فيلم Enemy واحد من الأفلام الملغزة التي احتار المشاهدين في معرفة تفسيرها، وعلى وجه الخصوص في مشهد النهاية، ونظراً لعدم فهم هذا المشهد جيداً نجد أن البعض لم يعجبه هذا الفيلم الرائع، في حين أن البعض الأخر أحب هذا الفيلم بدرجة كبيرة. فما هو تفسير تلك النهاية الغامضة لفيلم Enemy. في هذا المقال نستعرض سوياً قصة الفيلم ومراجعته، ومن ثم تفسير مشهد العنكبوت في النهاية.
تحذير 1: ربما يحتوي المقال على حرق لأحداث الفيلم.. فإذا لم تكن شاهدته، فيمكنك الرجوع إلى المقال فيما بعد.
تحذير 2: هذا الفيلم لا يصلح للمشاهدة العائلية إطلاقاً.
قصة فيلم Enemy
تدور أحداث الفيلم حول آدم بيل – أدى دوره الفنان جيك جيلينهال – وهو أستاذ تاريخ في جامعة مشهورة، تتميز بالعزلة والملل والتكرار، مما يجعله يشعر بأنه غير سعيد. حيث تنحصر حياته اليومية بين الذهاب إلى عمله في الجامعة، والعودة إلى منزله الكئيب ليمارس الجنس مع صديقته ماري، ثم ينتهي اليوم بنومه ليعود في الصباح إلى هذا الروتين القاتل.
لم تتغير حياة إلا في ذلك اليوم الذي تحدث معه زميل في الجامعة عن فيلم جيد عليه مشاهدته، ومن باب الفضول ذهب آدم لشراء الفيلم خلال عودته إلى منزله. وفي الليل شرع يشاهد الفيلم، لكنه لاحظ في أحد مشاهد الفيلم أن هناك ممثل شديد الشبه به. ومن أجل أن يكسر روتين حياته راح يتابع هذا الممثل ويبحث عن عنوانه.
انطلق آدم إلى شركة المواهب التي كان يعمل بها أنتوني كلير – اسم الممثل الشبيه بآدم – فاستقبله حارس الأمن وتعجب من عودته بعد غياب ستة أشهر. وبحث في مكتبه عن طرد أعطاه إياه، حمل آدم الظرف وعاد مسرعاً. ثم أجرى مكالمة هاتفية للممثل فأجابت على الهاتف زوجة دانيال لتقول له: دانيال، أين أنت؟ يخبرها آدم أنه ليس زوجها وإنه يريد الحديث مع دانيال ثم يغلق الهاتف.
عندما يعود آدم إلى منزله يتحدث مجدداً لدانيال ليخبره بأنه يرغب في رؤيته. ويقص عليه موضوع الشبه الكبير بينهما، لكن دانيال يرفض في البداية ويغلق الهاتف في وجهه، وبعد أن يبحث عن ذلك الرجل على شبكة الانترنت يدرك جيداً الشبه الشديد بينهما، فيعاود دانيال الاتصال بآدم ليخبره عن مقابلة في غرفة فندق.
المقابلة
يتقابل الاثنان في غرفة الفندق ليدركا أن التشابه الشديد بينهما لم يكن في ملامح الوجه والجسد فحسب، بل في الصوت وحتى في الندبة الموجودة على جسميهما. إلا أن هذه الفكرة ترعب آدم فيهرول هارباً. ليعود إلى منزله ومازالت أحلامه مسيطرة عليه. حيث يرى في أحلامه دوماً العنكبوت، وأحياناً نساء عاريات بوجه عنكبوت، فيستيقظ مفزوعاً من هذا الأمر.
يغتنم دانيال الفرصة حينما يرى عشيقة آدم ليذهب إليه ويطلب منه أن يمنحه ملابسه ويتركه يقضي ليلة مع ماري – زوجة آدم – وبعدها سيختفي من حياته إلى الأبد. يقبل آدم الفكرة على مضض، لينطلق دانيال مع ماري، ويذهب آدم إلى هيلين – زوجة دانيال – لتمارس الشخصيتان الجنس مع المرأتين. إلا أن عشيقة آدم تكتشف علاقة الخاتم على إصبع دانيال فتتشاجر معه وتطلب منه توصيله إلى المنزل، وفي الطريق تصطدم السيارة ليموتا سوياً. على الجانب الآخر يحيا آدم حياة طبيعية مع زوجة دانيال الحامل في شهرها السادس، وعندما يبحث في سترة دانيال يجد ظرفاً به مفتاحاً، فيقول لهيلين أن عليه الذهاب اليوم، لكن هيلين لم تجيبه وعندما يذهب لرؤيتها يجد عنكبوتاً ضخماً في زاوية الغرفة. لتنتهي قصة فيلم Enemy على هذا المشهد المحير.
مراجعة فيلم Enemy
قليلة هي الأفلام المعقدة وغير المفهومة التي تمنحك الفرصة للتفكير في أحداثها، وفيلم Enemy أحد هذه الأفلام. وهذا الفيلم مقتبس من رواية “المزدوج ” للكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو. وفي اعتقادي أن إعادة تسميتها إلى “العدو” هو مجرد إشارة إلى المقولة الشهيرة التي تقول: “أنا أسوأ عدو لي”، وتلك المقولة هي التي تلخص إلى حد كبير الفكرة الكامنة وراء معاناة أنتوني.
السيطرة
في بداية الفيلم يتحدث آدم أستاذ التاريخ عن السيطرة والديكتاتورية والفاشية، هذه هي الفكرة الأولى التي توضح الفكرة الرئيسية للفيلم. حيث نجد أن أستاذ التاريخ يتحدث عن كيفية استغلال الحكومات للناس ومحاولة السيطرة عليهم عن طريق وسائل الترفيه. وهي رمزية هامة داخل أحداث الفيلم. فالسيطرة هي الموضوع الأساسي، ووسائل الترفيه – يعبر عنها الفيلم بالجنس – أما الوسيلة الثانية التي تقوم بها الحكومات فهي مراقبة المعلومات وكل وسائل التعبير عن الذات، وهذه الإشارة نجدها واضحة في قمع رغبات الأستاذ الجامعي في ممارسة مهنة التمثيل التي يحبها. أما ما يمثل الحكومات التي تقمع في الفيلم في النساء بصورة عامة، وبصورة خاصة الأم والزوجة – أقصد بالزوجة هنا هيلين – في الفيلم. هذا هو الأمر الأول.
كل الأحداث تحدث مرتين
أما الأمر الثاني فيتمثل في التكرار، وقد أشار آدم في محاضراته عن أقوال الفيلسوف الألماني هيجل حينما قال” أن كل الأحداث في العالم تحدث مرتين.” ثم أضاف بعد ذلك كارل ماركس أن هذه الأحداث التي تحدث مرتين تكون في البداية مأساوية وفي النهاية هزلية. هذه الأقوال هي إشارة في الفيلم تشرح مغزاها والفكرة الكامنة وراءه. فآدم وأنتوني شخصية واحدة، أو على وجه التحديد فإن أنتوني هو الشخصية الحقيقية وآدم هو الشخصية الخيالية. لنعود إلى الإشارات التي يحملها الفيلم. هنا يعبر الفيلم عن التكرار في صورة حمل زوجة أنتوني – هيلين – التي علمنا أنها في شهرها السادس، ونلاحظ أنها نفس المدة التي غابها أنتوني عن عمله، حينما قابل حارس الأمن آدم وسأله عن غيابه لمدة ستة أشهر. لذا نجد أن فكرة أن يولد لأنتوني طفل هي مسألة تكرر نفسها باستمرار – أي الولادة والموت – لذا تنتاب أنتوني المخاوف الشديدة لتكرار نسخة منه.
إذا نظرنا إلى كل هذه الأمور مجتمعة نجد أن آدم يعيش بمفرده في شقته (التي تذكر والدته أنها فظيعة جداً)، ويعمل في وظيفة مرموقة، وتزوره صديقة جميلة ماري – ميلاني لوران – التي عادةً ما يمارس الجنس معها. لكن على الرغم من أنه يمكننا أن نرى أنه يمتلك كل ما يحتاج إليه، إلا أنه لا يزال تحت بعض السيطرة. وذلك لأنه عالق داخل شبكة العنكبوت المنسوجة والتي يمكن رؤيتها أيضاً في الجزء الأول من الفيلم (الأسلاك متشابكة مثل شبكة العنكبوت فوق المدينة).
الآن من الواضح أن آدم رجل رتيب ليس لديه نية لكسر روتينه والقيام بشيء آخر حتى يشاهد الفيلم الذي يأخذه إلى رحلة خارج نطاق المألوف، ليقدم لنا أنتوني. أما أنتوني فهو نجم سينمائي ثري يحب الاعتناء بنفسه من خلال البقاء على نظام غذائي صحي صارم (العنب البري العضوي)، يعيش في شقته الفخمة مع زوجته الجميلة هيلين (سارة جادون).
شخص واحد
عندما دفع آدم نفسه للتحقيق والتعرف على أنتوني، وصل إلى مكتبه في شركة المواهب، حيث أدرك حقيقة غريبة ولكنها ملحوظة تماماً إلا وهي أن أنتوني لم يكن يعمل منذ 6 أشهر الماضية. وحين قرر أن يذهب إلى شقة أنتوني توقف ليجري مكالمة هاتفية إلى زوجة أنتوني. حيث نلاحظ كيف تحيرت زوجته عند سماع صوت زوجها. في وقت لاحق، قام مرة أخرى بإجراء مكالمة إلى أنتوني مذكراً إياه بأنه معجب كبير بأفلامه الثلاثة.
إحدى النقاط المهمة التي يجب ملاحظتها هنا هي أننا لا نرى زوجته تلاحظ أنتوني يتحدث إلى آدم قبلها، ولكن داخل الحمام بسبب أنها تسأل زوجها بعمق حول من كان يتحدث إليه، وهو السؤال الذي أجاب عليه قائلاً: إنه أحد المعجبين. هنا تتجه الكاميرا نحو هيلين، لنرى عيونها المتشككة والمتخوفة وهي تسأل أنتوني “هل لازلت تقابلها”. في تلك اللحظة نعلم أن أنتوني خائن لزوجته. الأمر الذي يقودنا مرة أخرى إلى التفكير فيمن يمكن أن يكون ذلك الشخص الذي قد يكون أنتوني قد خان زوجته معه. هل يمكن أن تكون ماري؟ دعونا نرى.
الشك
الآن الشيء التالي الذي نراه هو أن هيلين تأخذ المبادرة وكذلك المخاطرة بنفسها وتزور الجامعة حيث يدرّس آدم. وعندما لاحظت آدم يكافح ليقضي يوماً سعيداً تضيع في الشك وتحاول أن تفهمه تدريجياً من خلال تبادل النظرات مع آدم الذي ينتهي به الأمر بالسؤال عن عدد أشهر حملها ونسمع أشهرها الستة. هذا يذكرنا بحقيقة أخرى تعلمناها قبل أن نقول إن أنتوني عاطل عن العمل منذ 6 أشهر الماضية. لذا تنتهي المقابلة هنا، بينما يتمنى آدم لها فيما بعد يوماً سعيداً ويغادر لأخذ فصله. الآن مشهد آخر من التكهنات نواجهه حيث هيلين عندما تتصل بزوجها أنتوني فندرك أن آدم قد ترك المشهد بالفعل وتركنا نتساءل “لماذا؟”
تعترف هيلين بذهابها لمقابلة آدم. كل هذا بينما نرى هيلين مضطربة بعيون دامعة منزعجة بشأن ما رأته في الصباح بينما كانت تواجه أنتوني. أما الأكثر إزعاجاً وقلقا عندما يقول لها أنتوني: لا أعرف حقًا ما يحدث، فترد عليه قائلة “أعتقد أنك تعرف”. من خلال هذا نصل إلى نصف الفيلم بدليل أساسي واحد مفاده أن آدم وأنتوني ليسا مختلفين ولكن شخصاً واحداً له شخصيتان مختلفتان مما يجعل من الصعب على زوجته ابتلاع هذه الحقيقة.
تفسير سريع للأحداث
بعد هذا العرض نعلم هذه الحقائق:
- أنتوني وآدم كلاهما نفس الشخص.
- اسمه الحقيقي هو أنتوني، وهو ممثل. ومنذ 6 أشهر، حملت زوجته هيلين ومن هناك تبدأ القصة. إنه يشعر وكأنه محاصر في شبكة عنكبوت.
- للهروب من حالة الانقسام في الشخصية، جاء آدم إلى حيز الوجود. كونه آدم، حصل على وظيفة أستاذ التاريخ، واستأجر شقة مختلفة، وتمكن من الحصول على صديقة.
- إنه ليس سعيداً، ويبدو يأسه واضحاً من محاضراته والجنس الخالي من المشاعر الذي يمارسه مع صديقته. لذا تطارده العناكب في أحلامه.
- بعد ستة أشهر، شاهد فيلماً، لكنه لا يزال غير مدرك للواقع.
- الآن أشياء كثيرة تبدأ بالحدوث في عقله. مثل آدم يسمي أنتوني، وكما أنتوني يستجيب لآدم، لكن لم تحدث مثل هذه المكالمات على الإطلاق. كل شيء في مخيلته.
- عندما يُظهر أنتوني ندبة لآدم، يذهب إلى والدته. تعرف والدته عن كفاحه ليعمل ممثل، وأنه حصل الآن على وظيفة جيدة.
- الانتهازي أنتوني يرى الخوف من آدم ويحاول الاستفادة منه بإخراج فتاته. بالطبع أن كل شيء تقلب الشخصيات يدور في ذهنه فقط. تأتي شخصية آدم إلى منزل أنتوني.
- كانت هيلين تعلم سابقاً أن شيئاً ما ليس صحيحاً. إنها تعلم أن هناك فتاة في حياة أنتوني. (هذا واضح من الحجة التي لديهم). لكنها لم تعرف شيئًا عن انقسام الشخصية إلا عندما تزور الجامعة، وترى أنتوني يصور دور آدم.
- تكتشف هيلين مرة أخرى أن أنتوني لم يعد إلى منزله على أنه نفسه الأصلي بل لعب دور آدم، انطلاقاً من السلوك الغريب لآدم. لكنها تجد سلوك آدم أكثر راحة. (لهذا سألته كيف كانت الدراسة).
- يقع الحادث أيضاً في مخيلته فقط، لأنه يريد أن يذهب جزء “أنتوني” منه بعيداً.
- في صباح اليوم التالي، استيقظ مثل آدم مرة أخرى، لكن المفتاح يذكره مرة أخرى بالعروض الجنسية التي اعتاد أن يشاهدها هو أنتوني الأصلي. تنقلب الشخصية مرة أخرى إلى أنتوني ولكن ليس تماماً، لأنه طلب من هيلين الخروج في تلك الليلة. لكن رد الفعل في النهاية الذي أبداه عندما رأى عنكبوتاً عملاقاً خائفاً منه، يثبت كل شيء. الآن يعرف آدم كل شيء، الأحلام التي رآها عن العناكب. كل ذلك مرتبط بكونه “أنتوني” الأصلي.
مشهد العنكبوت في نهاية الفيلم
المشهد الأخير أحد أكثر مشاهد الفيلم رمزية، فعلى الرغم من أن ظهور العنكبوت جاء في العديد من المشاهد. على سبيل المثال مشهد البداية، والعنكبوت الضخم فوق المدينة، وفي أحلام آدم. إلا أن المشهد الأخير كان محيراً تماماً لكثير من المشاهدين.
أنثى العنكبوت
في البداية استخدم المخرج رمز العنكبوت لأمرين، أولهما: أن هناك بعض الأنواع من العناكب تقوم فيها الأنثى بقتل الذكر بعد عملية التزاوج. وهذا الأمر واضح بشكل كبير في شعور آدم باليأس والحزن مما يجعله يشعر بأن حياته قد سلبت منه. لذا اخترع شخصية جديدة ليحيا حياته التي يريدها. أما الأمر الثاني: فيتمثل في شبكة العنكبوت التي تحاصر فريستها لتلتهمها. وهنا يبدو ذلك واضحاً من شعور آدم دائماً بأنه محاصر داخل شبكة لا يستطيع الفكاك منها.
عندما ذهب آدم بعد أن تخلص من فكرة أنتوني في الحادثة رأى مفتاح نادي التعري في سترته. فأخبر هيلين أنه سوف يخرج الليلة، لكنها لم تجبه لذا اتجه إلى غرفتها ليجدها قد تحولت إلى أنثى عنكبوت مذعورة. مما يدل على أن أنتوني قد عاد مجدداً لما كان عليه.
أما سماع الحادثة عن طريق الراديو فهي من قبيل الصدفة فحسب. حيث لم يشير الراديو إلى تفاصيل الحادثة وربما تكون حادثة أخرى تماماً. أما الحادثة الأصلية التي راح ضحيتها أنتوني وماري فقد حدثت في عقل آدم.
أعتقد أن هذا الفيلم إبداع ملحمي للمخرج دينيس فيلنوف والذي أشرك فيه طواعية وبقوة العناكب في الفيلم لتصوير ديكتاتورية الرغبات التي تسيطر ببطء وتنتصر على عقل آدم وهو يبتعد ببطء عن زوجته ومهنته. أخيراً وليس آخراً، أود أن أقتبس من كلمات فيلنوف، الذي لم يكن صريحاً بشأن فيلمه، قد قال هذا عن العدو: “أحياناً يكون لديك إجبار لا يمكنك التحكم فيه قادماً من العقل الباطن … هو الديكتاتور داخل أنفسنا”.
في الختام لابد أن نشير إلى أن فيلم Enemy أحد أفضل الأفلام التي تم صنعها في العقد الأخير، لذا يستحق مكانة مرموقة بين أفضل الأفلام الأجنبية. وأنا أوصي بشدة بمشاهدة هذا الفيلم الرائع. وإذا أعجبك فيلم Enemy فهذه بعض الأفلام الشبيهة التي يمكنك مشاهدتها:
- Mulholand Drive.
- 12 Monkeys.
- Donnie Darko.
- Vanilla Sky.
- Memento.
- Nocturnal animals.
- Split.
- The Sixth Sense.
- Predestination.