أدب

قصة قصيرة عن الحرب: لا تُـبـقــــي ولا تــذر

لا تُـبـقــــي ولا تــذر هي قصة قصيرة مؤثرة تتناول ما تفعله الحروب في البشر، وتوضح أهمية التعايش السلمي بين البشر من أجل تقدم البشرية وازدهارها. فإلى هذه القصة القصيرة عن الحرب.

الحرب – بداية القصة

سار بخطاه الحثيثة على الأرض المخضبة بدماء البشر. كلما خطا خطوة تعثر في جثث الموتى وأشلائهم المتناثرة في كل مكان. بينما كانت الحرب دائرة ولا قرار لها. نظر حوله في أسى وقد طغى الهدوء على المكان في تلك اللحظة الهاربة من الزمن. حينها رأى القرى المدمرة من أثار الحرب والدمار.

الناس يهرعون يتملكهم الخوف والفزع. يهربون من مواطنهم ولا يعرفون إلى أين يذهبون؟ يحملون أثقالهم معهم أينما حلوا. يتجرعون مرارة الألم والجوع والبرد. هؤلاء الناس هم مَن يدفعون الثمن. تساءل في حزن كيف دمرت الحرب هذه الحياة التي لا يملك البشر غيرها؟ الجميع يتقاتلون يتنازعون يحاربون لكن لما كل هذا؟


طلقات طائشة

وفي ظل تأملاته تلك سمع دوي انفجار عظيم. بينما طلقات المدافع تبحث في شراهة عن ذوي الأرواح لتسلبها إياها. ارتعدت أوصاله فزعاً حال وصول نيران تلك المدافع تحت قدميه. هرول مسرعاً ليختبئ منها فوجد أمامه خندقاً صغيراً. ارتمى بين أحضانه حتى لا تُصيبه تلك الطلقات الطائشة. بعد لحظات سكنت أصوات المدافع. وهدأت حدة الحرب. فاطمئن قلبه قليلاً. لكن سرعان ما تبددت الطمأنينة. وحل محلها القلق والتوتر والرعب عندما ظهر له من العدم في خندقه جندياً يحمل سلاحه ويصوبه نحوه. هاله الموقف، وارتجف جسده، وتسارعت دقات قلبه قال له الجندي: مَن أنت؟ وما الذي أتى بك إلى هنا، فأنت لا ترتدي زي الجنود؟
أجابه والعرق يتصبب منه: لست جندياً يا سيدي.

طفق الجندي يفتش ملابسه لعله يجد سلاحاً قد خبئه بين طيات ثيابه. بينما لم يجد معه سوى قلماً صغيراً. فقال له في سخرية: أهذا ما تذود به عن نفسك؟!
رد عليه قائلاً: بل أذود به عن الضعفاء، عن البشر، عن الحياة، عن السلام، إني كاتب أحمل على عاتقي مسؤولية الكلمة.
قال له الجندي: أنا لا أثق بك ! أجئت وسط المعمعة لتُحدثني عن السلام. يا لك من أحمق لعين… سأقتلك

نظر الكاتب في عينيه وقال له في لامبالاة: فلتفعلها إذن! فلست بأفضل ممَن لقوا حتفهم في هذه الحرب التي لا تبق ولا تذر، فلترفع سلاحك ولتقتلني.

اقرأ أيضًا: قصة رعب قصيرة: أسطورة الموت القديمة

معاناة الإنسان

في تلك اللحظة ألقى الجندي سلاحه أرضاً لمّا وجد استسلامه. بينما جثا على ركبتيه بجانب الكاتب وهو يبحث عن زجاجة الخمر خاصته. فلما وجدها ارتشف منها بضع قطرات. ثم قدمها للكاتب وهو يقول له: الحرب قائمة يا صديقي، وأنت لديك نبالة زائدة في تخفيف معاناة الإنسان. أنت واهم يا سيدي فالإنسان ليس كما تتصوره دائماً.

رفع زجاجة الخمر إلى فيه وبدت عليه معالم الثمالة وبدأ يهزي بكلمات. نظر إلى الكاتب ليقول له والدموع تنهمر من مقلتيه: أتدري ! إنها لعبة… لعبة لعينة، والكل يدفن رأسه في الرمال. لا أحد يرغب في مواجهة قوى الشر والدمار والحرب والمرض. إننا نغرق في الموت. ذلك الشيء الذي نخشاه دائماً ومع ذلك نهرول ناحيته بكل ما أُوتينا من قوة، أتدري؟!

ثم علت وجهه ضحكة تحمل الكثير من السخرية الممتزج بالحزن واستطرد يقول: أنا كنت طبيب قبل أن ألتحق بالجيش.

اقرأ أيضًا: مقدمة الحرب العالمية الأولى: الشرارة الأولى التي أشعلت الفتيل

أرواح مسلوبة

كان الكاتب يستمع له في صمت لكي يبوح له بما تكنه نفسه المعذبة وقال له: إذن تركت مهمتك في إنقاذ الأرواح وجئت الآن لتسلبها؟!
بكى الجندي وقال له: هل لأني أرتدي زياً رسمياً وأحمل سلاحاً؟ هل هذا يصنع مني قاتلاً؟
أجابه بلا تردد: أجل.
قال له بعفوية: أنا لم أقتل سوى الأعداء.
ضحك ملئ فيه وقال: قل لي لأي سبب تقرر أن تقتل نفساً وأنت لم تر صاحبها سوى لحظة قتلك له.

بدا الانفعال يظهر على ملامحه وقال في حدة: أنت لا تعرفني فلا تحكم عليّ.

– أنت جندي والجنود يتلقون فقط الأوامر. ولا يهم كم عدد الناس الأبرياء الذين يقتلون.

تفكر الجندي قليلا وقال له في آسى: أشعر أن اليوم هو أخر أيام حياتي. لقد تمنيت كثيراً فيما مضى أن أحصل على سكين حاد يخلصني من جسدي هذا. ويحرر قلبي وعقلي. أنه السكين الذي سيحررني من حالتي المادية. ويزيل عني كل تلك القذارة. بينما ما يعرف باسم الروح ستنهض من هذه الجثة البالية عديمة القيمة. لكني دوماً ما كنت جباناً لا أقوى على فعلها.

اقرأ أيضًا: أفضل أفلام عن الحرب العالمية الثانية لا ينبغي تفويتها

الخلاص – نهاية القصة

ثم نظر إلى الكاتب وقال له: أتقدم لي خدمة؟ أريدك أن تريحني من عذابي هذا.
ابتسم له في أسى: أتريد الموت؟ أترغب في أن أقتلك؟

انتفض من مكانه وأمسك بقميص الكاتب. وكأنه أخيراً قد وجد ضالته وقال له: أجل… هل ستفعلها من أجلي…. امنحني الخلاص. خلصني من كل هذا الهراء.

أزاح الكاتب يده بعيداً وهو يقول له: لا لن أفعل هذا أبداً.

عاد إلى مجلسه مجدداً. وقد بدا عليه اليأس. بينما شرع يتحدث قائلاً: إني أرى الموت الأن يحيط بي من كل جانب. أشعر به. أحس بوجوده كالمريض الذي أشرف على الشفاء. أراه أمامي كمجرى الماء العذب. أتخيل وكأني أعود إلى وطني على متن سفينتي الحربية…

بعد لحظات قليلة بدأ يهذي بكلمات غربية. بينما يشير إلى شيء ما أمامه. نظر الكاتب حيث أشار فلم يجد شيئاً، استطرد الجندي: إنه هناك…. ألا تراه؟
تعجب الكاتب من هذيانه وقال له: لا أر شيئاً.
تعجب الجندي وقال: كيف لا تراه… إنه الموت ينظر إليّ كسماء صافية.

ثم تركه الكاتب يتحدث إلى اللا شيء ويقول: تقدم ولا تخف، إنني أتوق لرؤيتك بشدة كمثل رجل يتوق لرؤية منزله بعد أن أمضى سنوات طويلة في الأسر. إني أرى الأبدية تقترب بشدة…

وقبل أن ينهي حديثه نسفت طلقات المدافع ذلك الخندق الذي يحميهم، بينما أسلمت الأرواح إلى بارئها.


إلى هنا يُسدل الستار عن هذه القصة القصيرة عن الحرب لنعلم جميعاً مآسي الحروب وما يمكن أن تفعله في نفسية الإنسان. فالإنسان السوي لا يقبل هذه الأمور التي تفعلها الحروب بالبشر.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!