مراجعة فيلم Before the Rain: الدائرة ليست مستديرة!

You are currently viewing مراجعة فيلم Before the Rain: الدائرة ليست مستديرة!
تحليل الفيلم المقدوني "قبل المطر"

Before the Rain هي قصة مذهلة سردياً وبصرياً تتكون من ثلاثة أجزاء تقع بين لندن وتلال مقدونيا الخالدة. تحاول القصة المتشابكة الإجابة على اللغز المأساوي حول سبب استمرار دول البلقان في حالة حرب. في السطور التالية نتعرف على قصة فيلم Before the Rain ثم نقدم مراجعة لهذه التحفة الفنية.

معلومات عن فيلم Before the Rain

  • البلد: مقدونيا الشمالية | فرنسا | المملكة المتحدة.
  • اللغة: المقدونية | الألبانية | الفرنسية | الإنجليزية.
  • تاريخ الإصدار: 24 فبراير 1995.
  • المخرج: ميلشو مانشيفسكي.
  • الكاتب: ميلشو مانشيفسكي.
  • وقت العرض: 113 دقيقة.
  • النوع: دراما | رومانسية | حرب.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة وعنيفة.
  • فريق التمثيل: كاترين كارتليدج | رادي سيربيدزيجا | جريجوار كولين.
  • التقييم: 7.9.

قصة فيلم Before the Rain

تدور أحداث الفيلم في مقدونيا في أوائل التسعينيات، حيث الأجواء المشتعلة بين أهل مقدونيا المسيحيين، والألبان المسلمين. تنقسم القصة إلى ثلاثة أجزاء تحت أسماء “الكلمات” و “الوجوه” و “الصور”، وتبدو كل قصة ليس لها علاقة بالأخرى إلا أننا ندرك تشابك القصص جميعها في النهاية.

الكلمات

يبدأ الجزء الأول مع راهب شاب نذر صمتاً طوال العامين الماضيين. وذات يوم عند عودته إلى مضجعه يتفاجأ بوجود صبي صغير يختبىء في فراشه. يركض ليخبر أحد رؤساء الدير، لكنه يتراجع عن ذلك بعد رؤية الخوف في عيني الصبي. في اليوم التالي، يظهر رجال مسلحون يبحثون عن فتاة ألبانية يُزعم أنها قتلت أحد رعاة الأغنام.

لا أحد يعرف الفتاة أو يعلم بوجودها، لكن المسلحين يرفضون المغادرة، ويفتشون الدير كله حتى تظهر. في مساء تلك الليلة، يستيقظ الراهب الشاب ليرى الصبي مرة أخرى، ولكن هذه المرة في ضوء القمر، وأدرك أنه ليس صبياً، بل فتاة. يسمح لها بالاختباء، ليكتشفها الكهنة الآخرون في وقت لاحق من الليل. يطرد الكهنة الراهب الشاب والفتاة ويُجبراهما على الخروج تحت جنح الظلام. يبدو أن الاثنين قد وقعا في الحب، لكن هذا الحب سيُسلب منهما بسرعة ووحشية قبل أن يُسمح له بالتجسد.

الوجوه

يأخذنا الجزء الثاني، الوجوه، إلى صخب لندن الحديث، حيث تورطت امرأة في وكالة تصوير تدعى آن في الحمل من علاقة مع زميلها المقدوني في العمل ألكسندر. لقد عاد لتوه من رحلة استكشافية أصابته بصدمة على ما يبدو. لقد قتلت كاميرته رجلاً كما يدّعي. يطلب منها العودة إلى مقدونيا معه، حيث يتذكر الحياة على أنها سلمية وآمنة، على الرغم من تحذيراتها ومعرفتها بصراعات البلقان. ونظراً لحملها فلن يمكنها الذهاب معه، وتضطر أن تلتقي بزوجها لتخبره عن حملها ورغبتها في الانفصال.

يعود ألكسندر وحده إلى وطنه. وفي حين أن الحرب تبدو بعيدة عن لندن الصاخبة، إلا أن العنف والكراهية لم يسبق لهما مثيل. فخلال العشاء، أخبرت آن زوجها أنها حامل، وتريد الطلاق. وفي هذه الأثناء كان النادل وشخص مقدوني آخر يتشاجران، حتى وصلا إلى حد التشابك بالأيادي، ليرحل المقدوني عن المطعم، ويعود من جديد مع سلاح ليقتل بعض رواد المطعم. تنجو آن من هذه الحادثة إلا أن زوجها وافته المنية.

الصور

يعود بنا الجزء الثالث إلى مقدونيا مع ألكسندر. حيث يصل إلى منزله القديم بعد غياب 16 عاماً، ويجد أن جيرانه الألبان يخافون منه. وقد أصبح أصدقاء الطفولة الآن أعداء لدودين، وتشتد الكراهية بين المقدونيين والألبان. يبدو أن بعض أفراد عائلته متعاطفون إلى حد ما، والبعض الآخر متشدد، مثل ابن عمه ميتري، أحد الرجال المسلحين في الكنيسة في بداية الفيلم. يسأل ألكسندر عن هانا، المرأة التي كان يحبها منذ الطفولة، ولا يزال كذلك على ما يبدو. إنها ألبانية، وأرملة. يذهب لزيارتها وخلال طريقه يُستجوب بشكل مثير للريبة من قبل قرويين مسلحين. ولا يُسمح له بالدخول إلا بعد أن أكد والد هانا هويته.

لن أكشف هنا عن تشابك قصص فيلم Before the Rain حيث لا يفقد المشاهد متعة المشاهدة. ومع ذلك فالفيلم ليس خطياً بطبيعته، ولكنه دائري، وهو أسلوب مناسب تماماً لموضوع الفيلم.

اقرأ أيضًا: فيلم The World to Come: حب ممنوع يزدهر وسط الخراب

مراجعة فيلم Before the Rain

قصة فيلم Before the Rain
مشهد من فيلم Before the Rain

Before the Rain هو أول فيلم من تأليف وإخراج المخرج المقدوني المولد ميلشو مانشيفسكي الذي يقيم حالياً في نيويورك، وهو أيضاً أول فيلم يتم إنتاجه في جمهورية مقدونيا المُعلنة حديثاً. وقد رشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية في عام 1995. ونظراً لأنه أول فيلم يتم تصويره في بلده الأصلي بعد أن أصبحت جمهورية مستقلة في أعقاب الكثير من الاضطرابات السياسية، فليس من المفاجئ أن يهتم السرد إلى حد كبير بطبيعة العنف والانقسامات بين الناس.

الصراعات القبلية والدينية

ربما لا يوجد شيء مقلق أكثر من الكراهية العرقية والعنف الذي يمزق العديد من بلدان العالم. والكثير من هذه الخصومات القبلية والدينية موجودة منذ قرون ولا تظهر أي علامة على التراجع. فالشباب يبدو أنهم سعداء بالزناد والمدافع الرشاشة. إن أخلاقيات الحب التي هي في صميم التقاليد المسيحية والإسلامية حل محلها الانقسام والعنف والطائفية.

هناك عدد لا يحصى من النزاعات التي استندت على المعتقد الديني في كل مكان في العالم: الحروب الصليبية، محاكم التفتيش المقدسة، مطاردة الساحرات، فلسطين وإسرائيل، والنتيجة عدد لا يحصى من القتلى ولا تستثني هذه الصراعات الأطفال والنساء وكبار السن والأبرياء. وسواء كان ذلك لأن لديك الحقيقة الإلهية المطلقة والوحيدة، أو كان ذلك من أجل الاستيلاء على منطقة ما، وسواء كان ذلك للسيطرة السياسية والاقتصادية، وغيرها من أسباب الحروب، لذا ما عليك سوى الفوز في هذه الحرب مهما حدث.

تاريخ البشر مع العنف

متى وكيف تحول البشر إلى العنف؟ يمكننا أن نجد مبدأ العنف منذ بداية وجود الإنسان على وجه الأرض، فنظرة بسيطة إلى الوراء ندرك أن الإنسانية لديها الكثير من العنف والأثر الذي تركه على الطريق ما هو سوى آثار أقدام عميقة ملطخة بالدماء. وعلى الرغم من التقدم الذي وصلت إليه البشرية، وإشباع الإنسان لغرائزه وعواطفة إلا أن نهاية العنف لم تأت بعد. فسرعان ما يجد الأسباب والأعذار لمواصلة القتال مع أخيه الإنسان.

يستكشف فيلم Before the Rain أنه طالما هناك مكاناً واحداً في العالم يعاني من العنف، فلا مكان آمن. وهذا ما ظهر خلال الهجوم غير متوقع في المطعم حيث تتناول الطعام. إنه عداء قديم غير مبرر بين رجلين ينفجر فجأة ليؤثر على الجميع، صورة مصغرة لمشاكل العالم.

عن مخرج فيلم Before the Rain

ربما تكون القصة الثالثة هي الأطول في فيلم Before the Rain. تلك القصة التي تتعلق بعودة ألكسندر إلى مسقط رأسه، حيث يكتشف أن كل شيء متشابه للغاية. فالثأر القديم لا يزال حياً مثل الرومانسيات القديمة، والتغييرات في البلاد جعلت بعض الانقسامات تتسع بشكل أكبر. جاء ألكسندر إلى نفس البلدة التي رأيناها في الفصل الأول، وعلى الرغم من أن نيته كانت ترك ميدان المعركة لإيجاد بعض السلام فيما هو مألوف، لكنه يدرك أن المعركة هي ما هو مألوف.

يخبرنا فيلم Before the Rain أن ميلشو مانشيفسكي اختار “الصور” كقصته الرئيسية، وهو أسلوب التعبير الأكثر ارتباطاً بقصة المخرج، حيث يريد أن يظهر للعالم أهوال ما يحدث في مقدونيا من خلال السينما – الصور – وبالتالي، شعوره بنفس شعور البطل ألكسندر عندما تخلى عن التصوير الفوتوغرافي. حيث يلتقط صورة واحدة فقط في مقدونيا، صورة عائلية تظهر مدى ابتعاده عن شعبه الأصلي. تماماً كما كان المؤقت التلقائي في الكاميرا على وشك التقاط الصورة، قام ألكسندر بضرب حشرة. ففي الصورة عائلته تنظر إلى الكاميرا، مستقرة ومجمدة في مكانها، بينما ألكسندر ينظر بعيداً، مضطرباً، يحاول إيقاف مشكلة مزعجة.

من رمز إلى آخر

يمتلك مانشيفسكي قبضة قوية جداً على ما يحاول القيام به هنا. وكمخرج في ظهوره الأول، يُظهر عيناً قادرة بشكل استثنائي على الصور المرئية، حيث استطاع خلق إحساس قوي بالمكان، من اللقطات الشاملة شبه الملحمية للحقول المفتوحة في مقدونيا إلى أكثر شوارع لندن رمادية. كذلك يحافظ على استعارة الحركة المستمرة للوقت، فلا يتوقف الفيلم سوى للحظات الأكثر حميمية، عندما يأخذ شخصان الوقت للتوقف والتحدث. يعجبني كيف تنقلنا عناوين القصة من رمز إلى آخر: من الكلمات كونها أهم أدوات الاتصال لدينا، فاللغة هي الشيء الذي يجعلنا بشراً بوضوح، إلى الوجوه التي نشاركها عالمياً، وأخيراً إلى الصورة الثابتة، مما يجمد الوقت ويسمح لنا بالسفر إلى أي مكان في العالم.

يتعامل المخرج مع هذه الاستعارات بشكل رائع. لكن من بين جميع الخيارات الفنية لمانتشيفسكي، أكثر ما أجده مثيراً للاهتمام هو تعامله مع الوقت. حيث تظهر عبارة “الوقت لا يموت أبداً. الدائرة ليست مستديرة” أكثر من مرة في فيلم Before the Rain. يتحدث بها كاهن في “كلمات”، ثم يُنظر إليها على أنها كتابات على الجدران في “وجوه”. هذه الاستعارة تتناسب جداً مع الفيلم لأن الفيلم نفسه عبارة عن دائرة إلى حد كبير، حيث تعيدنا نهاية الفيلم إلى البداية.

الدائرة ليست مستديرة

ومع ذلك، فإن هذه العودة كانت مفاجأة بعض الشيء. هذا بسبب وجود العديد من نقاط قصة فيلم Before the Rain التي لم يتم الربط بينها. فالوقت في الفيلم عبارة عن خط متموج وغير ثابت يتضاعف مرة أخرى بشكل عشوائي. ففي “الكلمات” تنظر آن إلى صور كيريل وزاميرا التي تتلقاها قبل رحيل ألكسندر، على الرغم من أن معظمنا سيتساءل لاحقاً عما إذا كان قد التقطها بالفعل (كما ستظهر لنا الأحداث، من الواضح أنه لم يستطع، على الأقل ليس في تلك اللحظة في الجدول الزمني). وبعد مغادرته وهو في طريقه إلى مقدونيا، تتلقى آن أيضاً مكالمة من شخص من مقدونيا نفترض أنه كيريل وهذا من شأنه أن يقودنا إلى الاعتقاد بأن المصور هو في الواقع العم الذي ذكره في لندن.

لا يمكن التوفيق بين هذه الأحداث والمكان الذي ينتهي به ألكسندر في نهاية المطاف في القصة، على الأقل ليس إلا إذا فقدنا جزءاً كبيراً من الوقت في حياة آن. لا أرى هذا على أنه عيب، ومع ذلك، يبدو الأمر كما لو أن فيلم Before the Rain هو فيلم سفر عبر الزمن، وعودة ألكسندر بالزمن تحرض بطريق الخطأ الأحداث التي يحاول إيقافها. ولا شك أن هذا حدث بمعنى أدبي، حيث حاول العودة إلى موطن طفولته كطريقة للهروب من العنف ثم يصبح جزءاً منه.

من خلال هذا الشذوذ الظاهر، تقدم قصة فيلم Before the Rain حجة مقنعة لحتمية الفعل البشري والصعوبة التي نواجهها في التأثير على التغيير. حيث تستمر الحياة على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا لتغييرها. وبهذا المعنى، فهي أكبر منا، والوقت خارج عن إرادتنا.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Lamb: حكاية مأساوية غريبة وفريدة من نوعها

في الختام لا يسعنا سوى القول أن فيلم Before the Rain هو فيلم عن إنسانيتنا وكيف دمرتها الكراهية، وهو إدانة لاذعة لسياسات الحرب والكراهية التي نُقلت من خلال قلب وروح الفن السابع. فإذا كنت مهتماً بهذا الموضوع أو لست مهتماً فعلى كل محب للفن السابع مشاهدة هذه التحفة الفنية.

This Post Has 2 Comments

  1. DRIS

    شكرا لك على القراءات الفاتحى للشهية. شهية المشاهدة. لا أعرف هل هناك رابط مجاني لمشاهدة الفيلم.

    1. وائل الشيمي

      العفو يا صديقي.. لكن لا أعرف رابط للأسف، وكل الروابط الموجودة على الشبكة غير مضمونة.. معذرة

اترك تعليقاً