا إذا كنت تحترم صديقاً لكنه لا يحترمك؟ هنا تفقد الصداقة الحقيقة تأثيرها، ولذلك إذا اتبعت نهج المعاملة بالمثل، فإن السند العاطفي يتضرر، وإذا كان هناك أي نوع من الضرر، فلا يُنصح بالحفاظ عليها. فهل يريد أي شخص أن يكون لديه أصدقاء لاستغلاله أو إلحاق الضرر والأذية به.

اقرأ أيضًا: أفـضـل عبارات عن الصداقة تـؤكـد أن الصـداقة الحقيقية تتجـاوز الزمـن

الصداقة الحقيقية التزام

ماذا تعني الصداقة الحقيقية
الالتزام أهم ركائز الصداقة الحقيقية

من ناحية أخرى يجب أن تكون ساذجاً للغاية لتعتقد أن أياً من أصدقائك، حتى أولئك الذين تعتقد أنهم الأفضل، سيفعل أي شيء تطلبه منه. إن كل صداقة هي التزام يتم تخصيصه وفقاً لقواعدها وخصائصها وحدودها. ومن السخف أن نتوقع من أصدقائنا أن يلتزموا بالقواعد والمعايير التي وضعناها للصداقة الحقيقية، ومفهومنا عنها. لكن المعيار الوحيد الذي يجب أن يظل دون تغيير هو أنه لا ينبغي لأي نوع من الصداقة أن يؤذينا.

اقرأ أيضًا: أهمية الصداقة: لماذا من الضروري أن يكون لنا أصدقاء؟

لا وجود لصداقة بدون ثقة

لا أحد معصوم من الخطأ، فإذا أخطأ صديق يمكننا أن نغفر له ونسامحه بعد اعتذار مقنع. هذا الاعتذار المقنع هو الطريقة الوحيدة لفهم الآليات التي تسببت في الضرر سواء المادي أو النفسي. وهو أفضل ضمان لمواصلة الثقة في تلك الرابطة الاجتماعية الحقيقية، فبدون ثقة لا وجود لصداقة حقيقية.

ماذا يحدث عندما يطلب منك أحد الأصدقاء المال، لكنه لا يعيده أبداً؟ سيحدث هذا الأمر عاجلاً أو آجلاً. فهل يمكنك ببساطة أن نتوقف عن إقراضه المال، وتقول لنفسك أنه مع الأصدقاء لا ينبغي أن ننظر إلى المال، وبهذه الطريقة ستحل المشكلة. إن الأمر ليس بتلك السهولة، وبغض النظر عن مقدار المال الذي لديك سيأتي وقت تتوقف فيه عن إقراضه لأن المسألة بالفعل لا تتعلق بالمال بقدر ما تتعلق بالاحترام والثقة. فإذا أخبرك بأنه سيعيده، ولم يفعل ذلك، فمن الطبيعي أن تفقد الثقة.

اقرأ أيضًا: خواطر معبرة وجميلة عن الصداقة والحب والنسيان والسعادة

ركائز الصداقة الحقيقة

مفهوم الصداقة الحقيقية
أسس الصداقة الحقيقية

تمنحنا الصداقة الحقيقية حريات معينة لا ينبغي أن تتحول إلى إساءة. فعندما نلتقي بشخص نكون معه صداقة، فإننا نبني عدة ركائز أساسية لهذه العلاقة سواء بوعي أو بغير وعي. وينبغي أن ترتكز هذه العلاقة على الالتزام والاحترام والمودة والاهتمام والثقة، وبدون هذه الركائز لا يمكننا أن نكون صداقة حقيقية. دعونا نٌلقي الضوء على هذه الركائز.

  1. الالتزام

    يجب علينا أن نكون على استعداد تام لتقديم المساعدة لأصدقائنا، والقيام بأشياء لن نفعلها للآخرين الذين لا يشاركوننا هذه الدرجة من الصداقة والالتزام؛ بالمناسبة، لا يجب مساعدة الصديق في الأمور السيئة أو غير القانونية. كذلك علينا أن نقبل مساعدة الصديق دون الشعور بالإهانة أو المديونية. ودعونا لا نخدع أنفسنا، فإذا كان الصديق على استعداد دائماً لدعمنا ولكننا لسنا كذلك، فإن العلاقة تفقد التوازن.

  2. المودة

    علينا أن نعطيها بقدر ما نتلقاها، فالمودة هي مادة تشحيم أي صداقة، وتمحنا بعض الحريات التي تعتبر في العلاقة مع الآخرين تجاوزات. على سبيل المثال، يمكننا التسامح مع الأصدقاء في تدخلهم في قضايانا الشخصية، إذا علمنا أن ذلك من أجل الصالح العام أو مصلحة الصديق.

  3. الاهتمام

    إذا كانت المودة هي مادة تشحيم الصداقة الحقيقية، فإن الاهتمام وقودها. نحن لا نهتم فقط بالصداقة مع شخص معين بسبب ما نقدمه له، ولكن أيضاً بسبب ما يقدمه لنا؛ وأنا لا أتحدث عن الأشياء المادية. إن الدعم والآراء والمشورة من الأصدقاء للحصول على منظور آخر لما يحدث لنا، هي أصول قيمة. ويجب أن نقبل أنه ليست كل الصداقات تهمنا بنفس الدرجة، لهذا السبب بالذات.

  4. الاحترام

    هو هيكل وبنية أي علاقة عاطفية. والصداقة الحقيقية كونها في الأساس علاقة عاطفية يجب أن تستند على الاحترام المتبادل. ولا ينبغي أن يكون هذا الاحترام نابع من الخوف أو بالقوة.

  5. الثقة

    ماذا الذي يمكنني قوله في هذه النقطة ولم يُقال بالفعل؟ فإذا كان الحال مع الاحترام أن هناك من يمنحك إياه بمجرد مقابلتك ويعززه أو يسحبه إذا شعر أنك لا تستحقه، فإن الوضع مع الثقة أكثر من ذلك بكثير، حيث عليك أن تفوز بها شيئاً فشيئاً وليس مع أول اتصال.

عندما نخون صديقاً، فإننا لا نجعله يشعر بالسوء فحسب، بل نجعله أيضاً يشعر بالسذاجة والتلاعب وهذا أمر مهين لأي شخص، لأنه هجوم مباشر على الأنا. دعونا نقول إن الاهتمام والمودة والالتزام هي عوامل يمكن أن تمر بمراحل تتفاوت في شدتها، لكن الثقة والاحترام هما أكثر حساسية، لأنهما بحاجة دائماً إلى حماية مستمرة. ومن خلال الجمع بين هذه الركائز ستدرك أنها ليست أعمدة مستقلة عن بعضها البعض، بل متشابكة واحدة مع الأخرى. لذلك إذا حدث صدع في أحدهم ستسقط باقي الأعمدة. ولهذا السبب من السهل في حالة فشل الاحترام أو الاهتمام ينتهي الأمر بفقدان المودة وسقوط الثقة عاجلاً أم آجلاً.

اقرأ أيضًا: الاختلافات بين النقد السلبي والنقد الإيجابي

في الختام دعونا لا نقدم الصداقة الحقيقية كما لو كانت حزمة من النوايا والفوائد المحددة، بل لنقدمها على أنها علاجاً لكل شرور أنفسنا، أو كما يقول الفيلسوف الإسباني ميغيل دي أونامونو: “كل صديق جديد نربحه في سباق الحياة يكمّلنا ويثرينا أكثر بسبب ما يكشف لنا عن أنفسنا”.

اترك تعليقاً