التثقيف الصحي: مفتاح تغيير المستقبل
قبل الحديث عن التثقيف الصحي، أقترح أن نقضي بضع دقائق في مراقبة العالم من حولنا؛ ماذا نرى؟ الحروب، المجاعات، المشاكل الصحية الخطيرة، الكوارث الطبيعية بسبب تغير المناخ، عدم المساواة الاجتماعية.. الآن، وكجزء آخر من نفس التمرين، اسأل نفسك: إذا عدنا إلى مفهوم الصحة الذي حافظت عليه الثقافات القديمة مثل الصين أو الهند، حيث تعتبر الصحة مرادفاً لتناغم الإنسان في جميع أبعاده وتوازنه مع البيئة والطبيعة المحيطة به، هل تعتقد أن هذا العالم الذي نعيش فيه هو حقاً عالم يؤوي الصحة؟
تعريف الصحة
لسنا بحاجة إلى الرجوع بالزمن إلى الوراء. إن تعريف الصحة كما وضعته منظمة الصحة العالمية منذ عام 1947 يشير إلى مفهوم واسع للغاية، يشمل أكثر بكثير من الجانب المادي:
“الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض والعجز..”.
والآن، دون الخوض في المشاكل الكبيرة التي ذكرتها في بداية المقال، دعونا نُلقي نظرة فاحصة على ما يحيط بنا. نحن نواجه مجتمعاً تنمو فيه الاضطرابات العقلية والعاطفية باستمرار: الاكتئاب والقلق والتوتر والضعف الإدراكي والأرق ويمكننا إضافة قائمة طويلة لا نهاية لها. نجد أيضاً الاضطرابات والاختلالات العضوية، والتي نطلق عليها أمراض المناعة الذاتية وبعضها الآخر مجهول السبب والهوية، ولا توجد تفسيرات لها في الطب التقليدي: متلازمة التعب المزمن، والألم العضلي الليفي، ومتلازمة القولون العصبي، وخلل الحركة المعوية، والصداع الدوري ومجموعة من الأمراض الأخرى، والتي أصبحت كثيرة كذلك.
لكن لا يتوقف الوضع على ذلك فحسب، بل يتجاوز الفرد. فنجد أنفسنا محاطين بالصراعات بين البلدان، والمقاطعات، والمدن، والأعراق، والطبقات الاجتماعية، حتى وصلت الصراعات لداخل نفس العائلة، بين الآباء والأبناء، أو بين الأشقاء. فما هو مستقبلنا إذا لم ننجح في حل هذا الوضع؟ الإجابة البسيطة هي لن يكون هناك حل لكل هذه المشكلات إذا لم ننجح في التغيير.
اقرأ أيضًا: أفضل التوصيات للمحافظة على نمط حياة صحي ومثالي |
الصحة مسألة تعليم
يمكن أن يكون هناك بصيص أمل صغير يظهر أمامنا في مواجهة هذه الرؤية السلبية إذا فهمنا أنه من داخل الإنسان يولد الحل نفسه. إذا فهمنا أننا جميعاً كبشر جزء من نفس الكوكب، ومن نفس الوحدة. وليس هناك أداة أفضل من التعليم لتحسين أنفسنا والبيئة المحيطة بنا، وهذا ضروري لكل من الأجيال الحالية والمستقبلية.
عندما نتحدث عن “التثقيف الصحي” في الطب، يتبادر إلى الذهن صورة طبيب يتحدث إلينا حول ما يجب أن نأكله وما لا نأكله، وعن الساعات التي يجب أن ننامها، وعن الوقت الذي يجب أن نخصصه للرياضة، وعن نظافة الجسم، إلخ. لكن إذا فكرنا مرة أخرى في تعريف الصحة كما فعل أسلافنا في الماضي، فإن المفهوم أوسع بكثير. حيث اتفقوا جميعاً على أن الإنسان يتكون من أبعاد مختلفة: الجسد المادي، طاقتنا، عواطفنا، عقولنا أو أفكارنا، وضميرنا. واتساق كل هذا مع بعضه يؤدي بنا إلى تمام الصحة.
إذا تصورنا الصحة على أنها انسجام بين كل هذه العناصر، فماذا يعني التثقيف الصحي إذن؟ يركز الطب والمجتمع بشكل عام على أمراض الإنسان بطريقة منفصلة للغاية. يحيلك الأطباء إلى طبيب الجهاز الهضمي أو طبيب القلب أو طبيب أمراض النساء أو الطبيب النفسي. ولكن نادراً ما تتم ملاحظة الشخص على مستوى العالم. حيث يتم دمج جميع الأبعاد التي يتكون منها.
اقرأ أيضًا: ماذا تفعل في الحجر الصحي؟ |
التثقيف الصحي الشامل
يعترف الطب التقليدي بشكل متزايد بالعلاقة بين العقل والعواطف والجسد. لكنه لا يزال بعيداً جداً عن تصور الإنسان ككائن عالمي، مرتبط بنفسه وبيئته وكل الطبيعة. ولا يزال يفشل في فهم أن فكرة واحدة غير منسجمة، سواء فيما يتعلق بالنفس أو فيما يتعلق بالبيئة، يمكن أن تؤدي إلى المرض.
من هذا المنظور، يمكننا أن نفهم الأهمية الهائلة للتثقيف الصحي الشامل. إنه ليس فقط الحديث عن قوائم الطعام، أو التمرينات الرياضية أو ساعات النوم، ولكن أيضاً تقديم أدوات لتعلم كيفية إدارة عواطفنا، ومعرفة كيفية توجيه التوتر، وتعليم كيفية مواجهة مخاوفنا، وغرورنا، لنجعل الحب ينمو من أجل جيراننا، من أجل أنفسنا، من أجل الطبيعة ولكل ما يحيط بنا، لنحب كوكبنا.
ما فائدة تعلم الأكل الصحي إذا لم نشارك طعامنا مع أولئك الذين يعانون من الجوع؟ لماذا نريد جسداً سليماً إذا كنا نعاني من الأنانية والغرور والقسوة واللامبالاة أو يشلنا الخوف باستمرار ولا نستطيع الاستمتاع بالحياة؟
اقرأ أيضًا: المشاعر السلبية: التعريف والأهمية والأنواع وكيفية التحكم فيها |
باختصار، أعتقد أن التثقيف الصحي، إذا فهمناه بشكل صحيح، يمكن أن يصبح عنصراً من الأمل في المستقبل، ومفتاحاً لتغيير عالمنا، وأداة لبناء عالم جديد أفضل.