معضلة قنفذ آرثر شوبنهاور وبعض المعضلات الغريبة الأخرى

You are currently viewing معضلة قنفذ آرثر شوبنهاور وبعض المعضلات الغريبة الأخرى
المثال النظري لآرثر شوبنهاور عن العلاقات الإنسانية - معضلة القنفذ

معضلة القنفذ عبارة عن مثال نظري من تأليف الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور يحاول من خلاله تسليط الضوء على توتر العلاقات الإنسانية، التي على الرغم من إنها ضرورية للجنس البشري إلا إنها يمكن أن تكون مصدراً للألم والأذى. تعكس هذه المعضلة كيف يمكن أن يتأذى شخصان من خلال عدم معرفة الحد الأقصى في العلاقة. إنها تتحدث عن الحب والعزلة والوحدة والثقة والقيود في جميع أنواع العلاقات الإنسانية.

معضلة قنفذ شوبنهاور

تقول معضلة القنفذ إنه في يوم شديد البرودة، تشعر مجموعة من القنافذ بالبرد وبالحاجة الكبيرة للدفء. لذا يسعون إلى التقارب الجسدي مع بعضهم البعض، ولكن كلما اقتربوا من بعضهم أكثر فأكثر كلما زاد الألم الذي تسببه الأشواك الموجودة على جسد القنفذ المجاور. ورغم هذا الألم الشديد الذي يشعرون به إلا أن الابتعاد يكون مصحوباً بإحساس البرودة الشديدة، ومن هنا يضطرون إلى تغيير المسافة حتى يجدون المسافة الأمثل التي تمكنهم من الشعور بالدفء وفي ذات الوقت لا تؤذيهم أشواك أقرانهم.

لماذا القنافذ؟

تعد القنافذ حيوانات صغيرة مليئة بالأشواك، وعلى الرغم من أنها تمتلك الحنان والحب، إلا أن أشواكها الحادة تسبقها دائماً. فهي تعمل كسلاح من أسلحة الحيوانات الغريبة التي تستخدمها ضد الحيوانات المعادية. لذلك كان تشبيه البشر لبعضهم البعض بالقنافذ في كثير من الأحيان يشير إلى هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بالحذر المفرط والحيطة والابتعاد عن أية مغامرات غير محسوبة. فعندما يمتلك المرء مالاً نجده حذراً جداً وخائفاً من ضياعه وهو ما يُشبه الأشواك التي تخرج من جسد القنفذ تحسباً لأي طارئ.

لكن معضلة القنفذ ترتبط ارتباطاً كبيراً برهاب الحب، وهذا الرهاب يعني الخوف من الوقوع في الحب أو الالتزام عاطفياً بشخص ما. يجعل هذا الرهاب أنواع الشخصيات المصابين به يقضون سنوات دون أن يتمكنوا من إقامة علاقة دائمة أو جادة، مما يضطرهم إلى العيش في عزلة ووحدة تؤثر على حالتهم النفسية. لكن هل كان شوبنهاور يعاني من العزلة والوحدة؟

آرثر شوبنهاور والعزلة

آرثر شوبنهاور
الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور

كان شوبنهاور فيلسوفاً ألمانياً ذا شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم تقريباً. وبالإضافة إلى ذلك، فهو يعتبر الأب الروحي للتشاؤم الميتافيزيقي. ولد عام 1788 وتوفي عام 1860، وكان ابن تاجر ثري. حرص والديه دائماً على منحه تعليماً ممتازاً، على الرغم من سوء التفاهم مع والدته وعدم كونه من أشد المعجبين بمهنة والده. عندما توفي والده، سافر إلى فرانكفورت، حيث عاش بمفرده وكرس نفسه لدراسة فلسفات التصوف البوذية والهندوسية.

عندما بلغ الثلاثين من عمره، نشر أحد أعماله الرئيسية “العالم إرادة وفكرة” (1819)، لكن مرت العديد من السنوات منذ نشر هذا العمل دون أن يلاحظه أحد. سعى في هذا العمل إلى اقتراح العناصر الأخلاقية والميتافيزيقية التي تهيمن على فلسفته التشاؤمية والإلحادية. حيث تأثر شوبنهاور بشخصيات هامة في التاريخ، مثل أفلاطون. تعرف على الشاعر الألماني غوته، وتحدث معه في الاجتماعات التي عقدتها والدته. وحظت أعمال كانط الفلسفية باحترامه.

لم يتزوج الفيلسوف ولم يبدأ تكوين أسرة، ولهذا السبب يُعرف بالرجل الوحيد، كانت العلاقة الوحيدة بينه وبين مغنية أوبرا تدعى كالوين ريختر. وقد استمرت هذه العلاقة الغريبة بينهما دون خطوبة أو زواج قرابة العشر سنوات، ثم انفصل عنها عندما هرب من برلين إلى فرانكفورت بعد انتشار الكوليرا. وهناك عاش منعزلاً حتى وفاته.

سيغموند فرويد ومعضلة القنفذ

معضلة القنفذ كان لها تأثير عظيم في أعمال العديد من المفكرين عبر التاريخ، ولعل أشهر هؤلاء كان سيغموند فرويد. استشهد الأب الروحي للتحليل النفسي وأحد أعظم العقول الفكرية في القرن العشرين، بمثال معضلة القنفذ الذي اخترعه شوبنهاور، وقد أشار إليه في أحد حواشي كتابه “علم نفس الجماهير” وبالتحديد في مقالته “مشكلات جديدة واتجاهات جديدة في البحث”. كان الاقتباس على النحو التالي:

“لنحاول أن نتمثل الكيفية التي يتصرف بها الناس حيال بعضهم بعضاً من وجهة النظر الوجدانية. فبحسب المثل الرمزي الشهير الذي ضربه شوبنهاور عن الشياهم المعانية من البرد، ليس لأحد منا أن يطيق التداني الحميم أكثر من اللازم مع أقرانه”[1].

اقرأ أيضًا: أقوال عدمية عن الحب والصداقة والوحدة والدين والحياة

معضلات أخرى

هناك العديد من المعضلات الأخرى التي تتناول بعض الخيارات الأخلاقية والعلاقات الإنسانية، ومن هذه المعضلات الغريبة معضلة السجينين ومعضلة الترام. فإلى نبذة بسيطة عن هاتين المعضلتين:

معضلة السجينين

هذه المعضلة هي نموذج كلاسيكي لنظرية الألعاب، تشتمل هذه المعضلة على سجينين متهمين بجرم لكن المحقق ليس لديه الأدلة الكافية لإثبات جرم كلا منهما. هناك خياران أمام كل متهم أولهما: أن يعترف أحدهما على الآخر فيحصل على البراءة في حين يقضي الآخر عشر سنوات في السجن. أما الخيار الثاني فهو التزام الصمت فيحصل كل واحد على ستة أشهر. لكن إذا اعترف كل من المتهمين على بعضهما البعض فيحصل كل واحد منهما على خمس سنوات.

تكمن هذه المعضلة في أن كل متهم لا يعرف عن قرار الآخر أثناء التحقيق. وعدم تواصل كلا المتهمين مع بعضهما البعض والتعاون بينهما يؤدي على عدم تحقيق مصلحة كلا الطرفين المعنيين.

معضلة الترام

معضلة أخلاقية أخرى هي معضلة الترام. وتقول هذه المعضلة أن هناك ترام يسير في مسار، وفي طريقه خمسة أشخاص مقيدين على هذا المسار، وأمام القطار عامل التحويلة، فإذا ضغط العامل على الزر يتحول الترام إلى المسار الآخر، لكن المشكلة تكمن أن على المسار الآخر طفل مقيد. فماذا يفعل هذا العامل؟ هل يضغط على الزر فيقتل الطفل أن يقرر ألا يفعل شيئاً فيقتل الخمسة أشخاص.

في هذه المعضلة تلعب الأخلاق والتحيزات دوراً كبيراً في اتخاذ هذا القرار. وهذا الموقف هو تجربة فكرية ابتكرتها الفيلسوفة فيليبا فوت وحللتها جودوث جارفيس طومسون. وعادةً ما يتم استخدامها في معاهدات القانون الجنائي وكل ما يتعلق بهذا الفرع.

اقرأ أيضًا: عن الخوف من الفشل: إذا أردت شيئاً فلتقاتل من أجله

نظريات أخرى تُشبه معضلة القنفذ

هناك العديد من النظريات الأخرى التي تتعلق بالعلاقات الإنسانية والتي تشبه إلى حد ما معضلة القنفذ الخاصة بشوبنهاور، ولعل من أهم هذه النظريات هي نظرية الين واليانغ الصينية، ونظرية التوازن الذي وضعها عالم النفس النمساوي فريتز هايدر.

نظرية الين واليانغ

هذه النظرية هي أن كل ما هو موجود لا ينفصل عن الأضداد المتناقضة. إنها نظرية نشأت في القرن الثالث وهي ذات أهمية كبيرة في الفلسفة والثقافة الصينية. في نظرية الين واليانغ، يمثل الين الظلام، بينما يمثل اليانغ الضوء. ومن المفاهيم الأخرى التي تطرحها لنا هذه النظرية أن جميع البشر يأتون إلى العالم “كاملين”. وعلى الرغم من أن الذكور ضد الإناث إلا أنهما ينجذبان لبعضهما البعض. كما أن الإنسان يمكن أن يشعر بالسعادة واليأس في يوم واحد وقادر على كره وحب نفس الشخص في نفس الوقت.

إنها نظرية مرتبطة بمعضلة القنفذ، لأنها تبين لنا أن نقيضين يمكن أن يتعايشان في وئام، على الرغم من المحن، وهو أيضاً حل لمعضلة القنفذ.

نظرية التوازن حسب فريتز هايدر

إنها نظرية نفسية وعاطفية تسعى إلى تفسير تغيير المواقف لدى الشخص. بهذه النظرية أراد هايدر أن يشرح أن العلاقات الشخصية تحتاج إلى توازن. وفي حالة عدم وجود هذا التوازن، تنشأ احتكاكات بين الأشخاص أو المعنيين. يوضح عالم النفس النمساوي في نظريته أن العلاقات يمكن أن تكون عاطفية أو متحدة. تتميز الأولى بالمواقف الإيجابية أو السلبية التي يتبناها شخص تجاه الآخر. في حين أن تلك الوحدة هي علاقات سببية أو تشابه تنتمي إلى نفس المجموعة القائمة بالفعل. مثال على علاقات الوحدة هي العائلات.


آرثر شوبنهاور في انعكاس معضلة القنفذ يجعل المجتمع يفهم أن البشر يحتاجون دائماً إلى التعلق والاهتمام والعلاقات. ومع ذلك، بعد فترة يمكن أن ينكسر المرء. فلا يوجد شيء مثالي، ويمكن الشعور بالأذى والضرر في كل مرحلة من مراحل الحياة، ولكن من الممكن كذلك إيجاد حلول أو حدود تسمح بالتعايش في وئام.


هوامش

[1] الاقتباس من كتاب “علم نفس الجماهير” لسيغموند فرويد وترجمة جورج طرابيشي.

اترك تعليقاً