هل تبيع كتب التنمية البشرية الأوهام للناس؟

You are currently viewing هل تبيع كتب التنمية البشرية الأوهام للناس؟
وهم كتب تطوير الذات

تزخر أرفف المكتبات بما لا يعد ولا يحصى من كتب التنمية البشرية التي تحتوي في طياتها على التعليمات الواجب اتباعها كي تصبح غنياً أو مشهوراً أو ناجحاً أو جميعها معاً. وتمتاز هذه الكتب بالتفاؤل المفرط والساذج والقوة المطلقة للإنسان التي إذا استخدامها يمكنه تحقيق أي شيء وكل شيء من خلال توجيه طاقاته وعقله إلى ما يرغب في الحصول عليه. فهل كتب التنمية البشرية تبيع الأوهام للناس؟ أم أن لها تأثير بالفعل على قرائها؟ في السطور التالية نتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل لنعرف أين تكمن الخدعة.

كيف كانت البداية؟

يعيش البشر في عصرنا الحالي في رفاهية مفترضة بفضل التقدم العلمي والتكنولوجيا التي سهلت الحياة للجميع. ولكن على الرغم من ذلك هناك من يعاني ولا يشعر بالسعادة ولا يعلم كيفية عيش الحياة بطريقة سليمة. لذا فإن الطريقة الأسهل والأسرع والأرخص لحل هذه المشكلة هي الذهاب إلى كتاب يقدم لهم مفاتيح تعلمهم طريقة العيش، والتصرف بشكل أفضل، ورفع تقديرهم لذواتهم، والعثور على مفتاح النجاح أو على الأقل إيجاد الصيغة التي تساعدهم على حل نزاعاتهم الوجودية. مما أدى إلى تحقيق كتب التنمية البشرية أرباحاً سنوية تصل إلى عشرة مليارات دولار.

ظهرت فكرة المساعدة الذاتية في عام 1859 مع كتاب صموئيل سمايلز الذي يحمل اسم “الاعتماد على الذات” وهو الكتاب الذي ظهر فيه التفكير الإيجابي باعتباره الموضوع الأساسي لهذا النوع من الكتب. وبعد أن حظي صموئيل بالشهرة الكبيرة نتيجة عمله توالت كتب التنمية البشرية بشكل كبير حتى أصبحت من الكتب الأكثر مبيعاً في العالم. وكما أشرنا إلى أن الموضوع الرئيسي لهذا الكتب يتمحور حول التفكير الإيجابي، فإن جميع كتب المساعدة الذاتية لا تقدم أي جديد بشأن هذا الموضوع باستثناء التقنيات الجديدة الخاصة بالتسويق الذي يعد العمود الأساسي للنظام الرأسمالي الحالي في العالم أجمع. وقد زادت شهرة هذه الكتب وحصل مؤلفوها على ثروات ضخمة بفضل قرائها من السذج. بينما لا تزال كتب التنمية البشرية تتمتع بقبول شعبي حيوي على الرغم من قلة فوائدها.


كتب التنمية البشرية تجعلك أسوأ

مساؤى كتب التنمية البشرية
أضرار كتب التنمية البشرية

ورغم أن العديد من العلماء انتقدوا مثل هذه الكتب. وشككوا في قدرتها على تحقيق ما تعد به، إلا أنه لم تكن هناك دراسات علمية يمكن التعويل عليها بشأن فائدة كتب التنمية البشرية أو أضرارها. حتى أجرت جامعة مونتريال بكندا دراسة[1] تشير إلى أن قراءة كتب المساعدة الذاتية لا تساعد الشخص، بل تجعله يشعر بأنه أسوأ مما كان عليه قبل قراءتها.

أخذ الباحثون عينة من ثلاثين مشارك – عدد قليل جداً للحصول على نتائج قاطعة وذات مصداقية – نصفهم يقرأ كتب التنمية البشرية والنصف الآخر لا يقرأ. كانت كتب المساعدة الذاتية التي قرأها النصف الأول من نوعين: الكتب التي تركز على التغلب على المشكلات الشخصية، والكتب الموجهة نحو التطور الشخصي مع رسائل ملهمة عن الحياة والسعادة. ثم خضع جميع المشاركين لقياسات مختلفة لقياس مستوى رفاهيتهم. بما في ذلك مستوى التوتر والانضباط الذاتي والانفتاح على المواقف المختلفة والتعاطف والاستقرار العاطفي واحترام الذات وأعراض الاكتئاب، وغيرها.

أظهرت النتائج أن مستهلكي النوع الأول من كتب التنمية البشرية يفرزون مستويات أعلى من هرمون الكورتيزول – هرمون التوتر – عند مواجهة المواقف العصيبة، وأن المستهلكين من النوع الثاني يظهرون أعراض اكتئاب أعلى مقارنة بمن لم يقرؤوا.

كذلك أشار الصحفي الاستقصائي ستيف ساليرنو في مقال[2] نشرته صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه الكتب ليس نفسياً فحسب، بل مادياً واقتصادياً. وحاول الكاتب في كتابه “الزيف: كيف جعلت كتب التنمية البشرية أمريكا بائسة[3]” أن يشرح لماذا أصبحت هذه النوعية من الكتب ضارة. ومنها أن أصول كتب المساعدة الذاتية كان تُستمد من أعمال الأطباء النفسيين المدربين تدريباً أكاديمياً. ولكن اليوم يمكن لأي شخص أن يكتب كتاباً عن هذا الأمر دون الحاجة إلى الحد الأدنى من المعرفة العلمية.

اقرأ أيضًا: قراءة العقول: كيف تعرف ما يفكر فيه الآخرون؟

كل شيء ممكن

لا شيء يضاهي قوة سرد القصص. فالإنسان شغوف بسماع الحكايات التي يرى فيها نفسه يحقق ما يتمناه. وكتب المساعدة الذاتية تجعل كل شيء ممكن. فهي تعد العاطلين عن العمل بالحصول على وظيفة مرموقة. وتطمئن الفقراء بأنهم سيصبحون أثرياء. وأن المحتاجين سيحصلون على المال. بينما المرضى سيستعيدوا صحتهم. وسيحصل المنسيون على رفقة، إلخ. ومما لا شك فيه أن هذا الخطاب المفرط في التفاؤل والسذاجة في الوقت ذاته يشير إلى أن الحدود الوحيدة للفعل البشري تكمن داخل الذهن أو العقل، لذلك، بمجرد تغيير بعض الأفكار سيتغير وجود الإنسان بشكل جذري.

يعتمد نجاح كتب التنمية البشري على سذاجتها ومقترحاتها. فهي تقترح دائماً طرق مختصرة سهلة ولا تتطلب الكثير من التفكير. ويكفي فقط الثقة بالنفس، وتنفيذ بعض الأساليب الذي يشرحها الكاتب بالتفصيل باعتبارها وصفة لا مثيل لها لتحقيق المبتغى. بينما هذا الخطاب المخادع هو نوع من الانحراف لأنه يلعب على مشاعر الشخص المعذب. وليس ذلك فحسب بل يعتبره مذنباً عما وصل إليه حاله. فهذه الكتب تعتبر العاطل عن العمل مذنباً لأنه لم يولد رؤى كافية عن عمله. ويلقي اللوم على الأطفال الجياع لعدم تخيل أنفسهم أمام أطباق فاخرة من الطعام الشهي. ويتهم المرضى بأنهم يرسلون طاقة سلبية إلى الكون.

اقرأ أيضًا: الكتب التي غيرت العالم: هل يمكن تخيل شكل العالم بدونها؟

نموذج واحد فقط للنجاح

تأثير كتب تطوير الذات
تخدم كتب التنمية الذاتية النظام الرأسمالي

تتهم كتب التنمية البشرية الشخص بالركود في “منطقة الراحة” كما لو أن المرض والبطالة والفقر شيء جميل ومريح يريد أن يظل قابعاً فيه. وبمجرد أن يقنع مؤلف الكتاب القارئ بأنه الشخص الوحيد المسؤول عن كل ما يحدث له وإنه كسول ولا يريد مواجهة تحديات الحياة، يقترح عليه جميع الأفعال الخيالية التي لا تمت للواقع بصلة. ولكنها تخدم النظام الرأسمالي بشدة، نظراً لأن هذا النظام لديه نموذج واحد فقط للنجاح يشعر كل من لا يتوافق معه بالتعاسة. وهكذا تصبح السعادة ديكتاتورية ثقيلة تهمش كل من لا يبتسم للحياة.

تصر كتب التنمية البشرية على أننا يجب أن نعرف أنفسنا جيداً. لكنها لا تقترح أدوات لمعرفة شبكة العلاقات الاجتماعية التي نعيش بداخلها. إنها تعمل على تمويه العلل الاجتماعية. حيث يصبح فقدان وظيفتك فرصة ممتازة لإعادة اكتشاف نفسك بشكل احترافي. والطلاق هو فرصة لتعلم هواية جديدة. ومن خلال إضفاء الطابع الفردي على جميع المشاكل يتم التغاضي عن الظروف الاجتماعية للواقع. ليس هناك مسؤول عن مصيبة الفرد سوى نفسه. وبالتالي فإن الحلول التي تقترحها كتب المساعدة الذاتية هي دائماً مسألة فردية وليست جماعية. ومن هنا نجد أن مثل هذه الكتب تخدم بشكل مثالي أغراض الرأسمالية الفردية المهتمة بشكل طبيعي بتفكيك أي عمل جماعي.

اقرأ أيضًا: ماذا يعني النجاح الحقيقي؟

التاريخ والفلسفة

تعادي هذه الكتب كذلك العمليات التاريخية، فهي لا تضع أدنى اعتبار بالنسبة لها. وهذا العداء ليس مفاجئاً. حيث يمكن للتاريخ أن يثبت أن البطالة على سبيل المثال لها أسباب قابلة للتفسير ومفهومة تماماً لأي شخص يتكبد عناء دراستها بعناية، بعيداً عن فكرة أن الشخص العاطل عن العمل هو أساس المشكلة. كما يثبت الواقع أن من بين أسباب البطالة الأزمات الاقتصادية أو ارتفاع معدل الفقر وعدم توافر الخدمات وغيرها. إذن فهي أسباب تخص النظام القائم في الدولة ولا علاقة للفرد بذلك.

لا تتوافق كتب التنمية البشرية كذلك مع الفلسفة. ففي حين تحاول الفلسفة توجيه الإنسان إلى مواجهة أعمق أسئلة وجوده، تقترح التنمية البشرية أن يتجنب مثل هذه الأسئلة من خلال اللجوء إلى الحلول السحرية. ولا شك أن الفلسفة تحاول تقليص معاناة الإنسان من خلال مقترحات تعزز ذلك، دون اللجوء إلى مثل هذه الحلول السحرية. في حين تدعو كتب التنمية البشرية إلى القضاء على المعاناة من خلال عدم التفكير فيها.

اقرأ أيضًا: مهارات التفكير الإبداعي: ​​تعريفها وخصائصها، وكيفية تنميتها

أحلام اليقظة

يعزز خطاب كتب التنمية البشرية فكرة الانفصال عن الواقع من خلال إغراق أتباعه المطمئنين في أحلام اليقظة التي لا تستند على أي أساس. بينما أولئك الذين يستهلكون هذه الكتب سرعان ما يصابون بالإحباط عندما لا يجدون النتائج الموعودة. ونظراً لأن المساعدة الذاتية تتغذى على نفسها فإنها تقدم تقنيات جديدة مؤسفة للتفكير الإيجابي حتى يتمكن الشخص من بدء سباق لا نهاية له يضر بسلامته العقلية.

الشيء المثير للدهشة في هذا الأمر أن العديد من خريجي الجامعات قد استسلموا لخطاب هذه الكتب. هذا على الرغم من أنهم يمتلكون الأدوات اللازمة لمقاومة هذه الأفكار. تلك الأدوات التي امتلكوها بحكم تعليمهم العالي في الجامعات واستخدام أساليب التفكير العلمي السليم.

مراجع

[1] Salivary Cortisol Levels and Depressive Symptomatology in Consumers and Nonconsumers of Self-Help Books: A Pilot Study.

[2] Self-Help Doesn’t Help—And Often Hurts.

[3] Sham: How the Self-Help Movement Made America Helpless.

This Post Has 2 Comments

  1. غير معروف

    اتفق معك بشدة

اترك تعليقاً