فن

مراجعة فيلم A Hero: نكسة واضحة بمعايير فرهادي السينمائية

فيلم A Hero هو آخر أعمال المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز على جائزتي أوسكار عن فيلميه A Separation وThe Salesman. وتمتاز أعمال هذا المخرج الرائع بالواقعية والميلودراما؛ كما يطرح في كل فيلم من أفلامه معضلة أخلاقية معينة. في هذا المقال نتناول مراجعة فيلم A Hero بشيء من التفصيل للوقوف على إمكانية تحقيقه لجائزته الثالثة أم لا؟

قصة فيلم A Hero

قبل مراجعة فيلم A Hero لنستعرض نبذة مختصرة عن قصته. تدور أحداث الفيلم حول رحيم سلطاني – أمير الجديدي. وهو شاب تم سجنه قبل ثلاث سنوات لعدم قدرته على سداد قرض حصل عليه من صهره بهرام – محسن طنابنده – لذا تقدم صهره بشكوى ضده مما أودى به إلى السجن؛ وقام بتطليق زوجته. تقوم أخت رحيم برعاية ابنه الصغير الذي يعاني من مشكلة التلعثم في الحديث. تبدأ أحداث حينما حصل رحيم على إجازة من السجن لمدة يومين لعله يستطيع فيهما تسديد دينه للخروج من سجنه.

يتقابل رحيم مع صديقته فرخندة – سحر غولدست – التي يرغب في الزواج بها؛ لتخبره بأنها وجدت حقيبة نسائية تحتوي على 17 قطعة ذهبية في محطة للحافلات. وبالتالي يمكنهما بيع هذه القطع الذهبية من أجل تسديد الدين والحصول على الحرية. لذا يذهب معها رحيم لبيع هذه القطع الذهبية. لكن بعد لحظات تفكير قرر رحيم ألا يبيعها بل ويعيدها إلى صاحبها.

ينطلق إلى البنك المجاور لمحطة الحافلات ويسأل هناك عن أي شخص قد فقد حقيبة. لكن موظفو البنك يخبروه بأن لا أحد سأل عن أشياء مفقودة وساعدوه في كتابة إعلان وقام بوضع العديد من الملصقات في الشارع بحثاً عن صاحب القطع الذهبية وترك رقم هاتف السجن لمن يريد الاستفسار عنه.

امرأة مجهولة

تأتيه مكالمة هاتفية في سجنه من امرأة تطالب بهذا الكنز الصغير. وبعد أن قدمت وصفاً دقيقاً لمحتوى الحقيبة أعطاها رقم هاتف أخته كي تذهب إليها وتحصل على حقيبتها. ومن هنا تنطلق المرأة لتحصل على القطع الذهبية. وفي تلك اللحظة يلفت هذا الأمر انتباه سلطات السجن؛ وكخطوة دعائية للتغطية على انتحار أحد المساجين في هذا السجن تم استدعاء قناة تلفزيونية وطنية لعمل مقابلة مع ذلك الشخص الأمين الذي رد المال إلى أصحابه في أوج احتياجه له.

ينشر خبر رحيم في جميع أنحاء البلدة نظراً لظهوره على شاشات التلفاز مما يجعل جمعية خيرية تقيم له حفل من أجل جمع المال اللازم له لسداد دينه ليحصل على حريته. وقد تمكنت الجمعية بالفعل من خلال التبرعات أن تجمع مبلغاً من المال لكنه لا يكفي لسداد الدين. كما تحاول الجمعية أن تستعطف بهرام الدائن أن يأخذ هذا المبلغ الذي تم جمعه؛ والباقي سيتم تقسيطه على أشهر بعد أن يحصل رحيم على عمل في وكالة حكومية.

احتيال

لكن الأمور تزداد تعقيداً بعد انتشار بعض الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن كل هذه القصة مفتعلة ولا تمت للحقيقة بصلة. لذا تطلب الوكالة من رحيم إثبات صحة قصته من أجل تعيينه، أما الإثبات فهو التحدث مع صاحبة القطع الذهبية. ومنذ تلك اللحظة شرع رحيم يفتش عن هذه المرأة التي اختفت ولم يستطع الوصول إليها. لذا يقرر رحيم أن يأتي بصديقته لتمثل دور هذه المرأة من أجل أن يحصل على الوظيفة. لكن يكشف المسؤول عن تعيينه أن رسالة نصية وصلته تخبره بأن رحيم وجد الحقيبة قبل أسبوع مما يجعله كاذب بشأن عثوره على الحقيبة منذ يومين.

يعتقد رحيم أن دائنه هو المسؤول عن ارسال هذه الرسالة لأنه يغار منه، فيذهب إليه وتحدث مشاجرة بينهما ويتم تصويرها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويبدو رحيم في الفيديو أنه يعتدي على الدائن دون وجه حق. وتعرف الجمعية الخيرية هذا الأمر فتأمر بصرف الأموال التي تم جمعها لرحيم إلى باب أخر وهو تخليص أحد الأشخاص من حكم الإعدام. وذلك حفاظاً على سمعتها. لينتهي الأمر برحيم في السجن مجدداً.

اقرأ أيضًا: سينما إنجمار برجمان: التصورات المظلمة للرغبات البشرية

مراجعة فيلم A Hero

تنويه: في مراجعة فيلم A Hero سنتستعرض فقط بعض المشكلات التي لا تتعلق بالتصوير والإخراج فهذا الأمر لا يمكننا قول شيئاً عنه بالنسبة لهذا المخرج العظيم. 

ماذا يعني أن تكون شخصاً صالحاً؟ هل يعني هذا القيام بأعمال جيدة؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك بكثير؟ وإذا لم تكن أفعالك نابعة من داخلك؛ فهل لها أي وزن على الإطلاق؟ هذه هي أفكار المخرج الإيراني أصغر فرهادي في فيلمه الجديد. فيلم A Hero هو نظرة معقدة لطبيعة الفعل الأخلاقي، وكيف يمكن تغييره بواسطة عوامل خارجة عن سيطرة الفرد. إن حقيبة يد مليئة بالذهب هي قلب قصة فرهادي عن السامري الصالح رحيم سلطاني، وهو سجين مثقل بالديون في إجازة لمدة يومين. عند العثور على الحقيبة، يفكر رحيم في بيعها لسداد ديونه. إلا أنه يتراجع عن ذلك الأمر ويرغب في إعادة المال لأصحابه على الرغم من أن كونك مديناً هو عار كبير في إيران.

هذا العمل الصالح البريء من قبل رحيم يحوله إلى شخص شهير. كما أن العمل الجيد يساعد على تخفيف عقوبة السجن، حيث يدخل ضمن جهود إعادة تأهيله. وهناك جمعية خيرية محلية تفتخر بمساعدة من هم أقل حظاً، وتساهم في تقديم رحيم كمثال يحتذى به. ومع ذلك يقع رحيم نفسه تحت الشبهات ويعمل يائساً لإنقاذ سمعته.

الفعل الأخلاقي

ما أحبه في فرهادي هو الطبقات المتعددة من العناصر الميلودرامية التي تتراكم بصورة رائعة في جميع أفلامه. فجميع أفلامه رغم بساطة فكرتها إلا أنها لا تسير على منوال واحد، بل تتطور وتزداد حدتها حرفياً كل دقيقة. وفي هذا الفيلم يبدو أن فرهادي أكثر اهتماماً باستكشاف كيف يمكن لمحكمة الرأي العام تغيير قيمة الفعل الأخلاقي. وبدون إصدار حكم على رحيم، يجبرنا فرهادي على إعادة النظر في أفكارنا عنه. فعلى الرغم من أنه يبدو رجلاً جيداً طوال الوقت، إلا أن تصوراتنا عنه تتغير عندما تصبح عيوبه أكثر وضوحاً.

يحتوي فيلم A Hero على نفس العنصر الدائم في أعمال فرهادي، أي “الحكم”. فهنا أيضاً، يتم تقديم العديد من الشخصيات في جميع أنحاء القصة، ولكل منها وظيفة مزدوجة ولا يمكن وضعها في سياق التوصيف الكلاسيكي. فشخصيات فرهادي في فيلم A Hero هي بطريقة ما ضحايا الظروف غير المقصودة التي يجدون أنفسهم فيها، وهم الآن يكافحون لإنقاذ أنفسهم من هذه الظروف التي تزيد من تعقيد الموقف في كل مرة. وعلى الرغم من أن الفيلم يحافظ على جميع المعايير المألوفة لأعمال فرهادي ويقدم مفهوم “الحكم” جيداً طوال الفيلم، لكن للأسف هذه المرة، على عكس الماضي، فإن سيناريو فرهادي مصحوب بالعديد من المشكلات مما لا يسمح لعمله بالوصول إلى مرحلة النضج الكامل.

مشكلات السيناريو

أكبر مشكلة يواجهها فيلم A Hero هي أنه يطرح القضية دون النظر إلى التعقيدات السردية التالية. ففي جزء من الفيلم، عندما تذهب صاحبة الحقيبة إلى منزل أخت رحيم، تظهر امرأة يائسة تروي تجارب حياتها الصعبة لمدة عشر دقائق، وفي الحقيقة، يقدمها الفيلم للجمهور بصورة كبيرة؛ من أجل أن تصبح أحد الشخصيات الرئيسية في الأحداث إلا أنه مع استمرار القصة تختفي هذه الشخصية ولا تترك أثراً. هذا القرار مهم بمعنى أنه بوجود المرأة أمام الكاميرا وتصوير شخصيتها، فإن أهم خصائص سينما فرهادي قد تم القضاء عليه تماماً باختفائها، في حين أن هذه الشخصية يتم الاحتفاظ بها عن طريق صورة لها فحسب. ولكن فرهادي في قرار غريب يقدم هذه الشخصية للجمهور بمجموعة من المعلومات المختلفة ثم يزيلها من الفيلم. والسبب مجهول!

شخصيات غير مكتملة

هناك مشكلة أخرى تتعلق بكتابة شخصية رحيم غير المكتملة؛ هذا النقص جعل من هذه الشخصية غبية بصورة كبيرة؛ وخاصة علاقته بدائنه؛ فطوال الفيلم نرى أن بهرام غاضب جداً من رحيم، ولا يبدو أن مشكلة ديونه فقط هي التي تغضبه بهذا الشكل، وربما نشأت هذه المشكلات بالفعل بينهما بسبب انفصال رحيم عن زوجته. لذا يبدو أن زوجته تلعب دوراً هاماً في تكوين الشخصية؛ ولكن لا نعلم عنها شيئاً ولا عن المشكلات التي أدت إلى طلاقهما سوى بعبارة مقتضبة من رحيم يقول فيها: ” أنهما يتشاجران كثيراً”.

نازانين

هناك كذلك عمق الكراهية التي ظهرت من نازانين ابنه بهرام تجاه رحيم والتي لا تتوافق بأي شكل من الأشكال مع الجريمة التي ارتكبها رحيم. إن ما يبدو على نازانين وكلماتها تكشف عن حقيقة مخفية أخرى من الماضي لم يتم ذكرها حتى نهاية الفيلم. بينما حوارها معه يعزز الشك في أن القضية خارج نطاق الديون. لأن رحيم كان سجينًا مالياً منذ البداية، فما هو الأمر الذي استجد لتقول لرحيم مثل هذا الحوار؟

فرخندة

علاقة أخرى تحتاج إلى مزيد من الدفع في السيناريو هي فرخندة ورحيم. حيث تبدأ قصة حب مفاجئة للغاية بدون أي مقدمات. وكل ما استطاع المشاهد أن يعرفه عن فرخندة هي أنها فتاة في السابعة والثلاثين من عمرها قد نأت بنفسها عن حب المراهقات. وكل هذا الإصرار على دعم قرارات رحيم وانتظاره ومساعدته للخروج من أزمته بل والتضحية بحياتها من أجله – كما أشارت بذلك في أحد المشاهد – ليس له سبب أو منطق مقنع. وفي الواقع، لم تكن العلاقة درامية وفعالة كما ينبغي، بحيث يمكن أن تهز قلب الجمهور في المشهد الأخير.

رحيم

تنطبق مشاكل السيناريو أيضاً على الشخصية الرئيسية في القصة. ففي جميع أنحاء الفيلم، يتم تقديم رحيم كشخصية بسيطة تم سجنها بسبب مشاكل اقتصادية. ومع ذلك، عندما يقرر إعادة الأموال، فإنه يستخدم الطريقة الأكثر غرابة وهي إعطاء رقم السجن بدلاً من رقم أخته؛ وقد تمت إثارة هذا الأمر داخل الأحداث إلا أنه لم يتم الإجابة عليه. وربما إذا كان رحيم قد فعل هذا الأمر منذ البداية – أي كتابة رقم أخته – لم تكن الأحداث ستتطور بهذا الشكل، لذا فهو يعد أمراً مفتعلاً من أجل أن يدخل الفيلم في لعبة “الحكم العام” المعقدة.

كذلك يضع رحيم خطيبته في لعبة خطيرة للتخلص من مشاكل السجن والديون والتوظيف بدلاً من اللجوء إلى القانون والعثور على صاحبة القطع الذهبية ليخلق أزمة جديدة لا داعي لها مرة أخرى ويناقش موضوع “الحكم العام”.

مراجعة الأداء في فيلم A Hero

استطاع أمير الجديدي رسم شخصية رحيم البسيطة بشكل جيد وأخذ المشاهد معه. فلقد جاء الأداء دقيق بما تحمله شخصية المدين من عيوب وإخفاقات، لكن يأسه واضح ومفهوم تماماً. كما استطاع محسن طنابنده أيضاً أن يلعب دوراً رائعاً رغم صغره، كذلك لعب الممثلون الداعمون الآخرون في الفيلم أدوارهم بصورة جيدة جعلت الفيلم أكثر واقعية. في الواقع، فالمجموعة بأكملها ممثلة بشكل مثالي وجذابة بالكامل. إنهم جميعاً يقومون بهذا النوع من العمل الذي يجعلك تنسى أنك تشاهد عملاً خيالياً وتبدأ في الشعور كما لو كان فيلماً وثائقياً من واقع الحياة.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم A Serious Man: هل هو مصير أم مجرد صدفة؟

بعد مراجعة فيلم A Hero لابد من الإشارة إلى إنه نكسة واضحة لهذا المخرج بمعاييره السينمائية. فتعقيدات الدراما فيه تتسع بشكل خاطئ. وكلما تعمق الناس في القصة، كلما انكشف النقاب عنها وبدأت ثغرات الحبكة في الظهور. أما العبقرية الحقيقية للفيلم فهي ولائه لواقعية الحياة. وكشف عن بعض الحقائق الصعبة التي يجب على الكثير من الناس مواجهتها عندما يتوقف نجاتهم على الميزان.

رحلة رحيم، على الرغم من أنها ليست نموذجاً رئيسياً، لا تزال تثير التعاطف مع ظروفه. فكم عدد الأشخاص في العالم الذين لن ينتهزوا الفرصة لشراء حريتهم بشيء وجدوه في الشارع؟ إذا لم تتم سرقته ولم يتم التعرف على ضياعه على الفور من قبل أي شخص في المنطقة المجاورة، فمن شأنه أن يجعل الشخص يشعر بأن حظه قد تغير للأفضل. يدرك فرهادي هذه الحقائق المعقدة ويميل إليها بالكامل دون تحيز. إنه يسمح للقصة أن تتكشف ويتيح للجمهور تحديد رأيهم فيما سيحدث.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫3 تعليقات

  1. قراءاة جميلة ولكن اعتقد انك بحاجة لان تعيد مشاهدة الفبلم وستجد ان الثغرات قد مرت جيدا

  2. مراجعة جيدة و لكن ما تعتبره ثغرات هو اختيارات من المخرج، لسنا بحاجة أصلا لمعرفة كل التفاصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!