الفلسفة الهيلينية: كيف امتزج الدين بالفلسفة؟

You are currently viewing الفلسفة الهيلينية: كيف امتزج الدين بالفلسفة؟
الفلاسفة في العصر الهيليني

الفلسفة الهيلينية هي التي سادت وانتشرت في اليونان القديمة منذ نهاية القرن الرابع قبل الميلاد وحتى مطلع العصور الوسطى التي بدأت عام 400 بعد الميلاد. وكان موت أرسطو إيذاناً ببدء عصر جديد من تاريخ الفلسفة اليونانية. في هذا المقال نخوض سوياً رحلة في مجاهل هذه الفترة للتعرف على الفلسفة الهيلينية وأفكارها بشيء من التفصيل.

خلفية تاريخية

قبل أن نتعرف على أهم سمات الفلسفة الهيلينية علينا في البداية أن نخوض رحلة قصيرة للتعرف على الظروف السياسية والتاريخية التي أدت إلى ظهور هذه الفلسفة. فهذه الظروف التاريخية التي سادت في تلك الفترة ساهمت بشكل كبير في تشكيل ثقافة وفلسفة اليونان القديمة.

كانت أثينا مركزاً حضارياً مؤثراً منذ فترة بعيدة. بل وكانت أول المدن التي اتخذت من الديمقراطية نظاماً لها. لكن بعد أن قضى أرسطو نحبه عام 322 قبل الميلاد، عانت أثينا من اضطرابات داخلية عديدة، مما أودى بها إلى فقدان دورها المؤثر والمسيطر، وربما ساهم الإسكندر الأكبر بفتوحاته العظيمة في هذه الاضطرابات السياسية التي سادت في تلك الفترة. حيث كان الإسكندر ملكاً على مقدونيا، ومن المتعارف عليه أن أرسطو هو الذي قام على تعليمه. وعلى الرغم من أن فتوحات الإسكندر أثرت بالسلب نوعاً ما على السياسة في أثينا إلا أنها فتحت آفاقاً جديدة.

حقق الاسكندر الأكبر انتصاره النهائي على الفرس. واستطاع عبر انتصاراته المتتالية التي ظفر بها من فتح بلاد أخرى عديدة، ولعل أهمها مصر وجزء من الشرق. كما استطاع أن يربط هذه البلدان بالحضارة اليونانية، مما أدى إلى امتزاج هذه الحضارات الدخيلة مع الحضارة اليونانية التي تعد من أعظم الحضارات القديمة في ذلك الوقت لتعلن عن بدء عصر جديد تقوم فيه الثقافة اليونانية واللغة اليونانية بدور محوري. حيث أرادت اليونان القديمة أن تحافظ على إرثها الثقافي ضد أية محاولات دخيلة عليها.

العصر الروماني

وخلال الفترة الأخيرة من حقبة قبل الميلاد وبالتحديد اعتباراً من عام 50 قبل الميلاد تقريباً بزغ نجم روما كقوة عظمى آتية من بعيد. وقد تطورت كثيراً سواء في الشؤون السياسية والعسكرية. وبدأ يبزغ نجم دولة عظمى جديدة لتسود الحضارة الرومانية واللغة اللاتينية على بقاع شتى من العالم يمتد من إسبانيا غرباً إلى آسيا في الشرق. وهذه الحقبة التي تم تسميتها باسم العصر الروماني. ولكن قبل أن تستطيع الإمبراطورية الرومانية بسط نفوذها على العالم الهيليني كانت روما إقليماً مصطبغ بالثقافة اليونانية. ولذلك ظلت الثقافة اليونانية صاحبة اليد العليا لفترة طويلة من الزمان.


معنى مصطلح الهيلينية

أما مصطلح الهيلينية فهو يشير إلى فترة زمنية طغى عليها الطابع اليوناني. كما يشير كذلك إلى الثقافة التي ازدهرت في الأقاليم الهيلينية الثلاثة: مقدونيا ومصر وسورية. بينما دامت هذه الحقبة الجديدة حوالي 300 عام وقد أطلق عليها اسم “الهيلينية”. لأنها جاءت من كلمة هيلا الذي كان يطلق على أهل اليونان. كما كانت بلادهم تعرف باسم “هيلاس” لذا سميت هذه الفترة بهذا الاسم.


سمات الحضارة الهيلينية

تميزت الفترة الهيلينية بالانفتاح على العالم والثقافات المختلفة. حيث تم إلغاء الحدود التي تفصل بين البلاد بعضها البعض. مما أدى إلى امتزاج الثقافات المختلفة بالثقافة اليونانية، ولم يتوقف الأمر على الثقافة فحسب بل امتد ليشمل الدين كذلك. حيث انتقلت عبادة الآلهة التي كان يعبدها سكان مصر وسورية وبابل والفرس إلى اليونان كما امتزجت آلهة اليونان القديمة في ديانات هذه الأقاليم. لذا كان ما يعرف حينها في كل إقليم باسم “الدين القومي” لم يعد له وجود. وتداخلت هذه الثقافات المختلفة مع بعضها البعض لتصنع لنا توليفة جديدة من الأفكار الفلسفية والعلمية والدينية المختلفة شكلاً وموضوعاً عما كانت عليه من قبل.

من هنا ونتيجة لامتزاج الأديان المختلفة بعضها ببعض أدى إلى شروع العديد في التشكيك في صحة تصوراتهم في دياناتهم التي نشأوا عليها. فلقد كان الإنسان يرتبط ارتباطاً عظيماً بدينه طالما لم يتخلى عن ثقافته أو يتعرف على ثقافات أخرى، ولكن نظراً لتلاشي الحدود بين البلدان في هذه الفترة وامتزاج الأديان ببعضها ظهر الشك والتشاؤم وفقدان الأمل. أما أهم سمة ميزت هذه الفترة المتشككة هو المحاولات الدؤوبة للتخلص من فكرة الخشية من الموت. ومن هنا بدأت التعاليم الدينية الجديدة يدخل فيها العديد من الأفكار الجديدة التي تدعو الإنسان إلى ممارسة بعض الطقوس من أجل خلود الروح والفوز بالحياة الأبدية. هذا وبجانب الشعائر الدينية والطقوس كان هناك أمراً لا يقل أهمية وهو دعوة الإنسان إلى التدبر في طبيعة الكون الحقيقية.

اقرأ أيضًا: السفسطائيون: كيف اكتسبوا هذه السمعة السيئة؟

الفلسفة الهيلينية

في ظل هذه الظروف السائدة التي تحدثنا عنها آنفاً جاءت الفلسفة الهيلينية لتحمل نفس الأفكار التي دعت إليها الأديان. حيث كانت هذه الفلسفة تطمح إلى الخلاص وتلتمس صفاء النفس والسكينة. ومن هنا ظهر التأمل الفلسفي كنوع من الخلاص الذي يحرر الإنسان من النظرة التشاؤمية التي سادت ومن الخشية من الموت والفناء. ومنذ تلك اللحظة بدأت الخطوط الفاصلة بين الدين والفلسفة تختفي رويداً رويداً.

وعلى الرغم من عدم وجود فلاسفة عظام مثل أفلاطون أو أرسطو أو سقراط إلا أن الفلسفات التي ظهرت في هذا العصر قد استقت من أعمالهم الكثير والكثير. فلقد كان فلاسفة اليونان القدماء بمثابة مصدر إلهام للعديد من المدارس الفلسفية التي ظهرت في تلك الفترة.

استمرت الفلسفة الهيلينية تدور في فلك هؤلاء الفلاسفة العظام وتبحث في نفس المسائل والأفكار التي تناولوها. وكما أن هؤلاء الفلاسفة كان لهم سعي دؤوب في البحث عن مسائل الاخلاق وكيف يحيا الإنسان حياة سعيدة من خلال الفضائل الإنسانية كانت المدارس الفلسفية في الفترة الهيلينية تدور رحاها حول فكرة الأخلاق بل وأصبح مشروعها الأساسي.   

كذلك ازدهرت العلوم في شتى المجالات الأخرى بعيداً عن الفلسفة، ورغم كون أثينا مازالت ساحة تلاقي الفلاسفة، إلا أن الإسكندرية كانت عاصمة العلوم وأصبحت بمكتبتها العظيمة مركزاً للرياضيات والأحياء والفلك والطب وغيرها من العلوم التي تطورت بصورة كبيرة في تلك الفترة.

اقرأ أيضًا: كيف تساهم الفلسفة في حل مشكلات البشر؟

الفلسفات الهيلينية الكبرى

كما آشرنا من قبل أن الفلسفة الهيلينية قد ازدهرت واهتمت في المقام الأول بالأخلاق والإنسان وكيف يحيا حياة جيدة؟ ولعل من أهم هذه مدارس الفلسفة الهيلينية:

  • الفلسفة الكلبية.
  • الأفلاطونية الجديدة.
  • الفلسفة الرواقية.
  • الصوفية.
  • الفلسفة الأبيقورية.

ومن أجل مزيد من المعرفة والاطلاع على أفكار كل مدرسة من هذه المدارس يمكنك الاطلاع على الروابط التالية فهي مقالات تتناول كل شرح فلسفة كل مدرسة من هذه المدارس الفلسفية على حدة:

الفلسفة الكلبية: حل المعاناة عن طريق تدمير الكون.

أفلوطين: كيف أثرت الأفلاطونية الجديدة على الديانات التوحيدية؟

الفلسفة الرواقية: كيف نحيا حياة جيدة؟

الصوفية الحقيقة ليست تجارب خارقة للطبيعة.

الفلسفة الأبيقورية: ليست كل الملذات جديرة بالاختيار.

اترك تعليقاً