أسلوب حياة

أسباب ضعف التركيز: مشكلة نفسية أم عادات خاطئة؟

رحلة لفهم الأسباب الحقيقية وراء ضعف التركيز

يعاني الكثير من الناس في عصرنا الحالي من صعوبة التركيز سواء في العمل أو الدراسة، إذ يتطلب منا على الدوام القيام بأعمال ومهام معقدة تتطلب مستوى عالِ من التركيز، ويمكن ملاحظة أعراض عدم التركيز في أدائنا ومهامنا اليومية. في السطور التالية نتعرف على أسباب عدم التركيز، ومن ثم نستعرض بعض النصائح الهامة كي نستطيع علاج عدم التركيز.

ماذا يعني التركيز؟

يشير مصطلح التركيز إلى القدرة الذهنية للإنسان التي يستطيع من خلالها تركيز الجهد والانتباه على فعل معين، بطريقة تجعل كل ما يوجد حوله غير واضح وغير مرئي، ما لم يلفت انتباهه تحفيز معين. ويساهم التركيز في تحقيق المهام والأهداف وتنفيذها بنجاح. بينما يساهم الحافز في زيادة أو نقصان هذه القدرة الذهنية. فمن الأسهل كثيراً تركيز الانتباه عندما نرغب في ذلك أو عندما نحب ما نفعله.


المشكلات التي يسببها قلة التركيز

يمكن أن يمثل عدم التركيز مشكلة كبيرة في كثير من المناسبات والحالات. ففي بعض الأوقات لا يمكننا المحافظة على تركيزنا واستثمار مواردنا العقلية في التركيز على شيء ما. على سبيل المثال، نجد أنه على المستوى الدراسي أو العملي تسمح لنا قدرتنا على التركيز بتنفيذ المهام المطلوبة منا أو تسجيل ما يتعين علينا القيام به أو الاحتفاظ به في الذاكرة بشكل صحيح. لكن عدم التركيز يعني أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت لتنفيذ كل إجراء، بل ويمنعنا من تنفيذ هذه المهام في تلك اللحظة، مما يؤدي إلى بنا إلى أداء ضعيف.

أما في الحالات الأكثر تطرفاً، إذا كنا نعاني من ضعف قدرتنا على التركيز لفترة طويلة، فيمكن أن يؤدي بنا هذا الأمر إلى الفشل المدرسي أو النزعات في العمل، وفي الحالات القصوى نتعرض للفصل. وعلى المستوى الشخصي يمكن أن يترجم نقص التركيز إلى عدم الرغبة في العمل. فإذا أردنا أن نفعل شيئاً ما وفقدنا الخيط سرعان ما نشعر بالإحباط وترك هذا العمل لوقت آخر.

كذلك من المشكلات التي يمكن أن يسببها نقص التركيز في تدهور العلاقات الاجتماعية، على سبيل المثال إذا كان أحد أصدقائنا يجري محادثة معنا وشعر أننا لا نستمع حينها يساوره انطباع بأننا لا نريد أو لا نهتم بالتفاعل مع ما يقول، مما يؤدي إلى عدم الراحة وفي نهاية المطاف الانفصال من هذه العلاقة. وينطبق الأمر كذلك على العلاقات الزوجية وعلاقات العمل وغيرها.

أسباب صعوبة التركيز

أسباب صعوبة التركيز
أهم أسباب عدم التركيز

نمر جميعاً بلحظات نفشل فيها بتركيز انتباهنا. ولكن ليس هناك قلق من هذا الأمر. فنحن هنا لا نتحدث عن اضطراب نفسي، على الرغم من أنه في بعض الاضطرابات والأمراض يمكن أن نجد أنفسنا نواجه نقصاً مستمراً أو متكرراً في التركيز كعرض. لكن دعونا نلقي نظرة على بعض أسباب عدم التركيز الشائعة.

  1. المشتتات

    عندما نفعل شيئًا، فإننا لا نفعله في الفراغ. فنحن نعيش في بيئة وسياق معينين، حيث تظهر باستمرار الكثير من المشتتات المختلفة التي تتداخل مع أدائنا لتجذب انتباهنا بعيداً عما نفعله.

  2. صراع الوقت

    من المؤسف أننا في عصر السرعة الذي نعيش فيه نصارع الوقت. فنجد أننا نريد القيام بأداء أكثر من عمل في نفس الوقت. وعلى الرغم من أن لدينا القدرة على تقسيم المهام وبالتالي التركيز على كل مهمة بمفردها، إلا أن التركيز على شيء ما يتطلب توجيه جزء كبير من انتباهنا إليه، وقد تكون المهمة الأخرى مشتتة للانتباه.

  3. المخاوف والأفكار

    من أكثر أسباب عدم التركيز شيوعاً هي تلك المخاوف والأفكار التي تستحوذ على انتباهنا وتؤدي إلى إضعاف تركيزنا، بل وتجعل من الصعب إبقاء انتباهنا مركّزاً على شيء ما. بينما يمكن أن تكون هذه الأفكار أو المخاوف مهمة أو غير ضرورية.

  4. التعب

    إن المعاناة من الإجهاد والتعب من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى عدم التركيز. فحين نكون متعبين لا يمكننا التركيز على هدف أو مهمة معينة.

  5. التثبيط

    إذا كنا نقوم بفعل شيئاً لا نحبه ونفضل القيام بشيء آخر، فسيكون من الصعب الاستمرار في التركيز. وهذا الدافع عنصر مهم للغاية عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على تركيز مواردنا العقلية.

  6. القلق والضيق

    إن الشعور بالسوء والقلق والتوتر  من أهم أسباب عدم التركيز. حيث يسبب لنا القلق نوعاً من الانزعاج والضيق مما يؤثر على مدى تركيزنا على المهام التي نقوم بها. وذلك نظراً لأن هذه المشاعر السلبية تستحوذ على انتباهنا وتفكيرنا.

  7. الطاقة المفرطة

    على العكس من النقطة السابقة يمكن أن تؤدي الطاقة المفرطة والشعور بالفرح إلى صعوبة التركيز. فهذه المشاعر تستحوذ على جزء من تركيزنا عندما نفكر في السبب الذي ورائها. بينما تؤدي مستويات الطاقة العالية إلى زيادة الانتباه والانتقال من نقطة إلى أخرى، وعدم القدرة على التركيز.

  8. الشيخوخة

    القدرات العقلية مثل الذاكرة أو القدرة على التركيز ليست دائماً مستقرة، ولكن كقاعدة عامة تميل إلى الانخفاض شيئاً فشيئاً مع تقدم العمر. نحن نتحدث عن خسارة معيارية، وليس بالضرورة أن نعاني من أي نوع من أنواع الخرف.

 الاضطرابات والأمراض التي يظهر فيها نقص التركيز

على الرغم من أن أسباب عدم التركيز التي استعرضناها آنفاً شائعة بين جميع البشر، إلا أننا أشرنا في السابق إلى أن نقص التركيز يمكن أن يكون عرض من الأعراض في بعض الاضطرابات النفسية. وفيما يلي نتناول بعض هذه الاضطرابات:

 اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه

يتميز اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على وجه التحديد بالصعوبات في الحفاظ على التركيز وسهولة تشتيت انتباه هؤلاء الذين يعانون منه. حيث يسهل تشتيت انتباههم، كما يميلون إلى نسيان الأشياء التي يقومون بأدائها، ويواجهون صعوبة في إنهاء المهام.

 مرض الزهايمر وأنواع الخرف الأخرى

غالباً ما يسبب الخرف والأمراض التنكسية العصبية مشاكل في الانتباه والتركيز عند حدوث تدهور في الدماغ. هذا إلى جانب مشاكل الذاكرة، وغالباً ما تكون القدرة على التركيز واحدة من أولى المهارات التي تتدهور.

الفصام

على الرغم من أن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن مرض انفصام الشخصية هو الهلوسة، فإن أحد الأعراض المتكررة لمن يعاني من هذا الاضطراب هو وجود صعوبات في الانتباه، حيث ينجرف التركيز عادة نحو الهلوسة.

اضطرابات المزاج

غالباً ما يواجه الأشخاص المصابون بالاكتئاب صعوبة في التركيز، حيث تنشغل عقولهم دوماً بالأفكار السلبية. إن الحزن والأفكار التلقائية التي تتولد في نوبات الاكتئاب، وانعدام التلذذ، واللامبالاة والسلبية التي تصاحبها عادة، تجعل من الصعب جداً على المريض التركيز. وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب، بالإضافة إلى مشاكل نوبات الاكتئاب، سيكون لديهم أيضاً نقص في التركيز عندما يكونوا في مرحلة الهوس. ففي نوبة الهوس، يكون الشخص مفرطاً في النشاط، وسريع الانفعال. ومن هنا يكون التركيز على مهمة معينة والحفاظ عليه أكثر تعقيداً، حيث يقفز من محفز إلى آخر.

علاج عدم التركيز

علاج عدم التركيز
أهم النصائح لعلاج عدم التركيز

يمكن أن يكون قلة التركيز مزعجاً ويسبب مشاكل مختلفة في حياتنا اليومية. ولهذا السبب نقدم بعض النصائح لعلاج عدم التركيز دون الحاجة إلى تناول الأدوية التي يمكن أن تؤثر على صحة الإنسان أكثر مما يمكنها إفادته. ولكن في البداية علينا أن نعلم أن تقوية هذه المهارة يحتاج إلى التدريب المستمر، والمواظبة على هذه العادات.

  1. ممارسة الرياضة البدنية

    تساهم الممارسة المنتظمة للتمارين الرياضية بشكل كبير في تحسين القدرة على التركيز، بالإضافة إلى حرق الطاقة والسماح بإفراز الإندورفين – أحد هرمونات السعادة – الذي يجعلنا نشعر بتحسن.

  2. الحصول على قسط كافٍ من النوم

    لقد أشرنا من قبل إلى أن الإرهاق هو أحد العوامل التي تسبب نقص التركيز في مهامنا. لذا فمن الضروري أن ننام ونرتاح بدرجة كافية حتى نتمكن من استعادة طاقتنا الجسدية والعقلية.

  3. الانفصال لفترة

    لعلاج نقص التركيز نحتاج إلى الانفصال أحياناً عن واجباتنا أو عملنا أو دراساتنا. فمن الضروري أن يكون لديك بعض الوقت لنفسك، دون أن تنشغل دائماً بالمهام التي ينبغي عليك القيام بها. فإذا لم نقطع الاتصال بكل تلك الأمور لفترة معينة، فسينتهي بنا الأمر إلى إرهاق أنفسنا، سواء كنا ننام أم لا.

  4. لا تحط نفسك بالمشتتات

    الهاتف المحمول والحاسب الآلي والتلفزيون والأشخاص الذين يتحدثون من حولنا … إذا كان لدينا الكثير من القدرة على التركيز، فقد لا يزعجونا، لكن معظم الناس سيرون كيف يتم تشتيت انتباههم من خلال هذا النوع من المشتتات. حتى لو لم يبدوا أن هناك أي صوت، فإن وجودهم بجانبك يشتت الانتباه. لا نقول إننا يجب أن نعزل أنفسنا تماماً لفعل شيء ما، ولكن يجب أن نكون واعين وألا نقاطع أنفسنا.

  5. ابحث عن الدافع وراء ما تفعله

    إن تحديد الأهداف التي تحفزنا حقاً وربطها بما يتم القيام به يجعل من السهل الاستمرار في التركيز. فإذا كان ما نقوم به لا يحفزنا، فيمكننا محاولة فهمه من خلال ربطه بحياتنا اليومية أو ترسيخه كخطوة ضرورية لتحقيق هذا الهدف.

  6. ممارسة التأمل

    لقد ثبت أن التأمل فعال في تحفيز قدرة الانتباه، فضلاً عن كونه ممارسة تسمح لنا بالاسترخاء وتصور الأشياء بطريقة أكثر موضوعية.

  7. تنظيم المهام وتقسيمها

    إن الاهتمام بعدة أشياء يجعل من الصعب التركيز على شيء واحد ويؤدي إلى نقص التركيز. لذا يجعل التنظيم وتكريس نفسك لمهمة واحدة من السهل الاستمرار في التركيز على ما نقوم به.

  8. اختيار السياق المناسب للمهام

    إن تنفيذ كل إجراء في سياق يسهله أمر مفيد للغاية. فالدراسة في السرير، على سبيل المثال، تجعل من السهل النوم أثناء القيام بشيء ما (وهذا بدوره يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لنا عندما نضطر إلى النوم). وأثناء العمل على المكتب يجعل من السهل الكتابة والقراءة والعمل على الحاسب الآلي. كذلك فإن عوامل مثل الإضاءة والصوت مهمة أيضاً.

  9. القراءة والكتابة

    عادات القراءة والكتابة من الإجراءات التي قد تبدو بسيطة بالنسبة لنا، فعلى الرغم من أننا تعلمناها، إلا أنها تتطلب جرعات عالية من التركيز. خاصة إذا فعلنا ذلك باليد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تنظيم خطاب للتعبير عما نريد التعبير عنه يجبرنا على التركيز على إيجاد طريقة للقيام بذلك.

  10. إنشاء جدول

    تتمثل إحدى طرق علاج عدم التركيز، وكذلك القدرة على الانضباط، في تطوير خطة تأخذ في الاعتبار ما سنفعله. في هذا التخطيط، يجب أن ندمج ليس فقط ما يتعين علينا القيام به، ولكن أيضاً فترات الراحة. ومن المهم أن يكون التخطيط واقعياً لأنه بخلاف ذلك يمكن أن يؤدي إلى تثبيط الدافع.


في الختام فإن المعاناة من صعوبة التركيز أمر طبيعي تماماً في أوقات التوتر الشديد والقلق. وقد يكون التعامل مع هذا الأمر صعباً، ولكن يمكن علاج عدم التركيز عن طريق العمل بهذه النصائح التي قدمناها في هذا المقال، وعليك اتخاذ خطوات لتحسين نمط حياتك بشكل عام. وبمرور الوقت، ستبدأ في الشعور بمزيد من التركيز والانتباه وأنك تسير على الطريق الصحيح.

المراجع

1.       Author: The Editors of Harvard Health Publishing, (2/1/2020), Focus on concentration, www.health.harvard.edu, Retrieved: 12/10/2022.

2.       Author: Rachel Nall, (9/5/2022), What does being unable to concentrate mean, www.healthline.com, Retrieved: 12/10/2022.

3.       Author: Sharon Liao, (3/23/2021), Why Can’t I Focus, www.webmd.com, Retrieved: 12/10/2022.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!