فن الكهوف: كيف كان يرسم الإنسان قديماً؟

You are currently viewing فن الكهوف: كيف كان يرسم الإنسان قديماً؟
تاريخ رسوم الكهوف

فن الكهوف هو التعبير الإبداعي الأكثر بدائية في العالم، لأنه جاءنا من عصور ما قبل التاريخ ليظهر نمط هؤلاء الذين عاشوا في ذلك الوقت. يعكس فن الكهوف الشكل الأكثر فعالية للتواصل بين الشعوب في وقت لم تكن فيه الكتابة قد اُخترعت بعد، كما لم يكن استخدام الورق والقماش والأسطح الأخرى المستخدمة للرسم متاحاً لهم. لذا كانت الرسومات والنقوش على جدران الكهوف والصخور هي أكثر ما يميز المرحلة البدائية لوجود الإنسان على الأرض.

ما هو فن الكهوف؟

يُطلق على فن الكهوف مجموعة الرسومات والنقوش والمنحوتات التي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ. وتعد هذه الرسومات من أولى المظاهر الثقافية البشرية. وبغض النظر عن مظاهر الإبداع الأخرى في تلك الفترة، فإن رسومات ما قبل التاريخ هي أكثر ما تم الحفاظ عليه بمرور الوقت برغم مرور آلاف السنوات منذ ظهورها.


أهمية فن الكهف على المستوى الثقافي

كشفت العديد من الدراسات الميدانية في الكهوف عن عادات الإنسان البدائي وأفكاره ومعتقداته وعواطف وغيرها من الجوانب الأخرى. وهي حقيقة مثيرة للاهتمام نظراً لأنها لم تختلف كثيراً عن الأفكار التي يعتنقها الإنسان الحديث فيما يتعلق بالفن. ففي الرسومات الموجودة على جدران الكهوف يمكنك أن ترى أفكار الإنسان البدائي، والطريقة التي يصور بها الحياة اليومية للجماعات البشرية والواقع الذي يعيشون فيه، وكلها محاطة بشحنة دينية سحرية.

لا تكمن أهمية فن الكهوف في جانبها الجمالي فحسب، بل في كونها كانت تدل على المهارات التي أظهرها البشر في عصور ما قبل التاريخ فيما يتعلق باستخدام مواد مختلفة من الطبيعة كعناصر لأعمالهم، وذلك من أجل التواصل والتعرف على القبائل الأخرى. بينما دفعت رسومات الكهوف بعض المتخصصين إلى الاعتقاد بأن هذه الأعمال كانت جزءاً من طقوس مقدمة للآلهة لجذب الحظ السعيد في جوانب مثل الصيد والخصوبة وسلوك الطبيعة وغيرها.


مقدمة تاريخية

تاريخ فن الكهوف
نبذة تاريخية عن فن الكهوف

عند مشاهدة رسومات فن الكهوف من فترات مختلفة لا يمكنك سوى الدهشة من مدى التطور الذي شهده هذا النوع من الفن طوال عصور ما قبل التاريخ. لقد قيل الكثير عن أصل فن الكهوف، وعلى الرغم من عدم وجود تاريخ محدد لبداية هذا النوع من الفن إلا أن أقدم رسمة كهف جدارية عمرها أكثر من 45500 عام، وتم العثور عليها في كهف في إندونيسيا تصور خنزير بري. كذلك عُثر على بقايا أقدم من المنحوتات والرسومات في كهوف جنوب إفريقيا تصور بعض البشر والحيوانات، ويعود تاريخها إلى أكثر مائة ألف عام. بعد اكتشاف هذه الجداريات توصل العديد من العلماء إلى اكتشافات مماثلة في جميع القارات تقريباً. بعد هذه الاكتشافات الرائعة يمكننا مراجعة أربع من الفترات التاريخية التي مر بها فن الكهوف لنتعرف على مدى التطور الذي وصل إليه.

  1. الفن الحجري القديم (40.000 – 10000 قبل الميلاد)

    تصور أقدم رسومات الكهوف في العصر الحجري القديم الحيوانات البرية مثل الماموث والغزلان والرنة وثور البيسون والخيول، وغالباً ما تظهر بجروح من نشاط الصيد بأسلحة مثل الرماح أو السهام. جزء كبير من هذه الأعمال عبارة عن رسومات تمهيدية، وأحياناً تكون مجردة وفي أوقات أخرى تُرسم بتفاصيل كبيرة.

  2. الفن الميزوليتي (10000 – 4000 قبل الميلاد)

    هناك العديد من الاكتشافات لرسومات الكهوف في إسبانيا وفرنسا. تعود هذه الرسومات إلى هذه الفترة التي تعد انتقالاً بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث. لكن تمثل الكهوف التي اُكتشفت في شبه الجزيرة الأيبيرية أول ما تم الاعتراف به على إنها تحتوي على فن ما قبل التاريخ، فهي تضم حوالي 150 رسمة موزعة على السقف والجدران. وعلى الرغم من أنها تصور كذلك الحيوانات البرية، إلا أن الميزة الجديدة هي إضافة النقوش والتفاصيل لإضفاء المزيد من الواقعية على العمل.

  3. الفن الحجري الحديث (4000 – 2000 قبل الميلاد)

    في هذه المرحلة، من الممكن رؤية صور رسومات الكهوف مع بصمات اليد والشخصيات البشرية والتمثيلات الأخرى. كما يمكنك رؤية التداخل بين عناصر هذه الرسومات، وغالباً ما تُظهر الأصنام والشخصيات المتعلقة بالطقوس السحرية الدينية.

  4. الفن في العصر المعدني (2000 – 100 قبل الميلاد)

    في هذه الفترة يمكنك أن ترى صوراً لرسومات الكهوف التي تُظهر عناصر من الرموز البسيطة، وهي مميزة جداً في الكتابة الأولية أو الكتابة البدائية. وعلى عكس المراحل السابقة، يمكن ملاحظة تبسيط الأسلوب، مع الصور التصويرية التي تشيد بالشخصيات الدينية أو القوية، مثل الحكام والملوك، دون إهمال تمثيل الحيوانات البرية.

اقرأ أيضًا: التراث الثقافي: التعريف والخصائص و10 أمثلة للتراث الثقافي


الخصائص الرئيسية لفن الكهوف

خصائص رسوم الكهوف والفنون البدائية القديمة
أهم سمات فن الكهوف

يعد فن الكهوف من أشكال التعبيرات الإبداعية. لذا كان له العديد من السمات المميزة له التي من خلالها يمكن تمييز هذه الفترة التاريخية الفنية عن تلك اللاحقة. ومن بين أهم خصائص وسمات فن الكهوف ما يلي:

الموضوع

تعكس الغالبية العظمى من القطع الفنية في الكهف سواء الجداريات أو النقوش أو الرسومات المعتقدات السحرية الدينية ومفهوم الحياة اليومية للناس في ذلك الوقت. وتكمن جاذبيتها في كونها توضح قدرة الإنسان على تمثيل السياق الحقيقي الذي كان يعيش فيه.

المواد المستخدمة

على مدار تاريخ البشرية كان البشر يحاولون تسخير الطبيعة لصالحهم. وقد ظهر ذلك في فنهم، ففي كل فنون الكهوف استخدم البشر مواد من الطبيعة للرسم. لقد كان البشر موزعين في أماكن بعيدة ويبدو أن الاتصال بينهم كان مفقوداً لذا طوروا الرسم على جدران الكهوف من أجل التواصل. واستخدموا في سبيل ذلك الأصباغ التي حصلوا عليها من الأكاسيد والفحم والطين والهيماتيت – معدن أكسيد الحديد الثلاثي – والدم وسوائل الجسم الأخرى.

الألوان في فن الكهوف

تتراوح ألوان رسومات الكهوف المميزة بين الأصفر والبني والأسود والأحمر. حيث كانت تلك هي الألوان التي يمكن الحصول عليها بعد عملية أكسدة المعادن. ويبدو هذا واضحاً في هذه الرسومات بغض النظر عن الشكل الذي تمثله.

انعكاس للقدرة الفكرية

فن الكهف هو مثال موثوق يوضح كيفية تصرف الإنسان البدائي؟ وما هو مفهوم الواقع بالنسبة له؟ وكيف تجلى هذا الجانب من خلال الأشكال التي تم التقاطها على الجدران والصخور، إما بشكل تجريدي أو بالتفصيل. فجميع أنواع رسومات الكهوف المعروفة حتى الآن هي خير مثال على ذلك.

اقرأ أيضًا: التذوق الفني: كيف نتطور قدرتنا على الحساسية الفنية؟


أنواع فن الكهوف

على الرغم من أن فن الكهوف يصف بشكل أساسي تلك الرسومات على جدران الكهوف إلا أن الحقيقة هي أن هناك ثلاثة أنواع على الأقل من فن الكهوف أو فن ما قبل التاريخ، وهي:

الرسم

عبارة عن تطبيق أصباغ مختلفة على سطح صخري، سواء كان حجارة أو جدران أو أسقف الكهوف. ويٌنفذ هذا النوع من الفن عن طريق الرسم بالأصابع، بأدوات كانت بمثابة فرشاة أو بتقنيات بسيطة مثل البصق أو نفخ الأصباغ.

النقش

هناك مظهر آخر من مظاهر فن الكهوف يتعلق بنقش الصخور من مواد ذات صلابة فائقة، مصنوعة على شكل مؤشر لاستخدامه كإزميل ومع الصخور الأخرى التي تستخدم كمطرقة، أو باستخدام تقنيات الخدش أو الكشط. إنها نقوش سطحية تُظهر أشكالاً ونقاطاً وخطوطاً هندسية مجسمة.

النحت

في البداية كان نحتاً على سطح صخري كبير محفور للحصول على شكل معين. ولكن سمح تطوره بتشكيل كل من المواد اللينة مثل الطين أو غيرها من المواد ذات الصلابة الكبيرة مثل المعادن ليتم دمجها في هذا النوع من الفن.

اقرأ أيضًا: أعظم الحضارات القديمة في التاريخ


أشهر الأمثلة على فن الكهوف

متى ظهر فن الرسم
كهف الكفوف

يحتوي العالم بأسره على عينات من فن الكهوف. وفي هذه القائمة نستعرض عدد من أشهر الأمثلة على الفن الصخري في جميع أنحاء العالم:

  1. كهوف ألتميرا في إسبانيا

    هذه الكهوف أحد أشهر الأمثلة على فن الكهوف في العالم. حيث اكتشف رجل وابنته الصغيرة في عام 1879 مجموعة مذهلة من الرسومات على أسقف هذه الكهوف. وقد تم تسجيل أكثر من 150 رسمة فيها حتى وقتنا الحالي.

  2. خطوط نازكا في بيرو

    تُشكّل هذه الخطوط لوحات أرضية تُرسم بواسطة الصخور، والحصى. توجد مجموعة ضخمة من هذا الفن الصخري الذي يحتوي على أشكال غامضة تُنسب إلى ثقافة نازكا القديمة. تبدو هذه الرسومات كما لو كانت نحتاً على الحجر. مما يخلق أشكالاً مختلفة تمثل اليوم لغزاً محيراً لعلماء الأنثروبولوجيا وغيرهم من المتخصصين الذين يدرسون المنطقة. هذه الأعمال ضخمة الحجم بحيث يمكن رؤيتها حتى من الفضاء، وحقيقة أنها محفوظة في الهواء الطلق دون التعرض عملياً لأي تأثير للتآكل، تثير فضول الجميع.

  3. تمثال فينوس ولندورف في النمسا

    يظهر هذا التمثال الذي يرجع تاريخه إلى العصر الحجري القديم كمثال على منحوتات الكهوف. وقد عثر عليه في موقع أثري في ولندورف في النمسا عام 1908 على يد عامل محلي. ويرمز إلى آلهة الخصوبة. توجد هذه القطعة في عهدة متحف التاريخ الطبيعي في فيينا. وقد أعجب بها مئات الزوار الذين يأتون إلى الموقع كل عام.

  4. رسومات كهف دي لاس مانوس في الأرجنتين

    هذا الكهف الذي يصعب الوصول إليه، والذي يبلغ عمقه 20 متراً يعرض رسومات رائعة تمثل مطبوعات يدوية، لذا أطلق عليه كهف الكفوف. هذا بالإضافة إلى وجود عدد من الرسومات الأخرى التي تعد مرجعاً مهماً لأسلوب حياة الصيادين وجامعي الثمار في أمريكا الجنوبية.

  5. نقوش في وادي كوا في البرتغال

    تمثل هذه النقوش الحجرية الموجودة في وادي كوا في البرتغال مثالاً أخر على فن الكهوف. وتتكون هذه النقوش من آلاف الحيوانات والبشر التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري القديم. على وجه التحديد، تمثل النقوش الماعز والخيول والبقر التي نقشت على صخور عمودية.


ربما لا تتمتع رسومات فن الكهوف بنفس جماليات الجداريات الحالية، إلا إنها كانت مظهراً إبداعياً لقدرات الإنسان الكبيرة. بينما سمح لنا هذا الفن الصخري بمعرفة كيف عاشت هذه الجماعات البدائية من خلال المشاهد التصويرية والنقوش الصخرية والمنحوتات التي تم إنشاؤها في هذا السياق التاريخي، والتي تكشف عن مدى تقدم الحضارات البدائية.

المراجع

1.       Author: Jo Marchant, (1/8/2016), A Journey to the Oldest Cave Paintings in the World, www.smithsonianmag.com, Retrieved: 8/24/2022.

2.       Author: Justin E.H. Smith, (9/1/2018), What Cave Art Means, www.artnews.com, Retrieved: 8/24/2022.

3.       Author: BECKY LITTLE, (10/5/2021), What Prehistoric Cave Paintings Reveal About Early Human Life, www.history.com, Retrieved: 8/24/2022.

This Post Has 2 Comments

  1. غير معروف

    حقيقة موضوع ممتاز ونأمل بالمزيد من هذا النوع من المواضيع العلمية.

    1. وائل الشيمي

      أشكرك بشدة على هذه الإشادة.. ونسعى إلى تقديم المزيد من مثل هذه الموضوعات.. تحياتي إليك

اترك تعليقاً