الأدب: آلة سحرية تسافر بك عبر الأمكنة والأزمان

You are currently viewing الأدب: آلة سحرية تسافر بك عبر الأمكنة والأزمان
دور الأدب

سأل جميع الكتّاب أنفسهم في وقت ما أحد أكثر الأسئلة المثيرة للجدل التي تطارد ذهن كل كاتب وكل محبي الأدب أيضاً: ما هو الأدب؟ وما هو دور الأدب؟ ربما يكون التعريف التقليدي له أنه فن الكلمة سواء أكانت مكتوبة أم شفهية. لكن لماذا يغرينا خلق عالم غير واقعي ممزوج بالخيال والحقيقة. ولماذا نسعد عندما نغرق في مجموعة من المشاعر التي تنقلها لنا صفحات رواية أو قصة أو قصيدة شعر. هل يمكن أن يكون هذا الدواء الوهمي الذي يعزلنا عن العالم هو جزء من العمل الأدبي نفسه؟ ولكن ما فائدة الكون المثير للعواطف مثل حبكة الرواية، أو تناسق وتنظيم بعض أبيات الشعر، أو المتعة التي نشعر بها عندما نقرأ مسرحية؟

هل الأدب وسيلة ترفيه؟

هل يمكن اعتبار كل هذا، مجرد وسيلة من وسائل الترفيه؟ نعم بالطبع، فهذا جزء من هذا العالم، وإلا فلماذا نستمر في قراءة رواية تحتوي على أكثر من ستمائة صفحة أو أكثر من تسعمائة صفحة. إن قراءة بعض الأعمال الأدبية العظيمة مثل دون كيشوت أو الكونت دي مونت كريستو أو الحرب والسلام، أو البحث عن الزمن المفقود بمثابة حلم نرفه به عن أنفسنا. لكن تصور الأدب على هذا النحو باعتباره وسيلة “لقتل الوقت” للترفيه عن النفس هو تقليل من شأنه والمساواة بينه وبين أي شكل من أشكال الإلهاء وتحويله إلى شيء تافه.


الأدب والفن

دور الأدب
الأدب كفن

من الضروري ملاحظة أن هناك تمييزاً رئيسياً بين نوعين من الأدب كشكل فني: واحد للترفيه وهو مفيد وضروري، مثل الأعمال الأدبية سهلة القراءة التي يمكن قراءتها على كرسي الشاطئ أو في رحلة تستغرق ساعات طويلة أو الروايات التي تمر بين أيدينا مر السحاب، وتؤدي إلى قتل الوقت. أما النوع الثاني من الأدب فهو الذي يمكن اعتباره فناً، وهو بلا شك خالد، على سبيل المثال تلك الأعمال الأدبية التي تترك لنا ذكريات لا حصر لها. وتمنحنا مزيداً من الوضوح حول الحياة وتضخم لنا تصورنا لأشكال الحياة الأخرى. تلك الأعمال التي تحملنا معها إلى أماكن الأحداث وتجعلنا نشارك فيها كقراء، وتطرح علينا العديد من الأسئلة التي تجعلنا نفكر ونتأمل. ولكن قبل كل شيء هي تلك الأعمال الأدبية التي تجعلنا بشراً.

اعتقد أن هذا هو معنى الأدب، لا شيء أكثر ولا أقل من إضفاء الطابع الإنساني على القارئ وهذا ما يجعل البشر أكثر نبلاً وأثرى في المشاعر والعواطف والتجارب. ولهذا السبب بالذات فإن الأدب هو أعظم طريقة إبداعية لتحفيز العقل والخيال وتلوين عالمنا الداخلي وتقييم أفكارنا، بحيث تنبت أشكالاً جديدة من الفكر، وتصل إلى إدراك الخبرات البشرية من وجهات نظر أخرى.

اقرأ أيضًا: هل تبيع كتب التنمية البشرية الأوهام للناس؟

إعادة اختراع الإنسان

عندما سُئل الكاتب البرتغالي الحائز على جائزة نوبل في الأدب خوسيه ساراماجو عن الغرض من الأدب أجاب: “أنه ليس له غرض في حد ذاته”. واستطرد قائلاً: “يجب على الأدب أن يكون شاهداً على الظروف المكانية والزمانية”. أنا لا أنكر كلمات مثل هذا الكاتب الكبير لكني أود أن أضيف إلى أن وسائل الإعلام تشهد بالفعل على الحياة اليومية، حتى إنها تقوم بتغييرها وتشويهها، وتصفية جزء من الواقع من الحياة اليومية. لكن دور الأدب هو خلق الواقع نفسه، مما يوحي بالتفسير الحر للإحداث، ويصون المسافات مع القراء. إن الأدب هو أفضل علاج ضد التعصب والأيديولوجيات والعقائد. ولا أعرف طريقة رائعة أخرى لإعادة اختراع الإنسان أكثر من الأدب. إنه أحد الأسباب التي تجعلك تتعرف على نفسك وتسافر بداخلها للتخلص من غرورك وتدريب ذاتك بعلم على التواضع.

اقرأ أيضًا: 10 نصائح عملية للكتاب الجدد

رؤية الحياة بأعين مختلفة

إن المرء يتغذى داخلياً بواسطة أشكال أخرى من الحياة – حسب ذوق كل فرد – لكن الاختلاف الموجود بين الناس الذين يستهلكون الأدب والذين لا يستهلكونه هو أمر حتمي. كما أن الشخص الذي ينجرف مع تعقيدات سرد القصة مميز كذلك. وأولئك الذين يرون أن الأدب مجرد شيء نخبوي هم أشخاص غير طبيعيين. إذن ما الذي يميز الشخص الذي يقرأ الأدب؟ هناك سمات رئيسية له، وهي قدرته النقدية ومفرداته وحساسيته للإبداع الفني.

إن الأدب طريقة للالتقاء مع عالمنا الداخلي. إنه السبيل لفصل أنفسنا عن عبودية أحلك أفكارنا ولإيجاد السلام، ليس في المجهول ولكن فيما لا يمكن تصوره. ولذلك لا يوجد شكل إبداعي آخر مثل الأدب ينتج عنه أضرار جانبية مثل “الفضول” والاهتمام بالمعرفة، وطريقة للمغامرة عبر الأحاسيس والتجارب التي تبدأ من صفحة فارغة بسيطة تأخذ حياة خاصة بها، وتلقي علينا بهدوء تعويذة ونحن تقرأ. ونتيجة كل شيء هو رؤية الحياة بأعين أخرى.

اقرأ أيضًا: أدباء مشاهير عانوا من الاكتئاب

دور الأدب

ما هو الأدب
ماذا يفعل بنا الأدب

عندما نسأل أنفسنا ما هي الوظيفة التي يؤديها الأدب، يصعب الإجابة على هذا السؤال بشكل عام، لأن الأدب لا يؤدي وظيفة براغماتية تتفق مع حياتنا اليومية ومتطلباتها. كما إنه لا يزودنا بالحقيقة العلمية. ومع ذلك سار الأدب جنباً إلى جنب مع مسار الحضارات، وشكّل جزءاً من تاريخ البشرية. ترتبط وظيفته بطبيعته وخصائصها، فهو يستخدم الكلمة كوسيلة سواء في شكل شفهي أو مكتوب، ويستخدم من أجلها الجماليات والتناغم واللغة الرمزية للتعبير عن المشاعر والأفكار وإيقاظ الحساسية لدى الآخر.

وهكذا يكمن دور الأدب في البحث عن معنى أعمق يتماشى مع وجود الإنسان. ويمكننا القول إن الأدب له وظيفة مزدوجة: البهجة، من خلال المتعة التي يقدمها لنا. ومن ناحية أخرى الفائدة، حيث يحتوي محتواه على الأخلاق والفلسفة والمجتمع والتاريخ والفنون والعلوم الأخرى. لذلك، الشكل والمحتوى هما مصدران للمتعة الجمالية. بمعنى أنه يتجاوز الممارسة ليشمل الأجزاء الأخرى التي تشكل واقع الإنسان، لجعله أكثر وضوحاً واكتمالاً.

اقرأ أيضًا: هل تتخيل ما يمكن أن تفعله القراءة قبل النوم؟

آلة سحرية

الأدب مكان يمكنك الذهاب إليه من أي مكان. جنة كامنة داخل صفحات كتاب. يمكن للأدب تحويل الطرق المسدود إلى عوالم خيالية. وتحويل غرفة الانتظار في المستشفى أو طابور البنك إلى غابة وارفة الأشجار. يفكك الأدب الحياة المتجانسة التي تتكرر كل يوم، فنتخلص من خلاله من ذلك التشابه والتكرار في حياتنا اليومية.

إن الأدب كذلك هو الذاكرة الجماعية للحضارة الإنسانية. فأنت تستطيع اليوم قراءة قصائد هوميروس كما لو أن الزمن والمسافة غير موجودين. ويمكنك أن تعيش آلاف الحيوات، وتتعرف على آلاف الثقافات دون أن تغادر مقعدك.

الأدب هو قلب نابض على قيد الحياة دائماً. آلة سحرية تسافر بك عبر الأمكنة والأزمان، لتغذي روحك وعقلك. قم بركوب هذه الآلة وانظر إلى ذلك الرجل الذي يقبل امرأة تحت ضوء القمر، وانظر إلى تلك الزهرة التي تخرج من الصخرة، أو إلى هذه الجثة الهامدة التي لا تستطيع حراكاً. كل هذا كتبه بشر توقفوا وتأملوا في هذه المواقف والأمور وكانوا بحاجة ماسة إلى كتابة ما شعروا به في تلك اللحظات، ثم تركوا ما كتبوه هناك عائماً في محيط الزمن الهائل في انتظار منبوذ آخر ليجده كي لا يشعر بالوحدة في وسط هذا الألم الهائل الذي يسمى الكون.

اترك تعليقاً