عالم النحل مليء بالعجائب والظواهر المدهشة. فهذه المخلوقات الصغيرة هي التي تساهم في بقاء الإنسان على قيد الحياة. في هذا المقال نخوض سوياً رحلة شيقة لنتعرف على أسرار عالم النحل المدهش الذي لا يعرف النوم.
عالم النحل
يعيش النحل في جميع أنحاء العالم تقريباً، ويوجد منه ما يقارب العشرة آلاف نوع. أما الأنواع التي تعيش في مجموعات كبيرة العدد فتقدر بحوالي 500 نوع. ولولا وجود النحل على سطح الكرة الأرضية لما استطاع الانسان أن يظل على قيد الحياة أكثر من أربع سنوات. فهذه الكائنات العظيمة هي التي تساعد على التوازن الطبيعي للبيئة، ولولا لانكسرت السلسلة الغذائية للإنسان.
ويعد عمل النحل في الخلية إحدى صور الصبر والتعاون والترابط، كما أن مثابرته وسعيه الدؤوب للعمل بلا كلل أو ملل لهو صورة أخرى من صور إبداع الخالق في كونه. ولا أدل على ذلك من معرفة أنه للحصول على كيلو جرام واحد من العسل لابد من عمل حوالي ستين ألف نحلة بشكل مستمر، حيث يتطلب من هذا العدد الهائل من النحل زيارة أكثر من ثلاثة ملايين زهرة وقطع مسافة تعادل خمسة أضعاف حجم الكرة الأرضية. فما بالك بتلك الكميات المهولة التي ينتجها النحل.
أنواع النحل
هناك أكثر من 20000 نوع من أنواع النحل، لكنها لا تعيش وتتصرف جميعها بنفس الطريقة. حيث تنقسم أنواع النحل إلى نحل اجتماعي أو منعزل، وهذا يعتمد على نوعه. فالنحل المنعزل يعيش بشكل مستقل عن بعضه البعض، إلا عندما يتكاثر. أما النحل الاجتماعي فهو يعيش في مستعمرات قد تتكون من عدد قليل من الأعضاء أو عدة آلاف من النحل، جميعهم يعيشون ويعملون معاً للحفاظ على مستعمرتهم تحت إشراف نحلة واحدة، هي ملكة النحل. وسواء أكان اجتماعياً أم منعزلاً، فإن كل ما يفعله النحل هو تحقيق هدف واحد: ألا وهو إنتاج المزيد من النحل لضمان بقاء المستعمرة وأنواعها.
اقرأ أيضًا: رحلة داخل عالم النمل المذهل |
خلية النحل
يبني النحل خليته من الشمع على هيئة أشكال سداسية منتظمة، وذلك من أجل استغلال جميع الزوايا. هذا بالإضافة إلى أن بناء الخلية على هذا الشكل يمنحها القدرة على مقاومة الضغط. وقد أثبتت التجارب أن هذا الشكل الهندسي هو الأفضل والأكثر ملائمة على الإطلاق.
والنحل في حرصه على الاهتمام بخليته يأتي بالصمغ والمنتجات الراتنجية التي تفرزها الأشجار ليصنع منها طلاء يكسو به جدار خليته من الداخل، ويسد به الشقوق التي يمكن أن توجد به لمنع رطوبة الجو من النفاذ إلى الداخل. كما يستخدم هذا الطلاء أيضاً في حفظ جثث الأعداء. فعند نجاح إحدى الحشرات في التسلل إلى داخل الخلية فإن النحل يلسعها حتى الموت بواسطة شوكته. وإذا فشل في إخراج جثتها إلى الخارج فيقوم بتغطيتها بطبقة من الطلاء لمنع تعفنها وتصاعد الروائح غير المستحبة داخل الخلية.
اقرأ أيضًا: أسباب هجرة الطيور: أسرار أغرب الرحلات في الطبيعة |
مجتمع النحل
يمثل العمل داخل خلية النحل صورة من صور التكاتف والتلاحم. فعلى سبيل المثال نجد في حالة انخفاض درجات الحرارة أن كل نحلة بمفردها لا يمكنها الحفاظ على درجة حرارة جسمها ثابتة، لذا تقوم أفراد الخلية بالتجمع على هيئة كرة كبيرة حول الملكة. بينما يقبل القريب منها على الغذاء بنهم شديد من أجل أن يحرق كميات كبيرة من العسل ذي السعرات الحرارية العالية. مما يؤدي إلى انطلاق كميات هائلة من الحرارة. أما النحل الموجود في الطبقات الخارجية من الكرة فيصله القليل من الحرارة، ويختلط ببعضه في شكل عنقود لتكوين طبقة عازلة للحماية من البرد الشديد. وعندما يصعب على نحل الطبقة الخارجية الاستمرار في مكانه بسبب شدة البرد فإنه يشق طريقه إلى الداخل ويحل مكانه أفراد الطبقة الداخلية. وبهذا الأسلوب الرائع يقضي النحل الشتاء إلى أن تتحسن الظروف الجوية.
أما هذا المجتمع الرائع فيتضمن ثلاثة أنواع من النحل وهي:
-
ملكة النحل
تعد ملكة النحل هي الأهم داخل الخلية، وفي عالم النحل عموماً، وعادةً ما تكون أكبر قليلاً من النحل الآخر في المستعمرة. بينما تمتلك ملكات النحل بطناً مدبباً كبيراً، وتمتاز بشعرها ذهبي اللون. ونظراً لأن هذه الاختلافات دقيقة للغاية، فكان لابد من تمييز أهم أعضاء الخلية، لذا يقوم مربو النحل في كثير من الأحيان بتمييز ملكة النحل بالطلاء لتتبع موقعها بشكل أفضل.
وملكة النحل هي الأم الحقيقة لجميع أفراد الخلية. كما إنها الوحيدة التي تضع البيض بصورة دائمة. حيث تضع أكثر من مليون بيضة خلال فترة حياتها القصيرة التي تمتد لبضع سنوات. وفي حالة موت الملكة أو غيابها غياباً طويلاً عن الخلية يتم اختيار أحد الأفراد ليكون رئيساً للجماعة. ويكون غالباً أعظم جثة من غيره، ويكون حكمه نافذاً على الجميع وهم يخدمونه ويحملونه في حالة تعبه أو عجزه عن الطيران. أما إذا رأى النحل فساداً فيه، فإنه لا يصمت ويبادر بعزله أو قتله بعيداً عن الخلية. -
الشغالات في عالم النحل
لكل فرد من أفراد خلية النحل وظيفته المحددة، وتقوم شغالات النحل بالعديد من الوظائف الهامة داخل الخلية وخارجها. حيث تبدأ طيرانها الأول حين تبلغ يومها العشرين، فتطير في البداية حول الخلية ثم تبعد عنها بعد ذلك. والشغالة أنثى لا تضع البيض، وهي تعمل بجد ونشاط زائدين. ولذلك لا تعمر طويلاً فتعيش غالباً من ستة إلى ثمانية أسابيع. أما أهم وظائف الشغالات داخل الخلية فهي رعاية اليرقات. حيث تقبل على تغذيتها حوالي 1300 مرة في اليوم الواحد. ونظراً لحاجة اليرقات إلى أن تكون درجة حرارة الخلية حوالي 35 درجة مئوية حتى لا يلحقها الموت، فإن الشغالات تتجمع في طبقات كثيفة حولها وتحميها من البرد بأجسامها. وإذا لم يكن ذلك كافياً فإنها تزيد من تكدسها وتغير وضعها باستمرار وترفرف بأجنحتها وترتعش مجتهدة في رفع درجة حرارة أجسامها لتدفئة اليرقات فهي تمثل الجيل الجديد.
أما الدور الآخر الذي تقوم به الشغالات كذلك فهو الدفاع عن الخلية ضد الأعداء. فهي تهاجم كل شخص يقترب من حدودها. وتفرز مادة متطايرة تعرف باسم “فيرمونات الخوف” تكون مصحوبة بالسم عندما تلسع. وهذا هو السبب في أن النحل يسارع بمهاجمة الإنسان على الفور، ويحاول أن يصيبه في نفس المنطقة التي لُسعت من قبل. وهو ما يصيب الإنسان بأعظم الأذى فيحاول الفرار بكل وسيلة. -
الذكور في عالم النحل
على الرغم من اتصاف ذكور النحل بالكسل الشديد، حيث أن الذكور في هذا المجتمع لا يقومون بالكثير من المهام داخل الخلية مثلما تفعل الملكة أو الشغالات، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، فذكور النحل لهم دوراً حيوياً لولا وجوده لما استطاع النحل البقاء على قيد الحياة، وهذا الدور هو تلقيح الملكة. حيث يتنافس الذكور فيما بينهم من أجل الفوز بهذا الأمر، وبعد اختيار الملكة من بينهم يتقدم إليها بحيواناته المنوية ثم يموت بعدها. لذا فذكور النحل تضحي بحياتها من أجل بقاء غيرها.
اقرأ أيضًا: معلومات غريبة عن طائر نقار الخشب: لماذا ينقر الأشجار؟ |
حياة النحل
تتميز حياة النحل كما أشرنا مسبقاً بالعمل الدؤوب، حيث تخرج النحلة لجمع رحيق الأزهار عدة مرات في اليوم الواحد، تتراوح هذه المرات بين 17 – 24 مرة. وخلال هذه الزيارات تخفق أجنحتها بمعدل ثلاثمائة مرة في الثانية الواحدة. فالنحلة عادة تبذل طاقة تساوي 24 مرة قدر وزنها. فهيا بنا ننطلق مع الرحلة اليومية للنحل.
يبدأ النحل عمله كل صباح بخروج مجموعة من أفراده لتحديد أماكن الأزهار. ثم تعود هذه المجموعة لتخبر أفراد الخلية بأفضل أماكن الأزهار. حيث تسارع هذه المجموعة من النحل بإعلان ما لديها من أخبار عن أماكن الأزهار بواسطة ما يسمى “رقصة الرحيق”. فبمجرد عودتها إلى الخلية تبادر على الفور بالرقص أعلاها وأسفلها لتجذب إليها الأنظار، ثم تلتف وهي ترقص بطريقة دائرية يفهم منها أفراد الخلية نوع الزهرة، هذا بالإضافة إلى الرائحة المنبعثة من النحل المستكشف والتي تشير إلى نوعية الأزهار. أما فيما يخص الاتجاه المفترض أن يسير فيه النحل للوصول إلى هذه الأزهار فيتم التعرف عليه من خلال زاوية الرقصة بالنسبة للشمس.
ومن هنا تنطلق جحافل عالم النحل إلى الأماكن المنشودة، وتتعرف على طريقها بالرائحة التي تتركها المجموعة المستكشفة ورائها. حيث تضع على الطرق المؤدية إلى الأزهار علامات إرشادية من مواد ذات رائحة مميزة لتساعدها على الوصول إليها بسهولة ويسر. وتصل جحافل النحل إلى الأزهار المنشودة في النهاية. وحين تحط النحلة رحالها على الزهرة تشرع في تذوق رائحتها في البداية كي تحدد نوع السكر ونسبته. أما العجيب في الأمر فهو أن النحل لا يلتفت إلى الرحيق إذا ما كانت نسبة السكر به أقل من 5%. لكن لماذا؟ نظراً لأن هذه النسبة الصغيرة سوف تفسد قبل طهي الرحيق لتحويله إلى عسل. بينما تكون النسبة المناسبة للسكر المتواجد في الرحيق هي 20%.
الوقت المناسب في عالم النحل
من المتعارف عليه أن الغالبية العظمى من الأزهار تخرج رحيقها خلال ساعات معينة في اليوم. والنحل يعلم هذه الحقيقة لذا فهو يختار الوقت المناسب للانطلاق في رحلته لجمع رحيق الأزهار. كما يستطيع النحل التمييز بسهولة بين أنواع الرحيق المختلفة. وهذه القدرة العظيمة لم تكن وراثية في عالم النحل بل هي مسألة تعلم وتدريب ومثابرة. لكن أغرب ما في هذا الأمر أن هناك بعض النباتات السامة التي تنتج الرحيق، ويعرفها النحل جيداً إلا إنه يقصدها في كثير من الأحيان ويجمع رحيقها. أما السبب وراء فعلته لهذا الأمر فإنه يستخدم هذا السم ف التخلص من كل من تسول له نفسه لاقتحام الخلية. وربما يعد هذا السم من أهم أسلحة النحل للدفاع عن الخلية ضد الأعداء.
كيف يستطيع النحل التعرف على طريقه في الظلام
هناك الكثير من الأيام التي تكون فيها السماء ملبدة بالغيوم، مما يمنع الرؤية بوضوح. إلا أن هذا الأمر لا يمنع النحل من معرفة طريقه بوضوح. حيث كشف العديد من الباحثين أن النحل يمتلك عيون تحتوي على خلايا يمكنها التقاط ضوء الشمس المختفي وراء الغيوم. بينما ترسم في مخها ما يشبه الخريطة، وهو ما يساعدها على معرفة طريقها بسهولة. حيث إنه لابد من تحديد موقع الشمس وتذكر معالم الطريق وهو ما يحتاج إلى إجراء الحسابات الدقيقة والسريعة التي تؤكد تمتع مخ النحلة المتناهي الصغر بقدرات فائقة مع الاحتفاظ في الذاكرة بالخريطة الدقيقة لمواقع الأزهار والطرق الموصلة إليها. ثم العودة مرة أخرى إلى الخلية دون أن تمثل كثافة الغيوم عائقاً يصعب اجتيازه.
كيف يحفظ النحل العسل؟
من المتعارف عليه أن عالم النحل يستطيع تخزين كميات كبيرة من العسل وعلى مدى سنوات طويلة دون أن يصيبه الفساد. والغريب في هذا الأمر أن الميكروبات لا تستطع أن تحيا في العسل، ولم يتوصل العلم حتى الآن إلى السبب وراء ذلك الأمر. أما الكيفية التي يحفظ بها النحل العسل فتتمثل في بعض العمليات العجيبة فعلاً. حيث يقوم النحل بعد أن يجمع رحيق الأزهار بإضافة بعض المواد الأولية إليه. ثم يتم تخليصه من الماء الذي تتراوح نسبته بين 40 – 60% إلى أن يصير 20% فقط.
والجدير بالذكر أن حجم إنتاج العسل يتوقف على قوة الخلية. فالخلية القوية المتماسكة يمكنها أن تنتج من 150 – 250 كيلو جراماً من العسل في الموسم الواحد. وهو ما يعني إنه جرى العمل الشاق لتبخير 180 – 350 لتراً من الماء. وهذا ليس بالأمر الهين، حيث يخضع حجم هذا الإنتاج إلى الظروف المناخية. فالجو الدافئ هو أنسب الظروف لإنتاج العسل، أما إذا كانت درجة الحرارة منخفضة فإن النحل يتجمع بأعداد كبيرة لاحتضان الخلايا بأجسامه، وتدفئتها لتواصل التبخير بنفس المعدل، والعسل الناضج يوضع في خلايا خاصة ويخزن إلى وقت الحاجة إليه.
اقرأ أيضًا: طائر الطنان: معلومات مذهلة عن أصغر طائر على وجه الأرض |
أهمية النحل
يعد وجود عالم النحل في الطبيعة مهماً للغاية، فهو يعمل على حفظ التوازن الطبيعي للكائنات الحية. وتتمثل أهمية النحل فيما يلي:
-
تلقيح النباتات
تكمن الأهمية القصوى للنحل في تلقيح النباتات، وعلى الرغم من أن جميع النباتات لا تعتمد في المقام الأول على النحل، حيث تساهم الرياح في هذا الأمر، بالإضافة إلى أن هناك العديد من المحاصيل التي يتم تلقيحها بواسطة حشرات أخرى مثل الذباب والخنافس والعث، وغيرها إلا أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أن ما يزيد قليلاً عن 100 نوع من المحاصيل توفر حوالي 90٪ من الإمدادات الغذائية لـ 146 دولة. من بين هذه المحاصيل، يتم تلقيح 71 محصولاً بواسطة النحل، ويتم تلقيح البعض الآخر بواسطة حشرات أخرى.
-
نمو النباتات البرية
تعتمد العديد من أنواع النباتات البرية على تلقيح النحل؛ فهو المسئول عن إنتاج العديد من البذور والفاكهة، والتي تعمل كمصدر غذائي حيوي للحيوانات البرية. وبدون هذا التلقيح ستختفي هذه النباتات من سطح الأرض مما يؤدي إلى موت هذه الحيوانات البرية.
-
عالم النحل مصدر للغذاء
لقد جمع البشر عسل النحل منذ آلاف السنين، ويعد من الوجبات الصحية والمفيدة لصحة الإنسان. لكننا لسنا الوحيدين الذين نعتبره وجبة خفيفة حلوة، فهناك العديد من أنواع الطيور والحشرات التي تداهم خلايا النحل للحصول على غذائها، وبدون هذا الغذاء ستختفي هذه الكائنات الحية أيضاً.
-
حماية الموائل
تعتمد العديد من الموائل على النحل كمصدر لتلقيح، على سبيل المثال هناك العديد من أنواع الأشجار مثل أشجار الصفصاف والحور التي لا يمكنها أن تنمو دون تلقيح النحل لها.
المراجع
- الإيثولوجي – إيجور إكيموشكلين – ترجمة نجيب هزاع.
- ثبت علمياً – محمد كامل عبد الصمد.
- آيات الكون – عبد الله الغديري.
- وظائف الأعضاء – بوريس فيدورفيتش – ترجمة د. عبد الرحمن محمد البردي.
- الجانب الإنساني عند الحيوان – فانس باكار – ترجمة سعد غزال.
- الحقيقة أغرب من الخيال – أندره كسبار.
بليززززز بليززززز بدي اسرار عالم النحل بس مابدي شي غيرو
هل هناك شيئاً لم نذكره في المقال، وتريدين معرفته؟