فن

فيلم Zardoz: خيال علمي فلسفي ربما لم تسمع به من قبل

فيلم Zardoz للمخرج جون بورمان هو  واحد من أفلام الخيال العلمي الفلسفية القديمة الملتوية. يتناول هذا الفيلم مزيجاً من الأفكار الوجودية وقصة الخلق خلال رحلة إلى مجتمع الخالدين. إنه مزيجاً من أفكار مثل نهاية الحضارة، والخلود، والتلاعب الجيني، والذكاء الاصطناعي، والتحكم في الوقت، والقوة النفسية، والسفر عبر الفضاء، وما إلى ذلك. لكن على الرغم من سطحية الخيال العلمي فيه إلا أنه واحد من الأفلام الفلسفية التي تستحق المشاهدة بالفعل.

قصة فيلم Zardoz

تدور أحداث فيلم Zardoz حول جماعة من الهمجيين ( البشر) الذين يعبدون إله يسمى زردوز. يتحدث إليهم هذا الإله عبر صخرة مشكلة على هيئة رأس تدور في الهواء، ودائماً ما يقدم لهم الأسلحة والبنادق من أجل الحرب حتى يتخلصوا من أعدائهم، بالإضافة إلى مساعدتهم على الفناء. كما يمقت بشدة فكرة الانجاب، ويرى أن القضيب هو مجرد لعنة. حيث إنه السبب الرئيسي في ازدياد أعداد البشر.

في لحظة معينة ينتاب قائد الهمج الفضول للدخول في رأس الإله، فيختفي داخل القرابين التي يقدمها الهمج للإله وحينما ترفع إلى داخل الرأس يخرج منها ليجد شخصاً فيرديه قتيلاً. هذا الشخص الذي قتله هو زردوز الإله نفسه.

لحظات قليلة وتبدأ رحلة السفر عبر الزمن أو عبر أبعاد مختلفة ليجد نفسه داخل مكان يسمى الدوامة. هذا المكان يعيش فيه الخالدون. أما الدوامة فهي مكان يمتاز بالحضارة والتكنولوجيا المتطورة. أعضاء الدوامة مجموعة من العلماء الذين توصلوا إلى فكرة الخلود، وقهروا الموت. لكنهم فقدوا القدرة على الاستمتاع بأي شيء في المقابل. لقد تم إقصاء المرض والموت من الحياة اليومية في هذا المجتمع المستقبلي، والأبدية خالدة حقًا. لقد عاشوا مئات السنين. أحد تكلفة هذا الخلود: لم يعد بإمكان الذكور الأبديين تحقيق الانتصاب، وبالتالي لا توجد إمكانية للأطفال؛ من النسل.

كان اختراق زد قائد الهمج للدوامة أمر يثير التساؤل بالنسبة لمجتمع الخالدين. لذا كان لابد من دراسة هذا الكائن المتطور الذي استطاع أن يصل إلى هذا المجتمع، ومن هنا تبدأ رحلة زد داخل مجتمع الخالدين.

أفكار فيلم Zardoz

فيلم Zardoz؛ أفلام خيال علمي فلسفية قديمة
بوستر فيلم Zardoz

على الرغم من أنه أحد أفلام الخيال العلمي القديمة، إلا أن المخرج بورمان وضع الكثير من المفاهيم الثقيلة في فيلم Zardoz، ولكن يبدو من الواضح إنه لم يأخذها على محمل الجد. حيث أن هناك الكثير من السخرية والمؤثرات البصرية السخيفة بالإضافة إلى المواد الإباحية.

المعرفة والخلود

أول هذه الافكار والمفاهيم التي يناقشها بورمان في فيلمه هي التخلص من الإله، وبداية عصر جديد للإنسان. هذا العصر الذي يتمثل في حق تقرير مصيره بنفسه دون الاعتماد على الإلهة. هناك أيضا فكرة سعي الإنسان الدائم إلى تحقيق خلوده على هذه الارض باستخدام العلم. يناقش الفيلم أيضاً فكرة المعرفة الانسانية حيث نجد أنه يمتلئ بعبارات من أمثال ” يجمع كل المعرفة لنفسه” .  وفي النهاية وربما من المفارقة أيضاً أن نجد مزيجاً من تبادل إطلاق النار والقتل الرحيم في الوقت ذاته، وهو أمر مثير للسخرية.

يبدو أن بورمان مفتوناً بالقصص المنفصلة عن الافتراضات الواقعية العادية لمعظم أفلام الخيال العلمي الفلسفية. لكن على الرغم من أن  فيلم Zardoz مليء غني بالمفارقات والسخرية للغاية، إلا أنه يشير ببساطة إلى أن الجنس البشري بعد البحث الطويل عن طريقة أفضل للعيش أدرك أن البحث عن الخلود هو بحث غير مثمر بالمرة. لقد اكتشف الإنسان بالفعل طريقة الحياة التي تناسبه بشكل أفضل، وهي بنية الأسرة التقليدية. أما أي شيء آخر فهو طريق مسدود.

مجتمع الأبدية في فيلم Zardoz

لم يكن مجتمع الأبدية مجتمعاً مثالياً مطلقاً، ورغم أنه مجتمعاً ديمقراطياً ونرى ذلك كثيراً في هذا الفيلم حيث يتم التصويت على كل الأمور تقريباً. إلا أن هذا المجتمع يقدّر استمراره الأبدي على رفاهية المجتمعات الأخرى، أي على البشر الآخرين. حيث أن بقية البشر يسكنون خارج مجال الدوامة في الفقر والبدائية. لقد أبقى الأبديون البشر الوحشيين في فقر وجهل من خلال تزويدهم بإله زائف اسمه زردوز. وهو عبارة عن رأس حجري عائم في الهواء. يأمر هؤلاء الوحشيين بعدم التكاثر، ويخبرهم أن ” القضيب شرير” خشية أن تصبح البيئة غير متوازنة، نظراً لوجود الكثير من الأفواه الوحشية التي يجب إطعامها.

الملل والموت

يرى فيلم Zardoz أن فكرة الخلود تؤدي إلى نتائج عكسية للوجود الإنساني السليم. فالأبديون خالدون، لكنهم فقدوا – في سعيهم الشاق للبقاء – أي إحساس بالعفوية، أو المشاعر أو الإحساس باللحظة. إنهم يشعرون بالملل، والكثير منهم يتوق للموت. فالموت بالنسبة لهم هو التحرر الوحيد الممكن من حياة العقل الأبدي الخالية من المشاعر. في الواقع جعل الشكل الجديد للمجتمع الديمقراطي الحياة راكدة وخاوية.

لقد تم التخلي عن مباهج الجنس والإنجاب في هذه الجماعة المستقبلية. حيث أن بدون أطفال لا يوجد شعور حقيقي بالمستقبل. إنه فقط استمرار الحاضر. بدون أطفال لا يمكن لثقافة أن تكون صحية لأنها لا تستطع تجاوز احتياجاتها الأنانية، وهذا مثال آخر على ركود الأبدية.

النوم والـتأمل

حتى النوم نفسه قد هُزم في المجتمع الأبدي، وحل محله التأمل النشط. ومن المثير للاهتمام أن فيلم Zardoz يعتبر النوم والحلم صفتان أساسيتان للإنسانية السليمة. لقد لاحظت كونسويلا – وهي العالمة التي تقوم بأبحاثها على زد – أنه كان نائماً ثم استيقظ من حلم. إنها حالة ذهنية متغيرة تحرره من كدح الوجود الأبدي، وبدونها تكون الأبدية فارغة بلا تغيير.

أما أبحاث كونسويلا عن النوم فتوصلت فيها إلى أن النوم كان ضرورياً للإنسان عندما تنفصل حياة اليقظة عن اللاوعي. لكن حينما حقق الخلود الوعي التام أصبح النوم من الماضي، وحل مكانه التأمل. كما أن النوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموت، وبما أن مجتمع الأبدية لا يعرفون الموت فبالتالي لا يعرفون النوم.

التحفيز العقلي والانتصاب

إن لكل مجتمع ثقافة فرعية مكرسة للتحفيز الجنسي. خلال مشاهد الفيلم الأكثر جرأة، وحتى الوقاحة، تقوم كونسويلا بدراسة قضيب زيد، وتبحث عن العلاقة بين التحفيز العقلي والانتصاب الجسدي. حيث كانت هناك شاشة عرض كبيرة تعرض عليها صوراً إباحية مثيرة لكي يستجيب لها زد. لكنه لم يشعر بأية إثارة ناحية هذه الصور، وبدلاً من ذلك يحدث له انتصاب في حضور كونسويلا نفسها، وهذه الحقيقة أزعجت الخالدة بشكل كبير. لكن لماذا؟

ترى كونسويلا الجنس على أنه عمل عنيف يحط من قدر النساء، ويمنح الرجال سلطة عليهن. لذا فكانت تنتقده بشدة، ومع ذلك فإن الفعل الجنسي هو بلا شك جزء مما نحن عليه كنوع. إنها العملية التي من خلالها تستمر الحياة وتتطور بفعل الإنجاب.

آدم وحواء

في نهاية الفيلم نجد أغرب ما في الأمر. حيث يحب زد كونسويلا ويتصالحان، ومن ثم يتزوجان بعد أن هدم زد الدوامة، وقتل جميع الخالدين. هنا نرى هذا الثنائي الرجل والمرأة (آدم وحواء)  يشكلان جوهر وحدة عائلية جديدة. وحدة ستنتج ذرية، وفي النهاية يكتبان فصلاً جديداً أفضل في تاريخ البشرية.

السمفونية السابعة لبيتهوفن

ينتهي فيلم الخيال العلمي القديم Zardoz  إلى صورة عائلية بفواصل زمنية تصور الزوجين وابنهما على مر السنين مع تقدمهم في العمر، ويذهب الابن ليجد عائلته ومصيره، ويموت الأبوان أخيراً. لقد أصبح زد وكونسويلا في النظام الطبيعي للحياة عظاماً، ثم غباراً. لذا فإن الرسالة الضمنية هي أن من المفترض أن يحدث هذا للبشر.

تم تسجيل هذه الصورة العائلية الرائعة ذات الفواصل الزمنية على خلفية السمفونية السبعة لبيتهوفن التي كتبت في عام 1802. وقد وصف النقاد هذه السيمفونية بأنها سيمفونية مثالية، كما أنها تعكس شعوراً بالعفوية والتلقائية.

تأمل إذن في اقتران الصورة في الفيلم بالأغنية في النهاية. إن الموسيقى هنا تخدم نفس الغرض. مما يعزز فكرة أن الأمور يجب أن تكون على هذا النحو. هذا هو الهيكل الأسري الذي سينقذ البشرية في المستقبل.

إن اختبار فيلم عظيم لا يتعلق بما إذا كنا نتفق بشكل فردي مع كل حجة فيه؛ ولكن ما إذا كان الفيلم قد نجح في عرض قضيته. أود أن أزعم أن زردوز ينجح على هذا الأساس. إنه رائع، فكاهي بوقاحة، مثير يقدم بمهارة حججه حول الطبيعة البشرية. لذا فهو أحد أفضل الأفلام الفلسفية.

الأداء في فيلم Zardoz

أفلام الخيال العلمي القديمة
zardoz movie

على الرغم من نقد الكثير من المشاهدين لأداء شون كونري في الفيلم أو غيره من الأبطال، ووصفه بأنه أداء ساذج وسخيف، إلا أن شخصيته ليست غبية كما يبدو. لقد استطاع شون كونري بجدارة أن يؤدي دور الشخص البدائي المتطور معرفياً. أما هذه الحفاضة الحمراء التي كان يرتديها طوال الفيلم كانت لغرض ما ألا وهو رمزية للجنس أو بالأخص إظهار القضيب. لكن في نهاية الفيلم كانت الأزياء متناسبة أكثر مع معرفته.

أما أداء الفنان جون ألدرتون فلقد جاء على قدر كبير من الاحترافية. ومن الممكن أن نعتبره أحد أفضل الأداءات التي قدمت في الفيلم. أما شارلوت رامبلينج وسارة كيستلمان فإن أدائهن كان محبوساً في شخصيات تصارع بين الحياة الخالدة والرغبة في الموت. ورغم اختلاف الآراء إلا أن هذا الفيلم قد تم انتاجه عام 1974 لذا فإن هناك بعض القصور في الإخراج والتمثيل نظراً لقلة الامكانات حينها. فلابد للمشاهد ألا يعقد مقارنة بين أحد أفلام الخيال العلمي القديمة التي تم إنتاجها في حقبة الستينيات والسبعينات وبين أفلام خيال علمي تم إنتاجها في وقتنا الحالي، حيث أن هذه المقارنة سوف تكون ظالمة بكل المقاييس. فبدون هذه المقارنة نجده واحد من أفضل أفلام الخيال العلمي الفلسفية.

كلمة النهاية عن فيلم Zardoz

تم إنتاج هذا الفيلم الرائع عام 1974، وهو من بطولة شون كونري، شارلوت رامبلينج، سارة كيستلمان، و جون ألدرتون. أما القصة والإخراج فهما للمخرج الإنجليزي جون بورمان، ويعد فيلم Zardoz هو مثال للفيلم المحير الذي لا يمكن استنتاج أي شيء مهم حوله. فهو إما أن تحبه وإما أن تكرهه هكذا بكل بساطة، وعلى الرغم من فشله في أن يكون عميقاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلا أنه أسطورة خيالية وخرافة لم تأخذ حقها مطلقاً.

هذا الفيلم أحد أفلام الخيال العلمي الفلسفية المتماسكة نوعاً ما، حيث تتمثل تماماً إحدى القيم العظيمة للفيلم في الشعور العميق بالغموض الذي يعمه. إنه خارق للطبيعة، ومخدر، وغامض أكثر من أفلام ديستوبيا ما بعد نهاية العالم الأخرى في عصره. هناك الكثير مما سيعجبك في فيلم Zardoz. نظراً لتتسلل بعض الأفكار الرائعة إلى الفيلم. لكن عليك كذلك أن تجلس عبر أجزاء طويلة من الصور الوامضة التي لا معنى لها مثل قنديل البحر المجهرية، والأشخاص غير المبالين بأي شيء في الوجود، وكبار السن الذين يرتدون ملابس تنكرية، ونفايات بصرية أخرى.

إذا لم تكن قد شاهدته من قبل، فمن المؤكد أن بدايته ستثير اهتمامك. لكن في النهاية يجعلك الفيلم تتساءل العديد من التساؤلات حول الهدف النهائي. بشكل عام  يمتلئ فيلم Zardoz على العديد من المفاجآت. لكنه سرعان ما يفقدها بسبب الكثير من الهراء والسخرية. أعتقد أنني يجب أن أوصي به لمحبي أفلام الخيال العلمي القديمة لأن هناك بعض الجاذبية الكلاسيكية فيه.


أود أن أختم بأنني لا أؤيد أو أدافع عن وجهة نظر معينة هنا؛ إنني فقط أحاول قراءة نص الفيلم، ومحاولة تفسير المعنى المرئي والأفكار التي يتناولها. وفي النهاية لابد للقارئ أن يرى الفيلم ويتوصل إلى استنتاجه الخاص حول ما يعنيه فيلم Zardoz. أما بالنسبة لي فهو أحد أفضل أفلام الخيال العلمي الفلسفية القديمة.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!