قراءة العقول: كيف تعرف ما يفكر فيه الآخرون؟
القدرة على قراءة العقول هي مهارة من مهارات الذكاء الاجتماعي التي نستطيع من خلالها معرفة ما يعتقده الآخرون وما يشعرون به عندما يتعلق الأمر بعلاقات مُرضية. فهي تسمح لنا برؤية ما وراء الكلمات، وفهم بعض الإيماءات والتعبيرات. ويبدو أن بعض الأشخاص لديهم قدرة خاصة على قراءة عقول الآخرين بصورة جيدة، مما يساعدهم على تعديل علاقتهم مع الآخرين وفقاً لما يرونه فيهم. فهم يعرفون ما إذا الشخص الجالس أمامهم متوتراً أو قلقاً. أو إذا كان موضوع المحادثة يزعجه، أو إذا كان يرغب في المغادرة أو إذا شعر بالرضا أو بالسوء.. كذلك يمكنهم تخمين ما يتفوه به الشخص قبل أن يفعل ذلك.
أهمية اكتساب فن قراءة العقول
يتعين علينا في كل مرة نتفاعل فيها مع شخص ما تخمين الكثير مما يحدث أثناء هذا التفاعل. ونلجأ حينها إلى معلوماتنا الشخصية عنه وخبراتنا السابقة في الحياة وفي علاقاتنا مع الآخرين، وإلى تفكيرنا وعواطفنا في محاولة لقراءة الآخر بشكل صحيح. لكن على الرغم من ذلك نسقط في فخ سوء الفهم، وهو أمر متكرر وشائع جداً بين الناس.
يساعدنا فن تخمين ما يدور في أذهان الآخرين أو قراءة عقولهم في اكتساب علاقات أكثر إرضاءً، والتفاوض بشكل أكثر نجاحاً، والتعاون فيما بيننا، وفهم الشخص الآخر وعواطفه بشكل أفضل، والشعور بالقرب منه. أي أن قراءة العقول تمنحنا فضيلة التعاطف بالإضافة إلى أنها تتيح لنا أن نكون على دراية بالخداع والتلاعب وما إذا كان الشخص يريد مساعدتنا فعلاً أم إنه يحاول خداعنا.
إن فن قراءة العقول مهارة من مهارات الذكاء الاجتماعي التي يمكن اكتسابها مع التدريب المستمر واكتساب خبرات حياتية واسعة. وإذا لم يتمتع المرء بمثل هذه المهارات نجده يواجه المزيد من المشكلات مع الآخرين، ومزيد من سوء الفهم والارتباك في العلاقات. وينتهي به الأمر إلى البعد عن الآخرين والعزلة الطواعية. كما يمكن لعدم إتقان هذه المهارة أن تساهم في حصولك على معلومات خاطئة وسمات سلبية وغير واقعية لسلوك الشخص الآخر. ولذلك من الضروري اكتساب تلك المهارة.
تعقيدات النفس البشرية
من السيء حقاً معرفة أن معظم الناس لا يجيدون قراءة العقول. حيث يشير عالم النفس الأمريكي ويليام ايكيس إلى أن الأشخاص الغرباء لديهم دقة 20% في قراءة العقول. أما الأصدقاء المقربون فهم يقرأون عقول بعضهم البعض بدقة تصل إلى 35%. وفي المجمل لا يصل أحد من البشر إلى دقة أعلى من 65% في قراءة العقول.
هذه النتائج ليست غريبة إذا أخذنا في اعتبارنا تعقيدات النفس البشرية. فربما يكون من الأسهل أحياناً معرفة ما يريده كلبك أو قطتك دون حديث، أكثر من معرفة ما يريده شريكك حتى وإن تحدث. فمن المعروف عن البشر أن بإمكانهم إخفاء عواطفهم والكذب والخداع والتلاعب واستخدام اللغة غير اللفظية لتنفيذ بعض الخدع. وفي بعض الأحيان لا نريد أن يعرف الآخرون ما نشعر به أو نفكر فيه حتى لا يستخدموه ضدنا. لذلك نعيش في نوع من شد الحبل بين حاجتنا إلى أن نكون صادقين وأن نظهر من نحن من أجل الحصول على علاقات أكثر إرضاءً، والحاجة إلى إخفاء شخصيتنا الحقيقية وأفكارنا ومشاعرنا لحماية أنفسنا أو للحصول على امتيازات معينة.
يشير دانييل سيجل أستاذ الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب “العقل اليقظ” إلى أن قدرتنا على قراءة عقول الآخرين في تراجع مستمر، نظراً لأن الآباء يقضون وقتاً طويلاً في البحث عن أنشطة منظمة لأطفالهم، مثل الألعاب الذهنية أو مقاطع الفيديو التعليمية، ويقضون وقتاً أقل للتفاعل معهم. فالطفل الذي يقضي وقتاً أطول مع الآلات مقارنة بالناس لا يتعلم كيف يكون منسجماً مع الآخرين عقلياً أو جسدياً.
كيف نقرأ عقول الآخرين؟
إذا أردنا قراءة عقول الآخرين علينا أن نكون منتبهين لكلماتهم، ولغة جسدهم، وتعبيرات وجوههم، وعيونهم، ونبرات صوتهم، وموقفهم. لكن كل هذه المعلومات التي نحصل عليها غير كافية لقراءة العقول، حيث من الضروري أيضاً معرفة كيفية تفسير كل هذه المعلومات بشكل صحيح، ويتحقق ذلك من خلال الخبرة والممارسة. فلن يتأت لأحد قراءة عقول الآخرين بين عشية وضحاها.
إن الشخص الذي يجيد هذا الأمر يعرف جيداً قراءة التعبيرات الدقيقة التي لا تدوم على وجه الشخص سوى للحظة واحدة، ولكنها تخبره بالحقيقة التي يحاول جاهداً إخفائها، وهذه التعبيرات الخاطفة تمر دون أن يلاحظها معظم الناس. لكن قدرتنا على قراءة عقول الآخرين يمكن أن تتضاءل بسبب ماضينا: تجارب الطفولة، والأحكام المسبقة، والذكريات، وعدم الأمان. على سبيل المثال إذا كنت تخشى الرفض من الآخرين، فقد ترى الرفض حيث لا يوجد. وإذا كنت تعاني من انعدام الثقة، فقد لا تثق في أي شخص دون سبب واضح. كذلك يمكن للأطفال الذين نشأوا في أسر عنيفة أن تكون لديهم حساسية بشكل خاص للعدوانية، ويرون السلوك العدواني في كل شيء.
اعرف نفسك
أهم ما في الأمر لكي تكون لديك القدرة على قراءة عقول الآخرين أن تعرف نفسك جيداً. وتحصل على فكرة دقيقة عن شخصيتك وحياتك وأفكارك وحالتك العقلية وإدراكك. على سبيل المثال، يمكن أن يكون توترك الذي تشعر به عندما محادثة شخص آخر ناتج عن حقيقة أن محاورك متوتر. وأنت تدرك ذلك جيداً لأنك تعرف نفسك جيداً وأن هذا التوتر لا علاقة له بالشخص الآخر. يمكن كذلك للأشخاص الذين يجيدون تفسير سلوكيات الآخرين أن يخبروك بأنك تشعر بشيء لا تعلم كنهه، على سبيل المثال عندما تشعر بالحزن وتحاول إنكاره. وبهذه الطريقة يساعدك مثل هؤلاء على أن تكون أكثر وعياً بنفسك.
في الختام لا يسعنا سوى القول بأن الأشخاص الذين يقرأون عقول الآخرين بشكل أفضل وبذكاء عالِ ومستوى رفيع من التعليم والعقل المتفتح هم الأكثر صحة عقلية ونفسية. ولذلك من الضروري اكتساب مثل هذه المهارة.