تكمن أهمية الصداقة في أنها تجعلنا سعداء وأصحاء. فالعلاقات القوية عاطفياً وعقلياً لا تمنحنا الرضا عن الذات فحسب، بل تؤثر أيضاً على صحتنا الجسدية. حيث أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم مَن يشاركهم أفراحهم وقلقهم يعانون من أمراض أقل ويعيشون لفترة أطول من أولئك الذين يفضلون العزلة الاجتماعية. من منا لا يقدر الكتف الذي يمكن أن يتكئ عليه في الأوقات الصعبة أو الضحكة المشتركة التي نشرت البهجة في حياتنا؟ إن حياة كل إنسان تمر بلحظات من الظلال والأضواء ويصبح الطريق أكثر احتمالاً إذا كان هناك مَن يشاركنا الأفراح والأحزان. دعونا نلقي نظرة فاحصة على أهمية الصداقة.
ماذا تعني الصداقة؟
لا يمكننا أن نعيش في الوحدة والعزلة. فمنذ ولادتنا نحتاج لمن يرافقنا في الحياة. الآباء هم أول وأعظم أصدقائنا، الذين يعتنون بنا بمودة وحب غير مشروط. ومع نمونا، نحتاج إلى الحفاظ على العلاقات وتكوين الأصدقاء والعيش معاً وبناء مساحة مشتركة للعيش مع الأشخاص من حولنا. ولكن ما هي الصداقة؟ يمكن تعريف الصداقة بأنها علاقة عاطفية بين شخصين أو أكثر، ويمكن أن تشمل هذه العلاقة ما ينشأ من عاطفة بين الإنسان والحيوان. وكما يقول المثل أن الكلب هو أفضل صديق للإنسان.
تكمن أهمية الصداقة في إنها عاطفة شخصية نقية تتضمن نكران الذات، والتعايش والدعم المتبادل. الصداقة الحقيقية هي التي تشتمل على الثقة والصدق والولاء، والتفاني لمشاركة كل شيء، ليس فقط الأفراح والنجاحات، ولكن أيضاً المعاناة والإخفاقات. والصديق الحق هو من يهتم بخير واحتياجات الآخر، ويقدم أفضل ما لديه دائماً، فهو كريم، متسامح، متفهم، محترم، صبور، مخلص. وكما يصف الشعراء “عيون تلمع، وأذرع تلتف، وكلمات تدفئ”.
لا سعادة بدون صداقة
نحن ندرك بشكل عفوي مدى القوة المشرقة والاحتفالية التي يمنحها لنا وجود صديق. وكيف يمكن لهذه الشراكة أن تبرز أفضل ما في أنفسنا، وتبدد الظلال التي تقلقنا. لقد علمنا أبيقور أنه لا سعادة بدون صداقة، لدرجة أنه اعتبرها إحدى ركائز مجتمعه الفلسفي. تنشأ أهمية الصداقة من التعاطف التلقائي، وتتأسس على الإعجاب والانسجام المتبادل. وتبقى ملتصقة بنا كرائحة الرضا الناعمة التي تتخلل كل شيء.
الصداقة شعور شفاف ومباشر، صحوة للروح، شكل من أشكال المودة العليا. وعلى الرغم من أنها تبدو لنا مجانية إلا إنها ليست كذلك، فهي مثل النباتات يمكنها أن تزهر من تلقاء نفسها ولكن عليك الاعتناء بها بعد ذلك. الصداقة استثناء للجمال الهش الذي يرتفع ضد عالم يتآمر عليه منذ البداية. تخبرنا الحكمة القديمة أن نتأكد من أننا لا ندع العشب ينمو في طريق صديقنا.
الأصدقاء القدامى
الحياة معقدة وصعبة، وتوريطنا في متطلباتها. الأحداث تبعدنا وتمتصنا، والأيام تمر بسرعة. كم عدد الأصدقاء الذين نتركهم على طول الطريق لأننا لم نهتم بهم بما فيه الكفاية، أو لأن تغير الظروف غيرنا وانتهى الأمر بهذه الصداقات إلى التلاشي. إن أصعب ما في الصداقة ليس أساسها، حتى لو كانت استثنائية؛ بل أصعب ما فيها هو عمل البستاني الصبور والمخلص والمثابر والدقيق الذي يعتني بها.
إذا كانت الصداقة بشكل عام تستحق منا الاهتمام، فإن الصداقة القديمة التي تمكنا من الحفاظ عليها ضد الزمن تستحق أكثر من ذلك بكثير. الأصدقاء القدامى هم نصب تذكارية قوية وعظيمة، حتى لو غطتها الطحالب وتآكلها المطر، أو حتى جرحتها ضربات الخلاف، أو شققتها الصدمات. تأتي إلينا هذه الصداقات كبقايا من السعادة القديمة، كرمز للعواصف والمعارك القديمة كي تضيء حزننا. الأصدقاء القدامى هم شهود وشركاء في مغامرة الفرح والبهجة التي أشعرتنا أننا على قيد الحياة.
أهمية الصداقة الاجتماعية
تخبرنا الفلسفة أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته. ولهذا السبب نعطي أهمية كبرى لوجود الآخرين في حياتنا. فنحن نسعى دائماً للحفاظ على هؤلاء الأشخاص الذين يدعموننا، ويستمعون إلينا، وينصحوننا ويشاركونا أحزاننا وأفراحنا ونجاحاتنا ومخاوفنا. إن وجود دائرة من الأصدقاء المقربين يثري بيئتنا ويعزز الشعور بالأمان والراحة.
تقلص الشعور بالوحدة والعزلة
تكمن أهمية الصداقة الجيدة في جعلنا نتجنب العزلة والوحدة. وهما موقفان اجتماعيان يؤثران على الصحة النفسية والعقلية والعاطفية والجسدية للإنسان. ولكن ينبغي أن تكون هذه العلاقات على قدر عالِ من الجودة، نظراً لأن بإمكاننا الشعور بالوحدة حتى في صحبة العديد من الأشخاص. توفر الصداقات السطحية في بعض الأحيان دعماً مؤقتاً لنا ضد العزلة، كما هو الحال مع زملاء الدراسة أو في صالة الألعاب الرياضية، ولكن الأمر يتطلب شخصاً يمكنك الوثوق به لدرء الوحدة. يساعدنا الحفاظ على الصداقات في الشعور بالانتماء والاهتمام بالآخرين، بينما تقدم لنا الصداقة الجيدة التعاطف والدعم العاطفي مما يجعلنا أقوى ويعزز من شعورنا بالأمان الشخصي.
أهمية الصداقة في تعزيز الشعور بالأمن
يخبرنا التاريخ عن أهمية الصداقة. فمنذ قديم الزمان كان يعيش الناس في مجتمعات. هذا الأمر ساهم في بقاء الإنسان على قيد الحياة، كما كان السبيل الأول للحماية من المفترسات. ومن هنا فإن كونك عضو في مجتمع ما هو جزء من جيناتنا وطبيعتنا البشرية. ولا يأت إشباع هذه الحاجة، إلا من خلال العلاقات الاجتماعية مع الزملاء والعائلة، أو العلاقات الرومانسية أو شبكة الأصدقاء، ومن هذا المنطلق يشعر الناس بالأمن والأمان.
تقوية التواصل الجيد
إن التواصل هو مفتاح الحفاظ على علاقات صحية. عندما يهتم الناس بالآخرين، فإنهم يكرسون الوقت والجهد لتقوية روابط علاقاتهم الوثيقة؛ من خلال تبادل احتياجاتهم ومصالحهم. يقوي التواصل العلاقات الشخصية ويضاعف التجارب الممتعة، فضلاً عن قدرتنا على التحدث والاستماع. لهذا وأكثر، من الضروري أن يكون لديك أصدقاء.
فوائد الصداقة للصحة العقلية والجسدية
العلاقات الودية الجيدة التي يسودها الاحترام والتقدير، لها آثار إيجابية على صحتنا. تكشف بعض الأبحاث أن العلاقات التعيسة أو العلاقات السامة لها تأثير سلبي على حالتنا الجسدية، ومن هذا المنطلق نستعرض فيما يلي بعض فوائد الصداقة للصحة العقلية والجسدية للإنسان.
الحد من التوتر والقلق
إن من أهم فوائد الصداقة تقليل التوتر والقلق، حيث ثبت أن وجود شخص قريب منك تثق فيه وتشاركه بعض الأعباء يمكن أن يساعدك في التغلب على المخاوف وإيجاد حلول أسهل للمشاكل. هذا الأمر يتعلق بكل تأكيد حول العلاقات الصحية التي توفر دعماً غير مشروط، مما يسمح لنا بتخفيف التوتر الذي نعاني منه جميعاً في مرحلة ما. فمن المتعارف عليه أن تراكم التوتر والقلق يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب الذي يؤدي بدوره إلى حدوث أعراض مرضية مثل الأرق ومشاكل الجهاز الهضمي والقلب؛ ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم وما إلى ذلك.
التشجيع على السلوكيات الصحية
تشجعنا الصداقات الجيدة على التحسين والقيام بالأنشطة التي تعمل على تحسين صحتنا أو الحفاظ عليها، على سبيل المثال، الذهاب في نزهة على الأقدام أو ممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي أو زيارة الطبيب في حالة وجود أي إزعاج غير عادي. إن الأصدقاء الحقيقيين يهتمون بنا. وهذا النوع من الدعم ضروري في حياتنا من أجل حياة مثالية، فبعض الناس الذين لديهم شبكة أو دائرة من الأصدقاء يحافظون على عادات الأكل الصحية ويحفزونها كما يحافظون على الأنشطة الترفيهية التي تقوم بها مجموعات من الأصدقاء.
التعافي السريع من الأمراض
هناك دراسات تربط بين التعافي والدعم العاطفي، وقد لوحظ من خلالها أن المرضى الذين لديهم علاقات اجتماعية وعائلية يقظة يحققون شفاء أسرع وأكثر فاعلية، كما أنه يزيد من فرص النجاة من احتشاء عضلة قلب الإنسان وأمراض أخرى. وبالمثل، فإن العلاقات الصحية لها تأثير على تجربة الألم. حيث وجدت الدراسات انخفاضاً في الألم عندما ينظر الشخص إلى صورة شريكه، ولكن ليس مع أشخاص عشوائيين. إن الشعور بالنشوة والرفاهية بسبب تنشيط أنظمة المكافأة في الدماغ وإنتاج بعض الهرمونات، يؤدي إلى تسكين غير دوائي ويساعد على إدارة الألم بشكل أفضل.
الحياة لفترة أطول
صحيح أن الأبحاث تكشف أن هؤلاء الأشخاص الذين تربطهم صلات اجتماعية قوية من المرجح أن يعيشوا حياة طويلة، مثلما أن العزلة الاجتماعية هي أحد الأسباب الحقيقية للوفاة. يؤكد عالم النفس التجريبي هولت لونستاد أن الافتقار إلى العلاقات الاجتماعية يعادل تدخين 15 سيجارة في اليوم، أي أن قلة الصداقة ضارة مثل التدخين أو تعاطي المخدرات الأخرى. وبينما لم يتم بعد شرح الآليات الفعلية التي تؤثر من خلالها الصداقات على طول العمر، فإن الحقيقة هي أن العزلة الاجتماعية أكثر خطورة من السمنة وقلة ممارسة الرياضة على صحتنا.
أهمية الصداقة العاطفية
يُعرف الأصدقاء الحق في أوقات الألم مثلما يُعرفون في أوقات الفرح. ففي الأوقات الحزينة التي تمر بنا يعرفون جيداً ما يجب عليهم فعله لإلهائك عندما تشعر بالحزن أو الإرهاق أو الانزعاج. هذا الدعم العاطفي هو أحد أهم فوائد الصداقة والعلاقات. ومن هنا نستعرض بعضاً من فوائد الصداقة العاطفية والتحفيزية.
الشعور بالتقدير والاحترام
يمكن أن يساعدك قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يقدرونك على أن تكون أكثر إيجابية وتحسين سلوكك وموقفك تجاه الحياة. فإذا أظهر الأشخاص المقربون منك عاطفة حقيقية وتقديراً لبعض صفاتك تنشط هرمونات السعادة في جسدك. إنها بمثابة حقنة تنشيطية ومحفزة لما تمثله الصداقة بالنسبة لك.
تحسين احترام الذات
بفضل العلاقات الصحية وليست العلاقات السامة يمكننا أن نؤمن بأنفسنا وإمكاناتنا. فعندما يرى الأشخاص الذين نهتم بهم والذين نقدر آرائهم صفاتنا ويثقون في نجاحنا، فمن المرجح أن نثق بقدراتنا أيضاً.
أهمية الصداقة في التطور الشخصي
إن وجود أشخاص حولنا نثق بهم، ونشاركهم خبراتنا وتجاربنا في الأوقات الصعبة هو أهم العناصر التي تساهم في تطورنا الشخصي. فالمساعدة العملية ضرورية في أي صداقة، سواء كنت بحاجة إلى مساعدة في نقل قطعة أثاث أو إصلاح صنبور أو اختيار سيارة أو ممارسة رياضة أو مناقشة خططك. يمكن أن يعزز هذا التشجيع ثقتك بنفسك، ويزيد من فرصك في النجاح في تحقيق أهداف الحياة.
أهمية الصداقة في الدعم العملي
تمتلىء الحياة دائماً بالصعوبات والعقبات، وتضعنا في مواجهة أحداث مؤلمة أو صعبة تؤثر على حالتنا العاطفي. على سبيل المثال، مشكلات الحياة، مثل الانفصال الزوجي، أو وفاة أحد الأحباء، أو المرض أو حادثة، أو البطالة، وما إلى ذلك. لكن الصداقات القوية يمكن أن تساعدنا في التعامل بسهولة أكبر مع مثل هذه الظروف. حيث تؤدي الصداقة إلى المرونة، أو القدرة على التعافي بعد التجارب المؤلمة.
أهمية الصداقة في تعزيز فرص النجاح
عندما نشعر بالرضا عن ذواتنا نصبح أشخاصاً أكثر إنتاجية. ووجود علاقات صحية لا يجعلنا أكثر صحة وقدرة فحسب، بل يزيد أيضاً من تعاوننا وفرصنا في النجاح. كذلك ينعكس التأثير الإيجابي للعلاقات الصحية أيضاً في الإبداع، حيث يشعر الناس بأمان أكبر لمشاركة الأفكار والابتكارات الجديدة عندما يتلقون الدعم الاجتماعي. إن وجود أشخاص يشجعونك ويساعدونك في التغلب على المحن؛ يسمح لك بالمضي قدماً ومتابعة الأهداف؟
قال ميشيل دي مونتين أن “آخر درجات الكمال في العلاقات التي تربط البشر يكمن في الصداقة”. فالصداقة هي ابتسامة ثابتة، يد مفتوحة دائماً، نظرة تفهم، دعم أكيد، وفاء لا ينضب. إنها العطاء والكرم والأصالة، الصداقة الحقيقية كنز يستحق البحث عنه، وبمجرد العثور عليه، يجب الاحتفاظ به مدى الحياة.
المراجع
1. Author: Christos Pezirkianidis, Evangelia Galanaki, Georgia Raftopoulou, Despina Moraitou, and Anastassios Stalikas, (01/24/2023), Adult friendship and wellbeing: A systematic review with practical implications, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 05/01/2024. |
2. Author: Peiqi Lu, Jeewon Oh, Katelin E. Leahy, and William J. Chopik, (01/18/2021), Friendship Importance Around the World: Links to Cultural Factors, Health, and Well-Being, www.frontiersin.org, Retrieved: 05/01/2024. |
3. Author: Austen R. Anderson and Blaine J. Fowers, (07/10/2019), An exploratory study of friendship characteristics and their relations with hedonic and eudaimonic well-being, www.journals.sagepub.com, Retrieved: 05/01/2024. |