قصة الموناليزا: كيف أصبحت أشهر عمل فني في العالم؟

You are currently viewing قصة الموناليزا: كيف أصبحت أشهر عمل فني في العالم؟
لوحة الموناليزا للرسام ليوناردو دافنشي

الموناليزا أو الجيوكاندا هي العمل الفني الذي وُلد على يد الرسام العبقري ليوناردو دافنشي، وفيه يصور زوجة تاجر الحرير فرانشيسكو ديل جيوكوندو. تعتبر لوحة الموناليزا أحد أهم وأشهر الأعمال الفنية في العالم. كما تشكل هذه القطعة الفنية الموجودة في متحف اللوفر جزءً أساسياً من تاريخ الفن. حيث يرتبط تقدير الفن عادة بالمجتمعات والثقافات المتقدمة، ولكن من المهم أن ندرك أن التعبير هو غريزة فطرية في الجنس البشري. لقد ولد الفن من حاجة الإنسان العاقل للتعبير عن رؤيته الخاصة للعالم، ومن أجل التواصل ونقل المعارف والأفكار والعواطف. إنه شكل من أشكال التعبير الجمالي يسترشد بالمنظور والحواس الخمس والمشاعر.

عبقرية ليوناردو دافنشي

يعد ليوناردو دافنشي من بين الفنانين الأكثر شهرة في عالم الفن؛ وغالباً ما يشار إليه على أنه الرجل الذي أحدث ثورة في عصر النهضة الإيطالية. هذا لأن عمله ترك بصمة ثابتة في التاريخ بأفكار كانت سابقة لعصره. تلك الأفكار التي لا تزال ذات أهمية تعليمية كبيرة اليوم.

 كان ليوناردو دافنشي (1452-1519) رساماً وعالماً وكاتباً ونحاتاً وفيلسوفاً ومهندساً ومخترعاً وموسيقياً وشاعراً وعالم تشريح فلورنسي. لم يتم الاعتراف به كواحد من أعظم الرسامين في كل العصور فحسب، بل إنه يعتبر أيضاً الشخص الذي يتمتع بأكبر عدد من التخصصات المتقنة والمواهب المتعددة التي كانت موجودة على الإطلاق.

حقق ليوناردو دافنشي في المجال العلمي اكتشافات مذهلة في مجال علم التشريح والبصريات والديناميكا المائية والهندسة المدنية. كما ساهمت أفكاره في تطوير الهندسة، بأفكار سابقة لعصره مثل المروحية والغواصة والسيارة. ومع ذلك، فإن شهرة دافنشي جاءت في المقام الأول بلوحاته. وتعد أشهر أعماله: العشاء الأخير والموناليزا وسيدة مع قاقم والبشارة وعذراء الصخور. هذه اللوحات هي التي تمكنت من الحفاظ على اسمه وسمعته كأحد آباء عصر النهضة الإيطالية.

اقرأ أيضًا: الليدي جوديفا: هل ركبت على ظهر الخيل عارية لتساعد الفقراء؟

تقنية رسم اللوحة

شرع دافنشي في رسم الموناليزا بعد أن طلبه منه تاجر الحرير فرانشيسكو ديل جيوكوندو أن يرسم زوجته ليزا. لكن اللوحة التي لم يكملها دافنشي مطلقاً لم يتم تسليمها أبداً. وظلت في حوزته حتى يوم وفاته.

لإنشاء اللوحة، استخدم دافنشي تقنية الدقة في درجات الاختلاف، وهذه التقنية ساعدت في خلق واقعية متقدمة جداً في ذلك الوقت. تستند هذه التقنية على استخدام طرقاً رياضية لقياس نسب الوجه. بينما تم رسم اللوحة بالطلاء الزيتي على الخشب. كسرت تقنيات إنشاء هذه اللوحة حواجز أسلوب النهضة الإيطالي الذي كان متعارف عليه في ذلك الوقت، وذلك لأنها كانت المرة الأولى التي يظهر فيها وجه النموذج في مواجهة المشاهد، بدلاً من إبقائه في الصورة.

اقرأ أيضًا: رواية شيفرة دافنشي: واحدة من أكثر الروايات المثيرة للجدل في التاريخ

هوية موضوع الموناليزا

أما هوية الشخصية موضوع اللوحة فلقد ظلت غامضة، حيث ظهرت العديد من النظريات. تقول أحد هذه النظريات أنها بورتريه ذاتي لليوناردو شخصياً. وتستند هذه النظرية على أوجه التشابه الكبيرة في ملامح الموناليزا وملامح ليوناردو دافنشي نفسه. أما النظرية الأكثر قبولاً فهي نظرية المؤرخ فاساري الذي كتب السيرة الذاتية لدافنشي بعد ثلاثين عاماً من وفاته. ووفقاً لهذا المؤرخ، فإن شخصية اللوحة هي ليزا غيرارديني، زوجة التاجر فرانشيسكو ديل جيوكوندو.

بعد وفاة دافنشي، حصل الملك فرانسيس الأول ملك فرنسا على اللوحة في القرن السادس عشر، وعندما مات، تم الاحتفاظ باللوحة في قصر فونتينبلو وهو أحد القصور الملكية في فرنسا. ومن ثم انتقلت اللوحة بعد ذلك إلى قصر فرساي. بعد الثورة الفرنسية انتقلت اللوحة إلى عهدة متحف اللوفر عام 1797 وظلت هناك حتى يومنا الحالي. لم تفارق لوحة الموناليزا مكانها في المتحف سوى ثلاث مرات فقط:

  • عندما أخذها نابليون إلى غرفة نومه (1800-1804).
  • وعندما سرقها فيتشنزو بيروجيا (1911-1914) من متحف اللوفر.
  • لحمايتها خلال الحرب العالمية الثانية، في قلعة أمبواز وفي دير لوك ديو.
اقرأ أيضًا: التذوق الفني: كيف نتطور قدرتنا على الحساسية الفنية؟

لماذا تعتبر الموناليزا أشهر قطعة فنية في العالم؟

سرقة لوحة الموناليزا
فينتشنزو بيروجي سارق الموناليزا بجانب اللوحة

على الرغم من وجود العديد من الأسباب، فإن أول ما يجب طرحه كإجابة على هذا السؤال من قبل خبراء الفن يتلخص في ذلك التعبير الغريب على وجه الموناليزا وابتسامتها الغامضة، والتي نجحت في إثارة وإرباك أعين ملايين المتفرجين. فهي ليست ابتسامة كاشفة، وليست وجهاً يعبر صراحة عما تشعر به؛ بعبارة أخرى، كانت تعبير يسمح للمشاهد بالتعبير عن مشاعره، وبالتالي خلق تفسيرات عديدة للرسم.

سرقة الموناليزا

لم تكن الموناليزا، لسنوات عديدة، معروفة خارج عالم الفن. إلى أن جاء عام 1911، وهو العام الذي تمت فيه سرقة اللوحة من متحف اللوفر، وظلت مفقودة لمدة عامين. فماذا حدث حينها؟

تبدأ القصة مع فيتشنزو بيروجيا وهو عامل إيطالي كان يعمل في متحف اللوفر. وقد اختبأ في اليوم السابق ليوم العطلة الأسبوعية داخل المتحف. وبعد غلق المتحف توجه فيتشنزو إلى المكان المعلقة عليه اللوحة. ورفع اللوحة عن الأوتاد الحديدية الأربعة التي تثبتها بالحائط وأخذها إلى غرفة العاملين. هناك أزال الحقيبة الواقية والإطار عنها. ويقال إنه في اليوم الذي فتح المتحف أبوابه أخفى اللوحة تحت ثيابه. لكن تحقيقات الشرطة تقول إن بيروجيا كان طوله 160 سم (63 بوصة) فقط، وكان قياس الموناليزا تقريباً 53 سم × 77 سم (21 × 30 بوصة)، لذلك لن تناسب ثوباً يرتديه شخص بحجمه. لكن خلال التحقيقات اعترف بيروجيا إنه نزع ثوبه ولفه حول اللوحة، ووضعها تحت ذراعه، وغادر متحف اللوفر من خلال نفس الباب الذي دخله.

ضجة كبرى

احتفظ اللص باللوحة في شقته لمدة عامين، وفي هذين العامين، استحوذ لغز الموناليزا على خيال الصحافة والجمهور. حيث ظلت فكرة الموناليزا، واختفائها الدراماتيكي بدون إجابات، عالقة في الوعي العام لفترة طويلة. وهذا يعني أنه تم طباعة وتوزيع ملايين الصور من الموناليزا في جميع أنحاء العالم، مما صنع ضجة كبرى يصعب نسيانها.

كانت السرقة بلا شك فاضحة في ذلك الوقت، ولكن في عام 1914، تم الكشف عن أن اللص كان عامل المتحف، وتم التحقيق في الأمر فتوصلت الشرطة إلى أنه انتقل إلى إيطاليا ليبيع اللوحة لشخص يدعى ألفريدو جيري، مدير معرض فني في فلورسيا آنذاك. وعندها ألقت السلطات القبض عليه، وتم إرساله إلى السجن ليقضي عقوبة ستة أشهر. لكن الغريب في الأمر أن بيروجيا اعترف خلال التحقيق معه بأنه ما فعل ذلك سوى لسبب وطني. وهو إرجاع اللوحة إلى موطنها الأصلي في إيطاليا بعد أن علم أن نابليون قد نهب العديد من التحف الفنية خلال جولاته الاستعمارية.

لكن الشرطة لم تصدق كلمة مما قاله بيروجيا. فلو إنه صادق فيما يقول فلماذا لم يتبرع بها للسلطات الإيطالية بدلاً من محاولة تحقيق أرباح من بيعها. وفي وقت عودتها في عام 1914، كانت الموناليزا بالفعل ولا تزال موضوعاً لعناوين الصحف حول العالم.

اقرأ أيضًا: لغز بناء قلعة المرجان الغامضة.. بناها رجل واحد ثم مات مع سره

توضح رحلة قطعة ليوناردو دافنشي الأيقونية القوة الهائلة التي يمكن للفن أن يحملها. حيث يتجلى الفن في التواصل، والتعليم، ولفت انتباهنا، وخلق الوعي، والتقدير الثقافي؛ وبفضل هذا الفن يمكن احترام التاريخ والثقافة والتقاليد الخاصة بكل العصور المختلفة.

اترك تعليقاً