قصة بشار بن برد: هل كان زنديقاً يستحق القتل؟

You are currently viewing قصة بشار بن برد: هل كان زنديقاً يستحق القتل؟
قصة بشار بن برد

بشار بن برد هو أحد فحول الشعراء الذين عاشوا في نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. وكان أعمى منذ ولادته إلا أن من يستمع إلى شعره لا يشعر بذلك الأمر. أما اتهامه بالزندقة وحكم الخليفة العباسي محمد المهدي عليه بالجلد حتى الموت فكانت له قصة. فما هي قصة بشار بن برد؟

من هو بشار بن برد؟

تحكي لنا روايات المؤرخين أن بشار بن برد كان سليط اللسان، ولم يترك أحداً في حاله. حيث هجا الصديق قبل العدو في شعره. وظل قرابة السبعين عاماً من عمره ينشد الشعر. كما أنه امتاز بالعديد من الصفات التي جعلت الناس تخشاه، ولا تكمن هذه الصفات في لسانه السليط فحسب، بل هناك الكثير من الأمور الأخرى منها أنه كان يفضل الفرس على العرب، ولا يرى أن الفرس أقل شرفاً وكرامة من العرب. هذا بالإضافة إلى كرهه الشديد للحياة والبشر. وربما كان هذا الأمر الأخير بسبب العاهة التي لازمته طوال حياته وهي العمى.

اشتهر بشار بن برد في قصائده بتفضيله النار على الطين وتفضيل الظلمة على النور. وهو في هذه الناحية يعبر عن موروثاته الفارسية. حيث كان يعبد الفرس النار في ذلك الوقت. أما أكثر شعره بعيداً عن الهجاء فكان يتمثل في الغزل الفاحش الذي يعج بالإغراء والمجون والحث على الفسوق. هذا الشعر الذي تشعر معه وكأنه قد خرج من شيطان. ولما استمر بشار بن برد في إنشاد هذا الشعر الفاحش بين الناس، غضبوا لذلك واشتكوه للخليفة المهدي. فما كان من الخليفة إلا أن أنذره وتوعده بالعقاب إذا ما استمر على هذا الحال.

اقرأ أيضًا: نهج البردة للبوصيري: أصل تسمية جميع قصائد مديح الرسول

هل كان بشار بن برد أعمى؟

ولد بشار بن برد بعاهة مستديمة هي العمى فلم ير النور قط في حياته، وربما ما جعله يكره الناس والحياة يعود إلى تلك العاهة التي صاحبته طوال حياته. كما أن أهل عصره لم يكونوا رحماء به ولا حريصين على حسن معاملته أو العطف عليه بل كانوا يسخرون منه ويعبثون به ويظلون على هذه الحال حتى يخرجونه عن هدؤه.


هجاء الخليفة وزوجته

كما أوضحنا آنفاً أن بشار بن برد كان سليط اللسان لم يسلم من هجاءه أحد وكان الخليفة المهدي يعرف بشار تمام المعرفة ويعرف تلك الخصال التي يتميز بها عن شعراء عصره. ورغم ذلك كان في بعض الأحيان يقربه إليه ليستمع إلى شعره ويجزل له العطاء. ولم يتوان بشار عن هجاء كل ذي قدر أو سلطان سواء كان من الخلفاء أو العلماء أو الولاة على الأمصار. بل كان يتوعدهم بالذم إذا ما لم يجزلوا له العطايا.

حتى جاء اليوم الذي هجا فيه الخليفة أبو عبد الله محمد المهدي وزوجته الخيزران أم أبناءه موسى وهارون الرشيد. ولم يتوقف الأمر على هجاء الخليفة وزوجته فحسب بل امتد هجاءه ليشمل وزيره القوي يعقوب بن داوود. وأنشد فيه هجاءً فاحشاً جعل الوزير يثور ويغضب ويطلب موته. لكنه لم يستطع أن يفعل ذلك لمجرد أن شاعراً هجاه. لذا انطلق إلى الخليفة ولفق لبشار بن برد تهمة الزندقة والسب.

قال للخليفة: يا أمير المؤمنين إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك. فقال له الخليفة: ماذا قال عني؟ أجابه الوزير: قال أشياء يخجل لساني من التفوه بها. طلب منه الخليفة أن ينشد عليه ما قاله بن برد. وهنا أجابه الوزير قائلاً: لا أستطع.. ولو خيرتني بين قول شعره وبين الضرب بالسيف لاخترت الضرب بالسيف. فقال له الخليفة: إذن لا تقوله بل أكتبه. وهنا امتثل الوزير لأمر الخليفة وكتب له ما قاله بن برد. مما جعل الخليفة يثور غضباً وثورة ثم أمر وزيره أن يضرب بشار بن برد بالسوط حتى الموت.

اقرأ أيضًا: عمر بن الفارض: سلطان العاشقين الذي حاول الوصول للحقيقة العليا

كيف مات بشار بن برد؟

انطلق الوزير مهرولاً لينفذ أمر الخليفة قبل أن تهدأ ثورته ويعفو عن ابن برد مرة أخرى. وما إن قتله حتى ألقى جثته في الصحراء بإهمال شديد. بينما بعد أن مات بشار بعث الخليفة إلى داره من يفتشه فوجدوا عنده صحيفة مكتوب فيها: ” إني أردت هجاء آل سليمان بن علي لكني ذكرت قرابتهم من رسول الله فأمسكت عنهم إجلالاً لرسول الله”. وعندما انتهى المهدي من قراءة الصحيفة بكى وندم على قتله لبشار وقال: لا سامح الله يعقوب بن داوود؛ فلما هجاه بشار لفق عندي شهوداً على أنه زنديق فأمرت بقتله.

اقرأ أيضًا: مَن هو عمر الخيام؟ وهل هو مؤلف رباعيات الخيام فعلاً؟

وإلى هنا يسدل الستار عن قصة بشار بن برد الذي برغم شعره وهجاءه وكره للحياة والبشر إلا إنه لم يكن زنديقاً يستحق القتل. وقد رحل بشار تاركاً وراءه إرثاً أدبياً عظيماً سيظل خالداً أبد الدهر.


المصادر:

اترك تعليقاً