مراجعة فيلم Deliverance: مراسم جنازة الإنسان العاقل

You are currently viewing مراجعة فيلم Deliverance: مراسم جنازة الإنسان العاقل
تحليل فيلم "خلاص" 1972

فيلم Deliverance هو رحلة استشكافية داخل الأعماق المظلمة للإنسان لمعرفة ما يمكن أن يفعله عندما يواجه الموت. يحمل هذا الفيلم العديد من الأفكار العميقة التي تمثل الصراع بين الإنسان الحديث والطبيعة. لذا فهو أكثر من كونه أحد أفلام المغامرات. في السطور التالية نتعرف على قصة الفيلم ثم نستعرض مراجعة فيلم Deliverance بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Deliverance

  • البلد: الولايات المتحدة.
  • اللغة: الإنجليزية.
  • تاريخ الإصدار: 18 أغسطس 1972.
  • المخرج: جون بورمان.
  • الكاتب: جيمس ديكي (سيناريو) | جون بورمان (حوار إضافي).
  • وقت العرض: 109 دقيقة.
  • النوع: مغامرة | دراما | إثارة.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط، يحتوي الفيلم على مشاهد فاضحة أو عنيفة.
  • فريق التمثيل: جون فويت | بيرت رينولدز | نيد بيتي | روني كوكس.
  • التقييم: 7.7.

قصة فيلم Deliverance

تدور قصة فيلم Deliverance حول أربعة أصدقاء يخوضون رحلة في زورق لعبور نهر من أجل الاستمتاع به للمرة الأخيرة قبل أن يختفي مع بناء سد ضخم. لم يرغب الأصدقاء سوى في الاندماج مع الطبيعة الخلابة لتملأ أرواحهم السلام والسكينة بعيداً عن ضجيج المدينة الذي يصم الآذان. وعند وصولهم إلى وجهتهم يلتقون بالسكان الأصليين.

أحد الأصدقاء هو عازف جيتار يبدأ في عزف الموسيقى لحين انتهاء أصدقائه من الترتيبات اللازمة للرحلة مع السكان الأصليين. حيث يطلبون من أحد السكان أن يقود سيارتهما إلى المكان الذي ينتهي فيه النهر ليعودوا أدراجهم. وخلال انتظار الصديق العازف يبدأ في مبارزة موسيقية مع أحد الأطفال الذي يعزف على آلة البانجو.

خلال أحداث البداية ندرك مدى الصدام الثقافي بين الريف والمدينة. وسرعان ما ندخل إلى النهر، ونتعرف على الأصدقاء الأربعة المشتركون في الرحلة الصغيرة. لويس هو القائد الشجاع غريب الأطوار، وبوبي شخص بدين مستهتر يضحك دائماً على مقترحات لويس الأخلاقية، بينما إد هو شخص متزوج ولديه طفل ويتمتع بحس أخلاقي جيد نوعاً ما، أما الأخير فكما ذكرنا من قبل هو درو الموسيقي الذي يحمل مزيج من صفات الثلاثة السابقين.

ماذا يمكن أن يحدث في عطلة نهاية أسبوع تبدو هادئة مثل هذه العطلة؟ لكن الأمور لن تسير على هذا المنوال، حيث يبدأ الصدام مع بداية الرحلة بين اثنين من السكان الأصليين اللذان يجسدان الشر، وبين اثنين من الأصدقاء بوبي وإد. يُقبض على الصديقين ويقيد إد ويغتصب بوبي. لكن سرعان ما يأتي لويس لإنقاذهما بعد قتله أحد السكان، لتبدأ المعضلة. يريد لويس أن يدفنوا الجثة ولا يخبروا أحد عما حدث، ويريد درو أن يأخذ القانون مجراه. لينتهي بهم الأمر إلى دفنه، والعودة إلى رحلتهم التي ستتحول إلى كابوس. إلى هنا تنتهي القصة فإلى مراجعة فيلم Deliverance.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Before the Rain: الدائرة ليست مستديرة!

مراجعة فيلم Deliverance

قصة فيلم Deliverance
مشهد من فيلم Deliverance

لقد قالت قصة فيلم Deliverance كل شيء بالفعل عن الخلاص: التناقض بين الطبيعة البشرية، والمواجهة بين البربرية والحضارة، ونهاية الجمال، والنظام البيئي، وانتقام الروح من المادة… لكن ما لم يفعله هو إخبار هؤلاء الشخصيات الحضرية أنهم في رحلة جنائزية، حيث يمثل النهر الطريق الذي يؤدي إلى العالم السفلي والأبطال لا يعلمون أنهم ركاب زورق إلهي خالٍ من الأحكام المسبقة، يرشدهم نحو النهاية المحتومة.

إن حالة الذعر التي تغلف أجواء فيلم Deliverance بالتردد المستمر بين الترف والقلق، بين قسوة الأسطح الصخرية والسيولة المائية للنهر المتدفق، هي السيناريو المثالي لتنظيم مراسم جنازة الإنسان العاقل الذي يمتلك كل وسائل الراحة لكنه يعود إلى حياته البدائية، كي يحيي المكون الحيواني والغريزي الذي تنكره حياة المدينة. ومن هنا كان من الضروري وجود ممر وجودي ذو مناظر خلابة من أجل طقوس الجنازة.

عنصر الخلاص

الماء هو عنصر خلاص، فهو متجدد، متدفق، مستمر، وهو السائل الذي يحيط بالجنين، ومن خلاله تطفو الحياة، لكن ماء هذا النهر هو ماء عنيف وغامض ينحدر نحو قاع الحضارة ليصرخ صرخة أخيرة قبل أن يبدأ في التحلل، والاختفاء بعد بناء السد. بينما يشير الانعكاس المظلم للغابة على صفحة النهر، والمنحدرات التي تأتي إلى فشل الإنسان المعاصر، وغطرسته. كما يشير الركن المتخلف – السكان الأصليون – إلى العداء الواضح بين الطبيعة والحضارة. فالطبيعة التي يجسدها هنا السكان الأصليون رمزياً، لم تعد تقبل كل ما تقوم به البشرية بدون كلمة. يمكن النظر إلى السد الكبير الذي يتم بناؤه في مكان قريب على أنه رمزاً لفساد الرأسمالية التي ستغرق البلدة بأكملها وستُمحي الحياة فيها.

كذلك نجد المغامرين يعاملون السكان الأصليين بإزدراء، على افتراض أنهم متفوقون. ولا تبدو المقارنة مع الاكتشاف المجيد للقارة الأمريكية على يد كريستوفر كولومبوس وسلوك المكتشفين تجاه السكان الأصليين بعيد المنال. ولا يتصرفوا بطريقة غير محترمة واستفزازية تجاه بعضهم البعض فحسب، بل يتعاملون أيضاً مع الطبيعة بنفس الطريقة. كل شيء يشير إلى العداء الواضح بين الطبيعة والحضارة، وتحاول الطبيعة الانتقام من الإنسان الذي دمرها، ويبدو ذلك واضحاً في اضطراب النهر، وكذلك في مشهد الاغتصاب الرمزي في فيلم Deliverance.

جمال الطبيعة مقابل القبح الإنساني

كل شيء يساهم في رؤية بدائية للوجود، فهذه المجموعة من الرجال لا تفشل فقط في الانتصار، بل تعود مهلكة مثل ما بعد الحرب تماماً. إن هذا الانتقام يمنح الإنسان المعاصر درساً خطيراً. ذلك الإنسان المهموم بالقدرة المطلقة ليبدو عاجزاً في مواجهة ما هو غير متوقع (كل ما لم يتم التخطيط له) وليجد نفسه صغيراً وتافهاً أمام بيئة يمكنه التلاعب بها كما يريد، ولكنه لا يستطع التغلب عليها أمام تجربته الشخصية.

ليس من قبيل المصادفة أنه في كل هذا الجو المهين والمميت، يبرز العنصر السامي العتيق وهو الموسيقى التي تشير إلى أمرين أولهما التعاطف بين الطفل – البدائي على سبيل الإشارة فقط – والشاب الحالم الذي يرغب في تطبيق القانون. وثانيهما أنه من خلال عزف الثنائي تحت ضوء الشمس، واللقطات من أعلى وأسفل بينهما، والتي تجمع بين السماء الزرقاء والأرض نرى علو جمال الطبيعة في مقابل قبح الإنسان.

العدم يلتهم كل شيء

إن الخلاص الذي يعني التحرر والإنقاذ هو التمثيل الجنائزي لنهاية العقل، وفي هذا السياق يأخذ الانتقام القيمة الرمزية لتمثيل مجتمع مفكك ومنهار إلى البربرية، التي ترى الأعداء في كل مكان، ولكن من يدرك ذلك الآن. إننا نجد الرجال المتعبين وغير المبالين يفرون من كارثة مستمرة – مثل كارثة بناء السد – لكنهم لم يحملوا أبداً المسؤلية، ولا يبحثون عن الأسباب أو العواقب (إلا بعد تجربتها على بشريتهم).

تتحرك الشخصيات التي تحاول النجاة في سياق “العدم” حيث يلتهم العدم كل شيء تدريجياً. إنهم أشخاص مرتبكون، موضوعون تحت رحمة الأحداث، ولم يعرفوا هويتهم وأنفسهم. وليس من قبيل المصادفة كذلك أن يقوم جون بورمان بإدراج صور طبيعية رائعة دون تعليق، حيث يكون صوت المياه الهادرة وغناء الطيور والصمت الذي يصم الآذان الذي يعزز جمال ضفاف النهر بمثابة التوازن الضروري للأكاذيب والذنب والمسؤوليات من حفنة من الرجال الذين يبحثون عن “هدف أخير قذر”: وهو التعرف على صورتهم “الحقيقية”، والتي ليس من قبيل الصدفة أن النهر لا يعكسها أبداً.

وفي نهاية مراجعة فيلم Deliverance فإن المحطة الأخيرة هي “الجحيم الدنيوي” للاحتفال بجنازة عالم قاسٍ، في فيلم يتخيل إنسانية هشة لمجتمع مغيب تهمين عليه المصالح الذاتية دون النظر لأي اعتبارات أخلاقية أخرى.

اترك تعليقاً