العلم والأخلاق: التقدم العلمي لا يطلب الإذن

You are currently viewing العلم والأخلاق: التقدم العلمي لا يطلب الإذن
التجارب غير الأخلاقية على البشر

يسير العلم بخطى ثابتة نحو التقدم دون أي اعتبارات أخلاقية، حدث ذلك في الماضي، ويحدث الآن وسيحدث في المستقبل. فلم تتوقف مسيرة التقدم عن المضي قدماً منذ أن دحرج شخص ما حجراً على تل واكتشف النار. وطالما توجد عقول قادرة على استخدام الأدوات ستستمر التكنولوجيا في التقدم حتى عندما تعارضها العقول الأخرى. لا يهم عدد الأطباء الذين اعترضوا على القطار البخاري وبينوا جميع أضراره الصحية، الأمر الهام أنه أفاد البشرية، ولهذا السبب تم استخدامه، دون النظر لأي اعتبارات أخرى. في السطور التالية نسلط الضوء على علاقة التقدم العلمي والأخلاق من خلال استعراض بعض التجارب العلمية غير الأخلاقية.

إذا ألقينا نظرة متمعنة إلى التاريخ، سنجد أن اللحظات المضيئة فيه والتي تسترعي الانتباه هي بالتحديد تلك التي تنتهك فيها الأخلاقيات للتوصل إلى تقدم ثوري أنقذ الكثير من الأرواح. ورغم اتفاق الجميع على أن هذه الأعمال كانت قاسية وغير أخلاقية إلا أنهم يعترفوا بأهمية حدوث ذلك في الماضي. دعونا نُلقي نظرة على بعض الحالات.

لقاح الجدري

واحدة من أكثر الحالات إثارة للفضول هي تلك التي ارتكبها الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر في عام 1796. عمل غير أخلاقي حتى بالنسبة للأخلاق المتراخية في ذلك الوقت فيما يتعلق بالتجارب الطبية. قام الطبيب بتلقيح الطفل جيمس فيبس بمادة مستخلصة من جسم عمال حلب الأبقار الذين أصيبوا بجدري البقر. حيث كان يعتقد أن الذين أصيبوا من قبل بجدري البقر طوروا مناعة ضد الإصابة بالجدري الذي قضى على أكثر من 10% من السكان في ذلك الوقت. لم يصاب الطفل بالجدري، ومنذ ذلك الحين بدأت قصة اكتشاف أول لقاح في التاريخ.

ما نلاحظه في هذه القصة بعيداً عن علاقة التقدم العلمي والأخلاق هو أن لدينا لقاحات تقي سنوياً الملايين بل المليارات من البشر، لأن طبيباً شاباً استخدم صبياً فقيراً يبلغ من العمر ثماني سنوات كفأر تجارب. ومنذ ما يزيد قليلاً عن قرنين من الزمان، كسر معتوه عقلي جميع القواعد الأخلاقية الحالية والمستقبلية، مخاطراً بحياة طفل لينقذ البشرية جمعاء في هذه العملية.

اقرأ أيضًا: كيف يؤثر النمو السكاني العالمي على مصير البشرية؟

تجربة توسكيجي للزهري

تجربة أخرى من التجارب العلمية غير الأخلاقية على البشر، حدثت في الولايات المتحدة، بين عامي 1932 و1972. حيث قامت إحدى خدمات الصحة العامة بتجنيد 399 أمريكياً أفريقياً فقيراً مصاباً بمرض الزهري لإيجاد علاج لهذا المرض. لم يخبروا الأطباء هؤلاء الفقراء بمرضهم، وبعد العثور على العلاج، لم يعطوه لهؤلاء حتى يتمكنوا من دراسة إمكانية الشفاء من المرض دون علاج. وقد أثارت هذه التجربة الكثير من الجدل وأدت إلى تغييرات في الحماية القانونية للمرضى في الدراسات السريرية.

اقرأ أيضًا: مناهضة النزعة الاستهلاكية: السبيل الوحيد للنجاة

المواد المشعة في الحوامل

تم خداع 829 امرأة حامل للمشاركة في هذه الدراسة التي أجريت خلال الأربعينيات من القرن الماضي مع عواقب وخيمة على كل من الأطفال والأمهات. حيث قدم الباحثون لهم “مشروبات فيتامين” التي من المفترض أنها تحتوي على كميات ضئيلة من الحديد المشع. لقد أرادوا معرفة مدى سرعة عبور النظائر المشعة للمشيمة. وبعد فترة وجيزة من الدراسة، تم تشخيص العديد من النساء بالسرطان، وتوفي ما يصل إلى 7 أطفال بسبب اللوكيميا.

اقرأ أيضًا: العالم الافتراضي الجديد: التكنولوجيا لا يمكن إيقافها

التلاعب بالحمض النووي البشري

تجربة أخرى توضح علاقة التقدم العلمي والأخلاق بطلها عالم الأحياء الصيني “هو جيانكوي”. لم يطلب هذا الطبيب الإذن من أي شخص عندما تلاعب بالحمض النووي البشري في عام 2018. حيث قام بتعديل الحمض النووي لتوأمين، وهو شيء محظور في جميع أنحاء الكوكب. لكن جيانكوي تجاهل تحذيرات المجتمع الدولي وأخلاقيات المهنة الأساسية، وفعل ذلك. أراد أن يفعل ذلك، وكان لديه الأدوات اللازمة. لكن لماذا فعل ذلك الأمر واضح: لأنه يستطيع، حتى ولو كانت هناك قوانين ضده، فهو قادر على فعل ذلك. كانت لديه الوسائل، وربما يمكن لهذا الفعل إنقاذ ملايين الأرواح في المستقبل. الجدير بالذكر أن القضاء الصيني حكم عليه بالسجن لثلاث سنوات مع غرامة ضخمة بتهمة الممارسات الطبية غير المشروعة.

اقرأ أيضًا: المعضلات الأخلاقية في الفلسفة

هناك ما لا يعد ولا يحصى من التجارب العلمية غير الأخلاقية التي تُجرى على البشر، والتاريخ شاهد على ذلك، بما في ذلك حقن البشر بالأمراض القاتلة، والتجارب الإشعاعية، والتعذيب النفسي والجسدي، وغيرها من التجارب. ما نريد قوله إن التقدم العلمي لا يطلب إذن أحد، إنه يسير في طريقه دون أي اعتبار لأخلاقيات. فلا يهم إذا كنت تعارض أطفال الأنابيب. فهناك شخص ما، في مكان ما، سيستخدم تقنيات لفعلها. واليوم هناك الملايين منهم، ولكننا لا نسميهم كذلك بل نطلق عليهم مصطلح “مخصب في المختبر”. فما كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه انحراف، والذي لا يزال يُعاقب عليه اليوم في بعض الدول، هو أمر طبيعي تماماً. وغالباً ما يكون لاستخدام العلوم غير الأخلاقية تأثير عدم القبول في البداية.

سيكون هناك دائماً رجل مجنون لديه الأدوات اللازمة للتقدم في العلوم والتكنولوجيا، أحياناً بطريقة قانونية وأخلاقية، وفي أحيان أخرى بطريقة غير شرعية وغير أخلاقية.

اترك تعليقاً