نهج البردة للبوصيري هي قصيدة طويلة في مدح النبي عليه الصلاة والسلام. وقد سُميت قصائد الشعراء الذين جاءوا من بعده ومدحوا النبي بنهج البردة. فلماذا سميت قصائد مدح النبي بنهج البردة؟ وما هي نهج البردة للبوصيري؟
سبب تسمية قصائد الشعراء في مديح النبي بنهج البردة
تعود تسمية قصائد مديح النبي بنهج البردة إلى قصة قديمة بطلها كعب بن زهير بن أبي السلمي الذي كان شاعراً مخضرماً في الجاهلية والإسلام. بينما هذا الشاعر المخضرم أنشد قصيدة هجا فيها النبي عليه السلام في الجاهلية. وبعد فتح مكة ودخول الناس في الإسلام جاء إلى النبي تائباً ومعتذراً له عما قال في قصيدته. وتكفيراً عن ذنبه أنشد في النبي قصيدة مديح أعجب بها النبي فخلع بردته ثم أعطاها لكعب بن زهير تعبيراً عن استحسانه لشعره وإظهاراً لعفوه. ومن هنا سميت قصيدته “نهج البردة”.
ظلت بردة الرسول في كنف كعب بن زهير يستخدمها كرداء حتى توارثها أبناءه من بعده. بينما حافظوا عليها طوال فترة الخلفاء الراشدين حتى جاء معاوية بن أبي سفيان فاشتراها من ورثة كعب ليلبسها بعد أن تولى الخلافة. ثم أصبحت البردة بعد ذلك إرثاً لخلفاء بني أمية. فكانوا يرتدونها في المناسبات الكبرى تبركاً بالرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك حدث ما اسمها حيث توارث اسم البردة الشعراء في قصائدهم التي تمدح الرسول. بينما أشهر فصائد مدح الرسول فكانت نهج البردة للبوصيري. فمن هو البوصيري؟
اقرأ أيضًا: قصة عمر الخيام ورباعيات صمدت أمام اختبار الزمن |
من هو البوصيري؟
البوصيري هو شرف الدين أبو عبد الله بن سعيد الصنهاجي المعروف باسم “البوصيري” نسبة إلى قرية “بوصير” موطن أمه. ولد البوصيري عام 608 هجرية، وبدأ حياته العملية في مهنة الكتابة على الجبايات والضرائب، إلا أنه كان يعاني من عدم أمانة الموظفين في ذلك المكان، مما جعل يزهد في هذه الوظيفة. ثم سار في طريق الزهد لفترة من الوقت أدرك حينها أن الحياة كلها إلى زوال ولا يتبق للمرء سوى عمله الصالح. فانقطع للعبادة وبدأ ينظم الشعر. وحين قرر أن ينطلق في طريق الصوفية ذهب إلى الإسكندرية حيث تقابل هناك مع أبي العباس المرسي وهو تلميذ أبي الحسن الشاذلي وخليفته في الطريقة الشاذلية فتتلمذ على يده وأصبح من أتباعه.
وحين كان يتعلم من أبي العباس المرسي كان معه ابن عطاء السكندري وهو تلميذ أخر من تلاميذ المرسي. وكانا من التلاميذ المتميزين. حيث برع البوصيري في الشعر في حين برع ابن عطاء السكندري في النثر. وبدأ البوصيري ينظم الشعر في مديح النبي عليه الصلاة والسلام في العديد من قصائده. ولعل أشهرها نهج البردة والهمزية في المدائح النبوية.
اقرأ أيضًا: قصة ذو النون المصري: رحلة طويلة للبحث عن المجهول |
سبب نظم البوصيري لقصيدة البردة
أما السبب وراء نظم البوصيري لقصيدة نهج البردة فهو إصابته بفالج وهو شلل يصيب أحد شقي الجسم. بينما لم يستطع أطباء عصره أن يعالجوا مرضه. ومن هنا راودت البوصيري فكرة نظم قصيدة يستشفع بها لدى الله ورسوله. وبدأت القصيدة كفكرة تراوده من حين إلى أخر فبدأت بخاطرة حتى أصبحت عملاً إبداعياً مكتملاً. بينما تقول إحدى الروايات التاريخية أن البوصيري كان ينظم أبياتاً متفرقات منها. حتى إذا أتى على الشطر الأول من البيت الذي يقول فيه: فمبلغ العلم فيه إنه بشر. توقف ولم يستطع أن يستكمل، حتى ظل على هذا الحال أياماً عديدة حتى غفا ذات يوم فرأى فيما يرى النائم الرسول ليطلب منه قراءة الشطر الذي توقف عنده. فما إن قرأه حتى بدا له الشطر الثاني فاستيقظ من نومه وكتب: وإنه خير خلق الله كلهم.
أما الغريب في الأمر أن البوصيري بعد أن أنهى نظم قصيدة البردة قد برأ من مرضه تماماً. لذا كان الكثير من المؤرخين والنقاد يرون أن القصيدة إن لم تكن اسمها نهج البردة كان من الأولى أن تحمل اسم ” البراءة” نظراً لبراءة البوصيري من مرضه بعد نظمها. هذا على الرغم من أن البوصيري قد اختار لهذه القصيدة اسم “الكواكب الدرية في مدح خير البرية” إلا أن نهج البردة حصلت على شهرة عظيمة. بحيث ظلت في أذهان الناس بهذا الاسم.
اقرأ أيضًا: عمر بن الفارض: سلطان العاشقين الذي حاول الوصول للحقيقة العليا |
قصائد نهج البردة
أما نهج البردة فهي قصيدة تحتوي على 180 بيتاً، وهي واحدة من أعظم ما نظمه البوصيري. بينما شرع العديد من الشعراء في نظم قصائدهم في مدح النبي على وزنها، ولعل أشهر هؤلاء الشعراء في العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي.
وهكذا عاش البوصيري أديباً صوفياً حتى توفي في الإسكندرية عام 696 هجرية ودفن هناك وأقيم له مسجداً يحمل اسمه بجانب معلمه المرسي أبو العباس. وإلى هنا يسدل الستار عن قصيدة نهج البردة وأعظم من نظمها وهو الإمام البوصيري.
المصادر:
خ٧.