كيف نفرّق بين التعاطف والشفقة؟

You are currently viewing كيف نفرّق بين التعاطف والشفقة؟
التعاطف مع آلام الآخرين

التعاطف والشفقة بمثابة شريان حياة لشخص يغرق في بركة من اليأس. وكلاهما يعيدان إيماننا بالإنسانية ويفتح أعيننا على قلوب الناس من حولنا. الفرق الرئيسي بين الشفقة والتعاطف هو أن الشفقة شعور بالأسف على بؤس شخص آخر، بينما التعاطف هو تفهم ظروف ذلك الشخص.

ماذا تعني الشفقة؟

الشفقة هي في الأساس الشعور بالأسف والحزن بعد رؤية بؤس شخص ما. ولكي يشعر المرء بالشفقة لا يجب أن يكون لديه فهم كامل لحالة حياة الشخص الآخر، على عكس التعاطف. تشير الشفقة إلى مشاعر الحزن التي تظهر تجاه الآخرين عندما يعانون من الألم سواء الجسدي أو النفسي. ويمكن أن تحمل الشفقة دلالة سلبية إلى حد ما لأنها يمكن أن تشير أيضاً إلى مشاعر التعاطف أو الازدراء. على سبيل المثال، عندما ترى متسولاً في الشوارع، فإنك تشعر بالشفقة على حالته المزرية وتبدأ في الشعور بالأسف تجاهه، على الرغم من عدم معرفتك الشخصية به وبظروفه.


ماذا يعني التعاطف؟

على عكس الشفقة، يحدث التعاطف مع فهم حالة حياة الشخص الآخر. على الرغم من أن معظم الناس يعتقدون أن التعاطف يرتبط فقط بالشعور بالأسف تجاه الشخص الآخر، إلا أنه يدل أيضاً على التفاهم بين الناس؛ أي إنه شعور مشترك. هذه هي المشاعر التي تسمح للفرد بمعرفة أنك موجود معه وتشاركه مشاعره، وهي مستمدة من الفهم الصحيح للشخص الذي تتعاطف معه. ولا يحمل التعاطف أي دلالة سلبية.

اقرأ أيضًا: نظرة على الصداقة الحقيقية

اختيار المسار

الفرق بين التعاطف والشفقة
قصة عن التعاطف والشفقة

بعد أن تعرفنا على مفهومي الشفقة والتعاطف والاختلاف بينهما ندخل في صلب الموضوع. كشف لي ذات مرة أحد أصدقائي عن حياة شاب كان مفعم بالحيوية والنشاط منذ زمن ليس ببعيد، لكنه اتخذ طريق إلى عالم الإدمان، والحياة الليلية، والحفلات، وتعاطي المخدرات. أما اليوم، فهذا الشخص المعني يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، وقد سارت معه الأمور بشكل سيء للغاية. ما أعرفه عن هذا الشاب الآن أنه موجود في مركز إزالة السموم، ويمكنك أن تتخيل التكلفة الباهظة التي يدفعها أهله (علماء النفس، الأدوية، الإقامة، وما إلى ذلك).

قال لي صديقي وهو يشير إليه:

“من المؤسف أن يسقط شاباً مثل فلان في فخ المخدرات. إنه شخص طيب، كان لديه قصص وأحلام يريد تحقيقها وأهداف يقاتل من أجلها، ولكن ذهبت حياته سدى.. يا له من شيء مؤثر”.

بدا من حديثه أنه ينضح بالتعاطف عند الحديث عن شخص مثل هذا كان ضحية لنفسه – إذا جاز لي التعبير – لكن دعونا نوضح الفروق الدقيقة لأن مجتمعنا بشكل عام يزيل سياق السلوكيات البشرية، وأحياناً يشوه بعض المفاهيم. فهذان المصطلحان سواء الشفقة أو التعاطف تستخدمهما الأغلبية العظمى إلى درجة تشويه معانيهما. وبعيداً عن الاختلافات البسيطة بينهما أود القول بأنهما يتغيران بحكم المشاعر المرتبطة بالقصة أو الشخص أو الموقف أو السياق.

اقرأ أيضًا: أهمية الصدق كقيمة أخلاقية في المجتمع

الشفقة ومصائب البشر

هل من الضروري أن تشعر بكل هذا الأسف على مثل هذا الشخص الذي تغيرت حياته؟ هل كل مصائب الإنسان تستحق الشفقة؟ بالتأكيد لا. نحن نعلم الآن أن كل شيء له ثمن. وأنا لا أعني أن أكون بارداً، مفتقداً للفهم أو الشعور، بل أقصد بالأحرى تأطير سياق يساعد على الفهم بالمنطق السليم، ما إذا كان مثل هذا الأمر يستحق الشفقة والتعاطف أم لا؟ هذا هو الغرض الأساسي من وراء هذه القصة.

ليست كل أشكال الحياة البشرية يجب أن تتطلب الشفقة إذا تعرضت لمصائب أو ظروف سيئة. لكن هناك أشخاص يشعرون بالأسف على كل ما يرونه من مصائب الآخرين. لذا دعونا نعرف كيف ومتى نتعاطف مع آلام أو عيوب الآخرين. وهذا لا يعني التوقف عن التعاطف، فهو شيء أساسي ورائع كما ذكرنا في بداية المقال، لكن لا تستحق كل مصيبة أو ظرف سيء حدث لشخص ما الشعور بالشفقة.

اقرأ أيضًا: لماذا نعاني عندما نقع في الحب؟

محنة واختيار

متى نتعاطف مع الشخص
حرية الاختيار

هناك أشخاص ينتهي بهم الأمر للتخلي عن كرامتهم، ومن ثم يعانون أشد المعاناة، وهناك كذلك من لا يحترمون أنفسهم ويفتقدون لكل مبادئ احترام الذات، وقد يكونوا جديرين بالتعاطف ولكنهم لا يستحقون الشفقة. دعونا نعطي مثالاً شخص احترق منزله وفقد عمله وأجبر على النوم في الشارع. ما حدث لهذا الشخص هو محنة لم يخترها، مجرد ظروف أربكت حياته وحساباته، وسقط في قبضة الشدائد، وبالتالي يجب علينا أن نتعاطف معه ونشفق عليه كذلك، إذا أمكن نحاول مساعدته بشتى الوسائل الممكنة.

على العكس من ذلك، هناك شيء مختلف عندما يتعلق الأمر بالشفقة في حالة الشخص الذي يقرر طواعية تناول مواد معينة يعلم جيداً أنها تؤدي إلى الإدمان، وتضر بعلاقاته الاجتماعية والعائلية؛ وبالضرورة ستؤدي مأساته إلى خداع نفسه والآخرين معه. وبهذا المعنى، هل كلاهما يستحق المواساة؟ هل تنبع كلتا الحالتين من شعور بالشفقة؟

اقرأ أيضًا: كيف تتخلص من صعوبة التعبير عن المشاعر؟

منظور أوسع

ربما تختلف وجهات النظر وفقاً لرؤية كل شخص، لكني اعتقد أن الشخص الذي يختار تعاطي المخدرات بقراره الخاص، مع الضرر الذي يسببه ذلك للصحة، لا يستحق نفس التعاطف المثير للشفقة مثل شخص لم يفعل ذلك. لقد فقد كل شيء، وحكم على نفسه بحياة سيئة واستبعاد اجتماعي. أسباب تنتهي به إلى البؤس، وبالتالي لا يستحق منا أي تعاطف أو شفقة.

إن فهم مصائب البشر ومعرفة أسبابها هي ما تجعل المرء يرى الأمور من منظور أوسع. وتتطلب معالجة التجارب البشرية، في سياقات معينة، درجة من الاتزان لمعرفة كيفية التعاطف مع آلام الآخرين بطريقة تناسبية. وخلاف ذلك، يقع المرء في ميل العاطفة الغريزية، والحزن بسبب القصور الذاتي. ولا شك في أن القدرة على التعاطف مع مصائب الآخرين بحسب السياق والأسباب، هي فضيلة من فضائل الإنسان في عصر أصبحنا فيه مجردين من الإنسانية بسبب تآكل العديد من القيم والمشاعر والضمير. نفس الوعي الذي نخسره بشكل متزايد في هذا العصر المعقد وغير المفهوم.

اترك تعليقاً