الاقتصاد الأزرق: نموذج مستدام ينقذ الأرض بفضل البحار والمحيطات

You are currently viewing الاقتصاد الأزرق: نموذج مستدام ينقذ الأرض بفضل البحار والمحيطات
أهمية الاقتصاد الأزرق في التنمية المستدامة

ظهر مصطلح الاقتصاد الأزرق بين العديد من المقترحات التي قدمتها بعض الدول من أجل التصدي للتغييرات المناخية التي تؤثر على كوكب الأرض عاماً بعد عام. ومثلما جاء الاقتصاد الأخضر من قبل بمثل عليا تهدف إلى رفاهية الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية والإدماج وتمكين المجتمع، فعل الاقتصاد الأزرق كذلك. لذا كان من الأهمية بمكان التعرف على هذا النموذج الاقتصادي المبتكر الذي جذب انتباه بعض البلدان في العالم.

ما هو الاقتصاد الأزرق؟

الاقتصاد الأزرق هو مفهوم ناشئ يقترح الاستخدام المستدام للمحيطات والمناطق الساحلية لمعالجة التدهور البيئي واستنفاد الموارد بسبب الاقتصادات التقليدية. وتتمحور فكرته المركزية على النمو الاقتصادي، والاندماج الاجتماعي، والحفاظ على سبل العيش وتحسينها مع ضمان الاستدامة البيئية للمناطق البحرية والساحلية.

لقد ساهمت الأنظمة الاقتصادية التقليدية في العديد من المشكلات البيئية مثل الصيد الجائر ومشكلات النقل البحري واستخراج النفط والغاز والمعادن. مما أوصلنا إلى مرحلة صعبة من التغييرات المناخية التي يمكن أن تُنهي الحياة على هذا الكوكب. لذا كان من الضروري البحث عن حلول جديدة ومبتكرة لمعالجة هذه المشكلات، فظهرت مبادرة الاقتصاد الأخضر التي قادها بالفعل قادة العالم والمجتمع لمواجهة عواقب تغير المناخ. لكن مع ذلك لم يصل الاقتصاد الأخضر إلى هدفه بصورة كاملة. ومن هنا كانت الحاجة ملحة لفكرة جديدة، فكان الاقتصاد الأزرق وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الماء يغطي 70% من الأرض. لذا فليس من المستغرب أن يكون أحد المصادر الرئيسية للحفاظ على النظام البيئي وكفاف الإنسان.

يستخدم مصطلح الاقتصاد الأزرق في علم الاقتصاد لتعريف إدارة النظام البيئي البرمائي بأكمله، بما في ذلك البحار والبحيرات والأنهار والمحيطات. ويهدف إلى خلق فرص العمل، وتوفير الغذاء والطاقة النظيفة، وبالطبع النمو الاقتصادي المستدام لعكس الأضرار التي لحقت بالبيئة وتنظيم البيئة والمناخ.

يسعى الاقتصاد الأزرق إلى تعزيز قيام المجتمعات المحلية بالحفاظ على الموارد الزرقاء والأراضي المجاورة، مثل صحة النظم البيئية البحرية، وتخفيف الانبعاثات الملوثة من النشاط الإنتاجي الذي كان حتى الآن مدمراً للكوكب. بينما يدير هذا النمط من الاقتصاد فلسفة يتم فيها تغطية احتياجات السكان بتكلفة منخفضة بفضل تنفيذ نظام محلي للإنتاج والاستهلاك يستفيد من موارد البيئة والعمل البشري في التعايش مع الطبيعة والكائنات الحية حوله.

ولكن من أهم أهداف الاقتصاد الأزرق أنه يقترح التجديد والاستقلالية والوفرة بلا انبعاثات أو نفايات، بل يحول النفايات إلى مواد خام يمكن استغلالها في استخدامات أخرى وبتكلفة أقل.


الاقتصاد الأزرق مقابل الاقتصاد الأخضر

الفرق بين الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر
يتكامل الاقتصاد الأزرق مع الأخضر لحماية البيئة

يقوم الاقتصاد الأخضر بدور فعال في الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة. ولاتزال قضية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر من أهم القضايا البيئية والاجتماعية في المستقبل. بينما يغطي هذا النظام الاقتصادي المستدام مسألة الإنتاج منخفض الكربون، والاندماج الاجتماعي والاستخدام الفعال للموارد. وعلى الرغم من أنه نظام يجذب انتباه رجال الأعمال والقادة والمجتمعات بشكل متزايد، إلا أن الأجندة الخضراء تعطي القليل من الأولوية للاستخدام المستدام لموارد المحيطات والبحار والأنهار. هذا مع العلم أنه من الضروري الحد من ارتفاع درجات الحرارة وتحفيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

باختصار، يعد الاقتصاد الأزرق ضرورياً للنظام البيئي الأخضر، نظراً لأن النظام البيئي البحري يؤثر بشكل كبير على جميع الدورات الطبيعية وكذلك جميع القطاعات الاقتصادية. على سبيل المثال، تنتج المحيطات 70٪ من الأكسجين الذي نتنفسه. ومن الخطأ التغاضي عن قيمة المورد الأزرق في التحول الأخضر لبناء اقتصاد عالمي أكثر استدامة وصديقاً للكوكب. لذا يمكن اعتبار الاقتصاد الأزرق مكملاً للاقتصاد الأزرق لتحقيق تنمية مستدامة شاملة.

اقرأ أيضًا: الطاقة الشمسية.. طاقة نظيفة تفوق حاجة أهل الأرض آلاف المرات

أهداف الاقتصاد الأزرق

اقتصادات التنمية المستدامة
أهم أهداف الاقتصاد الأزرق

تتعرض صحة النظام الإيكولوجي لتهديد متزايد بسبب تغير المناخ وزيادة التلوث والصيد الجائر. وهو ما يمثل أيضاً تهديداً لسكان المناطق الساحلية والجزرية الذين يعتمدون على هذا الصيد في هذه المناطق. ولهذا السبب يولي الاقتصاد الأزرق اهتماماً خاصاً لتعزيز رفاهية الإنسان جنباً إلى جنب التنمية الاقتصادية والعناية بالبيئة. ويمكن تلخيص الأهداف الرئيسية للاقتصاد الأزرق على النحو التالي:

الإدماج وتحسين الحياة للجميع

يفكر هذا المبدأ في الاستثمار في الأنشطة والمشاريع التي تدعم وتحسن سبل العيش المحلية. وكذلك تحديد وتخفيف المشاكل التي تنشأ عن الديناميكيات الاجتماعية – الإنتاجية. ويتضمن ذلك أهدافاً لخلق فرص العمل، والحد من الفقر والجوع، فضلاً عن استراتيجيات لحماية المجتمعات الساحلية من آثار تغير المناخ.

الاستفادة من الطاقات المتجددة

بالنسبة للاقتصاد الأزرق، تعتبر النفايات مورداً طبيعياً في الاقتصاد يمكن استخدامه في دورات الإنتاج الأخرى، كمواد خام، بحيث يتم تقليل إنتاج النفايات والحطام إلى الحد الأدنى أو التخلص منه تماماً، كجزء من مبدأ عدم إهدار أي شيء في الطبيعة. حيث أن الحيوانات الأخرى تستهلك القشور أو بقايا الفاكهة أو تتحلل وتصبح مغذيات للتربة. كما أنها تسعى إلى تحويل نفايات الخضروات إلى وقود حيوي لتصنيع المنتجات والمواد الأخرى.

تقليل الهدر

يرتبط هدف آخر للاقتصاد الأزرق بزيادة الوعي في كل منطقة لإنتاج ما هو ضروري فقط للاستهلاك البشري، من أجل تعزيز استخدام الموارد الطبيعية وتقليل الهدر. وبهذه الطريقة يحقق الغرض من الحفاظ على الحياة البحرية والتعامل مع تلوث المحيطات.

تشجيع الاستهلاك المحلي

يقترح هذا النموذج الاقتصادي استهلاك الموارد الطبيعية المحلية الموجودة في كل مجتمع، والتي لا تتطلب نقل وتوزيع. فهذه الأخيرة هي المسؤولة حالياً عن نسبة كبيرة من الانبعاثات الملوثة. وإذا كان لابد من النقل والتوزيع للبضائع فإن الاقتصاد الأزرق يتضمن استخدام الشحن الذكي لتقليل التأثيرات على البيئة.

التشجيع على الصيد المستدام

يقوم الاقتصاد الأزرق على الصيد المستدام واتخاذ إجراءات ضد الصيد غير المشروع. فهذا النظام الاقتصادي يدرك أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم وينوع الاستثمار لتوسيع نطاق مشاريع التنمية المستدامة، في القطاعات البحرية التقليدية وغير التقليدية، مع وضع حلول أعمال مبتكرة للمشاكل البحرية ونشر أفضل الممارسات التي تساهم في الحفاظ على الكوكب.

اقرأ أيضًا: حيوانات مهددة بالانقراض ستختفي خلال السنوات القليلة القادمة

فوائد تنمية الاقتصاد الأزرق

فوائد الاقتصاد الأزرق
أهم فوائد الاقتصاد الأزرق

استغلت البلدان الموارد البحرية على مدى عقود، دون الاهتمام بتأثير أنشطتها على النظم البيئية ودون الحد الأدنى من التدابير لحمايتها؛ ما تسبب في التلوث البحري الذي أصبح اليوم ينذر بالخطر. ويهدد العديد من الأنواع والمساحات الطبيعية ذات القيمة البيئية الكبيرة. لقد نسينا تماماً أن المحيطات هي التي تزود السكان بالموارد اللازمة للعيش، وهي أيضاً منظم المناخ الفعال للغاية الذي يمتلكه الكوكب. لذا فإن دور الاقتصاد الأزرق هو تطوير الأنشطة الذكية والمستدامة التي تساعد على الحفاظ على الكوكب. بينما هناك العديد من المزايا الأخرى التي يمكن تلخيصها فيما يلي:

استخدم الطاقة المتجددة

يعمل الاقتصاد الأزرق على تخضير الموانئ وتقليل البصمة الكربونية للنقل البحري، وبالتالي يساهم في مكافحة تغير المناخ والاحتباس الحراري.

إعادة التدوير والتجديد

من أهم فوائد الاقتصاد الأزرق هو تطوير الاقتصاد الدائري. حيث يقلل من إنتاج العوامل الملوثة والنفايات، والتي يعاد استخدامها كمواد خام لإنتاج السلع والخدمات الأساسية الأخرى.

بناء البنية التحتية الخضراء

تصميم وبناء مساحات تتناسب مع البيئة في المناطق الساحلية للأنشطة ذات الأثر الإيجابي على الحفاظ على التنوع البيولوجي والمناظر الطبيعية، وكذلك تنمية السياحة والاقتصاد المحلي.

الاستخدام المستدام والمراقب

تستخدم الموارد الطبيعية بطريقة محسوبة ومضبوطة في الدول الجزرية الصغيرة لتلبية احتياجات الأمن الغذائي وكفاءة الاقتصاد، ومعالجة مشاكل البطالة والفقر.

تصميم الأدوات الاقتصادية

تقترح ديناميكيات المشاركة والإجراءات الإنتاجية للاقتصاد الأزرق بناء أدوات بيئية مبتكرة مثل الكربون الأزرق والسندات الزرقاء وتأمين المرونة الساحلية لتعزيز حماية البيئة.

اقرأ أيضًا: أهمية غاز الأوزون في الغلاف الجوي

القطاعات الرئيسية للاقتصاد الأزرق

اقتصادات التنمية المستدامة
أهم القطاعات التي يعمل عليها الاقتصاد الأزرق

كوكبنا مغطى بنسبة 70 في المائة من سطحه بالمحيطات، أي إنه بمثابة خزان كبير من الموارد التي تزود البشرية بالغذاء ووسائل العيش الأخرى. لهذا السبب وحده، من الضروري تقليل تدهورها، وحمايتها، والأفضل من ذلك، تجديدها. فمن الضروري الحفاظ على وظيفتها البيئية ليستفيد منها الأجيال القادمة والأنشطة الاقتصادية الجديدة، علاوة على أن الحفاظ على هذه الموارد تمثل تقدماً للعديد من البلدان. ومن هذا المنطلق نقدم نبذة عن بعض القطاعات الرئيسية للاقتصاد الأزرق.

الاستزراع السمكي

يساهم استزراع الأسماك والمحار والنباتات المائية في البحر أو في المياه الداخلية في نظام غذائي مستدام ويوفر 50٪ من الأسماك للاستهلاك البشري في العالم.

صيد الأسماك

بما في ذلك الصيد في أعماق البحار / الصيد بالخيوط الطويلة. يمثل صيد الأسماك أكثر من 350 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم.

الطاقة المتجددة

إنتاج الكهرباء النظيفة من طاقة الرياح البحرية، والوقود الحيوي، وتدرجات الملوحة، والأمواج والمد والجزر، وغيرها، واستخدامها بدلاً من الوقود الأحفوري.

النقل البحري

يتم نقل ما يقرب من 80 ٪ من حجم البضائع عن طريق البحر. بينما تلعب البيئات البحرية والساحلية دوراً رئيسياً في التجارة العالمية، وبالتالي تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية.

الاقتصاد الحيوي / التكنولوجيا الحيوية

يمكن استغلال الكائنات البحرية في مجموعة واسعة من التطبيقات الاقتصادية بفضل التكنولوجيا الحيوية، على سبيل المثال، تحويل الطحالب والكائنات الدقيقة واللافقاريات مثل نجم البحر وقنافذ البحر إلى وقود حيوي، ومستحضرات تجميل، وأغذية، وأسمدة حيوية، وعلف حيواني، وتعبئة، وأدوية، وتغذية المحاصيل، وألياف نسيج، ومواد بناء، ومنظفات غسيل، وغيرها.

قطاعات أخرى

القطاعات الرئيسية الأخرى التي تتراوح من أفكار الاقتصاد الأزرق التقليدية إلى الناشئة هي:

  • أنشطة الموانئ.
  • خدمات النظم البيئية البحرية.
  • الأنشطة الاستخراجية في المياه العميقة.
  • الهيدروكربونات البحرية.
  • التكنولوجيا الحيوية البحرية والبحث والتطوير.
  • التنقيب البيولوجي.
  • السياحة.

من كل هذا يمكننا أن نستنتج أن الاقتصاد الأزرق ضروري للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. يسعى الاقتصاد الأزرق في عرض مبادئه إلى الاهتمام الذي تستحقه معالجة موارد المحيطات والنظم البيئية لخطط عكس الضرر المتسارع للطبيعة. إن عواقب الاحتباس الحراري واضحة في المناطق الساحلية مع ارتفاع المياه ودرجات الحرارة المرتفعة، ولا يمكن فصلها عن الغرض من الإجراءات وتنفيذ النظام الأخضر الجاري بالفعل. ومثل أي نموذج اقتصادي، فإنه يستفيد من الفرص التجارية، مع حماية الموارد الزرقاء وتطويرها من أجل الحد من الآثار المدمرة لتغير المناخ.

اترك تعليقاً