تحليل فيلم the platform: ماذا يعني هذا الفيلم الغامض؟
فيلم the platform واحد من أفلام الإثارة الإسبانية الأصلية التي تحمل في طياتها معاني فلسفية عميقة. ونظراً لما يحمله الفيلم من رمزية كبيرة، تعددت التفسيرات والشروحات التي تتناول هذه الفكرة الرائعة. في هذا المقال نتناول بالشرح والتفسير الرموز المبهمة لهذا الفيلم الرائع، ومن ثم نحاول تفسير نهاية فيلم the platform الغامضة.
قصة فيلم the platform
تدور أحداث الفيلم ببساطة حول سجن غريب تم إنشاؤه على شكل برج عمودي، يتكون هذا السجن من مئات الطوابق، وفي كل طابق من هذه الطوابق يقبع نزيلان. بينما ينبغي على كل مسجون داخل طابق معين أن يبقى في هذا الطابق – أو المستوى – لمدة شهر. ثم بعد ذلك يتغير المستوى ليجد المسجون نفسه في طابق آخر. أما الطعام في هذا السجن فيدخل مرة واحدة في اليوم من الطابق صفر عن طريق مائدة ضخمة تحتوي على ما لذ وطاب من الطعام. وذلك عبر فجوة دائرية تمر خلال طبقات السجن جميعها.
هذه المائدة أو المنصة التي تحتوي على الطعام تظل في كل طابق من الطوابق لمدة دقيقتين فحسب، وعلى كل نزيل من النزلاء في كل طابق أن يحصل منها على الطعام الكافي له، لتستمر في هبوطها إلى الطوابق الأسفل. لكن الغريب في الأمر أن هذه المائدة حينما تصل إلى المستويات الأدنى يكون الطعام قد نفد ولم يتبق سوى الأطباق الفارغة. وهذا الأمر جاء نتيجة جشع النزلاء في الطوابق الأعلى التي يمر عليهم الطعام في البداية. أما نزلاء الطوابق السفلى الذين لم يستطيعوا الحصول على طعام فيلجؤون إلى قتل والتهام بعضهم البعض من أجل البقاء على قيد الحياة.
الجدير بالذكر أن إدارة السجن تسمح للسجناء أن يحضروا معهم شيء واحد فقد من أجل استخدامه لقضاء الوقت داخل السجن، فنجد أن الغالبية من هؤلاء السجناء يختارون أن يحملوا معهم سكين أو سلاحاً ما لكن بطل القصة اختار أن يحمل معه كتاب “مغامرات دون كيشوت” وهو في طريقه لمحاولة فهم النظام داخل هذا السجن، ومن ثم يتمرد على هذا النظام ليحصل جميع السجناء على طعام كافِ لكل مستوى.
هذه هي قصة فيلم the platform باختصار شديد، لكن رغم أننا عرضنا قصة الفيلم إلا أن هذا الأمر لن يمنع الاستمتاع بأحداث هذا الفيلم الرائع والترقب والشغف في معرفة ما ستؤول إليه الأحداث.
التفسيرات المتعددة لفيلم the platform
تعددت التفسيرات واختلفت فيما يخص رمزيات هذا الفيلم. فمنهم القائل بأن هذا الفيلم ينقد فكرة الرأسمالية ويدعو إلى الاشتراكية، والقضاء على الطبقية. ومنهم من قال إن هذا السجن يمثل الداروينية الاجتماعية، وهي فكرة التخلص من الضعفاء في المجتمع. أما الفريق الثالث فلقد أعطى لهذا الفيلم رمزية دينية، تتمثل في عودة المسيح عيسى من أجل نشر العدالة والسلام على الأرض. والتفسير الرابع يشير إلى أن الفيلم يرمز إلى حياة الإنسان على هذا الكوكب. ولسوف نتناول كل هذه التفسيرات بشيء من التفصيل.
الرأسمالية
يقول أنصار هذا التفسير أن فيلم the platform يصف المجتمع المعاصر الذي يقوم على الرأسمالية. وقد ظهر ذلك واضحاً في كثير من حوارات الفيلم. على سبيل المثال حينما قال العجوز تريماجاسي لبطل الفيلم جورينج: هل أنت متأكد أنك لست شيوعياً يا سيد جورينج؟ وذلك عندما كان يتحدث معه عن ضرورة حصول جميع السجناء على الطعام الكافي.
تدور رمزية فيلم the platform حول هذه الفكرة. فالمنصة في الفيلم هي عالمنا، والإدارة هي الحكومات، والمستويات هي الطبقات الاجتماعية التي تم إنشاؤها. بينما نجد أن الإدارة – الحكومة – في الأنظمة الرأسمالية تعمل بحذر من أجل التأكد من وجود مواد كافية لجميع الطبقات ولكن بسبب العيوب والتقلبات في النظام الرأسمالي، هناك أناس يعانون أو على وجه التحديد يموتون.
تمكن الإدارة الأشخاص في القمة من الحصول على وجبة رائعة فيها كل ما لذا وطاب من الطعام، وذلك على حساب تجويع الناس في القاع، تماماً كما هو الحال في المجتمع. حيث يستولي الناس من الطبقات العليا على جميع الموارد (المال، العقارات، الموارد الطبيعية)، تاركين القاع بلا شيء، والرأسمالية هي التي تمكنهم من ذلك. وفي الفيلم يقوم الطهاة بإعداد وجبة رائعة، ولكن فقط الأشخاص في المستوى الأعلى هم الذين يستمتعون بها على أكمل وجه، إلى الحد الذي يمكنك القول إن الطهاة يعملون فقط للأشخاص في المستوى الأول. كما يمكنك القول إن الرأسمالية تعمل فقط لـ 1٪ من الشعب.
المقاومة
أما بطل فيلم the platform جورينج – قام بدوره إيفان ماساغي – فهو الذي يمثل حركة المقاومة ضد هذا النظام الفاسد، كما إنه على استعداد لاستخدام التهديدات والعنف لتأمين وجود ما يكفي من الطعام للجميع. بينما العجوز هو الشخص المؤيد لهذا النظام، وهو شخص يمثل الرأسمالية في أبشع صورها. ويبدو هذا واضحاً في حواراته وفلسفته التي عبر عنها حين تم سؤال عن ماذا سنأكل اليوم، فقال: “من المؤكد، أننا سنأكل ما تبقى من الناس في الأعلى.” ثم يبصق على الطعام ليأكله الناس في الأسفل. فهو يعلم جيداً أن الناس في الأسفل يعانون بسبب فساد الناس في الطبقات العليا إلا إنه قرر العيش وفق هذا النظام. حيث يقول: الأشخاص في الأسفل سيكونون ذات يوم فوقنا، ولسوف يتبولون علينا مثل نفعل الآن.
لذلك عندما كان العجوز في المستويات العليا، كان يستمتع بوقته بناءً على الحياة التي يعيشها هناك. إنه لا يستمتع بالطعام فحسب، بل يستغل هذا الأمر أيضاً ليعبر عن سلطته. ولكن عندما يصل إلى المستوى الأدنى، يعلم أن اللعبة قد تغيرت الآن. حيث إنه لا يمتلك الكثير من الامتيازات للطعام الجيد للاستمتاع به. لأنه في المجتمع أيضاً يعاني الجزء الفقير والضعيف من أسباب الفقر المختلفة ومن صعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية.
الداروينية الاجتماعية[1]
إذا نظرت في النظام البيئي للكوكب، ستجد أن كل شيء متوازن. فهناك دائماً ما يكفي للجميع. من أضعف المخلوقات إلى أقواها. إذن لماذا نعاني؟
السبب وراء هذه المعاناة هي جشع الناس في الطبقات العليا، فهم يريدون الحصول على أكبر قدر من الطعام قبل نفاد الوقت. أما الفلسفة وراء هذا الأمر فتقوم باختصار على أن الأشخاص القابعون في الأعلى يتحكمون في كل شيء. فهم المتحكمون فيما سيأكله الأشخاص في الطبقات السفلى، وهي آلية من آليات عقاب هؤلاء الضعفاء. بينما يشير هذا الأمر إلى أنك إذا كنت في المستويات الأدنى فهذا يعني أنك في المنطقة السفلية من الهرم الغذائي، لذلك لكي تعيش فما عليك إلا أن تتخذ القرار الأصعب وهو أن تقتل ذلك الشخص الموجود معك في الطابق وتلتهمه. وسواء قبلت هذه الفكرة أم لم تقبلها فإن القوي في النهاية سوف يلتهم الضعيف دائماً.
إذا أمعنت النظر سترى أن النزلاء انتقلوا بشكل عشوائي إلى مستويات مختلفة على مدار الفيلم. لكنها ليست عشوائية تماماً. إنها في الواقع تعتمد على اختيارك للمستوى الذي ستحصل عليه. حيث تتأكد الإدارة من أنك إذا كنت على استعداد لقتل رفيقك والتهام جسده، فستحصل على المستويات الأعلى. وهذه هي الطريقة التي تكافأ بها في الحياة. بينما يتضح هذا عدة مرات في الفيلم: ففي البداية يبدأ جورينج في المستوى 48 مع تريماجاسي ويعيشان بسلام. ثم انتقلا إلى المستوى 171 في الشهر التالي. حيث انتهى الأمر بقتل جورينج لتريماجاسي، وأكل من جسده للبقاء على قيد الحياة. ثم ينتقل جورينج إلى المستوى 33 في الشهر التالي. وهناك يلتقي بإيموجويري ويعيشان بسلام. ثم انتقلا إلى المستوى 202 حيث أجبر جورينج على أكل إيموجويري التي قتلت نفسها. ثم انتقل جورينج أخيراً إلى المستوى 6 حيث التقى بهارات. وهذا هو السبب في أننا نرى دائماً ميهارو تأتي من القمة.
رمزية الحياة في فيلم the platform
هناك تفسير آخر لرمزية هذا الفيلم الرائع تتمثل في الحياة ذاتها، وعلى وجه التحديد الهدف أو المغزى من الحياة. وهي فكرة فلسفية معروفة في الفلسفة الوجودية[2]. ومن الجلي أن فيلم the platform يتضمن العديد من أفكار هذه الفلسفة. حيث تم تصوير الحياة فيه بصورة هذا السجن الغريب. وربما يدعونا التأمل في معنى اسم الفيلم الذي يحمل اسم “الحفرة” إلى فكرة أن تصوير الحياة وكأنها حفرة كبيرة يلقى فيها الناس ولا يمكن الخروج منها إلا عند الموت.
لا يتوقف الأمر على ذلك فحسب فإذا نظرنا كذلك إلى هؤلاء الذين يدخلون إلى الحياة – السجن في الفيلم – فإنهم لا يخرجون منه إلا إذا قضوا العقوبة المقررة عليهم، وهي في الحياة انتهاء عمر الإنسان. هذا بغض النظر عن الموت قتلاً في الفيلم. لكن ما هي قصة الحياة من منظور صناع الفيلم. ربما كانت شخصية الفتاة التي تقتل باستمرار كل من يقابلها هي أنسب مثال على ذلك. فهي لديها الشجاعة العظيمة في اقتراف أي شيء من أجل الحصول لطفلها على طعامه وتأمين سلامته. لذا فهي تقاتل في الحياة من أجل الشيء الثمين بالنسبة لها حتى آخر نفس؟ لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كانت ستمتلك هذه الشجاعة من أجل شخص آخر؟ ربما ستكون الإجابة بالنفي. فالأشخاص الذين يقبعون في المستويات الأدنى هم دائماً الذين يقاتلون باستمرار من أجل حقوقك واحتياجاتك وغيرها.
الهدف في الحياة
الأمر الثاني هو الناس في الطبقات العليا هل يشعرون بالرضا حقاً؟ بكل تأكيد لا يشعرون بالرضا، لأنهم لا يتطلعون إلى شيء وليس لديهم شيئاً جوهرياً في حياتهم، كما أشار الفيلم إلى ذلك. ففي المستويات العليا، يمكنك الحصول على أي شيء تحبه، ولكن ليس لديك ما تتطلع إليه.
من الواضح أنه إذا كنت تشعر بالشبع، ويتوافر لديك طعامك، فلن تذهب إلى العمل. وستفتقر إلى الرؤية، حيث ستصبح كاذباً وكسولاً وشرهاً. ولن تقاتل من أجل الظلم لأنك لست في أسوأ الحالات. فهل سيكون لحياتك معنى إذن؟
هذا الشيء نفسه ينطبق على الأشخاص في الطرف الأدنى من هذا السجن. فمع مواجهة الكثير من الظلم والقسوة، من الصعب جداً الحفاظ على سلامة عقلك. حيث يصبح الناس مجانين، قتلة، مغتصبين، وحشيين، إلخ. وهذا الإجرام بينهم مدفوع باليأس والغضب. وكما يمكن لليأس أحياناً أن يخرج أفضل ما في الإنسان، يمكنه أيضاً أن يخرج الأسوأ.
في فيلم the platform نجد أن هؤلاء القابعين في المستويات الأدنى ليس لديهم ما يخسرونه. وهم يغضبون عندما يرون الآخرين لديهم الكثير، في حين لا يحصلون منه على شيء. كل هذا مفهوم، ويمكننا بذل الجهود وتغيير الأمور للأفضل. لكن هذا لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها. لذا إذا أردنا التغيير، فعلينا العمل ببطء. كما ينبغي علينا مساعدة الفقراء. لكن لا يجب أن نكون عميان ونفترض أن كل من هم أقل مستوى فهم نبلاء. فليس كل شخص لديه الروح للحفاظ على شخصيته المثالية عندما تكون بطونه فارغة.
التفسير الديني
رأى البعض أن فيلم the platform يحمل في طياته رمزيات دينية كثيرة، وربما نجد ذلك الأمر متمثل في أمرين: أولهما فكرة الخطيئة الأولى[3] في المسيحية. أما الأمر الثاني فهو: فكرة صعود المسيح إلى السماء وسعيه لإقامة العدالة على هذه الأرض. ولسوف نتناول هذه الأفكار بشيء من التفصيل.
ربما يمثل السجن صورة للحياة على الأرض. أما إدارة هذا السجن – الموجودة في الطابق صفر – فيمثل عالم الملكوت طبقاً للعقيدة المسيحية. وهذا العالم العلوي هو المسيطر على الحياة. فإذا تأملنا في حياة الملكوت نجد أنها تمتاز بالصفاء والشفافية والنقاء المطلق. فكل ما في هذا العالم يسير وفق نظام منضبط، عالم يعج بالكثير من لكل منهم وظيفة محددة يقوم عليها. بينما يقوم بالإشراف على كل هؤلاء إدارة عليا. أما هدف هذه الإدارة من وضع السجناء في هذا السجن فيتمثل في التحكم في الشهوات والرغبات، من أجل الخروج من السجن للوصول إلى الملكوت – الإدارة- وقد بدى هذا الأمر واضحاً حينما طرح الفيلم هذه الفكرة المثالية حين أخبرنا أن كل إنسان إذا ما أخذ ما يكفيه فحسب، فإن هذه المائدة ستكفي الجميع.
وربما يكون ظهور الطفل في المشاهد الأخيرة من الفيلم وصعوده على المائدة ليصل إلى أعلى طبقة وهي طبقة الإدارة، هو تمثيل لصعود المسيح إلى الملكوت لربما يساهم في تحقيق العدالة بين البشر في السجن.
شرح نهاية فيلم the platform
ربما جاءت نهاية الفيلم مفتوحة على كافة التفسيرات كما مضمون الفيلم بالضبط. لكن ما هي الرسالة التي أراد صناع العمل إيصالها؟ تتمثل رسالة الفيلم في ذلك الطفل الذي يمثل التخلص من الجشع والشهوة والطمع داخل الإنسان. فهذه الطفلة الصغيرة نقية ونظيفة كما تتمتع بصحة جيدة، وهو ما يمكن أن يشير إلى بصيص النور والأمل في تحقيق العدالة بين السجناء. فربما عندما يشاهد هؤلاء السجناء أن هذه الطفلة تقبع في الأسفل بلا زاد يمكن أن ترق قلوبهم ويتركوا شيئاً إلى هؤلاء السجناء الموجودين في الطبقات الأدنى.
في الختام فإن فيلم the platform واحد من الأفلام الأصلية الرائعة التي تحمل في طياتها الكثير من الرمزيات، ويمتاز هذا الفيلم الرائع بجرعة عالية من الإثارة والتشويق والرعب الوجودي. لذا يمكننا أن نصفه بالتحفة الفنية التي قدمت أفكاراً شديدة العمق مما يتيح لخيال المشاهد التحليق بعقله لتفسير ما يرمز إليه الفيلم.
هوامش
[1] الداروينية الاجتماعية هي مجموعة من النظريات التي تدعو إلى تطبيق فكرة الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح – الذي وضع الأساس لها تشارلز داروين – على علم الاجتماع، وقد ظهرت هذه الفكرة في القرن التاسع عشر وتم استخدامها في السياسة، وبالتحديد في الدول الرأسمالية، وهي تعتبر أن القوي هو من يمتلك السلطة والمال، أما الضعيف فهو العكس من ذلك ولابد من التخلص منه. كما كانت هناك آراء مختلفة حول الآليات التي يمكن استخدامها لمكافأة القوي وعقاب الضعيف.
[2] الوجودية هي مذهب فلسفي يتخذ من الإنسان موضوعاً رئيسياً له. حيث تتناول هذه العديد من الأفكار مثل حرية الاختيار والهدف أو الغاية من وجود الإنسان على هذه الأرض، ولعل أشهر أفكار هذا المذهب هو العبثية التي تقوم على فكرة أن وجود الإنسان في هذا العالم لا معنى لها.
[3] فكرة الخطيئة الأولى هي عقيدة مسيحية تقوم على انتقال خطيئة آدم عندما أكل من شجرة المعرفة إلى ذريته، لذا فالإنسان من منظور الديانة المسيحية يحمل إثماً منذ ولادته. وقد اختلفت الآراء بشأن هذه العقيدة في الطوائف المسيحية المختلفة إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعقيدة فداء المسيح للبشرية من خلال صلبه.