تجارب الاقتراب من الموت: الجانب المظلم من الروح

You are currently viewing تجارب الاقتراب من الموت: الجانب المظلم من الروح
قصص تجارب الاقتراب من الموت وتفسيرها علمياً

تجارب الإقتراب من الموت من أغرب الظواهر التي خاضها البعض، سواء كان ذلك الشعور بالروح تطفو فوق الجسد أو الضوء الساطع في نهاية النفق أو رؤية كائنات نورانية وغير ذلك. ولكن ماذا يكمن وراء هذه التجارب؟ هل هي مجرد هلاوس يصنعها الدماغ في لحظاته الأخيرة؟ أم إنها أكثر من ذلك بكثير؟ يحكي العديد من الناس قصص تجارب الاقتراب من الموت التي عاشوها بالفعل، ويعتقدون أنها مؤشراً على وجود الروح والحياة الآخرة بعد الموت، ويرى آخرون أنها مجرد وهم. تكمن المشكلة في أنه لا يوجد بيانات علمية مؤكدة عن هذه الظاهرة على الرغم من كل إمكانيات العلم الحديث، لكن مع ذلك هناك بعض الرؤى المثيرة بالفعل.

ما هي تجربة الاقتراب من الموت؟

تجارب الاقتراب من الموت هي تجارب اختبرها أكثر من 10% من مرضى السكتة القلبية في جميع أنحاء العالم. تقوم هذه التجربة على مغادرة العقل أو الوعي البشري أو الروح – على اختلاف المسميات – للجسد الميت. إلا أن هذه التجربة لا تستغرق سوى دقائق معدودة حتى يتم إنعاش القلب فيعود المريض إلى الحياة مجدداً.

هذه التجارب ليست ظاهرة حديثة، فعلى مدى قرون أبلغ الأشخاص الذين خاضوا تجربة الاقتراب من الموت عن مشاعر مكثفة، تختلف عن بعضها باختلاف كل ثقافة من ثقافات العالم. تقول عالمة الأعصاب جيمو يورجيجين الباحث في جامعة ميشيغان:

إن تجارب الاقتراب من الموت معروفة في جميع الثقافات حول العالم، وعادةً ما تُوصف بأنها أكثر واقعية، بغض النظر عما إذا كانت حقيقية أم لا.

لم يقتصر الأمر على التجارب التي خاضها البشر في العصور الحديثة، بل هناك بعض التجارب التي يعود تاريخها إلى العصور القديمة. يحكي الفيلسوف اليوناني أفلاطون عن جندي استيقظ بعد موته المفترض في ساحة المعركة ووصف مثل هذه التجربة. وفي الأساطير المصرية والعديد من الديانات الأخرى هناك أيضاً أوصافاً لرحلات الروح ومغادرة الجسد لها جوانب مماثلة.

ولا تزال تشكل تجارب الاقتراب من الموت لغزاً كبيراً للعلم. ويراها كل من اختبرها تجربة روحية عميقة، وأنها الدليل الأمثل على خلود الروح حتى بعد فناء الجسد. لكن من ناحية أخرى يبحث العلماء عن تفسير علمي وعقلاني لهذه الظاهرة، سواء في علم النفس أو علم الأعصاب أو الطب[1].

ماذا رأى العائدون من الموت؟

ماذا رأى العائدون من الموت؟
صورة توضح انفصال الروح عن الجسد

تتبع معظم تجارب الاقتراب من الموت نفس النمط العام تقريباً. حيث يشير الكثير ممن تعرضوا لهذه التجربة أنها ليست شبيهة بالحلم بأي حال من الأحوال. بل شعروا بأنها واقعية بصورة لا يمكن تخيلها. كما أفادوا أنهم تركوا أجسادهم التي دمرها الألم ودخلوا إلى عالم خالٍ من الألم والمعاناة. كما شعروا بحرية كبيرة تناسب من حولهم بعد أن تخطوا حواجز الزمان والمكان[2].

يبدو أن وقوع حادث خطير أو شبه مميت أو محاولة انتحار أو نقص الأكسجين عند الغرق يمكن أن تسبب مثل هذه التجارب. لقد اختبر المستكشف الإنجليزي فرانسيس بوفورت هذه التجربة عام 1791 عندما كان على وشك الغرق، ويذكر أنه شعر بالسلام والفرح التام في لحظة الموت، ويبدو أن أحداث حياته الماضية تمر أمام عينيه في صورة بانورامية.

تظهر هذه المشاعر التي شعر بها بوفورت في العديد من روايات الذين خاضوا تجارب الاقتراب من الموت. فالفرح والسعادة الشديدة والشعور بالانسجام الشامل والتواصل مع بعض الكائنات مثل الملائكة أو الأنبياء أو أرواح الموتى جزءً من هذه التجارب. كما يعد النفق المظلم الذي يظهر في نهايته ضوءً ساطعاً من الأمور الشائعة في مثل هذه التجارب. حيث يروي البعض أنهم يتعين عليهم عبور عتبة أو حاجز في طريقهم إلى هذا الضوء، ويشعرون أنهم إذا ما وصلوا إلى النور سيغادرون عالم الأحياء أخيراً.

هناك عنصر أخر يتكرر في تجارب الاقتراب من الموت هو الشعور بطفو الروح فوق الجسد. يشير البعض إلى أنهم شعروا بأن أرواحهم منفصلة عن أجسادهم وتطفو فوقها. يقول الجراح الإسكتلندي ألكسندر أوغستون الذي كاد أن يموت بسبب نوبة حمى التيفوس في عام 1900:

بدا العقل والجسد شيئان مختلفان ومنفصلين بطريقة معينة. كنت واعياً بجسدي ككتلة خاملة ومنهارة على الأرض، لقد شعرت بروحي وهي تغادر الجسد مراراً وتكراراً.

مقياس تجربة الاقتراب من الموت

تجارب علمية
نفق في نهايته ضوء من أهم الظواهر التي شاهدها من خاضوا تجربة الاقتراب من الموت

حاول العديد من علماء النفس والطب النفسي التحقيق في هذه التجارب وتقييمها بشكل أفضل. وقام الطبيب النفسي وطبيب الأعصاب الأمريكي بروس جريسون بتطوير استبيان في الثمانينيات لا يزال يستخدم حتى اليوم. يطرح مقياس جريسون[3] أسئلة حول 16 عنصراً نموذجياً لهذه التجارب، ويخصص قيماً من 0 إلى 2 لكل عنصر، اعتماداً على مدى خطورتها وكثافتها. ومع الحصول على درجة سبعة أو أكثر، يفترض الباحثون وجود تجربة الاقتراب من الموت؛ وقد سجل المشاركون في المتوسط 15 نقطة. هذه العناصر هي:

  1. هل يمر الوقت بسرعة أم ببطء؟
  2. هل تمر عمليات الفكر بسرعة أم ببطء؟
  3. هل هناك مشاهد من الماضي؟
  4. هل تشعر بلحظات من التنوير المفاجئة؟
  5. هل يوجد شور بالسلام النفسي؟
  6. هل يوجد شعور بالفرح والسعادة؟
  7. هل هناك شعور بالانسجام مع الكون؟
  8. هل ترى ضوء ساطع؟
  9. هل تشعر بحيوية الحواس؟
  10. هل تعي بالأشياء الأخرى في المحيط؟
  11. هل تشعر بالانفصال عن الجسد؟
  12. هل ترى عالم مختلف؟
  13. هل تسمع أصواتاً لا تستطع تحديدها؟
  14. هل ترى كائنات أرواح الموتى أو أياً من الكائنات الأخرى؟
  15. هل ترى حدود معينة عليك اجتيازها؟
  16. هل ترى مشاهد من المستقبل؟

ما مدى صحة هذه التجارب؟

أشرنا في البداية إلى أن البعض يعتقد أن هذه التجارب مفيدة وربما تغير حياة الشخص الذي خاضها إلى الأبد، لكن يرى آخرون أنها ليست أكثر من مجرد هلوسة يسببها الدماغ نفسه. يشير بعض العلماء إلى أن هناك جوانب من تجارب الاقتراب من الموت تذكرنا بالهلوسة مثل تلك التي تحدث أثناء نوبات الصرع أو استخدام أدوية مهلوسة[4]. كان الشاعر الروسي فيودور دوستويفسكي، الذي كان يعاني من الصرع، يشعر في كثير من الأحيان بشعور شديد بالسعادة والانسجام أثناء نوباته – تماماً كما تجلبها تجارب الاقتراب من الموت في كثير من الأحيان. وكتب:

شعرت كما لو أن السماء نزلت إلى الأرض وغطتني.

يمكن أن تحدث ظواهر أخرى لتجارب الاقتراب من الموت أثناء نوبات الصرع – من الأضواء الساطعة إلى مشاعر الطفو وتبدد الشخصية إلى المحادثات مع كائنات شبحية. وتشير إحدى الدراسات إلى إبلاغ 17 من 180 مريضاً بالصرع أنهم تعرضوا لذكريات الماضي أثناء نوباتهم.

نقص الأكسجين في الدماغ

أوهام وهلاوس من صنع الدماغ
الدماغ البشري

يمكن أن يسبب نقص الأكسجين في الدماغ مثل هذه التجارب أيضاً. حيث تم إثبات ذلك من خلال تقارير الطيارين الذين عانوا من غشاوة قصيرة المدى في الوعي أثناء بعض مناورات الطيران بسبب القوى جي أو قوة التسارع. رأى البعض أنفسهم يطفون خارج أجسادهم أو حتى خارج قمرة القيادة، والبعض الآخر رأى الضوء في نهاية النفق أو شعر بنشوة قوية.

أفاد طبيب الأعصاب أولاف بلانك من مدرسة لوزان الاتحادية للعلوم التطبيقية أن هناك بعض حالات الاقتراب من الموت قد مر بها المرضى بعد تخديرهم. أحد هذه الحالات التي ذكرها هي حالة صبي في الثانية عشر من عمره، فبعد أن استيقظ قال:

شعرت فجأة باليقظة، وأحسست وكأنني أغادر جسدي. كنت أرى من الأعلى كيف كان جسدي ملقى على طاولة العمليات، محاطاً بالعديد من الأطباء. شعرت وكأنني شبح. ثم رأيت أمامي نفقاً مظلماً في آخره نوراً ساطعاً.

يعزو بلانك وفريقه هذه التجارب إلى أدوية التخدير، مثل البروبوفول، والتي يمكن أن تؤدي في بعض الحالات إلى نشاط يشبه التشنج في بعض مناطق الدماغ. وترتبط بعض هذه التجارب بمناطق معينة من الدماغ، على سبيل المثال، إذا تم تحفيز الحصين، المسؤول عن الذكريات، باستخدام أقطاب كهربائية، فإن هذا يمكن أن ينتج “مراجعة ذكريات الحياة” النموذجية مع مشاعر قوية أيضاً. فتحفيز الفص الصدغي الأيمن يمكن أن يؤدي إلى تجارب الخروج من الجسم، في حين أن تحفيز الفص الصدغي الأيسر يمكن أن يؤدي إلى الشعور بوجود كائنات روحية أو الالتقاء بها[5].

لكن هل يمكن أن تكون تجارب الاقتراب من الموت أكثر من مجرد هلوسة أخيرة للدماغ المحتضر؟ هناك العديد من الحالات المحيرة التي ليس من السهل شرحها. دعونا نرى.

هناك بعض تجارب الاقتراب من الموت التي حيرت حتى العلماء، لأنه في هذه الحالات، يعاني البعض من أشياء لا يمكن تفسيرها بسهولة من خلال العمليات العصبية. وينطبق هذا بشكل خاص على تجارب الخروج من الجسد أو الشعور بالخروج من جسدك والطفو في الفضاء.

حذاء ماريا

قصص الاقتراب من الموت
صورة رمزية لسفر الوعي بعيداً عن الجسد

إحدى هذه الحالات هي حالة ماريا، وهي مريضة أصيبت بسكتة قلبية في أحد مستشفيات سياتل عام 1977. وبينما كان الأطباء يحاولون إنعاشها، شعرت بانفصال روحها عن جسدها، ثم طفت في الهواء وخرجت عبر النافذة. رأت ماريا في رحلتها مبنى المستشفى من الخارج ولاحظت وجود حذاء تنس واحد على حافة النافذة في الطابق الثالث، وقد أبلغت الممرضة المسؤولة عنها بذلك عندما استيقظت.

عندما ذهبت الممرضة إلى هذه النافذة، كان هناك بالفعل حذاء. لم يبدو الأمر كما وصفته ماريا فحسب، بل لم يكن مرئياً أيضاً من غرفتها. ومع ذلك، لا يمكن التحقق من القصة، فالدليل الوحيد عليها هو تصريح الممرضة التي تؤمن إيماناً راسخاً بتجارب الاقتراب من الموت، وهي ضيف منتظم في المناسبات المتعلقة بتجارب الاقتراب من الموت.

اختبار للأرواح الطافية

تشكل تجارب الاقتراب من الموت مهمة صعبة للعلم. فكيف يمكن للباحثين التحقق من التقارير الذاتية للغاية؟ لكن مع ذلك هناك ميزة حاسمة في هذا الموضوع. فأغلب حالات تجربة الاقتراب من الموت تحدث في المستشفيات. حيث يكون المريض محاطاً بالعديد من الآلات التي تستخدم لقياس كل شيء تقريباً، فلماذا لا نستخدم هذا الأمر لتوثيق ما يحدث أثناء تجارب الخروج من الجسد؟

لقد صمم سام بارنيا، الطبيب من جامعة ستوني بروك وزملاؤه هذه التجربة لدراسة تجارب الاقتراب من الموت[6]. تقوم هذه التجربة داخل حوالي 1000 غرفة في أقسام أمراض القلب والعناية المركزة في مستشفيات ولاية نيويورك. حيث تم وضع صور ورسائل على الرفوف بحيث لا يمكن رؤيتها أثناء الوقوف على الأرض. لذا إذا كنت ترغب في رؤيتها فعليك أن تتسلق سلماً لتراها، أو تطفو في الهواء.

يوضح بارنيا فكرته قائلاً:

إذا ذكر العديد من المرضى هذه الصور والرسائل عند وصف تجاربهم القريبة من الموت. فإن العلم سيواجه مشكلة حقيقية.

استمرت دراسة بارنيا لمدة خمس سنوات. وكشفت النتائج عن مشكلة مركزية: وهي أن من الصعب للغاية الحصول على بيانات كافية. فمن بين 2060 مريضاً بالسكتة القلبية، نجا 330 فقط. ومن بين 330 مريضاً أبلغ 55 منهم عن تجارب مختلفة تشبه الموت بعد ذلك. ومع ذلك، تسعة منهم فقط مروا بتجربة الخروج من الجسد. ولكن كانت هناك حالة واحدة لا تزال تثير الدهشة.

يقول بارنيا وزملاؤه:

وصف المريض بدقة الأشخاص والأصوات والأنشطة التي كانت موجودة أثناء توقف قلبه. ولم ير الرجل البالغ من العمر 57 عاماً جثته من الأعلى فحسب، بل وصف أيضاً رجلاً أصلع، وممرضة تتعامل مع جسده. وسمع صوت كمبيوتر يقول: “صدمة للمريض، صدمة للمريض”.

لقد انطلق هذا الإنذار بالفعل عندما أصيب المريض بسكتة قلبية. وكان الرجل الأصلع طبيباً لم يدخل الغرفة إلا عندما توقف القلب، ولم يره المريض من قبل أو بعد ذلك. إن الذكريات التفصيلية في هذه الحالة تطابقت تماماً مع الأحداث الحقيقية.

أكثر من مجرد هلاوس

قصص تجارب الاقتراب من الموت
إنعاش القلب عن طريق الصدمة

تتعارض هذه الحالة مع فكرة أن تجارب الاقتراب من الموت هي مجرد هلوسة. حيث يبدو أن هذا المريض على الأقل شهد الأحداث الحقيقية أثناء إنعاشه بطريقة ما – على الرغم من السكتة القلبية. واستنتج بارنيا وزملاؤه أن تجارب الاقتراب من الموت هذه يجب أن تكون مختلفة بشكل أساسي عن تلك التي يمر بها مرضى الصرع أو أولئك الذين يخضعون للتخدير.

أما الغريب في الأمر أن ذكريات هذا المريض جاءت في الفاصل الزمني الذي توقف فيه قلبه وانقطع أيضاً إمداد الدم إلى دماغه. وذكر الباحثون أن “تجاربه وتصوراته حدثت خلال فترة ثلاث دقائق عندما لم يكن لديه نبضات قلب“. هذا أمر متناقض لأن الدماغ يتوقف عادة عن العمل بعد 20 إلى 30 ثانية فقط من السكتة القلبية.

كيف يمكن تفسير هذا؟

لا ينبغي أن تكون تجارب الاقتراب من الموت موجودة في واقع الأمر، ففي حالة السكتة القلبية، وهي السبب الأكثر شيوعاً لمثل هذه التجارب يتوقف نشاط الدماغ أيضاً بسرعة كبيرة. وتظهر موجات الدماغ في مخطط كهربية الدماغ خط الصفر بعد 20 ثانية فقط من السكتة القلبية. ولكن كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين التجارب المكثفة التي يمر بها العائدون من الموت؟

الدماغ المحتضر.. أرض مجهولة

لا تزال هناك نقاشات ساخنة حول ما إذا كان الدماغ يظل قادراً على توليد مثل هذه الانطباعات الحسية المنظمة مثل تجارب الاقتراب من الموت بعد السكتة القلبية. ويرجع ذلك إلى عدم وجود أي بيانات عصبية تقريباً من هذه المرحلة الانتقالية. يشير أولاف بلانك إلى أن..

الدراسات القليلة حول تجارب الاقتراب من الموت لدى المرضى الذين يعانون من السكتة القلبية أو غيرها من الحالات الطبية المحددة تفتقر إلى البيانات العصبية أو النفسية العصبية أو التصويرية وتخطيط كهربية الدماغ.

يكمن السبب في ذلك إلى أن هذه التجارب العلمية يجب أن تُجرى عندما يكون المريض في خطر الموت، وفي هذه الحالة فإن الأمر الشاغل للأطباء هو إنقاذ حياة المريض. ولا يوجد وقت لإجراء فحوصات عصبية. ومن ناحية أخرى، لا يمكن التنبؤ بحالات الاقتراب من الموت هذه ولا إحداثها عمداً لدى البشر، فأخلاقيات العلم تحظر ذلك.

تجارب الاقتراب من الموت على الفئران

تجارب الاقتراب من الموت
تجربة جيمو بورجيجين على الفئران

لكن الأمور مختلفة مع الفئران، ولهذا السبب اختارت طبيبة الأعصاب جيمو بورجيجين وزملاؤها هذه الحيوانات كمواضيع لدراسة الاقتراب من الموت[7]. حيث قاموا أولاً بزرع أقطاب كهربائية تحت جمجمة الفئران وسجلوا موجات دماغهم أثناء استيقاظهم وتخديرهم لأغراض المقارنة. ثم قاموا بالتسبب في توقف قلب الفئران عن طريق حقنهم بمحلول كلوريد البوتاسيوم، ولاحظوا ما حدث في مخطط كهربية الدماغ. يقول بورجيجين:

هذه هي الدراسة الأولى التي تُجرى على الحيوانات لفحص ما يحدث بالضبط في الدماغ المحتضر.

كشفت هذه التجربة عن شيء مفاجئ، على عكس جميع التوقعات. لم يهدأ نشاط دماغ الحيوانات المحتضرة فحسب، بل اشتعل مرة أخرى. وفي الثلاثين ثانية التي تلت توقف قلوب الفئران عن الخفقان، سجل مخطط كهربية الدماغ زيادة مفاجئة في بعض موجات الدماغ. يشير الباحثون إلى أنهم فوجئوا بمستوى النشاط العالي لموجات الدماغ. حيث كانت بعض إشارات الدماغ أكثر نشاطاً في مرحلة الاقتراب من الموت هذه مقارنةً باليقظة. وقد استمرت موجة النشاط غير المعتادة هذه لمدة تصل إلى 30 ثانية، وعندها فقط هدأت موجات الدماغ أخيراً وتوقفت تماماً. تشير هذه الملاحظات إلى أن دماغ الثدييات لا يزال لديه القدرة على معالجة المعلومات الداخلية حتى أثناء الموت.

تجارب الاقتراب من الموت ليست هلوسة

يمكن أن يحدث هذا الأمر كذلك عند البشر، وكما تُظهر بيانات التجربة فإن هذا الاندفاع من النشاط يختلف بشكل كبير عن حالات فقدان الوعي الأخرى مثل الغيبوبة أو نوبات الصرع أو حتى التخدير، لأن نمط موجة الدماغ القوي والمميز هذا مفقود هنا. ولهذا السبب يرى أطباء الأعصاب أن بياناتهم دليل محتمل على أن تجارب الاقتراب من الموت ممكنة بيولوجياً، وأنها ليست مجرد هلوسة.

في الختام يبدو من الواضح أن تجارب الاقتراب من الموت لا تزال تطرح عدداً من الألغاز، لكن مع ذلك فإن أبحاث الاقتراب من الموت، ودراسة تجارب العائدون من الموت جدير بالاهتمام أيضاً، لأنها لا تتعلق فقط بالموت، بل بالحياة. وربما أفضل شيء في هذه التجارب هو أن الموت لم يعد مخيفاً لهؤلاء الذين تعرضوا لها.

المراجع

[1] Explanation of near-death experiences: a systematic analysis of case reports and qualitative research.

[2] Near-Death Experiences Evidence for Their Reality.

[3] The Near-Death Experience Scale.

[4] This is your brain on death: a comparative analysis of a near-death experience and subsequent 5-Methoxy-DMT experience.

[5] Enhanced Interplay of Neuronal Coherence and Coupling in the Dying Human Brain.

[6] AWARE—Awareness during Resuscitation—A prospective study.

[7] Surge of neurophysiological coupling and connectivity of gamma oscillations in the dying human brain.

This Post Has 10 Comments

  1. غير معروف

    ولله في خلقه شؤون

  2. غير معروف

    ليست هذه الظواهر إن صحّت مما يناله العلم والتجربة، كما معلوم وواضح؛ لأنَّ التجربة مجالها المادة والمحسوسات بالحسّ الظاهري.. والسلام عليكم

    1. وائل الشيمي

      لديك كل الحق في ذلك، ولكن فضول الإنسان لا حدود له، وخاصةً إذا كان الأمر يتعلق بتجربة يمر بها الجميع دون استثناء

  3. عطر البنفسج

    كل هذه التجارب ولم نصل الى نتيجه مقنعه ويبقى شيء مبهم بالنسبه لنا….

    1. وائل الشيمي

      فكرة الموت بأكلمها فكرة مبهمة، فلم يعد أحد من الموت ليخبرنا ماذا رأى هناك

  4. Bimav Bimav

    الإنسان غير صالح لتجرة عليه هكذا تجارب فهو مليء بالتشوهات
    الافضل إجراءها على الفئران

    1. وائل الشيمي

      وهذا ما فعلته بالفعل طبيبة الأعصاب جيمو بورجيجين

  5. Krim Yosf

    هذه اوهام و هلوسات و تهيؤات .. كما لو كنت خائف يصبح عقلك الباطن يتوهم اشباح و جن و خيالات

    1. وائل الشيمي

      ليست كلها أوهام، فهناك العديد من الحالات المحيرة التي يعجز العقل والعلم عن تفسيرها

اترك تعليقاً