عصر التنوير الأوروبي: مقدمة موجزة جداً

You are currently viewing عصر التنوير الأوروبي: مقدمة موجزة جداً
أهم سمات وخصائص عصر التنوير الأوروبي

تميز عصر التنوير بسعيه إلى تخليص الدين وتنقية كل العقائد والأفكار اللاعقلانية التي التصقت به. والدعوة إلى التفكير العقلاني واستخدام العقل، وبفضل مساهمات عدد كبير من المفكرين والفلاسفة من جميع المجالات اشتمل هذا العصر على إصلاحات علمية وثقافية وفلسفية واجتماعية هائلة.

ما هو عصر التنوير؟

عصر التنوير هو العصر الإنساني الذي بدأ في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وفيه سادت المعرفة في حياة الإنسان، وأصبح العقل هو المعيار، وترك الأوروبيون المعتقدات الدينية والأيديولوجية الثقافية والسياسية والاجتماعية القديمة وراء ظهورهم. بينما ساهمت هذه الحركة الفكرية والثقافية في تطور الإنسان بفضل رواد عصر التنوير. وسمحت للفرد بتطوير قدرة التفكير النقدي، والتي تعني القدرة على استخدام العقل، دون توجيه من شخص آخر. وبدءاً من عصر التنوير، شرع الجميع يفكرون بأنفسهم، ويستخدمون عقولهم في تحليل وتفسير بيئتهم دون مساعدة الآخرين. لذلك كان العلم والعقل هما أهم أبطال عصر التنوير، مما سمح بتحقيق تقدم متكامل للفرد والمجتمع بشكل عام.

كان من بين أعظم دعاة هذا العصر هو الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، الذي كشف عن التحرر الفكري للإنسان بتشجيعه على التفكير بنفسه. كما انفتحت فترة من الإثراء العلمي، وتغلبت أوروبا على الأمية والظلامية التي كانت سائدة في العصور الوسطى. بينما عزز عصر التنوير التفكير النقدي والمعرفة العقلانية والمساواة الاجتماعية. ومنذ ذلك الوقت أصبح يُنظر إلى الدين بمنظور آخر تحكمه سيادة العقل وليس الخرافات. 

هذه الأفكار التحررية اشترك في الدعوة إليها عدد من فلاسفة التنوير مثل رينيه ديكارت ومونتسكيو وفولتير وإسحاق نيوتن وجون لوك وجان جاك روسو وغيرهم الكثير ممن آمنوا بالحرية والكمال الإنساني. بينما بدأ عصر التنوير في بريطانيا العظمى ثم انتقل إلى فرنسا وألمانيا واسكتلندا وإيطاليا. أي بعبارة أخرى هو انتقال من الغرب إلى الشرق.


السياق التاريخي والاجتماعي

كان عصر العقل الذي بدأ في القرن السادس عشر هو مقدمة لعصر التنوير. وكانت الفلسفة السائدة في ذلك الوقت هي وحدة الطبيعة مع الله. ومنذ ذلك الحين، ركز عصر التنوير على الاستفسار عن عقلية الله وتمجيد الإنسان لاستنتاج إجابات لحقائق الوجود العظيمة. وعلى المستوى الاجتماعي قبل ظهور حركة التنوير اتسمت البشرية بارتفاع معدلات الأمية، فضلاً عن غياب العمليات الإدراكية العقلانية. لكن جلب التنوير تغييرات هائلة وأصبح العلم والعقل المصادر المشروعة للمعرفة.

لنعود إلى الوراء قليلاً لنتعرف على دور فلاسفة التنوير الفرنسيين في هذه النهضة. في البداية زار الكثير من هؤلاء الفلاسفة إنجلترا التي كانت تتمتع بحرية أكبر في ذلك الوقت من فرنسا. بينما هناك سحرت ألبابهم الاكتشافات الحديثة في العلوم الطبيعية وعلى وجه التحديد قوانين الفيزياء العامة التي وضعها إسحاق نيوتن. كما استلهموا فلسفة جون لوك السياسية، وعندما عادوا إلى فرنسا بدأ التمرد على السلطة القائمة وعلى جميع الحقائق الموروثة. وصل هذا التمرد إلى سلطة الكنيسة ذاتها كما وجهوا النقد للملك والنبلاء. وفي ذلك الوقت بدأ شيوع الأفكار الثورية التي حملوها معهم.

اقرأ أيضًا: النظرية العلمية: المفهوم والمعايير وأهم النظريات العلمية

العقلانية

كان إيمان فلاسفة التنوير بالقدرة الفطرية للعقل هو أساس فلسفة التنوير الفرنسية، وكانوا يؤمنون إيماناً عظيماً بعقل الإنسان، وهي سمة بارزة في عصر التنوير لدرجة إطلاق اسم عصر العقل على عصر التنوير الفرنسي. بينما ساهمت العلوم الطبيعية ومكتشفاتها في فكرة إخضاع جميع الظواهر إلى حكم العقل، ومن هنا رأى الفلاسفة أن دورهم هو إرساء أسس الأخلاق والدين وفقاً لعقل الإنسان. ومنذ تلك اللحظة شرعوا في تثقيف الجماهير وأولوا اهتماماً كبيراً لتعليم الأطفال والشعب.


الأسباب التي أدت إلى ظهور حركة التنوير

بما أن عصر التنوير يقوم على نفي الجهل وتعزيز أنوار المعرفة والعقل، فمن الضروري معرفة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نشوء حركة التنوير في أوروبا. بينما تتمثل هذه الأسباب فيما يلي:

  • فقدان المصداقية في الدين وخاصةً الدين المسيحي.
  • ضعف المعتقدات الثقافية المتجذرة في المجتمع.
  • صعود الطبقة الاجتماعية البرجوازية.
  • ظهور النزعة الإنسانية التي تعتبر الإنسان مركز كل ما هو موجود.
  • سمو القدرة العقلية للإنسان.
  • استفحال الفقر والقمع والجهل والخرافات في المجتمع.
اقرأ أيضًا: علم النفس المعرفي: مقدمة موجزة جداً

خصائص عصر التنوير

هناك العديد من السمات التي تميز هذه الفترة التاريخية. بينما يمكننا أن نوجز أهم خصائص عصر التنوير في النقاط التالية:

  • التفكير النقدي.
  • مركزية الإنسان.
  • السعي لتحقيق السعادة.
  • العقلانية والعلمانية.
  • محاربة الحكم المطلق.
  • الحرية والأخوة والمساواة.
  • التمييز والإرادة الحرة فوق الإيمان والدين.

نتائج عصر التنوير

إن تأثير عصر التنوير الذي تم تصوره من منظور التيارات الجديدة للفكر التقدمي، يتم تلخيصه في النتائج التالية:

  • تغييرات في البنية الاجتماعية والثقافية.
  • تقدم البشرية من خلال التعلم والمعرفة.
  • استخدام العقل على الدين.
  • الإصلاحات الاقتصادية التي أدت إلى الليبرالية.
  • لم يعد النظام الاجتماعي يدور حول الله بل حول الإنسان.
  • إصلاحات تربوية مع الاهتمام بالعلوم والتربية.
  • المعرفة يمكن مقارنتها بحرية الإنسان.
  • الحداثة الثقافية التي ساهمت في نهوض الإنسان.
  • تأسيس الرأسمالية.
  • مناهضة امتيازات الدم للملكيات المطلقة.
  • ظهور تيار الموسوعيّة.
  • مساهمات ثقافية كبيرة في الفن.
  • إثراء التيارات الفلسفية من التجريبية والعقلانية.
اقرأ أيضًا: فن الكهوف: كيف كان يرسم الإنسان قديماً؟

فلسفة عصر التنوير

سعت فلسفة هذه الفترة التاريخية إلى التنوير الداخلي من خلال العقل والمعرفة. بينما نادى بعض فلاسفة التنوير بالعودة إلى الطبيعة، وكانت الطبيعة في مفهومهم مرادفاً للعقل، فنظروا إلى العقل الإنساني على إنه هبة من هبات الطبيعة أكثر من كونه نتاج للدين أو الحضارة. ولاحظ البعض منهم أن الشعوب البدائية أكثر سعادة وأوفر صحة من الشعوب الأوروبية لأنها لم تعرف هذا النوع من التحضر. ومن هنا رفع روسو شعار العودة إلى الطبيعة لأن الطبيعة خيرة والإنسان خير بطبعه والحضارة هي ما تفسده.


العلوم

يمثل عصر التنوير حقبة الاكتشافات العلمية العظيمة، من بينها مبدأ الشك المنهجي الذي يبرز لتحقيق معرفة معينة. بينما ساهم هذا المبدأ الذي وضعه رينيه ديكارت في تقدم العلوم في ذلك الوقت. ولا يمكن أن نغفل دور إسحاق نيوتن واكتشافه لقوانين الفيزيائية للميكانيكا الكلاسيكية. كذلك كان هناك مساهمات أخرى لعدد لا بأس به من المفكرين والعلماء مثل بليز باسكال، وجاليليو جاليلي، وليبنيز، وجون لوك، وفرانسيس بيكون، وديفيد هيوم، من بين آخرين. لقد كان هناك تقدم حاسم في الرياضيات والفيزياء والجيولوجيا.

اقرأ أيضًا: حرب المائة عام بين فرنسا وبريطانيا

الدين في عصر التنوير

مع ثورة المعرفة التي ولّدها عصر التنوير نُظر إلى الدين من منظور جديد. بينما تم انتقاد الدولة والكنيسة بصورة كبيرة مما أدى إلى تراجع المسيحية واختفاء محاكم التفتيش المقدسة. كذلك رأى فلاسفة التنوير أن من المهام الضروري تنقية الدين المسيحي من الخرافات والأفكار غير العقلانية التي التصقت بتعاليم المسيح البسيطة على امتداد تاريخ الكنيسة، ودعا هؤلاء الفلاسفة إلى ما يسمى بالدين الطبيعي. بدأ الماديون في هذه الفترة إعلان إلحادهم وإنكار وجود الله. لكن على العكس من ذلك لم يتصور فلاسفة التنوير العالم بدون وجود الله. وذلك نظراً للتصميم والتنظيم الذي يسود الكون. لكن وجود الله في تصورهم يرتكز على العقل وليس على رسالات سماوية، كما اعتقدوا أن العقل يفرض الإيمان بخلود الروح كما أقر بذلك رينيه ديكارت.

ومن هنا ساد الاعتقاد بفكرة التأليه الطبيعي، وهو يعني وجود إله خالق للكون ولكنه لم يتجلى للبشرية لا بوحي أو برسل. وبالتالي اُختزل مفهوم الإله إلى كائن أعلى تتجلى آثاره في الطبيعة بما تشتمل عليه من تنظيم وقوانين. وهو يشبه تقريباً “المحرك الأول” أو “الإله الفلسفي” في فلسفة أرسطو


الثقافة والفن

كانت الثقافة تُفهم في عصر التنوير على أنها القدرة على تنمية الفكر والروح البشرية. وأصبحت الثقافة والفن في أوج عظمتهما في ذلك الوقت. حيث حقق الفن في عصر التنوير أقصى درجات روعته. كما كانت هناك تغيرات كبيرة لها صلة بالأدب والرسم والموسيقى وتقاليد المجتمع في جميع المجالات. بينما سادت عقلية ثقافية تقوم على التصوف. ولأول مرة، كان الإنسان مهتماً بالسعادة. كما ازدهرت الأكاديميات الكبرى للفنون ولعل من أهم المؤلفات التي أنتجتها حركة التنوير موسوعة هائلة تضم 28 مجلداً تولى نشرها من عام 1751 حتى عام 1772 وقد أسهم في إنتاجها كبار الفلاسفة والأدباء. ويقال عنها: “يوجد بها كل شيء من طريقة صنع الإبرة إلى طريقة سبك المدفع”. وفي نهاية القرن الثامن عشر، بدأت الحركة الرومانسية في الأدب والفن تعطي أهمية كبرى للمشاعر الإنسانية.

اقرأ أيضًا: من هم الهنود الأوروبيون؟ وكيف أثروا على أمم أوروبا؟

السياسة في عصر التنوير

كان تأثير عصر التنوير في المجال السياسي لا جدال فيه. حيث تم فيه فصل السلطات وإعادة تنشيط الاقتصاد وظهور الليبرالية. كما تم الاعتراف بالحقوق الطبيعية للمواطن، وقد خاض رواد عصر التنوير حملة ضد الرقابة على حرية الفكر. بينما دعوا إلى ضمان حق الفرد في حرية التفكير في المسائل الدينية والأخلاقية والسياسية والتعبير عن آرائه بحرية تامة. كما ناضلوا في سبيل إلغاء الرق وتحسين معاملة المجرمين.

ظهرت خلال الثورة الفرنسية الحركات الأولى المدافعة عن حقوق المرأة، وناضل العديد من فلاسفة التنوير من أجل أن تتمتع المرأة بحقوق مساوية للرجل، وعندما اندلعت الثورة الفرنسية اضطلعت النساء خلالها بدور شديد الفعالية في مكافحة النظام الإقطاعي القديم. وفي مجال الفكر السياسي المستنير ظهر تطبيق العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، الذي وضع فيه أسس القانون العام، حيث يُنظر إلى الناس على أنهم كائنات حرة ومتساوية أمام القانون الذي تضعه دولة شرعية.

اقرأ أيضًا: هيباتيا: الموت المفاجئ والوحشي لأشهر فيلسوفة في التاريخ

رواد عصر التنوير

يمكن تصنيف رواد عصر التنوير في أكثر من فئة حسب إسهاماتهم. في هذا القسم نستعرض بإيجاز أهم رواد عصر التنوير:

  1. مونتسكيو

    هو أول مفكر في عصر التنوير كتب فلسفة المجتمع والتاريخ، استخدم مونتسكيو الطريقة العلمية التي طورها نيوتن وحاول تطبيقها في دراسة المجتمعات البشرية. كما شرع مونتسكيو في إيجاد القوانين العامة والخاصة، والمبادئ التي من شأنها أن تشرح حالات معينة (الهياكل الاجتماعية والأشكال السياسية) وتاريخ الأمم (التغيير). ومن أبرز أعماله “الرسائل الفارسية” و “روح القوانين”.

  2. جان جاك روسو

    أحد أبرز فلاسفة عصر التنوير وأكثرهم تأثيراً على الأفكار السياسية في القرنين العشرين والحادي والعشرين. حاول روسو إيجاد حل لمشكلة التناقض بين النظام الاجتماعي وطبيعة الإنسان. كان السؤال الذي حاول روسو حله هو إيجاد نظام اجتماعي تكون قوانينه منسجمة قدر الإمكان مع قوانين الطبيعة. بينما أهم أعماله “العقد الاجتماعي” و “محاورات في العلوم والفنون”، و “في التربية: إميل نموذجاً”.

  3. كوندورسيه

    كان عالم رياضيات بارزاً إلا إنه قدم مساهمات كبيرة في القضايا الاجتماعية والسياسية في عصره. بينما من أبرز مساهماته فكرة العلمانية وانتقاد النظام الاجتماعي القائم على الدين السياسي. أهم أعماله مقالته “تطبيق التحليل على احتمال قرارات الأغلبية” و “تأملات في العبودية الزنجية”.

  4. فولتير

    أحد أهم رواد عصر التنوير الذين برزوا بشكل هائل في مجال الأدب والفلسفة. بينما دافع فولتير عن التعايش السلمي بين الناس من مختلف الأديان، ومن أهم أعماله كانديد أو التفاؤل الذي هاجم فيه بذكاء الكنيسة الكاثوليكية.

  5. ديفيد هيوم

    طور هيوم جانباً من جوانب الفلسفة العقلانية والتفكير المعرفي، ويعد خليفة لجون لوك وجورج بيركلي. أما أحد أهم مساهماته الفلسفية هي اعتقاده بأن أي معرفة بالعالم الخارجي مستحيلة. وهذا ما جعله أهم شخصيات عصر التنوير لأنه أيقظ إيمانويل كانط من نومه العقائدي. بينما كان لهيوم تأثير كبير على حركات مثل الوضعية المنطقية والنفعية والفلسفة التحليلية.

  6. إيمانويل كانط

    يعتبر كانط هو أول من صاغ نظرية المعرفة، ويحتل مكانة مميزة وسط فلاسفة عصر التنوير. أما أهم أعماله “نقد العقل الخالص” و “نقد العقل العملي” و “نقد الحكم” و “ميتافيزيقا الأخلاق”.

  7. آدم سميث

    هو خبير اقتصادي وفيلسوف أخلاقي. بينما كان سميث مراقباً يقظاً للعملية الأولية للتصنيع والتقسيم الاجتماعي للعمل الذي اكتسب قوة في بداية القرن الثامن عشر. ما حلله وقيمه بشكل إيجابي كان النمو الهائل في الإنتاجية والكفاءة المستمدة من التقسيم المتزايد للعمل. وفقاً لسميث، سيكون تقسيم العمل في النهاية المصدر الحقيقي للثروة والرفاهية. بينما طور آدم سميث أيضاً بعض الأفكار الاجتماعية، مثل تأثير الموقف الاجتماعي على مستقبل كل فرد، وأهمية التعاطف في العلاقات الاجتماعية، والطبيعة الاجتماعية للبشر وميلهم نحو التبادل. أكثر أعماله شعبية هي ثروة الأمم.


 كان عصر التنوير هو الشرارة الأولى لتقدم البشرية. حيث قدم عدداً لا يحصى من الفلاسفة والمفكرين والعلماء المستنيرين الذين ساهموا في الإصلاحات العلمية والثقافية والاجتماعية العظيمة التي ساعدت في تطور البشرية بشكل عام.

المراجع

1.       Author: HISTORY.COM EDITORS, (12/16/2017), Enlightenment, www.history.com, Retrieved: 9/8/2022.

2.       Author: William Bristow, (8/20/2010), Enlightenment, www.plato.stanford.edu, Retrieved: 9/8/2022.

3.       Author: Sebastian Conrad, (9/21/2012), Enlightenment in Global History: A Historiographical Critique, www.academic.oup.com, Retrieved: 9/8/2022.

اترك تعليقاً