علوم

هل يفيد التحليل النفسي في علاج الوسواس القهري؟

الوسواس القهري أحد الاضطرابات النفسية التي ربما تصيب الكثير، ويتمثل هذا الاضطراب في تكرار الأفكار والأفعال عن غير قصد بطريقة قهرية. هذا على الرغم من علم المريض بأن كل تلك الأشياء التي يقوم بها لا طائل من ورائها، مثل كثرة التنظيف خشية العدوى بالجراثيم، أو القذارة والاشمئزاز من إفرازات الجسم وغيرها. في هذا المقال نستعرض كل ما يخص الوسواس القهري، ما هو؟ وما أعراض الوسواس القهري؟ واختبار الوسواس القهري، وصولاً إلى أسباب الوسواس القهري، وعلاجه.

ما هو الوسواس القهري؟

جميع البشر يمارسون حياتهم الطبيعية من خلال القيام بالعديد من الأنشطة اليومية، على سبيل المثال غسل اليدين أو ترتيب الغرفة أو إغلاق مقابس الكهرباء قبل الخروج من المنزل وغيرها من الأنشطة، إلا أن البعض لديه وساوس بشأن هذه الأمور، تلك الوساوس التي تتمثل في الخوف المرضي من العدوى بالجراثيم فنجد الكثير منا يحاول أن يقوم بالتنظيف مراراً وتكراراً خشية الإصابة. كذلك هناك الذين يحافظون بطورة نمطية على ترتيب معين للأشياء وإذا اختل هذا الترتيب يصيبهم الزعر والخوف، مثل تلك الأمور تعد علامة على الإصابة بالوسواس القهري.

هذه الأفعال القهرية التي يفعلها الشخص يدرك تماماً عدم جدواها ومع ذلك فهو مجبر على فعلها مما تؤدي إلى التأثير على حياته الطبيعية وتضيع الكثير من الوقت، فالمريض بهذا الاضطراب لا ينظر إلى مثل هذه الأفعال والأفكار على أنها ممتعة. تتعلق الإجراءات القهرية في الغالب بالنظافة الشخصية مثل غسيل اليدين المتكرر والمطول دون داع. وكذلك التحقق والفحص المبالغ فيه والمتكرر لأقفال الأبواب، ومقابس الكهرباء، ومفاتيح الصنابير، وما إلى ذلك)، أما بالنسبة للوسواس القهري الخاص باللمس فهو يتمثل في (يجب أو لا يجب لمس الأشياء) أو تجميع وتخزين الأشياء غير المستخدمة. وغالباً ما يتم التعامل مع هذه الأفعال القهرية على أنها وقاية من الأحداث غير المحتملة بشكل موضوعي والتي قد تضر بالمريض أو التي يمكن أن تسبب له الأذى.

اقرأ أيضًا: المرض النفسي: وصمة عار لا تُمحى

أعراض الوسواس القهري

اختبار الوسواس القهري
غسل اليدين بصورة دورية ومتكررة أحد أعراض أو سي دي

في القسم السابق ذكرنا بعض أعراض الوسواس القهري التي يمكن للمرء معرفتها، وقلنا أن هذا الاضطراب يتميز بوجود أفكار وأفعال قهرية يجب على المرء القيام بها. لكن يختلف محتوى الوساوس والأفعال القهرية من شخص لآخر. على سبيل المثال:

  • التنظيف (هل فعلت كل ما بوسعي لحماية نفسي من البكتيريا أو الفيروسات؟ هل يجب أن أفرك يدي بالفرشاة بدلاً من مجرد غسلها؟).
  • الأفكار الممنوعة أو المحرمة (على سبيل المثال، فكرة ممارسة العنف ضد شخص آخر).
  • التسبب في ضرر (مثل هل الموقد مغلق حقاً؟ هل الباب الأمامي مغلق حقاً؟)

بعض الناس لديهم مثل هذه الأعراض، ولا تعد من قبيل اضطراب الوسواس القهري. نظراً لاختلافنا نحن البشر، فإن احتياجاتنا وتفضيلاتنا تختلف في بعض الطقوس الصغيرة، مثل تحضير قهوة الصباح وفقاً لطريقة محددة جداً، أو تغليف الحقيبة بالطريقة نفسها أو تناول العشاء دائماً في نفس الوقت كل يوم. عادةً ما تكون هذه الأمور طبيعية وغير ضارة على الإطلاق، لكن الضرر يأتي للشخص إذا تكررت الأمور بصورة لا يستطع المرء التحكم فيها. ومع عدم فهم البيئة الاجتماعية المحيطة بالشخص المصاب بالوسواس القهري لما يفعله، فهذا الأمر يجعل المصاب يسرع في محاولة إخفاء تلك الأفعال القهرية، مما يسبب له مزيد من الضغط النفسي، وعلى المدى الطويل يؤدي به هذا الأمر إلى العزلة الاجتماعية.

تتداخل العديد من أعراض الاضطرابات النفسية الأخرى مع اضطراب الوسواس القهري، على سبيل المثال:

  • اضطراب تشوه الجسم

هذا الاضطراب يتميز بقلق المريض الشديد حول عيوب في جسده، مما يؤدي به إلى النظر المستمر لهذه العيوب أو محاولة لمسها في أفعال تكرارية قهرية. لذا فإن اضطراب تشوه الجسم من أعراضه كذلك الوسواس القهري.

  • الاكتناز القهري

يعد الاكتناز المرضي أحد أهم أعراض الوسواس القهري. حيث يتمثل هذا الاضطراب في محاولة تخزين الأشياء غير الضرورية ومحاولة تكديس هذه الأشياء وعدم القدرة على اتخاذ قرار بشأنها. مما يؤدي إلى الفوضى في المنزل.

  • هوس قضم الجلد ونتف الشعر

هذا الاضطرابان أحد أعراض الوسواس القهري الأكثر شيوعاً. ففي اضطراب هوس قضم الجلد نجد المريض يحاول بصورة مستمرة أن يقضم أظافره أو عض الجلد حول أصابعه مما يؤدي إلى النزيف. أما في هوس نتف الشعر فنجد أن المريض لديه هوس مرضي بنتف خصل من شعر الرأس أو أي مكان أخر في الجسم، هذا الاضطراب يجعل المريض لديه رغبة متكررة بفعل هذا الأمر ولا يستطع منعها.

  • التفكير القهري

أما التفكير القهري فهو ذلك التفكير المستمر في موضوع ما، وغالباً ما يكون غير واقعي دون الوصول إلى حل على الإطلاق.

اقرأ أيضًا: الفضائل الإنسانية التي يتميز بها البشر

أسباب اضطراب الوسواس القهري

هوس قضم الجلد ونتف الشعر
قضم الأظافر أحد الأعراض الشهيرة

على غرار الأمراض العقلية الأخرى مثل الاضطراب ثنائي القطب، يعد اضطراب الوسواس القهري اضطراباً في الدماغ. على الرغم من عدم معرفة الأسباب الدقيقة لاضطراب الوسواس القهري حتى الآن، إلا أن نتائج البحث تشير إلى وجود تغييرات في أنظمة الدماغ تنظم تنفيذ الخطوات المتكررة. لم يتم بعد فك رموز أسباب اضطراب الوسواس القهري بشكل كامل. ومع ذلك، تفترض البحوث البيولوجية العصبية الحالية أن الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية مسؤولة عن تطور هذا الاضطراب، وإن لم يكن في أجزاء متساوية.

  1. الجينات

    أظهرت نتائج بعض أبحاث الجينات أن وجود عدد كبير من الأسرة المصابين باضطراب الوسواس القهري يؤدي إلى وجود أسباب وراثية، لكن مع ذلك لم يتم التأكد بوضوح أن هذا الاضطراب له علاقة بالوراثة أو الجينات، ولا يعني اضطراب الوسواس القهري داخل الأسرة أن الاضطراب يتجلى أيضاً في النسل. ومع ذلك، فإن الاستعداد الوراثي المقابل يزيد من احتمالية حدوثه.

  2. الدماغ

    تشير العديد من الدراسات البيولوجية العصبية إلى وجود تشوهات هيكلية ووظيفية في مناطق معينة من مخ الإنسان (القشرة الأمامية المدارية).

  3. عوامل أخرى

    تعتبر أحداث الحياة المجهدة، ومشكلات الحياة اليومية بشكل خاص في الطفولة أيضاً عوامل خطر لتطوير اضطراب الوسواس القهري. حتى أن بعض الخبراء يجادلون في بعض الحالات بأن بعض العوامل المعدية أو تفاعل المناعة الذاتية بعد العدوى هي المسؤولة عن تطور هذا الاضطراب، لكن هذا الرأي مثير للجدل.

اقرأ أيضًا: قصة فيروس الإيبولا: ماذا تعرف عنها؟

 علاج الوسواس القهري؟

علاج الوسواس القهري
التنظيف المتكرر أحد أعراض الاضطراب

يشتمل علاج هذا الاضطراب على نوعين أحدهما العلاج السلوكي والآخر هو العلاج الدوائي. قد يكون العلاج السلوكي وحده كافياً للأعراض الخفيفة. أما إذا كانت الأعراض أكثر وضوحاً، فيجب الجمع بين العلاج السلوكي والعلاج الدوائي.

في العلاج الدوائي، تم توثيق فعالية مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات امتصاص السيروتونين بشكل جيد. كما يستفيد بعض المرضى من الإعطاء الإضافي لفئات أخرى من المواد، ولا سيما ما يسمى بمضادات الذهان غير النمطية. وكجزء من العلاج السلوكي، تُستخدم التمارين لتقليل الأفكار والأفعال الوسواسية القهرية، لكن لا يفيد التحليل النفسي في علاج الوسواس القهري.

اقرأ أيضًا: ماذا تفعل في الحجر الصحي؟

كيف يمكن تجنب الانتكاسات؟

اضطراب الوسواس القهري هو في الغالب حالة مزمنة. يرتبط التوقف عن العلاج الدوائي الناجح بخطر كبير للانتكاس. لذلك يتعين على العديد من المرضى تناول أدويتهم على المدى الطويل. هناك أيضًا دليل على أن العلاج السلوكي الناجح يحمي من الانتكاس بعد الإقلاع التدريجي عن الدواء.

اقرأ أيضًا: متلازمة وهم كوتار: حالات غريبة لمرضى يدعون أنهم موتى

اختبار  اضطراب الوسواس القهري

بكل تأكيد فإن إجراء التشخيص الراسخ لهذا الاضطراب يعود إلى طبيب أو أخصائي نفسي متمرس. ومع ذلك، هناك اختبار اضطراب الوسواس القهري، وهو ما يسمى مقياس يل- براون للوسواس القهري، هذا الاختبار عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي يتم الإجابة عليها، ومن ثم معرفة إذا كان لديك الاضطراب من عدمه، وهذه الأسئلة على سبيل المثال:

  • هل تحتاج إلى الكثير من الوقت للغسيل والتنظيف؟
  • ألديك أفكاراً تعذبك ولا يمكنك التخلص منها؟
  • هل تحتاج إلى الكثير من الوقت للأنشطة اليومية؟
  • أأنت حريص بشكل خاص على النظام؟
  • هل تعاني من رغبات لا يمكنك التخلص منها؟

هذه بعض أسئلة اختبار الوسواس القهري. فإذا أجبت بـ “نعم” على أي من هذه الأسئلة، فقد يكون لديك هذا الاضطراب. لكن يرجى ملاحظة أنه لا يوجد اختبار ذاتي يمكن أن يحل محل التشخيص الراسخ من قِبل طبيب متخصص أو أخصائي نفسي متخصص. ولكن يمكن أن يكون هذا الاختبار بمثابة تقييم ذاتي سطحي نسبياً.


المراجع:

1. Author: Jonathan S. Abramowitz, (4/22/2020), Obsessive Compulsive Disorder, www.link.springer.com, Retrieved: 5/4/2021.

2. Author: J.L. Kolada  R.C. Bland  S.C. Newman, (1/12/1994), Obsessive‐Compulsive Disorder, www.onlinelibrary.wiley.com, Retrieved: 5/4/2021.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!