فن

مراجعة فيلم C’mon C’mon 2021: دراما من العيار الثقيل

فيلم C’mon C’mon هو فيلم دراما من العيار الثقيل. وهو الفيلم الأول الذي يقوم ببطولته جواكين فينيكس بعد حصوله على جائزة الأوسكار. يطرح هذا الفيلم العديد من الأفكار القيمة مثل العطاء، والوحدة وتعقيدات الأمومة والأبوة، ومستقبل الأطفال في العالم في ظل الاضطرابات البيئية وعدم المساواة. في هذا المقال سنستعرض سوياً مراجعة فيلم C’mon C’mon.

قصة فيلم C’mon C’mon

تدور أحداث الفيلم حول جوني – جواكين فينيكس – الصحفي الإذاعي الذي يقوم بمقابلات مع الأطفال في جميع الولايات الأمريكية ليسألهم عن كيفية رؤيتهم للمستقبل. وعلى الرغم من أن جوني مستمع جيد ورائع في العمل كصحفي إذاعي إلا أن حياته الشخصية لا تسير على ما يرام كرجل في منتصف العمر يعاني من الوحدة.

لدى جوني أخت تدعى فيف – جابي هوفمان – لم يتحدث إليها قرابة العام. وبالتحديد بعد وفاة والدتهما، لكن في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الأم شرع جوني في التحدث مع أخته عبر الهاتف من غرفته بالفندق في ديترويت. وذلك خلال وجوده هناك لتسجيل مقابلاته. لكنه يكتشف أن فيف تعاني من فوضى كبيرة في حياتها. فلديها ابن يبلغ من العمر تسع سنوات، وزوج عليها رعايته من مرضه العقلي. وهي تريد الذهاب مع زوجها – سكوت ماكنيري – للعلاج في أوكلاند، وليس لديها أحد ليعتني بطفلها.

في ذلك الوقت عرض عليها جوني أن يعتني بالطفل طوال فترة غيابها. ومن هنا سافر إلى لوس أنجلوس لرعاية جيسي بضعة أيام. لكن جوني لا يعرف شيئاً عن رعاية الأطفال، ولا فكرة لديه عن الأبوة أو الأمومة، ومع ذلك قلل بشأن هذا الأمر. وسرعان ما يبدأ الطفل جيسي – وودي نورمان – في طرح العديد من الأسئلة المعقدة على جوني ليختبر بها مهارات الأبوة لدى عمه. وسرعان ما اقتربا الاثنان من بعضهما البعض، تحت ستار من الحب الحقيقي والمودة. وخلال أسبوع واحد استطاعا بناء رابطة قوية، وذلك خلال رحلتهما معاً إلى نيويورك ونيو أورلينز.

تميزت الأوقات التي قضاها معاً هذا الثنائي الرائع بالبهجة والسعادة تارة، والغضب والصراخ تارة أخرى، والإحباط وخيبة الأمل تارة ثالثة. وساعد التواصل بين الاثنان إلى تعلم جوني من الطفل جيسي العديد من الأمور التي كان يجهلها. لكن أهم ما في هذا الموضوع هو التواصل وتعلم الاستماع لبعضهما البعض. وفي النهاية تنتهي الأم من العناية بزوجها ليعود الابن إلى أحضان أمه مرة أخرى، لتنتهي بذلك القصة.

مراجعة فيلم C’mon C’mon

الأطفال هم المستقبل. لكنهم مع ذلك موجودون في الوقت الحاضر أيضاً. إلا أن رؤية الأطفال تعني النظر إلى المستقبل. لذا كان من الضروري التعرف على أفكارهم وما يشعرون به في ظل الظروف المحيطة بهم. تخيل أنك طفل على هذا الكوكب المكسور. بينما تعاني من أزمة صحية يبدو ألا نهاية لها، مع تفاقم أخطر المشكلات البيئية التي تحيط بهذا الكوكب. هذا بالإضافة إلى تفشي عدم المساواة والظلم. كل هذه القضايا تلوح في الأفق. لكن الأشخاص الذين يجب عليهم التعامل مع هذه القضايا والتخفيف من وطأتها نجد أنهم هم الذين يشعلون النيران بصورة أكبر، فالتشاجر والانقسام وغياب الوعي كل تلك الأمور تؤدي في النهاية إلى نقطة اللا عودة. وهذا ما يتأثر به الأطفال مما يجعل من المعاناة صديقة لهم. لذا من الضروري على كل فرد أن يستمع لهم، ويحاول منحهم الثقة والتخفيف عنهم، وهذه هي الرسالة الأولى في فيلم C’mon C’mon.

يحاول فيلم C’mon C’mon تصوير علاقة العطاء التي يطورها جوني مع ابن أخيه البالغ من العمر تسع سنوات. ويدفعنا هذا الأمر إلى التفكير في كيفية تواصلنا نحن الكبار مع الأطفال ومطالبتنا بالاهتمام بمستقبلهم. كيف يرى هؤلاء الأطفال العالم؟ كيف يرون مستقبلهم؟ يقدم كل طفل، في مقابلة حقيقية، إجابات تبدو صادقة في حديثهم غير المريح. إن الآباء لا يفهمون مخاطر عالمنا التي تثقل كاهلنا في ظل معاناة المجتمعات من أزمة قيم. لكن فينيكس يقدم مثل هذا المستمع المنفتح والجاد الذي يستمع إليهم وهم يتحدثون عن أحلامهم وتطلعاتهم، والصعوبات الحقيقية والعقبات في طريقهم.

رسائل خفية

أما المعاني الخفية والرسائل التي يحاول فيلم C’mon C’mon أن يرسلها فهي قضية ملحة تناولها فيلم don’t look up وهي قضية التغييرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري التي لن تؤثر على حياتنا نحن فحسب. بل على حياة الأطفال في المستقبل كذلك. ويبدو ذلك واضحاً في العديد من أجوبة الأطفال في الفيلم. على غرار:

“لم أفكر أبداً في إنني سأكون خائفاً إلى هذا الحد عما قد يحدث في المستقبل، ولكن الآن بدأت أفكر في الأمر.. لا أستطيع أن أتخيل انقراض الحيوانات، التلوث، احتضار الأرض.”

وفي إجابة أخرى نجد:

” لا اعتقد أن العالم سينتهي، اعتقد فقط أن العالم لن يكون نظيفاً كما كان من قبل.”

“أفكر في الذهاب إلى الفضاء واكتشاف كوكب جديد.”

الأداء في فيلم C’mon C’mon

الدور الأول الذي يقوم به أي ممثل بعد فوزه بجائزة الأوسكار هو دائماً لحظة حبس أنفاسك. ففي أعقاب حصولهم على أعلى جائزة سينمائية في بلده نجد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن يظلوا أوفياء لمسيرتهم المهنية التي بنوها والاستمرار في هذا الأداء الرائع؟ أم أنهم سوف يميلون إلى المشاريع التي تتعلق بالربح أكثر من الفن، مما يؤدي إلى أن تكون جائزتهم هي نقطة الضوء الوحيدة في مسيرتهم الفنية. لقد رأينا من قبل حصول توم هانكس على جائزة الأوسكار في فيلمه فيلادلفيا عام 1993 ثم بعد ذلك بعام نحج في استكمال مسيرته الرائع عبر فيلم فورست جامب. ومن الجلي أن جواكين فينيكس سار على هذا النهج. حيث فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم Joker في عام 2019، واستمر أداءه الرائع في هذا الفيلم. لقد كان أداؤه منعش وصادق وحقيقي بالفعل.

أما التبادلات الديناميكية والحساسة بين جوني وجيسي فهي ساحرة ورائعة بشكل لا يقاوم. حيث يلعب فينيكس بشكل مثالي روحاً لطيفة تريد تكريس عمله ليكون صوت الشباب ومع ذلك يكافح لإيجاد النغمة المناسبة للتواصل مع ابن أخيه الصغير. بينما الطفل وودي نورمان كان طبيعياً بشكل استثنائي ورائع في نقل روح جيسي المحبة وعقله الإبداعي. لقد صنع الكاتب والمخرج مايك ميلز سوناتا غنائية مع هذا الثنائي.

أما دور الفنانة جابي هوفمان فقد جاء كذلك على قدر عال من الروعة. حيث تمثل دور الأم الغارقة في فوضى كبيرة، وحيرتها بين رعاية زوجها المريض وطفلها الغريب. وقد كانت على قدم المساواة مع فينيكس في اتقان الدور بشكل كبير.

التصوير والموسيقى

قام المخرج مايك ميلز بتصوير فيلم C’mon C’mon باللونين الأبيض والأسود، وهذا الأمر كان موفق بدرجة كبيرة لتوضيح العديد من الأمور أهمها فكرة الوحدة التي تتناسب مع هذين اللونين، وكذلك الفكرة التي أراد توصيلها، وهي كيف يمكن للتغييرات المناخية أن تجعل حياتنا على هذا الكوكب باللونين الأبيض والأسود لتختفي الألوان الأخرى نهائياً. أعتقد أن تصوير الفيلم بالأبيض والأسود قراراً صائباً. إن اختيار الأسود والأبيض يعزز بالضبط هذه الصفات، ويوجه الانتباه ليس فقط إلى التدريج الممتاز، ولكن أيضاً إلى التفسيرات الموحية.

أما بالنسبة للموسيقى التصويرية فلقد كانت رشيقة وبسيطة، كما يقضي المشاهد الكثير من الوقت في المشهد، في سكون بصري يتماشى جيداً مع الجو العام للفيلم. بينما تقوم الكاميرا بفحص هذه الشخصيات المحاكية القليلة دون أن تكون متطفلة، كما لو كانت تتجسس عليها خلال لحظات حقيقية من الحياة اليومية.


في الختام وبعد مراجعة فيلم C’mon C’mon لابد من التنويه إلى إنه واحد من أفضل الأفلام الدرامية التي أنتجت في عام 2021، واستطاع فيها جواكين فينيكس أن يحافظ على نجاحه، والسير على نفس الخط الذي سار عليه من قبل توم هانكس بعد حصوله على جائزة الأوسكار. لذا أنصح بمشاهدة هذا الفيلم، فهو يستحق بالفعل.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

‫2 تعليقات

  1. ماذا هنالك .. اعني المستقبل للاطفال .. بعد كل العبث الذي قمنا ونقوم به

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!