احترام الذات: كيف تبني ثقة حقيقية بنفسك؟
يشير العديد من علماء النفس إلى أن مسألة قبول الذات واحدة من أشق المسائل على المرء، فهي تؤثر بشكل كبير على احترام الذات وعدم القدرة على أن يحيا الإنسان حياة طبيعية. لذا في هذا المقال نحاول التعرف على هذه المشكلة ونقدم بعض النصائح اللازمة لتقبل الذات كي يستطيع هؤلاء الذين يجدون صعوبة في تقبل ذواتهم أن يحظوا بحياة أكثر سعادة واستقرار.
ماذا يعني قبول الذات؟
يعني قبول الذات الرضا عن النفس كما هي بمزاياها وعيوبها، في لحظاتها المبهجة والمريرة. وتقبل نفسك كما هي عليه هي صفة أساسية لمواجهة مواقف الحياة المختلفة. فالحياة ليست مثالية ولن تكن كذلك، لذا ينبغي علينا أن نتقبل أنفسنا سواء في المواقف الجيدة أو السيئة، وفي المواقف السارة والحزينة. ولا يتحقق قبول الذات بين عشية وضحاها، فهي عملية طويلة تبدأ بالاستيعاب والفهم وتنتهي بالتكيف، إنها نضال طويل مع النفس نحصل بمقتضاه في النهاية على النضج العاطفي والنفسي.
يشتمل قبول الذات على عدد من الأمور التي يجب تنميتها في شخصية المرء، مثل الأمان العاطفي والقدرة على الالتزام والمهارات الاجتماعية والفضائل الإنسانية التي تعزز الثقة بالنفس مثل التعاطف والتسامح والإخلاص وغيرها. ويمكننا اكتساب هذه العادات والمهارات عندما يكون لدينا القدرة على النقد الذاتي والعيش وفق فلسفة متماسكة في الحياة.
أهمية احترام الذات
يتفق علماء النفس على أن احترام الذات يعتمد إلى حد كبير على درجة قبول المرء لنفسه. وتتأثر عملية قبول النفس بالعديد من العوامل مثل البيئة الاجتماعية والعلاقات الشخصية والزمان والمكان. وتحدد قدرة المرء على التكيف مع هذه العوامل درجة قبوله لنفسه ومن ثم احترامها. ويشير مفهوم التكيف من منظور نفسي إلى قدرة الفرد على تغيير وتكييف سلوكه مع متغيرات ومكونات البيئة الاجتماعية والنفسية التي ينشأ فيها. ولا يعتبر التكيف وقبول النفس مرادفاً للخضوع بل على العكس من ذلك فهو يشير إلى قوة الشخصية لدى الإنسان. فبدون القدرة على قبول الأمور كما هي في الظروف المختلفة، سيكون الفرد عالقاً في جلد الذات النفسي. لكن بفضل قبول الذات يمكن للناس تطوير شخصيتهم إلى الأفضل.
تكمن أهمية قبول الذات في تنشيط مهارات التكيف الاجتماعي للفرد. بينما تسمح عملية استيعاب النفس للفرد بالقيام بالتعديلات والتغيرات المختلفة في نظام تعلمه. يُفهم القبول على أنه بداية للفعل، ويؤدي إلى استمرار الحياة المحملة بتجارب جديدة ومعرفة أفضل بالنفس. ومن ثم يصبح الفرد أكثر مرونة، ويحصل على قدرة أكبر على التمييز والتنظيم الذاتي عاطفياً. يعلمنا قبول الذات واحترامها أيضاً:
- القدرة على تكوين وإصدار أحكام أكثر دقة.
- إمكانية تعلم أشياء جديدة في الحياة.
- القدرة على وضع البدائل الممكنة موضع التنفيذ.
- إدارة الوقت والجهد بشكل منظم بعد وضع كل الأمور في نصابها الصحيح.
- القدرة على الصمود للسيطرة على التقلبات القادمة.
- اكتساب الفرد احترام الذات وضبط النفس.
الذات المثالية والذات الحقيقية
لدينا جميعاً حب غير مشروط لأنفسنا، لأننا ما تشكله شخصيتنا، وحب مشروط آخر، لأننا نحكم على أنفسنا. وتشتمل علاقتنا مع أنفسنا على انقسام داخلي بين مَن يراقب ومَن يُراقب، بين مَن يحكم ومَن يُحكم. وربما تتمثل مهمتنا في معرفة الذات بشكل أفضل وتعلم كيفية التعامل معها بأفضل طريقة حتى نصل إلى احترام ذواتنا.
ربما يمكننا أن نعتبر هويتنا ممزقة بسبب تلك الشقوق التي تفككنا إلى ألف شخصية، ففي داخلنا، نحن مجموعة من الشخصيات لكل منها صفات مختلفة. وهذه الظاهرة هي مفتاح هويتنا كوننا أفضل أو أسوأ وهو ما يؤثر على حياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين. فمنذ اللحظة التي نثبت فيها أننا “شخص ما” فإننا نرسم خطاً بين ما نحن عليه، وما لسنا عليه أو لا نريد أن نكونه.
السلام الداخلي واحترام الذات
يعتمد سلامنا الداخلي ورضانا عن الحياة على كيفية حل هذه المعضلة، وهو أمر حاسم بالنسبة لعلاقاتنا الاجتماعية، حيث تتطلب العلاقات سلسلة من المطالب التي يجب علينا تحقيقها لكي “تكون جيداً، ومقبولاً، وتحظى بالحب والتقدير”، ولتتجنب التعرض للرفض الاجتماعي. ومن هنا تبدأ رحلتنا مع تكوين الذات المثالية التي تنطوي على الصفات التي نعتبرها مرغوبة، ونحاول تعديل ذاتنا الحقيقية لتتماشى مع هذه الصفات. يبدو ذلك وكأنه آلية مفيدة وذكية وعملية، ولكن تظهر هنا مشكلة كبرى: ماذا يحدث عندما نكون غير قادرين على التكيف مع الذات المثالية التي خلقناها؟ وماذا يحدث إذا كنا لا نريد حتى أن نفعل ذلك؟ وعندما نرفض المطالب التي يجبرنا عليها المحيط الاجتماعي، فمن المحتمل أن نعزز رفض الآخرين لنا من خلال رفضنا. المعادلة بسيطة: كلما زادت المطالب المفروضة علينا، زاد احتمال رفضها.
هناك معايير خارجية تفرضها علينا علاقاتنا الاجتماعية، وهناك مطالب داخلية تفرضها علينا ذواتنا الحقيقية، وكل منهما يهم ويدعم الآخر، وعلى الرغم من أن النضج العاطفي يؤدي إلى هيمنة المطالب الداخلية، واستقلالية أكبر في الحكم، إلا أن الحقيقة هي أن الرأي الذي نتلقاه من الآخرين يكون له وزن كبير، وحب الذات مثل أي حب آخر لم يقل الكلمة الأخيرة.
القدرة على السيطرة
نحن بحاجة إلى أن يبدو العالم وكأنه مكان متماسك ويمكن التنبؤ به، وأن نشعر بالأمان فيه، وأن يكون لدينا انطباع بأننا قادرون على السيطرة عليه، وأننا مؤهلون للتعامل معه. وهذا الشعور بالأمان هو بلا شك أحد الحاجات الأساسية للإنسان، وبالتالي أحد مفاتيح استقرار الإنسان ورضاه. إن غيابه يعني رؤية أنفسنا منغمسين في فوضى لا يمكن تفسيرها وليس لدينا القدرة على التدخل فيها، وهو إحساس مرعب يدمر الذات العاجزة.
تحتاج الذات، أو الأنا، إلى الشعور بالقدرة والكفاءة على تأكيد إرادتها، وإلا فإنها ستفقد الثقة في نفسها، وسوف تتحلل وينتهي بها الأمر إلى السقوط في الهاوية. ولهذا السبب، سوف تبحث الأنا بشكل يائس عن الموارد لاستعادة إحساسها بالسيطرة: إذا لم يستجب العالم لها، فسوف تخترع طرقاً تجعلها تشعر بهذه القدرة، مثل اختراع تفسيرات تعفي الإنسان من المسؤولية وتبرر ضعفه، والانتقال إلى أحاسيس بدائية للقوة مثل خضوع المقربين له، والتمرد على السلطات الداخلية.
لا شك أن الشخص المحاصر بهذه الآلية سيشعر بالتعاسة، لكنه قد يكون لديه انطباع بأن تعاسته محتملة، وبالتأكيد أفضل من فراغ الفوضى. تقوض هذه الأمور احترام الذات وتبعدنا عن الواقع، فمن مصلحتنا أن نثقف أنفسنا في التسامح مع القيود الحتمية لقدرتنا على السيطرة. إنها عملية بدأناها بالفعل، دون أن ندرك ذلك، في طفولتنا المبكرة، عندما كان علينا أن نتخلى على مضض عن الشعور اللطيف بالقدرة المطلقة، ونقبل تدريجياً حقيقة حدودنا. يستمر جزء منا في استحضار تلك القوة الأصلية بحنين، والتخلي عنها مهمة تدوم مدى الحياة.
عليك أن تكرر لنفسك القلقة أنك لا تستطيع السيطرة على كل شيء. لقد خلقت الحياة لتفاجئنا، لتهرب منا عبر طبقات توقعاتنا الواهية. وعلينا أن نعمل بلا هوادة على تعميق التسامح.
خطوات احترام الذات
من المتعارف عليه أن لكل شخص شخصيته المتفردة التي تختلف عن الآخرين. ومع ذلك فإن هذه النصائح والخطوات تعد معياراً ثابتاً للجميع. فما هي خطوات قبول المرء لذاته؟
الخطوة الأولى: الإدراك
لا يتوقف ترمومتر الحياة على قراءة واحدة، فهناك مواقف سارة وأخرى حزينة. ويتعرض الإنسان على مدار حياته لكثير من الصعوبات والعقبات التي تشكل خبراته وتجاربه في الحياة، لذا ينبغي عليه إدراك السيناريوهات أو الأحداث غير السارة في حياته والتي لا يمكنه تغييرها، إما لأنها خارجة عن سيطرته أو لأنه لا يملك السيطرة عليها. تعمل هذه الخطوة الأولى على تطوير نوع من التوازن العاطفي في الحياة وتعزز احترام الإنسان لذاته.
الخطوة الثانية: القبول
تحدثنا عن مدى تعقيد الحياة بمواقفها المختلفة، وأشرنا إلى وجود بعض السيناريوهات غير السارة في الحياة، وضرورة وجود معرفة وإدراك لها، لذا فإن الخطوة التالية تتمثل في توجيه طاقتك وأفكارك وسلوكياتك نحو تقبل هذه السيناريوهات والأحداث السيئة على ما هي عليه، بغض النظر عن طبيعتها وشكلها.
الخطوة الثالثة: التركيز
لا فائدة من الندم على ما فات، فما مضى قد مضى كما تقول الحكمة القديمة. والبكاء على الماضي واجتراره لن يؤدي بك إلا على إهدار الوقت والطاقة بلا فائدة. لذا عليك التركيز على الحاضر، وما هو في متناول يدك، ومراجعة البدائل المتاحة والتصرف وفقاً للإمكانيات المتاحة أمامك.
الخطوة الرابعة: التنفيس
يشير علماء النفس إلى أهمية التعبير عن المشاعر السلبية وعدم كبتها. نحن نتعرض جميعاً لمشاعر مثل الحزن أو الخوف من الفشل أو الخوف من الهجر وما إلى ذلك، لكن تعريض نفسك لهذه المشاعر والعمل على التعرف عليها ومراقبتها يؤدي بك إلى الخلاص منها، وهي الطريقة المثلى لمقاومتها. يحذر علماء النفس من أن المشاعر التي تولد الاستياء يجب تحديدها والشعور بها والتعبير عنها وتطبيعها وقبولها. إنها نقطة البداية للتغلب على الرضا الشخصي.
الخطوة الخامسة: التكيف
من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها المرء هي المرونة، والتكيف بدلاً من التذمر والشكوى. فهناك الكثير منا قد اتخذوا الشكوى مبدأ لحياتهم، وهم يفقدون بهذه الطريقة احترام الذات، لذا يجب أن تستوعب الوضع الحالي للأمور، فالشكوى لا تؤدي إلى أي شيء، وينبغي عليك مواجهة المشاعر والحقائق بذكاء حتى تستطيع قبول الذات.
الخطوة السادسة: العلم
العلم والمعرفة ضرورة من ضروريات الحياة، واكتسابهما فرض على كل إنسان. تساهم معرفتك في الوصول إلى تفسير علمي ومنطقي للأحداث والوقائع دون اللجوء إلى تفسيرات سحرية أو خارقة للطبيعة. فالاعتقاد بأن الحظ أو السحر أو الجن وغيرهم مسؤولون عن مشاكلك لا يساعد في قبولها والعمل على حلها. وقبول الذات يعني الفهم، فلا يمكنك قبول ذاتك كما هي عليه دون أن تكون على علم بالحقائق والمبادئ الثابتة.
الخطوة السابعة: الصبر
إن عملية قبول الذات واحترامها عملية طويلة وشاقة تتطلب الصبر والمثابرة. فالحياة تنطوي على تدريب طويل لا ينتهي إلا بالموت. وعملية قبول الذات هي عملية تعلم بطيئة ودون الصبر لن تحصل عليها. لذا عليك أن تتدرب على الهدوء والصبر الطويل حتى يصبح أسلوباً في الحياة. وبهذه الطريقة يمكنك الوصول إلى النضج الحقيقي بشكل أسرع.
الخطوة الثامنة: عدم اليقين
تقبل عدم اليقين في الحياة، فعدم اليقين جزء لا يتجزأ من الحياة، وهو شرط طبيعي، لذا ينبغي عليك أن تعرف جيداً أن كل شيء نسبي في الحياة وتتصرف بناءً على ذلك. ومن الضروري ملاحظة أن نتائج هذه الخطوات لا تتحقق دائماً بين عشية وضحاها، وقد يتطلب الأمر قدراً كبيراً من التفاني والصبر لنصل في النهاية إلى قبول الذات واحترامها ونصل حينها إلى النضج العاطفي والعقلي والنفسي.
مفتاح احترام الذات
يجعل التعامل مع الذات الحياة أكثر صعوبة، ولكنها أيضاً أكثر إثارة للاهتمام، فمن المتعب أن نسعى جاهدين باستمرار ليتم الاعتراف بنا وتقديرنا، ومقارنة أنفسنا بالآخرين والمنافسة معهم، ومن المرير أن نرى أن هذه التطلعات تُحبط في كثير من الأحيان، وأن نشعر بخيبة الأمل أو العار عندما نفشل، أو بالحسد أو الغيرة عندما نرى أن الآخرين يتقدمون علينا. لكن الحياة تمتلئ بالألوان عندما يتم تقديرنا، ولولا دافع الإنجاز لما اجتهدنا في البناء والابتكار. يجب أن يكون لدينا بعض الغطرسة والطموح الكافي للشروع في رحلات الحياة.
ربما يكمن مفتاح قبول الذات واحترامها في التوازن الصحيح لكل شيء. يجب على الشباب أن يكونوا مؤسسين ومغامرين، وعليهم خوض المعارك وتكبد الهزائم، وليس أمامهم خيار سوى أن يدفعوا ثمن نشاطهم بالكثير من الجهد والمعاناة التي سيتعين عليهم أن يتعلموا كيف يخففوا من وطأتها. ومع النضج يأتي طعم الموانئ الهادئة والملاحة الهادئة، عندما نترك ذاتاً أكثر تعرضاً للتقلبات والضربات، وأكثر تعباً وتشككاً. يقولون إنه في بعض الأماكن في الهند كان هناك تقليد مفاده أن الرجال، اعتباراً من سن الخمسين، يضعون جانباً التزاماتهم العائلية ويكرسون أنفسهم للصلاة والتأمل. وللنفس أيضاً مواسمها، ولا بأس أن تستسلم في أفعالها الأخيرة.
المراجع
1. Author: Michal Mann, Clemens M. H. Hosman, Herman P. Schaalma, and Nanne K. de Vries, (08/01/2004), Self-esteem in a broad-spectrum approach for mental health promotion, www.academic.oup.com, Retrieved: 05/09/2024. |
2. Author: D L MacInnes, (10/01/2006), Self-esteem and self-acceptance: an examination into their relationship and their effect on psychological health, www.pubmed.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved: 05/09/2024. |
3. Author: Daniel T. Cordaro, Yang Bai, Christina M. Bradley, Franklyn Zhu, Rachel Han, Dacher Keltner, Arasteh Gatchpazian & Yitong Zhao, (02/02/2024), Contentment and Self-acceptance: Wellbeing Beyond Happiness, www.link.springer.com, Retrieved: 05/09/2024. |
4. Author: Blair Williams, (5/27/2020), How to Create Self-Acceptance (And Why You Should), www.forbes.com, Retrieved: 05/09/2024. |
5. Author: Srini Pillay, (5/16/2016), Greater self-acceptance improves emotional well-being, www.health.harvard.edu, Retrieved: 05/09/2024. |