كيف تساهم الفلسفة في حل مشكلات البشر؟

You are currently viewing كيف تساهم الفلسفة في حل مشكلات البشر؟
الفلسفة نشاط فكري؛ نوع فريد من التفكير له عظيم الأثر على حياة البشر

حينما تذكر كلمة الفلسفة تجد أن الكثير ينفرون منها. فهي كلمة ثقيلة على الذهن الإنساني، وقد نشأ هذا الاعتقاد من نظرة الناس لهؤلاء الفلاسفة القابعون في بروج عاجية يتأملون ويفكرون في أمور كبيرة عصية على فهم الإنسان العادي. لكن الأمر لم يكن كذلك. فالفلسفة نشاط فكري؛ نوع فريد من التفكير له عظيم الأثر على حياة البشر؛ فما هي أهمية الفلسفة في الحياة؟

ما هي الفلسفة

من الصعب وضع تعريف شامل للفلسفة. لكن لحسن الحظ فإن الاجابة موجودة في تعريف الكلمة نفسها، حيث تنقسم كلمة فلسفة إلى جزئين هما فيلو وتعني حب وصوفيا وتعني الحكمة أي أن الفلسفة تعني حب الحكمة. وقد وضع هذا المصطلح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس. لكن هناك معضلة أخرى ستواجهنا في هذه الإجابة ألا وهي، ما هي الحكمة بالضبط؟ يبدو الأمر غريباً أليس كذلك؟! لكن هذه طريقة عمل الفلسفة.

على الرغم من أن الحكمة مصطلح مجرد إلى حد ما، إلا أن مفهومه ليس غامضاً كما يبدو. فكونك حكيماً يعني محاولة العيش حياة جيدة قدر الإمكان في ظل ظروف الوجود المضطربة. لكن كيف نعيش بشكل جيد؟ هذا هو السؤال الأهم. إن الوصول إلى السعادة في الحياة هو الهدف الرئيسي. لكن كلمة السعادة هي كلمة مضللة لأنها توحي بالبهجة والفرح والمتعة في حين أن الحياة تمتلئ بالألم والمعاناة. هذه هي النقطة الفاصلة، وهي كيف نعيش حياة سعيدة وجيدة برغم الكثير من الألم والمعاناة، وهنا تأتي أهمية الفلسفة.


الفلاسفة

أما الفيلسوف فهو الشخص المكرس للحكمة. أي إنه الشخص الذي يسعى جاهداً للحصول على خبرة منهجية ونقدية من أجل الوصول إلى أفضل السبل التي يمكن بها أن يجد المرء عن طريقها إشباعاً فردياً وجماعياً. هذا الأمر مربك جداً، أليس كذلك؟! سنحاول تبسيط الأمر في رحلتنا مع الفلسفة. انتظر لا ترحل سريعاً.


أسئلة شغلت الفكر الإنساني

في سعيهم وراء الحكمة، طور الفلاسفة مجموعة مهارات محددة للغاية. كما حاولوا الوصول لإجابات على أسئلة كبرى طالما شغلت الفكر الإنساني. على غرار ما معنى الحياة؟ هل الله موجود؟ ما هو الوجود؟ لماذا نحن هنا على هذه الأرض؟ تطرقت هذه الأسئلة إلى أذهان الكثير من الناس إن لم يكن الجميع، لكننا يأسنا من محاولة الإجابة عليها. هنا يأتي دور الفلاسفة الذين أفنوا أعمارهم للوصول إلى إجابات على هذه الأسئلة، وهنا تكمن أهمية الفلسفة. حيث إننا نخشى في كثير من الأحيان أن نتطرق إلى الأسئلة الكبرى، لكن الفلاسفة على العكس من ذلك. فهم أناس لا يخافون من طرح الأسئلة الكبيرة. والسعي الحثيث في محاولة الإجابة عليها.

اقرأ أيضًا: الفلسفة الرواقية: كيف نحيا حياة جيدة؟

المعقول والمنطقي في فلسفة الحياة

من هم الفلاسفة
الفلسفة تحاول الإجابة على أسئلة الوجود الكبرى

هناك العديد من الأسئلة الأخرى التي تبدو ساذجة إذا ما سألناها، على غرار ما هو الحب؟ أو لماذا نلعب؟ أو غيرها. إلا أن العديد من الفلاسفة ظلوا يبحثون عن إجابات عنها. ربما نحصل على إجابات فطرية لهذه الأسئلة، إلا الأمر لن يكون صحيحاً على الدوام. حيث أننا عرضة لأخطاء الفطرة السليمة. إن مسألة المعقول والمنطقي ليست على الدوام صحيحة. فالأشياء التي يفترض بها أن تكون صحيحة أو الأشياء التي تأخذها كمسلمات دون التفكير فيها ربما تكون غير صحيحة بالمرة. وفي بعض الحالات تكون الفطرة السليمة أيضاً مليئة بالحماقات والأخطاء والتحامل.

هنا تكمن أهمية الفلسفة في الحياة. حيث أنها تجعلنا نخضع كل جوانب الفطرة السليمة للعقل. تريدنا الفلسفة أن نفكر بأنفسنا، لنكون أكثر استقلالية. هل صحيح حقاً ما يقوله الناس عن الحب، عن المال، عن الأطفال، عن السفر، عن العمل؟. بينما يهتم الفلاسفة بالسؤال عما إذا كانت الفكرة منطقية – بدلاً من مجرد افتراض أنها يجب أن تكون صحيحة لأنها شائعة وقائمة منذ زمن طويل.

اقرأ أيضًا: سيرة حياة أفلاطون: أعظم فلاسفة اليونان القديمة

اعرف نفسك .. خلاصة الفلسفة في الحياة

نحن لسنا كما يبدو. إننا لا نعرف ما يدور في أذهاننا في الحقيقة. نحن نعلم أننا نحب هذه الموسيقى. لكننا  لا نعرف لماذا نحبها. ونعاني كثيراً في البحث عن السبب. فإذا التقينا بشخص ما وشعرنا أننا لا نحبه – رغم أننا لم نقابله سوى للحظات – لا يمكننا تحديد ماهية المشكلة معه بالضبط.

إننا نفتقر إلى البصيرة فيما يتعلق بالرضا عن النفس وما نحبه وما لا نحبه. لهذا السبب نحتاج إلى فحص عقولنا. هنا يأتي دور الفلسفة. حيث أنها ملتزمة بمعرفة الذات – ومبدأها المركزي – التي عبر عنه الفيلسوف الأقدم والأكبر سقراط بعبارة من كلمتين فقط: اعرف نفسك. وهذا هو خلاصة أهمية الفلسفة في الحياة.

اقرأ أيضًا: أهداف الحياة: كيف تحقق أحلامك خطوة بخطوة؟

 ” كيف نكون سعداء” المبدأ الأساسي في فلسفة الحياة

لدينا أفكار مشوشة حول ما سيجعلنا سعداء. لكننا نحاول بجهد أن نكون سعداء، ومع ذلك نخطئ في بحثنا عن السعادة بشكل كبير. نحن نبالغ في تقدير الأشياء التي تخص تحسين حياتنا. في المجتمع الاستهلاكي نقوم باختيارات خاطئة نتيجة تأثرنا بالسحر الزائف للدعاية والإعلان. نستمر في تخيل أن نوعاً معيناً من العطلات، أو السيارات، أو الهواتف سيحدث فرقاً في حياتنا مما يجعلنا سعداء. في الوقت ذاته نقلل من شأن أمور أخرى بسيطة يمكنها أن تجعلنا سعداء بحق. لذا يسعى الفلاسفة إلى أن يكونوا حكماء من خلال الحصول على مزيد من الدقة بشأن الأنشطة والمواقف التي يمكن أن تساعد حقاً في تحسين حياتنا.


التحكم في العواطف والمشاعر

أحد أهم أهداف الفلسفة هو التحكم في العواطف. يمكن أن ترسلنا عواطفنا في اتجاهات خطيرة. فنحن كائنات عاطفية، هذه حقيقة لا مفر منها لكننا ننسى على الدوام هذه الحقيقة غير المريحة. ففي بعض الأحيان تقودنا بعض المشاعر السلبية إلى أنواع معينة من الغضب أو الحسد أو الاستياء. لتؤول بنا في النهاية إلى مشاكل خطيرة. يعلمنا الفلاسفة أن نفكر في عواطفنا من خلال فهم وتحليل مشاعرنا، نتعلم أن نرى كيف تؤثر العواطف على سلوكنا بطرق غير متوقعة وأحياناً خطيرة، وهذا هو دور الفلسفة الهام. لذا كان الفلاسفة في الماضي معالجون.

اقرأ أيضًا: مشكلات الحياة اليومية النفسية والاجتماعية وحلولها

الشعور بالخوف

إننا نفقد باستمرار الإحساس بما هو مهم وما هو غير مهم، كما إننا نشعر على الدوام بالخوف والفزع. لكن الفلاسفة يجيدون التعامل مع هذا الأمر. لننظر إلى ما قاله الفيلسوف الرواقي زينون عند سماعه الأخبار التي تفيد بأنه فقد كل ممتلكاته في حطام سفينة، قال ببساطة: “الحظ يأمرني أن أكون فيلسوفاً أقل ثقلاً”. ردود مثل هذه هي التي جعلت مصطلح “فلسفي” مرادفاً للتفكير الهادئ طويل الأمد، ومرادفاً أيضا لقوة العقل.

لقد أولى الفلاسفة الرواقيون في اليونان القديمة اهتماماً خاصاً بالخوف والذعر. حيث لاحظ الرواقيون سمة أساسية من سمات الخوف والذعر تسيطر على الناس، وحاولوا بحث هذا الأمر وتوصلوا إلى إننا لا نشعر بالذعر فقط عند حدوث شيء سيء، بل عندما يحدث ذلك بشكل غير متوقع، حينما كنا نفترض أن كل شيء يسير على ما يرام. لذلك اقترحوا أن نسلح أنفسنا ضد الذعر من خلال التعود على فكرة أن الخطر والمشاكل والصعوبة من المرجح أن تحدث في كل منعطف من منعطفات حياتنا.

اقرأ أيضًا: مفهوم السعادة في الفلسفة والدين والعلم

المنهج الفلسفي

باختصار، إن ما نسميه “تاريخ الفلسفة” يتكون من محاولات متكررة على مر القرون من أجل التصدي للطرق التي لا نتصرف فيها بالحكمة. لذلك، على سبيل المثال، في أثينا القديمة، أولى سقراط اهتماماً خاصاً بمشكلة كيفية ارتباك أذهان الناس. لقد صُدم حينما علم أن الناس لا يعرفون تماماً ما الذي يقصدونه بالأفكار الرئيسية للفضائل الإنسانية – مثل الشجاعة أو العدالة أو النجاح – على الرغم من أن هذه الأفكار كانت الأفكار الرئيسية التي استخدموها عند الحديث عن حياتهم.

منهج سقراط

طور سقراط منهجاً  لا يزال يحمل اسمه. عبر هذا المنهج يمكنك أن تتعلم أن تكون أوضح بشأن ما تقصده من أي فكرة. الهدف من هذا المنهج ليس بالضرورة تغيير رأيك. لكنه اختبار عما إذا كانت الأفكار التي توجه حياتك سليمة أم لا، وهذا هو منهج الفلسفة في الحياة.

بعد بضعة عقود، حاول الفيلسوف أرسطو أن يجعلنا أكثر ثقة بشأن الأسئلة الكبيرة. كان يعتقد أن أفضل الأسئلة هي تلك التي تسأل عن ماهية الشيء. لقد فعل هذا كثيراً في كل أمور الحياة تقريباً فلقد سأل: ما هي الحكومة؟ وما الاقتصاد؟ ما هو المال؟ وما الفن؟
يتمثل دور الفلسفة النهائي في استيعاب هذه الدروس وتشغيلها في عالم اليوم. الهدف ليس فقط معرفة ما قاله هذا الفيلسوف أو ذاك، ولكن الهدف هو ممارسة الحكمة على المستوى الفردي والمجتمعي بدءً من الآن.

اقرأ أيضًا: رينيه ديكارت وخلاصة فلسفته: أنا أفكر إذن أنا موجود

إن الفلسفة أحد أهم العلوم التي يمكنها أن تساعدنا على الوصول إلى طرق سليمة في التفكير الإيجابي والنقدي، وهذا هو دور الفلسفة. لذا فإن من الضروري محاولة دراسة هذا المجال بشكل جدي، حينها ستتغير حياتك إلى الأبد.

المراجع:

1.     Author: MARIA POPOVA, (11/17/2020), What is Philosophy? An Omnibus of Definitions from Prominent Philosophers, www.brainpickings.org, Retrieved: 1/21/2021.

2.     Author: Janet D. Stemwedel, (4/7/2014), What is philosophy of science (and should scientists care)?, www.blogs.scientificamerican.com, Retrieved: 1/21/2021.

3.     Author: VIKAS SHAH MBE, (8/26/2017), The Role of Philosophy in Our Lives, thoughteconomics.com, Retrieved: 1/21/2021.

اترك تعليقاً