تحليل فيلم A Serious Man: هل هو مصير أم مجرد صدفة؟

You are currently viewing تحليل فيلم A Serious Man: هل هو مصير أم مجرد صدفة؟
فيلم رجل جاد من إخراج الأخوين كوين

فيلم A Serious Man هو فيلم من نوعية الكوميديا السوداء كتبه وأنتجه وأخرجه جويل وإيثان كوين – الأخوين كوين – وهو فيلم ذكي يطرح قضايا تتعلق بالدين والمعتقد، وعلاقة القدر بالأحداث التي تحدث للإنسان. في هذا المقال نتناول سوياً تحليل فيلم A Serious Man.

قصة فيلم A Serious Man

في المشهد الافتتاحي للفيلم هناك قصة بسيطة وصغيرة حول رجل عادي يتعثر في طريقه بأحد حاخامات اليهود. فيعرض عليه الرجل أن يستضيفه في منزله لتناول بعض الطعام. وخلال انتظار الحاخام في الخارج يدخل الرجل على زوجته ليخبرها بأنه تقابل مع هذا الحاخام الشهير إلا أن زوجته تتعجب من ذلك الأمر وتخبره بأن هذا الحاخام قد مات منذ ثلاث سنوات، وأن ما أحضره زوجها هي روح شريرة. في تلك اللحظة يدخل الحاخام إلى المنزل فيطلب الرجل من زوجته أن تحضر له الطعام إلا أن الحاخام يرفض ذلك. فتقول الزوجة أنها كانت تعلم جيداً أنه لن يتناول الطعام فالأرواح لا تأكل. ثم تغرس في قلبه سكيناً لتتأكد أنها على صواب. وبعد أن تستقر السكين في صدر الحاخام ينهض من مكانه وهو مضرج بدمائه ليرحل من المنزل، وهنا ينظر الزوج لزوجته ليقول لها أن الناس سوف تكتشف جثته في الصباح.

عام 1967

تنتقل أحداث الفيلم إلى عام 1967 وتبدأ قصة أخرى تماماً وهي قصة رجل يهودي يدعى لاري – مايكل ستولبارغ – يعمل مدرساً للفيزياء، وهو متزوج ولديه عائلة مكونة من ابن وابنة بالإضافة إلى أخيه العاطل عن العمل والذي يعيش معه في منزله. يعاني لاري من رتابة الحياة، وهو دائماً يحاول البحث عن معنى لحياته، وفي إحدى الأيام تنقلب حياته رأساً على عقب حينما يعود إلى منزله ليجد زوجته ساري – ساري لينيك – تطلب منه الطلاق كي تتزوج من صديق مشترك بينهما يدعى ساي آبلمان – فريد ميلاميد – كما تتفق مع على خروجه من منزله ليعيش في غرفة بفندق.

في حياته المهنية يكافح لاري ليكون رجلاً جاداً، فهو يبحث عن الوضوح والشفافية والصدق، ومع ذلك ليس هناك أحد يساعده على ذلك، فشقيقه آرثر يعاني من الاكتئاب ويحبس نفسه في الحمام دائماً، وابنه يتعاطى المخدرات، وابنته تسرق المال كي تقوم بإجراء عملية تجميل على أنفها، كل هذا بجانب محاولة طالب لديه أن يقدم له رشوة مقابل أن يحصل على درجة نجاحه في الامتحان.

يتفكر لاري في كل هذه الأمور مجتمعة ويحاول أن يجد إجابة على أسئلته الحائرة الخاصة بالقدر، وبناء على نصيحة صديقة له يقرر الذهاب إلى حاخام ليطلب نصيحته. ذهب لاري إلى الحاخام الأول وكان شاباً صغيراً وقص عليه قصته إلا أنه لم يحصل منه على شيء. ثم انتقل إلى استشارة حاخام أخر لكنه لم يحصل على إجابة كذلك. أما الحاخام الأخير فوجده قد اعتزل العمل الدعوي، ولم يستطع لاري مقابلته. ولم يجد في النهاية من يجيب على أسئلته.

مراجعة فيلم A Serious Man

المشهد الافتتاحي للفيلم ليس سوى حكاية يهودية قديمة كانت منتشرة فيما يعرف الآن ببولندا. بينما اللغة التي يتم التحدث بها في هذا المشهد هي اللغة اليديشية[1]. والقصة تدور حول زوجين يدعوان حاخام إلى منزلهما ومن ثم يقتلاه، وهم على قناعة تامة أنه مات بالفعل على أي حال. ثم تبدأ قصة رجل يهودي في عام 1967 تنقلب حياته رأساً على عقب من خلال سلسلة من الأحداث، مما أدى إلى تشكيكه في إيمانه.

مشهد افتتاحي غير ذي صلة؟ ربما بالمعنى الضيق للكلمة. لكنه بكل تأكيد هو مشهد رمزي غاية في الروعة، وهي الطريقة التي يفتتح بها الأخوان كوين فيلمهم الذي يخالف كل قاعدة، ويمنحنا فيلماً مظلماً وساخراً بمعنى جديد تمام ويتساءل عن كل شيء من الإيمان والمسؤوليات إلى الروابط الأسرية والفناء. وهذه هي الطريقة التي يبدأ بها الأخوان فيلماً وليس لديهما أي نية ليكون جاداً فهما يفعلان أي شيء للسخرية حتى السخرية من اسم الفيلم ذاته.

يرفض الأخوان كوين إرضاء أي شخص. فهما لا يحترمان شيء ولا يشرحان شيء ويتركون المشاهد معلقاً. كما لا يهتمان بأي ثغرات في الحبكة، ولا استنتاجات منطقية، ولا تقنيات صناعة أفلام، ولا قواعد كتابة السيناريو، ولا يوجد تعارض في قصتهم، ولا يوجد أبطال محبوبون، ولا ميزانيات، ولا هدف. إنهما يفعلان ما يحلو لهما، فهما يستمتعان بهذا الأمر، إنها الحرية. حيث يجعلان من السينما تعني شيئاً ما أو لا تعنى فهذا لا يهم. وعلى الرغم من ذلك فلديهما عدد غير قليل من جوائز الأوسكار ليثبتا لمن يشك في مهاراتهما الموضوعية وقدرتهم الرائعة على تطبيق الكوميديا ​​السوداء في أي نوع.

تشريح الفيلم

ولكن بصرف النظر عن التألق والذكاء المذهل الذي يقدمه سيناريو الأخوين، فإن الرجل الجاد الذي أجاد دوره مايكل ستولبارغ هو رجل محاصر وبائس وكذلك مضحك بما فيه الكفاية، ورغم ذلك فهو ليس مكتئباً ولا يشتكي، إنه أكثر حيرة وضياعاً وتشوشاً. فهناك سحابة رمادية ثقيلة تثقل رأسه، ويتحملها من أولها إلى آخرها كشهيد. لا يسعه إلا أن يتساءل “لماذا”؟ … لماذا يحدث له كل هذا؟

فريد ميلاميد بصفته الأرمل واللص الذي يحاول سرقة زوجة لاري يترك أيضاً انطباعاً جيداً، حتى لو كان في الفيلم لفترة قصيرة. فحضوره قوي والكوميديا الخاصة به خفية للغاية ولكنها مذهلة لدرجة أنها تجعله تقريباً الخصم الرئيسي لـمايكل ستولبارغ على الرغم من أنه ليس كذلك. كذلك كان أداء جميع الممثلين بشكل مثالي ويقدمون جميعاً أقوى العروض التي يمكن تخيلها.

أما الحوار والتصوير والمونتاج فبدون أخطاء تقريباً، والموسيقى التصويرية تعبر بصورة تامة عن الجنون المظلم للفيلم. فلا يمكن استحضار الجو المهلوس للفيلم إلا من خلال الموسيقى التي اختارها الأخوان كوين. الآن حقيقة عدم استخدام أي شخص آخر لموسيقى الروك لإخبار قصة حياة أستاذ أكاديمي يهودي هو بالضبط ما يجعل هذا الفيلم أعجوبة وجويل وإيثان كوين أكثر صانعي الأفلام حرية واستقلالية. إنهم يغمرون قصصهم بالغرابة والخوف وعدم الراحة والكوميديا المريرة وموسيقى الروك أند رول، بينما يرفضون التنازل على أي مستوى. وهذه هي الطريقة التي يقدمون بها فيلم A Serious Man أحد أذكى الأفلام على الإطلاق.

الرسالة

بعد تحليل فيلم A Serious Man لابد أن نشير إلى رسالة الفيلم التي تتمثل في تعلم أن تقدر مشاكلك لأن الأمور يمكن أن تسوء دائماً. قد يكون هذا هو الدرس الذي يستخلصه المشاهد من فيلم A Serious Man. خلاف ذلك، عليك أن تدع الكوميديا ​​السوداء للأخوين إيثان وجويل كوين تغوص في أعماقك. ولا تحاول أن تحصل على إجابات من أي نوع. ورغم أن الفيلم في الواقع يثير بالفعل العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها. إلا أن الأمر كذلك في الحياة الواقعية، حيث لا تعرف دائماً ما إذا كنت تخضع للاختبار من قبل سلطة أعلى، أو ما إذا كانت المصادفات المؤسفة تتحد لتشكل كارثة ضخمة. فبمجرد انتهاء إحدى العواصف، تأتي العاصفة التالية، ويتعين على الشخصية الرئيسية لاري تحمل ذلك أيضاً.

تمكن الأخوان كوين من معالجة مفهوم الدين والمعتقد بشكل فعال دون وعظ أو نصائح. قد تبدو نهاية الفيلم محبطة بعض الشيء. لكن الفيلم ملتوي للغاية ومفعم بالأمل في النهاية على الرغم من ذلك. حيث تمكن الأخوان كوين من أن يقدما لنا شيئاً ملهماً، بسيطاً وواضحاً لدرجة أنه غالباً ما يتم تجاهله. وهذه الرسالة مفادها أن الحياة أقصر من أن نعيشها ونحن نبحث عن الأسباب الكامنة وراء كل حدث يحدث. فهناك عشوائية في هذا الكون، ومصادفات خارجة عن سيطرتنا، لذلك دعونا نتوقف عن أن نكون جادين للغاية.

تفسير فيلم A Serious Man

ربما يحمل هذا الفيلم الرائع العديد من الرمزيات التي تشير إلى الدين والمعتقد والعلم والفلسفة. فهناك شخص يعاني في حياته، ويبحث عن وجود الله من أجل أن يجد المعنى. كما يحاول الوصول إلى قناعة تامة لمشكلة وجود الشر في العالم. وهل للإله علاقة بما يحدث للإنسان؟ وماذا عن القدر؟ كل هذه الأسئلة الشائكة يطرحها الفيلم داخل رمزية مذهلة. كما أن الحوار بين الشخصيات المختلفة يمكن أن يوضح شيئاً عن كل تلك الأمور.

فإذا نظرنا بتمعن إلى قول لاري: “الرئيس ليس دائماً على حق، لكنه لا يزال هو الرئيس”. حتى صرخة المساعدة، الموجهة إلى الحاخامات والمرور الغريب عبر تسلسلهم الهرمي، يبدو أنها تمنع الوصول إلى المعرفة، في ضوء الكلام العام السخيف الذي يمثل نصائحهم. فالحاخام الأول الشاب ينصح لاري بأن ينظر إلى أهداف الحياة بنظرة مغايرة، وعليه أن يوسع منظوره. والحاخام الثاني يروي للجميع قصة طبيب أسنان اكتشف يوماً ما نقشاً عبرانياً غامضاً على ظهر الأسنان الأمامية السفلية للمريض “ساعدني!”. ماذا يعني ذلك؟ كيف وصلت هذه العلامات إلى هناك؟ ومن نقشه؟ نجد أن الإجابة هي عبارة حاخامية مقتضبة: “لا نعرف، لا يهم”. ومع الحاخام الثالث والأكثر حكمة لم يستطع لاري التحدث إليه. لذا نجد أنها إشارة واضحة إلى أن باب التنوير للوصول إلى المعرفة مغلق تماماً أمام لاري.

الاحتمالات

لنلقي بنظرة أخرى إلى العلم، لتتضح الصورة أكثر. هنا نجد أن لاري يتحدث عن هايزنبرغ والفيزياء والرياضيات والاحتماليات في الكون. هنا يمكن أن نفهم بصورة أعمق: في البداية كان هناك وعي، الحساء البدائي لمعرفة الذات. فكانت الحاجة ملحة إلى فكرة الخلق والدين. لذا يرسم الفيلم المفاهيم الثقافية والأخلاقية والعادات والطقوس والنظرة العالمية إلى الحياة التي يحددها ميل الإنسان إلى التعالي للوصول إلى المعنى والحقيقة العليا. ولذلك يظل العالم اليهودي المصغر دائماً تعبيراً مجازياً عن البحث الكوني الكبير عن المعنى في فيلم A Serious Man. كذلك يجب على جميع الأديان أن تتصارع مع الثيوديسيا[2] أو نظرية العدالة الإلهية، وحقيقة أنه حتى الصالحين الذين “لم يفعلوا شيئاً” لا يمكن إعفاؤهم من عبء المعاناة.

العلم والدين

بعد كل شيء، حتى العلوم الطبيعية، باعتبارها نظرة شاملة للعالم، لا تعرف تماماً كيف تجيب على الأسئلة المتعلقة بوجودنا، وعن العالم من حولنا. لاري كأستاذ فيزياء متدين يقع في هذه الحيرة بين العلم والدين. فهو يعلم جيداً أن الرياضيات والفيزياء لا يستطيعا العثور على تفسير مطلق لكل شيء، هذا بالإضافة إلى رمزية هايزنبرغ وقط شرودنجر. وهل القط ميت أم لم يمت؟ أكون أو لا أكون؟ على سبيل المثال، نوجه تلسكوبات ضخمة إلى الفضاء على أشياء تبعد عنا بسنوات ضوئية عديدة، على أمل أن نرى بشكل أوضح ونصل إلى أصل الكون وبالتالي الوجود البشري أيضاً. لكننا في الأساس لا نعرف أي شيء، لدينا نظريات فقط. ففي بعض الأحيان لا نعرف حتى كيف سيكون الطقس غداً.

في هذا الصراع بين وجهات النظر العالمية، تلعب مسألة معنى الوجود دوراً في النهاية. فمن الصعب التوفيق بين الحظ والصدفة. وعما إذا كانت أفعالنا موجهة من قبل قوة أعلى، أم لا. فهل هو مصير أم مجرد مصادفة، حادث سيارة متزامن لـ “لاري” و “ساي أبلمان”؟ نحن لا نعلم. ربما لا يهم. فكل شيء في النهاية هو نسبي، ولا أحد يعلم.


في الختام، وبعد تحليل فيلم A Serious Man لابد أن نشير إلى أنه أحد الأفلام التي تستحق المشاهدة، وعلى الرغم من عبثية فكرته إلا أنه واحد من أفضل الأفلام التي صنعها الأخوان كوين.


هوامش

[1] اللغة اليديشية هي لغة يهود أوروبا، وقد انبثقت هذه اللغة من العديد من اللغات الأخرى مثل الآرامية والعبرية والألمانية والإيطالية والفرنسية. بينما يتحدث بهذه اللغة أكثر من مليون ونصف المليون شخص من اليهود الأشكناز. كانت في بدايتها لهجة ألمانية خاصة باليهود إلا أنها توسعت، ومازال يتحدث بها الآن الكثير من الجاليات اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. 

[2] الثيوديسيا هي فرع من فروع الفلسفة يهتم بحل مشكلة الشر والمعاناة في العالم. كما يتناول السؤال الأهم وهو: كيف يسمح الإله الخير بوجود الشر في العالم؟ أما الكلمة نفسها فتنقسم إلى مقطعين هما ثيو وتعني الله، وديسا وتعني حكم. أي أنها تعني مجتمعة حكم الله.

اترك تعليقاً