مراجعة فيلم EO: العالم من منظور حمار

You are currently viewing مراجعة فيلم EO: العالم من منظور حمار
تحليل فيلم EO

فيلم EO هو أحدث أعمال المخرج البولندي المخضرم جيرزي سكوليموفسكي، وهو عمل يُروى بالكامل من منظور حمار. حيث يواجه الحمار أنواعاً مختلفة من البشر، والحيوانات، ويتعرض في مغامراته لمختلف الظروف، والمخاطر. دعونا نخوض هذه الرحلة لنرى العالم من خلال عيون الحمار لنتعرف على قصة فيلم EO ومراجعته بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم EO

  • البلد: بولندا | إيطاليا | المملكة المتحدة.
  • اللغة: البولندية | الإيطالية | الإنجليزية | الفرنسية | الإسبانية.
  • تاريخ الإصدار: 21 يناير 2023.
  • المخرج: جيرزي سكوليموفسكي.
  • الكاتب: جيرزي سكوليموفسكي | إيوا بياسكوسكا.
  • وقت العرض: 88 دقيقة.
  • النوع: دراما.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة وعنيفة.
  • فريق التمثيل: ساندرا درزيمالسكا | توماس أورجانيك | إيزابيل هوبرت.
  • التقييم: 6.8.

قصة فيلم EO

قصة فيلم EO
الحمار إي أو

تدور أحداث الفيلم ببساطة حول المغامرات المؤسفة التي يقوم بها حمار يدعى “إي أو”. كان الحمار جزءً من طاقم عمل سيرك متحرك تعتني به مدربة شابة تدعى كاساندرا التي يعتبرها مصدراً للراحة والمودة بالنسبة له. وهي تقدم له باستمرار طعاماً خاصاً، بل وتخبز له كعكة الجزر التي يحبها ويلتهمها بشراهة.

ذات يوم تقرر الحكومة الجديدة مصادرة ملكية السيرك. بينما يقوم نشطاء حقوق الحيوان ذوي النوايا الحسنة بتحرير الحمار. وهنا يُفصل الحمار على صديقته، ويبدو عليه الحزن نتيجة لهذا الفراق. ومنذ ذلك الحين يُدفع الحمار من سيد إلى آخر حتى يهرب أخيراً إلى الحرية. وعلى الرغم من أن مصيره يبدأ بشكل جيد في بداية كل حلقة من حلقات مغامراته إلا إنه ينتهي في النهاية تحت سلطة سيد آخر يسحب عربة. ويتم قيادته وجلده على الدوام، لأن الناس يفقدون صبرهم عندما لا يريد الحمار فعل ما يريدوه.

مغامرات الحمار

تبدأ مغامرات الحمار في مزرعة تتجسد فيها جميع أنواع استغلال الحيوانات والإساءة لها. ثم يتم نقله إلى مزرعة ليعيش مع حمير أخرى. يظل هناك لفترة من الوقت حتى تصل كاساندرا في حالة سكر مع صديقها على دراجة نارية للاحتفال بعيد ميلاد الحيوان، ثم تغادر وهي تبكي. يشعر الحمار بالألم لبكاء صديقته، فيهرب من المزرعة ليصل إلى غابة. وهناك يرى كيف يقتل الصيادون ذئباً، وكيف تتسبب طواحين الهواء في موت طائر. بعد ذلك يصل إلى ملعب لكرة القدم، ويتسبب في إضاعة لاعب كرة قدم لركلة جزاء بنهيقه، وفي النهاية يقوم مشجعو الفريق الآخر بضربه بوحشية لدرجة أنهم كادوا يقتلونه، فينتهي به الأمر في مركز بيطري حيث يتم علاجه ثم تسليمه كحيوان تعبئة في مزرعة ثعالب لصناعة الفراء، فيقوم بركل الشخص المسؤول عن قتل الذئاب في وجهه، ليضعه لاحقاً على شاحنة متجهة إلى مسلخ في مكان ما في إيطاليا.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Lilya 4-Ever: وكأن قطاراً قد دهسك!

مراجعة فيلم EO

تحليل فيلم EO
مشهد من الفيلم

كيف تصنع أفلاماً تكون فيها الحيوانات هي الأبطال؟ صحيح أن هناك العديد من الأفلام التي تحتوي على أبطال حيوانات، وربما تكون الحيوانات محور الحبكة، ولكن عادةً ما يمنحها مخرجي هذه الأفلام خصائص بشرية وصراعات. لكن هل شاهدت من قبل فيلماً تكون فيه الأحداث من منظور حمار؟ هذا الأمر لن يفاجئنا على الإطلاق، فكم مرة تساءلنا عما تشعر به الحيوانات؟ وماذا يعني الوجود وتجربة العالم مثلهم؟

إننا كبشر نشارك الحيوانات على الأقل من الناحية البيولوجية، لذا فالآليات الفيزيائية التي ندرك بها محيطنا ونعالج بها المعلومات ربما تكون نفسها لدى الحيوانات. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نحن على يقين أننا مختلفون عنهم؟ ولماذا نرسم هذا الخط الذي يفصل بيننا؟ وإذا كان هناك شبه كبير بيننا وبينهم، فكيف يمكننا تبرير أذيتهم وإساءة معاملتهم في المجتمع؟

ما وراء حكاية سكوليموفسكي

بدأ جيرزي سكوليموفسكي البالغ من العمر 85 عاماً الموجة البولندية الجديدة في الستينيات وأخرج روائع مثل Knife in the Water عام 1962، وLe depart عام 1967 عندما كان يحظى بالإعجاب باعتباره الفتى الذهبي لسينما أوروبا الشرقية. ألقى سكوليموفسكي بجميع قواعد السرد التقليدية في البحر، وامتثل للفوضى الإبداعية في أفلامه باستخدام أبسط الوسائل في سرد القصص. وها هو اليوم يخرج لنا أحدث أفلامه عن مغامرات حمار يدعى “إي أو” يواجه العديد من المخاطر والظروف في حياته. وهو نوع من إعادة إنتاج فيلم روبرت بريسون الكلاسيكي Au hasard Balthazar لعام 1966، لكن سكوليموفسكي صعد الحبكة بشكل أكبر مما كانت عليه في الفيلم المذكور.

طلبت المجلة الفرنسية الشهيرة Cahiers du Cinema – دفاتر السينما – من المخرج جيرزي سكوليموفسكي إجراء مقابلة معه في نهاية الستينيات لأن فيلمه Walkover وصل إلى المركز الثاني في قائمتها لأفضل الأفلام السنوية[1]، خلف فيلم روبرت بريسون Au hasard Balthazar. مما دعاه إلى مشاهدة هذا الفيلم الذي حصل على المركز الأول، وقد أثرت فيه القصة كثيراً لدرجة أنه قرر في مرحلة ما من حياته صنع فيلماً يلعب فيه حيوان ما دور البطل الرئيسي، وهو ما حققه بعد سنوات طويلة في فيلم EO.

وجهة نظر الحمار

يسرد سكوليموفسكي فيلم EO من وجهة نظر الحمار. وبالتالي لا يحتوي تقريباً على أي حوار، وبدلاً من ذلك يمكن للمشاهد سماع جميع أنواع أصوات الحيوانات من خلال موسيقى تصويرية متطورة مثل زحف النمل فوق جذع شجرة، وصياح البومة، ونباح الكلاب في المزارع، وصدح الطيور على الأشجار، وصهيل خيول المراعي وغيرها. ويتم دعم ذلك بصرياً من خلال التركيز والحركة البطيئة للكاميرا، مما يجعلك تشعر وكأنك تشاهد فيلماً لعالم الحيوان.

 ليس من المعتاد أن يتابع المشاهد فيلماً يقوم ببطولته حمار، ويقضي طوال مدة الفيلم في متابعة الحيوان على الشاشة، لكن هذا يساهم بشكل أو بآخر في تغيير نظرة المشاهد إلى العالم، حيث نجد أن الحيوانات في هذا الفيلم هي من تحتل مركز الصدارة في جميع المشاهد تقريباً، والبشر ليسوا أكثر من ظاهرة هامشية حتى وإن كانوا يتحكمون في مصير هذه الحيوانات بنوايا خسيسة.

الواقعية والتجريد

يتخذ بريسون في فيلمه مقاربة أكثر واقعية لقصته، ولكن فيلم EO لسكوليموفسكي عبارة عن مزيج من وجهتي نظر. فمن ناحية تهيمن عليه الواقعية التي تهدف إلى تمثيل الهياكل الاجتماعية والعنف والشفقة داخل المجتمع، ومن ناحية أخرى، تهيمن وجهة نظر أكثر تجريداً عندما يتعلق الأمر بـ “أحلام” الحمار التي يعود فيها دائماً إلى اللحظات الجميلة التي عاشها في حياته. يؤثر هذا النهج الرائع على المشاهد عندما يرى من خلال عيون الحيوان كيف يشعر؟

“أي أو” ليست شخصية درامية تقليدية على الإطلاق، فنحن نقضي معه ساعة ونصف ولا نشعر أبداً أنه غريباً عنا. بل نشعر بمشاعر مشابهة لعواطفنا. يمكننا أن نشعر بالألم عندما نراه محبوساً في شاحنة ويلتفت إلى الخيول التي تجري بحرية عبر الحقل، نشعر بالاستسلام والتراخي عند انتقاله من موقف إلى آخر، نعيش مع لحظاته السعيدة التي يتذكرها، وتصيبنا غصة عندما يرى عذاب الحيوانات الأخرى. لكن في كل هذه التجارب تخوننا تحيزاتنا وتجاربنا، ونقوم بإسقاط مشاعرنا على الحيوان بدلاً من إدراك مشاعره هو. تسقط الكاميرا من وقت لآخر على عينيه فنراه سوداء تماماً، لتذكرنا بوجهة نظره، وبعد الفهم الذي لا نجده في الوجوه البشرية.

العالم بعيون غير بشرية

هناك ذكريات الماضي، ولكن حتى هذه تبدو مختلفة، وعلى الرغم من أننا نرى الحمار وهو يتذكر أحد القائمين على رعايته من البشر السابقين، إلا أنه يفعل ذلك بطريقة حسية تماماً، فهو لا يستحضر فكرة الشخص بقدر ما يستحضر إحساس الأيدي التي تداعب فروته. يقوم مدير التصوير بتحريك الكاميرا بحرية وعفوية، ويستخدم التشوهات البصرية حتى لا يفرض على المشاهد أي عاطفة، ويصبح العالم مجرد أشكالاً مجردة، والنتيجة فيلم مليء بالتجديد والاكتشاف.

 نقضي في قصة فيلم EO مع بعض الشخصيات البشرية وقتاً أطول من غيرها مثل فريق كرة القدم، وسائق شاحنة يقدم الطعام لامرأة مهاجرة جائعة، وامرأة أرستقراطية على علاقة بكاهن شاب، لكننا لا نعرف من أين أتوا؟ وماذا يحدث لهم بعد ذلك؟ وليس لدينا المعلومات اللازمة لفهمهم. ربما لأننا نرى العالم بعيون غير بشرية، فلا يتعين علينا أن نفهمها.

البراءة والقسوة

يتم تمثيل المنظور المضطرب للحمار، الذي يختلف عن المنظور البشري، على الشاشة من خلال صورة سريالية حمراء تتبع ارتباط جيرزي بالتجريدات الشكلية والموضوعية، دون إساءة استخدامها أو حتى الإساءة للحيوانات التي يحاربها المخرج. نرى ذلك في مقارنة السلام والبراءة للحمار مقابل العنف والحماقة والأنانية الصريحة للجزء الأكبر من البشر. يبدو ذلك جلياً في تصوير الحمير والكلاب والخيول والضفادع والعناكب والبوم والذئاب والثعالب والخفافيش بصورة مثالية وملائمة لبيئتها بدون العقل المتطور والمدمر للإنسان العاقل. وفي الفصل الأخير عندما يريد سائق الشاحنة البولندي أن يمارس الجنس مع مهاجرة أفريقية مقابل إطعامها، ليقوم صديقها أو شقيقها بقطع حلقه بعد لحظات. وهو تعليق عابر على غطرسة العالم الأول وكراهيته للأجانب. أو عندما ينقذه كاهن شاب مقامر يقيم علاقة سفاح القربى مع زوجة أبيه.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Beasts: تجربة من الجحيم

فيلم EO هو فيلم جريء يطلب منا أن نتبنى وجهة نظر لا علاقة لها بوجهة نظرنا، ولا يجعلنا فقط نتساءل حول كيفية تعاملنا مع الحيوانات في حياتنا، بل يجعلنا كذلك ننظر إلى أنفسنا من الخارج.

هوامش

[1] CAHIERS DU CINÉMA’S TOP TEN FILMS | 1966.

اترك تعليقاً