فن

مراجعة فيلم Parallel Mothers: هل يمكن لأحداث الماضي أن تحدد مستقبلنا؟

فيلم Parallel Mothers هو فيلم دراما إسباني من إخراج بيدرو ألمودفار وبطولة بينيلوبي كروز. يحمل هذا الفيلم في طياته أفكاراً حول التاريخ المشترك والمصير والإرث. في هذا المقال نستعرض سوياً مراجعة فيلم Parallel Mothers بشيء من التفصيل.

تحذير: هذا الفيلم لا يصلح للمشاهدة العائلية

قصة فيلم Parallel Mothers

تدور أحداث الفيلم حول جانيس – بينيلوبي كروز – وهي امرأة في أواخر الثلاثينيات من عمرها تعمل كمصورة للمجلات. تحاول جانيس جاهدة اكتشاف حقيقة مقبرة جماعية لأهل قريتها تعتقد أن حزب فرانكو القومي الفاشي قد قتلهم ودفنهم خلال الحرب الأهلية الإسبانية. لذا تلجأ إلى عالم الآثار أرتورو – إسرائيل إليجالدي – لمساعدتها في الكشف عن هذه المقبرة. وبعد أن تطورت العلاقة بينهما مارسا الجنس وقد أصبحت حاملاً منه. بينما أرتورو متزوج ويعمل على رعاية زوجته المصابة بالسرطان، لذا يرفض أن تتطور علاقته مع جانيس لتصل إلى وجود طفل بينهما. ولكن جانيس تريد هذا الطفل بشدة، مما جعلها تخلي أية مسؤولية أرتورو من أي التزامات.

في مستشفى الولادة شاركت جانيس الغرفة مراهقة غير سعيدة في حياتها تدعى آنا – ميلينا سميت – وكانت حاملاً أيضاً. تأتي والدة آنا وتدعى تيريزا – ايتانا سانشيز خيخون – لزيارة ابنتها في المستشفى فتتعرف على جانيس، وتيريزا هي ممثلة طموحة لا تهتم كثيراً بموضوع تربية الأطفال ولا ترغب في مساعدة ابنتها في تربية الطفل.

علاقة متشابكة للأبد

بعد أن أنجبت كل من جانيس وآنا طفلة، فإن حياتهن ستظل متشابكة للأبد، وعليهن مواجهة عواقب كل إجراء يتخذهن على طول الطريق. لقد تركت جانيس المستشفى وعادت إلى منزلها، كما عادت آنا إلى منزل والدتها. وفي ذات يوم من الأيام يحاول أرتورو الاتصال بجانيس ويطلب منها رؤية ابنته. وعندما يراها تصيبه الدهشة فهي لا تشبه مطلقاً. لذا يطلب من جانيس إجراء تحليل لكشف إذا ما كانت بالفعل ابنته أم لا.

هنا تغضب جانيس وترفض طلبه، وتقطع علاقتها به نهائياً. لكن الشك مازال يساور الأم مما جعلها تجري هذا الكشف، لتكتشف أنها ليست الأم البيولوجية لهذه الطفلة. فتدرك على الفور أن هناك خطأ قد حدث من قبل العاملين في المستشفى وقد تم تبديل الطفلتين. لكن جانيس لم تحاول الاتصال بآنا لتخبرها بهذا الأمر. كما أخفت هذه الحقيقة عن أرتورو كذلك.

المقبرة الجماعية

تتقابل جانيس مصادفة مع آنا التي تعمل في المقهى المجاور لمنزلها. فتطلب منها أن تعمل لديها لرعاية الطفلة في ظل انشغالها. وتقبل آنا هذه الوظيفة لتنتقل للعيش مع جانيس. لكن عندما تسألها جانيس عن طفلتها تخبرها آنا أنها ماتت نتيجة مرض نادر يسمى موت المهد. فطفلتها كانت مصابة بمشكلة في الدماغ أدت إلى وفاتها.

تقيم آنا علاقة مع جانيس، وتطلب منها عينة للتحليل، وعندما يأتيها التقرير تعلم أن آنا هي الأم البيولوجية لطفلتها. وبعد أن تتطور العلاقة بينهما تخبرها جانيس بالحقيقة مما يجعل آنا تغادر منزل جانيس حاملة معها طفلتها. وفي تلك الأوقات يأتي أرتورو لجانيس ويخبرها بأن اللجنة قد وافقت على حفر المقبرة الجماعية. لتذهب معه في النهاية لعمل مقابلات مع الأمهات العجائز من أجل البدء في الحفر. وبعد الحفر وانتهاء العمل يكتشف أهل القرية بالفعل أن فرانكو في قتل أجدادهن.

اقرأ أيضًا: شرح فيلم I’m thinking of ending things: رعب أن تكون على قيد الحياة

مراجعة فيلم Parallel Mothers

بعد عرضنا للقصة نشرع في مراجعة فيلم Parallel Mothers. وكما هو الحال في معظم أفلام بيدرو ألمودفار، يستخدم المخرج صوراً فخمة وألواناً زاهية في سرد ​​قصته، وهذا ليس استثناءً في هذا الفيلم. فبيدرو ألمودفار يكتب نصاً يتحدى توقعات الجمهور في كل خطوة على الطريق. وعندما تعتقد أن شخصية ما لن تسير في اتجاه معين، ستفاجأ بالقصة لأنها ستذهب إلى هناك.

إن التقلبات والانعطافات في الدراما آسرة للغاية لدرجة أنك سوف تغفر بعض التطورات غير المعقولة في الحبكة. ومن الرائع مشاهدة كيف تكافح جانيس – بينيلوبي كروز – مع معضلة أخلاقية بين كشف حقيقة التاريخ وعيش حقيقة حياتها الحقيقية. ومما يبعث على الرضا بالقدر نفسه أن ترى تحول آنا من مراهقة ضعيفة إلى شخصية أم واثقة من نفسها. حتى بالنسبة إلى تيريزا، أعطاها بيدرو صوتاً للتعبير عن أسفها لعدم قدرتها على التواجد من أجل آنا عندما تحتاجها. لقد ابتكر ببراعة ثلاث شخصيات أم متوازية مختلفة تماماً ولكنها تشترك أيضاً في مبدأ واحد.

يعبر فيلم Parallel Mothers بشكل جميل عن الارتفاعات والانخفاضات السعيدة والمؤلمة للأمومة، والتي يتم سردها بدقة من خلال قصة امرأتين عازبتين تشتركان في غرفة في المستشفى بشكل مصيري. حيث يجمع الفيلم الإسباني ببراعة بين الصور الحية والتوتر العاطفي لخلق قصة جذابة تتجنب الكليشيهات والقوالب النمطية والمزالق الأخرى من هذا النوع. إن فيلم Parallel Mothers الذي يمكن الارتباط به بشكل غير قابل للتنبؤ به هو نظرة لا تلين ولا تُنسى على الأمومة والحب والفقدان.

أبعد من قصة مسلية

كتب ألمودفار فيلم Parallel Mothers الذي يروي القصة بخبرة من خلال توجيهه الدقيق والمدروس. إنه يعتني بكل لقطة، ويملأ الإطار بألوان وأنسجة وأنماط زاهية. فكل لقطة تخدم غرضاً. حيث يتم توصيل مشاعر وخبرات الشخصيات بخبرة من خلال لحظات دقيقة: كيف يقفون، والمسافة بين الشخصيات، وحتى الطريقة التي يسقط بها الضوء على وجوههم، كل صورة هي نموذج مصغر للحياة الداخلية للشخصيات. إنه مثير للذكريات بشكل رائع من البداية إلى النهاية.

يتميز فيلم Parallel Mothers بموضوعاته التي ترفع من مستوى الفيلم إلى ما هو أبعد من كونه مجرد قصة جيدة أو مسلية. ففي حين أن الفيلم الروائي يدور ظاهرياً حول الأمومة، فعلى مستوى أعمق يدور حول التاريخ المشترك والمصير والإرث. حيث تبدأ علاقة “جانيس” مع “أرتورو” لأنها تحتاج إلى مساعدته في تسوية مسألة من ماضي عائلتها. كما تتقاطع حياة آنا وجانيس بشكل متكرر، عن طريق الصدفة تماماً – لكن ينتهي بهما الأمر بالتشابك معاً بشكل جوهري، بعد أن يرتبطا بمأساة مشتركة.

رمزيات الفيلم

كما يصور الفيلم في رمزياته جانيس وهي الماضي التي كان متشبثاً بفكرة التاريخ والأرض والعائلة. في حين تمثل آنا الحاضر الذي لا يهتم مطلقاً بأي من هذا وقد بدا ذلك واضحاً في العديد من المشاهد بين جانيس وآنا. هذه هي الفكرة التي يؤكد عليها الفيلم والتي تقول بأن الأحداث في الماضي يمكن أن تحدد مستقبلنا بطرق لا يمكن التنبؤ بها. إنها رسالة ناضجة للجماهير، وهي جزء مما يجعل Parallel Mothers فيلماً فريداً وساحراً.

يحاول بيدرو أن يطرح وجهة نظره من خلال الكشف عن فاشية فرانكو والنضال من أجل الحرية، والبحث عن الحقيقة التاريخية والأحداث ومصائر أفراد المجتمع، وتوسيع مفهوم الأسرة والحب، والمساحات التي غزاها مجتمع المثليين تدريجياً، وهي رسالة واضحة إلى حد ما ومهمة بلا شك. أما الاستعارة التي استخدمها في هذا الفيلم فهي الحمض النووي للأفراد والآباء والأطفال والمجتمعات والأمة بأكملها. فهو رمز جيني أخلاقي وثقافي وسياسي أيضاً.

فيلم أنثوي

يمتلك الفيلم فرضية مباشرة – وإن كانت غامضة -: جانيس (بينيلوبي كروز) وآنا (ميلينا سميت) تأتيان من مناحي مختلفة تماماً في الحياة، ولكن تربطهما علاقة بتجربتهما المشتركة في الذهاب إلى المخاض كأمهات عازبات. فجانيس هي محور التركيز الرئيسي، وهي تواجه تحديات غير عادية كوالدة جديدة. ويزداد الأمر تعقيداً عندما يتحدى أرتورو الأب البيولوجي للرضيع الأبوة المفترضة للطفل. أما آنا الأصغر منها بكثير، فلديها كفاحها الخاص مع دورها الجديد، وذلك بفضل افتقارها إلى حياة منزلية مستقرة عاطفياً. وفي كلتا الحالتين، فإن ضغوط تربية الأطفال ليست هي المشكلة؛ بالأحرى، فإن هؤلاء الأمهات لديهن شياطين داخلية للتعامل معها.

فيلم Parallel Mothers هو فيلم أنثوي فريد. باستثناء أرتورو، فإن جميع الشخصيات الرائدة والداعمة – على الأقل أولئك الذين يظهرون على الشاشة – هم من النساء. وهذا أمر طبيعي فالحبكة الرئيسية للفيلم تدور في فلك الأمهات وتجربة الأمومة. ومن المناسب أن هذا فيلم شديد التعاطف يتجنب الصراع المصطنع من أجل اتباع نهج أكثر دقة في سرد ​​القصص.

الأداء

بينيلوبي كروز هي قلب وروح فيلم Parallel Mothers. وهو ليس التعاون الأول بين هذا المخرج والممثلة. وقد تبدو معرفتهما الكبيرة في التقاط المخرج لكل إيماءة خفية، وكل لمحة، ونفس بشكل مثالي. بينما تتألق كروز كأم عازبة بصورة جيدة للغاية، ولكن بمرور الوقت، تظهر بوجه شاحب مرهق لوالدة تكافح من أجل مواكبة المسؤوليات التي لا تنتهي والمتعبة للغاية. كذلك تقدم ميلينا سميت نظيراً مرضياً لكروز، مما يدل على عمقها كممثلة. حيث تلعب الفتاة البالغة من العمر 25 عاماً دورًا أصغر في السرد العام، لكنها تترك الكثير من التأثير، مما يثبت أنها نجمة صاعدة يجب الانتباه إليها.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم possession: فيلم ملعون لا يمكن نسيانه

في الختام وبعد مراجعة فيلم Parallel Mothers لابد من الإشارة إلى إنه فيلم عن الماضي والحاضر وقبل كل شيء الحقوق المدنية والحريات الفردية. وهو واحد من أفضل أفلام الدراما التي أُنتجت مؤخراً.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!