تاريخ

عقبة بن عامر الجهني: سيرة صحابي أحبه أهل مصر

عقبة بن عامر الجهني صحابي جليل كان من الأوائل الذين جاءوا مع عمرو بن العاص من الشام إلى مصر بهدف تحريرها من الروم. فما هي قصة عقبة بن عامر الجهني؟ وما هو دوره في فتح مصر؟

من هو عقبة بن عامر 

كان عقبة بن عامر الجهني رجل مشهود له بالصلاح والتقوى في المدينة. وما إن علم بقدوم الرسول محمد إلى المدينة مهاجراً من مكة حتى أسرع إليه ليبايعه ويدخل الإسلام. ومن هذا الوقت وهو ملازم للنبي في رحيله وترحاله. ولم يفارقه قط بل كان من المقربين إلى الرسول الذين يقومون على خدمته. حتى إنه كان يقود البغلة الخاصة بالنبي في الأسفار أو في غزواته وكثيراً ما كان النبي ينزل عن بغلته ويأمر عقبة بن عامر بالركوب إشفاقاً عليه.

وطالما كان هذا الصحابي مقرباً من الرسول فكان لابد أن يكون مقرباً لمن يجيء بعده من الخلفاء الراشدين خاصة أبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب. ففي عهد الخليفة أبو بكر كان عقبة من الرجال الموثوق بهم والذين يستعان بهم في الكثير من الأمور المهمة. هذا إلى جانب أنه أبلى بلاء حسناً في مناصرة أبي بكر في حربه ضد المرتدين. وكان يفعل ذلك مؤمناً بأنه لم يفعله إلا لمناصرة الإسلام.

وفي عهد الفاروق عمر بن الخطاب كان لعقبة بن عامر دور في الفتوحات الإسلامية. فإلى جانب دوره في فتح مصر الذي سنتطرق إليه بعد قليل كان له دور عظيم كذلك في فتح الشام. حيث كان المبعوث المؤتمن بين أمير المؤمنين عمر وقواته في الشام. حتى أن بعض المؤرخين يذكرون أنه خلال فتح دمشق قطع الطريق إلى المدينة في سبعة أيام كي يبلغ المؤمنين بانتصاراتهم في الشام.

اقرأ أيضًا: الحسين بن علي: قصة مأساة الشهيد بن الشهيد

دور عقبة بن عامر الجهني في فتح مصر

كان لدى المسلمين خطة تم وضعها لفتح مصر. وهي أن يقوموا بحصار الإسكندرية قبل أي إقليم أخر من أقاليم مصر وذلك لسببين، أولهما: أن الإسكندرية كان بمثابة حصن منيع للرومان والقوة المركزية الرئيسية لهم. لذا فهي بمثابة مفتاح مصر من الجهة الشمالية. وثانيهما: لقرب مدينة الإسكندرية من البحر مما يجعل من اليسير طلب الإمدادات اللازمة للحرب عبر البحر. لذا كانت الخطة هي حصار الإسكندرية قبل أي مدينة ومن ثم الاستيلاء على باقي المدن المصرية تباعاً.

واصل عمرو بن العاص حصاره للإسكندرية. بينما في نفس الوقت قام بتوجيه البعض من قواته إلى الأقاليم الأخرى. وقد اختار أربعة من كبار القادة لهذه المهمة وهم عقبة بن عامر الجهني وعبد الله بن حذافة السهمي وخارجة بن حذافة العدوي وعمير بن وهب اللخمي. وكان دور عقبة بن عامر هو تحرير عدد من القرى المنتشرة حول القاهرة أو ما عرف بعد ذلك بالفسطاط. وظل عقبة محاصراً لتلك القرى حتى أعلنت استسلامها في النهاية. وخلال ذلك الوقت كان الإسكندرية في يد عمرو بن العاص.

اقرأ أيضًا: مسجد الضرار: حكاية أول مسجد هُدم في الإسلام

الإسهامات الثقافية

هذا بالنسبة لدور عقبة بن عامر في الفتوحات الإسلامية. ولكن مع ذلك فإن له دوراً هاماً أخر في مجالات الثقافة والعلم والمعرفة. حيث إنه أحد الرواة الموثوق بهم. فهو العالم بالفرائض والفقيه صحيح اللسان. كما إنه كان ينشد الشعر ويكتبه. حتى أن بعض المؤرخين أشاروا إلى أنهم وجدوا في مصر مصحفاً على غير كتابة عثمان مذيل بعبارة: كتبة عقبة بن عامر. هذا وقد روي عنه نحو مائة حديث، ولعل أشهرها: ” من توضأ فأحسن ضوءه، ثم صلى غير ساه ولا لاه كفر عنه ما كان قبلها من سيئات”.

اقرأ أيضًا: محمد بن أبي بكر: رأس ابن الخليفة تطوف مصر بعد جزها

ميت عقبة

ولقد تولى عقبة بن عامر ولاية مصر حينما كان معاوية على رأس الدولة الإسلامية وقد عينه معاوية خلفاً لأخيه عتبة بن أبي سفيان. بينما خلال فترة ولايته كتب إلى معاوية يطلب منه أرضاً يبني عليها مساجد ومساكن. فمنحه معاوية ألف ذراع من الأراضي وهي تقع الآن في محافظة الجيزة وبالتحديد بجوار منطقة الدقي والتي عرفت في ذلك الوقت باسم “ميناء عقبة ” حيث كانت هذه المنطقة واقعة على الشاطئ الغربي للنيل قبل تحوله قليلاً إلى الشرق. وقد أصبحت هذه المنطقة الآن معروفة باسم ” ميت عقبة” نسبة إلى هذا الصحابي الجليل.

اقرأ أيضًا: عمر بن الفارض: سلطان العاشقين الذي حاول الوصول للحقيقة العليا

وفاته

ظل عقبة بن عامر على رأس ولاية مصر قرابة الثلاث سنوات حتى عزله معاوية بن أبي سفيان واقام على مصر مسلمة بن مخلد. بينما قد فعل معاوية ذلك بعد أن علم أن عقبة يحظى بالاحترام والقبول والحب والولاء من المصريين مما جعله خطراً عليه. فإذا كان هذا حاله فيمكنه بكل سهولة أن يستقل بمصر عن الدولة الأموية. بعد عزل معاوية لعقبة أقام بمصر عشر سنوات أخرى ثم انتقل في النهاية إلى موطنه في المدينة المنورة حتى توفي فيها سنة ثماني وخمسين هجرية.


وإلى هنا يسدل الستار عن قصة صحابي جليل كانت له إسهامات عظيمة في تاريخ الإسلام. وبالتحديد دوره الكبير في الفتح الإسلامي لمصر.


المراجع:

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!