مراجعة فيلم Godland: مغامرة وجودية مذهلة

You are currently viewing مراجعة فيلم Godland: مغامرة وجودية مذهلة
تحليل الفيلم الآيسلندي Godland

فيلم Godland عبارة عن رحلة وجودية لكاهن يعاني من المحن الروحية والجسدية ويسقط في هاوية سحيقة كلما تقدم في رحلته. في السطور التالية نتعرف على قصة الفيلم ثم نستعرض مراجعة فيلم Godland بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Godland

  • البلد: الدنمارك | آيسلندا | فرنسا | السويد.
  • اللغة: الدنماركية | الأيسلندية.
  • تاريخ الإصدار: 20 يونيو 2023.
  • المخرج: هيلينور بالماسون.
  • الكاتب: هيلينور بالماسون.
  • وقت العرض: 143 دقيقة.
  • النوع: دراما.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة وعنيفة.
  • فريق التمثيل: إليوت كروسيت هوف | إنجفار سيجوردسون | فيك كارمن سون.
  • التقييم: 7.2.

قصة فيلم Godland

قصة فيلم Godland
مشهد من فيلم Godland

تدور أحداث القصة في نهاية القرن التاسع عشر حول لوكاس وهو كاهن دنماركي شاب أُرسل إلى منطقة معزولة ونائية في آيسلندا – كانت أيسلندا تحت حكم الدنمارك آنذاك – بهدفين: بناء كنيسة وخدمة السكان المحليين. كان بإمكانه أن يصل لوجهته عبر القارب، لكنه اختار القيام برحلة شاقة عبر الطريق البري ليستمتع بالطبيعة الخلابة، ويحاول تسجيل رحلته بالصور الفوتوغرافية. يحذره الأسقف من المخاطر على طول الطريق، ومن الطقس الآيسلندي القاسي.

يخوض لوكاس الرحلة مع الكاهن مرشده راجنار وهو آيسلندي فظ يتحمل كل مشاق الطبيعة والرحلة دون شكوى. ولديه جدول زمني ضيق ومحددة للوصول إلى وجهته، نظراً لصعوبة الطقس هناك. كذلك يلعب مترجم البعثة دوراً حيوياً كوسيط للتواصل بين لوكاس الذي لا يتحدث سوى الدنماركية بينما يتحدث الباقون اللغة الآيسلندية. لكن يشعر الكاهن بالوحدة والعزلة خلال رحلته لعدم قدرته على التواصل باللغة الآيسلندية على الرغم من وجود المترجم.

يواجه الكاهن العديد من المشاق في رحلته. وتُختبر مبادئه الدينية على طول الطريق. وعندما لم يستطع تحمل الطقس البارد، والمشاق التي يتعرض لها، يطلب من الله أن يساعده، ولكن لا يسير الأمر كما يريد. وفي لحظة أليمة يموت المترجم الخاص بالبعثة. وفجأة لم يعد بمقدور الكاهن الذهاب إلى أبعد من ذلك، وبالكاد ينجو من الرحلة، ولكن يصل إلى وجهته بمساعدة راجنار. وهناك يستضيفه ساكن محلي يدعى كارل ويحاول مساعدته على التعافي. كان لدى كارل ابنتان أظهرا مودة تجاه الكاهن، وبدا له أن هناك جانب جميل من آيسلندا لم يكن يعرفه. ومن هنا يبدأ العمل في بناء الكنيسة ومساعدة السكان المحليين. يحتفل مع السكان المحليين بالكنيسة الجديدة، لكن تسيطر عليه أزمة وجودية يرحل على إثرها دون علم أحد، ويختفي أثره.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Tree of Life: ملحمة روحية تعبر الزمان والمكان والذاكرة

مراجعة فيلم Godland

تحليل فيلم Godland
مشهد من فيلم Godland

تهب الرياح، فيتمايل العشب الأخضر يميناً ويساراً. يتسلل شعاع خافت من الضوء عبر السحب ليسحب الستار عن الجبال الخضراء الشامخة. عظام شيء ما أو شخص ما مُلقاة على الأرض وسط اللامكان. إنها بقايا حياة منسية، محرومة من ذكريات تفوق ما يمكن للمرء تخمينه عند الوهلة الأولى. هذه هي آيسلندا المنسية. وعندما نذكر آيسلندا تذهب أذهاننا إلى التفكير في البراكين والشلالات والطبيعة الخلابة والقاسية، لذا فهي المكان المثالي لفيلم يستمد قوته من الجانب البصري.

مزيج من بيرجمان وماليك

هذا هو العمل الثالث للمخرج الأيسلندي هيلينور بالماسون. فيلم طموح يروي قصة أزمة وجودية لكاهن شاب يواجه عالم آخر من منظور مستعمر يفقد كل مرجعياته. عمل يثير لدى المشاهد نفس المزيج من الألم والحيرة التي نراها على وجه البطل. مغامرة إنسانية مجنونة مثيرة للإعجاب لديها نفحات من أعمال تيرينس ماليك وإنجمار بيرجمان.

تشعر أن هناك شيء من رائحة تيرينس ماليك في جماليات في Godland، وهو الاهتمام بالمناظر الطبيعية التي تدخل في جدلية القصة والشخصيات، مما يثير مزيجاً لا ينفصم من العجب والألم. فيلم تتلاقى فيه شعرية ماليك، ولحظات من التوتر الأخلاقي التي تذكرنا بسينما إنجمار بيرجمان.

في فيلم Winter Light لبيرجمان يصعد القس الذي تعذبه الشكوك إلى المنبر ويواجه صفوف من المقاعد الفارغة تقريباً، وبعد ذلك يبدأ في الوعظ. لا يتعين على كاهن بالماسون أن يواجه الصفوف الفارغة، بل يواجه نوعاً آخر من الاغتراب السائد في كل مكان. فلا تقتصر مهمة لوكاس على أن يصبح الزعيم الروحي للمستعمرة التي قررت السلطات الدنماركية بناء كنيسة بها، ولكن تشتمل رحلته ايضاً على توثيق الرحلة بالصور. وقد استخدم بالماسون الصور السبعة التي نجت من هذه الرحلة لسرد أحداث هذا الفيلم، وملء الفجوات بين الصور بمحتوى ملحمي.

لوحة جدارية مثيرة للإعجاب

يرسم المخرج الأيسلندي بالماسون لوحة جدارية رائعة بإتقان وكثافة يبقيانك في حالة تشويق لمدة ساعتين ونصف تقريباً، داخل عالم من المناظر الطبيعية الخلابة والمناخ القاسي لآيسلندا. قصة كاهن دنماركي يواجه الشدائد والمحن طوال ملحمته الشخصية. يبدو البطل مثل سيزيف الذي يسير عكس اتجاه الريح ويكافح رغم كل الصعاب لمواصلة صعوده نحو قمة مطالبه المتطرفة.

تنقسم قصة فيلم Godland إلى جزأين بغض النظر عن المقدمة القصيرة التي تدور أحداثها في الدنمارك. يوثق الجزء الأول العبور القاسي لآيسلندا من خلال الرحلة الاستكشافية التي تتبع الكاهن. بينما يوثق الجزء الثاني الإقامة المضطربة للكاهن في المجتمع الذي يقوده من أجل مهمته في التبشير. يركز الفيلم في الجزء الأول على الأرض غير المضيافة التي يتحرك فيها البطل والتي تبدو وكأنها سجن في الهواء الطلق، والظروف القاسية (المادية والبشرية) للرحلة، مما تؤدي إلى إضعاف مقاومة الكاهن تدريجياً. وقد ساهم في ذلك رفاق رحلته الذين يرفضون جميع المبادئ الدينية التي يستند عليها إيمانه. وفي الجزء الثاني يصف التفاعل القاسي بنفس القدر مع العنصر البشري المتمثل في الأسرة التي تستضيفه، والتي يبدو أنها لا تفهم معنى مهمته والغرض منها.

إن لوحة الألوان الحية المثيرة للإعجاب التي يرسمها بالماسون، والتركيز على التفاصيل الصغيرة والتغيرات الدقيقة أو الأكثر عنفاً في المناظر الطبيعية الوعرة، كل هذه الأشياء تتناقض أولاً مع الغرائز والتناقضات الإنسانية، ثم مع الصور الفوتوغرافية التي يلتقطها الكاهن والتي يتظاهر فيها رفاق رحلته بالسكون التام. بينما تغذي الجثث المتحللة والهياكل العظمية التفكير الفلسفي حول الوجود الزائل والمتواضع للإنسان. ويظهر كذلك هذا الوجود كتفاصيل صغيرة توضح دورة الحياة والموت التي لا مفر منها على سبيل المثال الذبابة التي تهبط على وجه الكاهن أثناء نومه.

الاغتراب

الفكرة الأساسية التي يحملها الفيلم هي الاغتراب. فالكاهن الشاب يحاول التكيف مع البيئة ولكن رحلته القاسية والحنين للوطن والاختلافات اللغوية، كل هذه الأمور تخلق فجوة عظيمة لم يستطع سدها، لذا يعاني من الغربة والاغتراب، وقد عزز ذلك الشكوك التي تنتابه بشأن الإيمان.

يعاني الجميع في قصة فيلم Godland من الإحساس بالغربة، يسأل الرجل العجوز الكاهن: “ماذا عليّ أن أفعل لأكون رجل الله؟”. هذا العجوز الذي لا يزال يحيا في تعايش مع الطبيعة لا يستطيع التغلب على إحساسه بالغربة، وهو ينتظر عبثاً الحصول على إجابة مطمئنة لشكوكه، فالقس نفسه يحمل تلالاً من الشكوك. إن أحد مشاهد الفيلم القوية والمؤثرة هو مشهد اعتراف راجنار بخطيئته، وطلبه في النهاية من القس “صلوا من أجلي”. ولا يستطيع لوكاس على الجانب الآخر القيام بذلك، ولا يمكن تخفيف وحدته حتى من خلال الانجذاب المتبادل الذي حدث مع الابنة الكبرى للمزارع الدنماركي الذي يؤويه، لأنه ينبع من علاقة أعمق من المكان والزمان، علاقته مع الله الذي يتوقع منه الإرشاد والخلاص.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم A Hidden Life: ملحمة وجودية عن الإنسانية والجمال

فيلم Godland بمثابة رحلة وجودية وفلسفية عميقة وضعت في إطار مذهل بخلفية خلابة للمناظر الطبيعية البكر في آيسلندا، تجعلنا نفكر في الوجود البشري الزائل والمتواضع، لذا فهو فيلم لابد من مشاهدته.

اترك تعليقاً