الحرب الباردة: الخلفية التاريخية وأهم الأسباب والعواقب

You are currently viewing الحرب الباردة: الخلفية التاريخية وأهم الأسباب والعواقب
الخلفية التاريخية للحرب الباردة

كانت الحرب الباردة واحدة من أكبر الصراعات العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في القرن العشرين. حيث تنافست قوتان عظمتان هما اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والولايات المتحدة الأمريكية على سيادة العالم. وقد حاول السوفيت فرض النموذج الشيوعي، بينما دافع الأمريكان عن النموذج الرأسمالي. في السطور التالية نتعرف على الحرب الباردة وخلفيتها التاريخية وأسبابها وعواقبها، وكيف كانت نهايتها.

ما هي الحرب الباردة؟

الحرب الباردة هي مصطلح ابتكره الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في عام 1945، في مقالته “أنت والقنبلة الذرية” التي نُشرت في صحيفة تريبيون. ولقد استخدم هذا الاسم لأنها كانت حرباً بالوكالة، أي أن الخصمين لم يواجه أحدهما الآخر بشكل علني، ولم يقوما بعمل عسكري مباشر ضد بعضهما البعض. بل واجها بعضهما البعض بشكل غير مباشر من خلال التدخل في صراعات دول ثالثة. حيث دعمت كل قوة فصيلاً مختلفاً.

هذا لا يعني أنه كان صراعاً صغيراً، أو لم يكن له تكلفة بشرية هائلة. ففي حقيقة الأمر اشتملت الحرب الباردة على جزء كبير من العالم، بل وقسمت العالم بالفعل إلى كتلتين متعارضتين على مدار أكثر من أربعين عاماً. حيث تدخلت القوتان العظمتان في العديد من الصراعات في العالم، ومن بينها الحرب الأهلية الصينية (1946 – 1949)، والحرب الكورية (1950 – 1953)، وحرب فيتنام (1955 – 1970)، والحرب الأفغانية السوفيتية (1979).

بدأت الحرب الباردة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945. وبلغت ذروتها في ديسمبر 1991 بالتفكك السياسي للاتحاد السوفيتي وانتصار النموذج الرأسمالي في جميع أنحاء العالم. وكانت الحرب الباردة صراعاً مركزياً في التاريخ المعاصر، مما أدى إلى تغيير ميزان القوى العالمي إلى الأبد، وترك بصمة دائمة على التكوين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدان بأكملها. وبالإضافة إلى ذلك، كانت فترة توترات عالمية، ظهر فيها الخوف من حرب نووية لأول مرة، والتي يمكن لآثارها المدمرة أن تضع حياة الإنسان على هذا الكوكب على المحك.


الخلفية التاريخية

ملخص الحرب الباردة
بدايات الحرب الباردة

يعود تاريخ الحرب الباردة إلى بداية القرن العشرين. حيث يشير العديد من المؤرخين أنها بدأت خلال الحرب العالمية الأولى، حينما كانت تتنافس الإمبراطورية الروسية والإمبراطوريات الغربية من أجل الهيمنة السياسية والاقتصادية على العالم. بدأت المواجهة بين الرأسمالية والشيوعية في عام 1917 عندما اندلعت الحرب الأهلية الروسية وثورة أكتوبر[1] اللاحقة، التي أطاحت بحكومة القياصرة وأقامت مكانها أول أمة اشتراكية في التاريخ. ففي تلك الأوقات تدخلت الولايات المتحدة في هذا الصراع لصالح الحركة البيضاء وضد الجيش الأحمر الثوري.

يمكن العثور على السوابق المباشرة للحرب الباردة خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عندما قام رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بتكوين تحالف مع الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين[2]، لمواجهة قوات الرايخ الألماني الثالث، والمزاعم التوسعية لأدولف هتلر.

كان هذا التحالف فعالاً حتى هزيمة ألمانيا وتقسيمها السياسي الإقليمي، عندما احتلت القوات السوفيتية أراضي أوروبا الشرقية التي غزاها النازيون سابقاً. وهكذا أصبح من الواضح أن الصراع بين الجمهوريات الرأسمالية والإمبراطورية السوفيتية الجديدة كان حتمياً.

كانت إحدى الأزمات الرئيسية للحرب الباردة، هي حصار برلين عام 1948. حيث أغلق الاتحاد السوفيتي حدود مناطقه أمام الغرب، ومن هنا كان من الواضح أن العالم بأسره على شفا الانقسام إلى معسكرين:

  1. الكتلة الغربية أو الرأسمالية

    شكلت الولايات المتحدة وبريطانيا كتلة مكونة بشكل أساسي من دول أوروبا الشرقية من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)[3]. وهذه الدول هي فرنسا، بريطانيا، بلجيكا، هولندا، فنلندا. دافعت هذه المجموعة عن التجارة الحرة، وهيمنة السوق الحرة في الاقتصاد، وشجعت الملكية الخاصة للسلع، والحد الأدنى من تدخل الدولة في الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، دعم الرئيس الأمريكي هاري ترومان الكتلة الغربية، وحاول منع انتشار الشيوعية من خلال خطة مارشال التي شجعت على إعادة الهيكلة المالية لدول مثل فرنسا وألمانيا وإنجلترا.

  2. الكتلة الشرقية أو الشيوعية

    عقد الاتحاد السوفيتي مع دول أوروبا الشرقية الأخرى حلف وارسو، الذي شجع على التخلص من الملكية الخاصة، والطبقات الاجتماعية، والسوق. ويشتمل هذا الحلف على عدد من دول أوروبا الشرقية التي تشتمل على تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا، بولندا، رومانيا، وفيتنام. ولقد اقترحت هذه الكتلة أيضاً سيطرة الدولة على الاقتصاد وكانت ملتزمة بالنظام السياسي للحزب الواحد. كما دعمت العديد من الثورات في قارات أخرى، مثل الصين وكوبا.

اقرأ أيضًا: أشهر 10 مؤرخين في التاريخ: السير الذاتية والأعمال الرئيسية

أسباب الحرب الباردة

أسباب الحرب الباردة
صراع السيادة على العالم

هناك العديد من الأسباب الكامنة وراء الحرب الباردة. ويمكن تلخيص أسباب الحرب الباردة على النحو التالي:

  • كان الاتحاد السوفيتي ينوي نشر الشيوعية في جميع أنحاء العالم. وهو الأمر الذي أزعج الولايات المتحدة، وسادت مشاعر الخوف والمشاعر المناهضة للشيوعية. وخاصة بعد صعودها بين بعض مراكز القوة في أوروبا والولايات المتحدة.
  • انهيار أوروبا كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية، والتنازل عن مكانتها في النظام العالمي للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وهما الدولتان اللتان هزمتا النازيين.
  • التوترات النموذجية للتوزيع السياسي الإقليمي لألمانيا بين القوات المتحالفة للولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، خاصة عندما بدأ التدفق الهائل للمستوطنين نحو الدول الغربية والهروب من الشيوعية.
  • التدخل الأمريكي المتزايد في أوروبا، نتيجة كل من الحرب العالمية الثانية وخطة مارشال للانتعاش الاقتصادي التي دفعت بها الولايات المتحدة أوروبا للنهوض بسرعة أكبر.
  • الاحتلال الروسي لأراضي أوروبا الشرقية، التي غزاها النازيون سابقاً، منذ تحريرها عام 1945 من قبل القوات العسكرية للاتحاد السوفيتي. خاصة بعد شعور الاتحاد السوفيتي أن الولايات المتحدة يمكن أن تستغل هذه البلدان كقواعد عسكرية لمهاجمته.
اقرأ أيضًا: تاريخ الثورة الفرنسية: عشر سنوات من الفوضى والاضطرابات

أهم الأحداث

على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم يتواجها بشكل مباشر على الإطلاق من الناحية العسكرية، فقد شاركا في حروب خارجية ودعم كل بلد فصيل أو أخر في صراعاتهما. ومن بين هذه الصراعات:

  • الحرب الكورية (1950): نشأ الصراع من غزو كوريا الشمالية بدعم من الكتلة الاشتراكية لكوريا الجنوبية التي تلقت دعم الولايات المتحدة والكتلة الرأسمالية.
  • حرب فيتنام (1955): اندلع التوتر بين جبهة التحرير الوطنية ضد فيتنام الجنوبية التي تلقت دعماً عسكرياً من الولايات المتحدة.
  • نقطة تفتيش تشارلي (1961): استهدفت الدبابات الروسية والأمريكية بعضها البعض لمدة خمسة أيام بعد أن فتش الجيش الروسي دبلوماسياً أمريكياً عند معبر برلين الحدودي.
  • أزمة الصواريخ (1962): اكتشفت الولايات المتحدة صواريخ روسية في كوبا، وهددت من أجلها بغزو الجزيرة. لذا سحبت روسيا الصواريخ لمنع الغزو.
اقرأ أيضًا: من هم الهنود الأوروبيون؟ وكيف أثروا على أمم أوروبا؟

عواقب الحرب الباردة

عواقب الحرب الباردة
نتائج الحرب الباردة

كانت عواقب الحرب الباردة هائلة وعميقة في التاريخ المعاصر، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

  1. إعادة تشكيل القوة العالمية

    أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومارست هيمنتها الثقافية بحرية.

  2. نهاية اليوتوبيا الشيوعية

    ليس فقط لأن الاتحاد السوفيتي لم ينج من الصراع الطويل مع الغرب، ولكن لأن أهوال الحكومات الثورية الأولية والصعوبات الاقتصادية التي تعرض لها مواطنوا الاتحاد السوفيتي أصبحت معروفة على مستوى العالم. لذا كانت خيبة الأمل الأيديولوجية علامة على نهاية القرن العشرين وبداية عالم الرأسمالية المعولم.

  3. القطيعة بين الصين والاتحاد السوفيتي

    ابتداءً من الخمسينيات حدثت القطيعة بين الصين والاتحاد السوفيتي. وانقسم العالم الشيوعي بين الجانبين اللينيني والماوي. سمح هذا بتقارب كبير بين الولايات المتحدة والصين خلال السبعينيات.

  4. قيام الديكتاتوريات وبداية الحروب الأهلية

    كانت إحدى عواقب الحرب الباردة هي قيام الديكتاتوريات وبداية الحروب الأهلية في كثير من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث. حيث شاركت فيه كلتا القوتين واختارتا طرفين. فالديكتاتوريات القاسية المعادية للشيوعية في أمريكا الجنوبية، على سبيل المثال، كانت مدعومة من قبل الولايات المتحدة، تماماً كما دعم الاتحاد السوفيتي الديكتاتوريات الشيوعية في آسيا وأوروبا الشرقية.

  5. خسارة ملايين الأرواح البشرية

    كانت هناك العديد من الصراعات الفرعية التي حدثت في جميع أنحاء الكوكب نتيجة للحرب الباردة. ولكن بشكل خاص في مناطق التأثير المباشر لكل قوة: آسيا الصغرى، وأمريكا اللاتينية، وبدرجة أقل، إفريقيا والشرق الأوسط. غيرت العديد من الدول مصيرها إلى الأبد نتيجة لهذه الصراعات.

  6. إعادة توحيد ألمانيا في عام 1989

    كان إعادة توحيد ألمانيا أحد أهم عواقب الحرب الباردة. وقد حدث ذلك نتيجة انهيار جدار برلين والمعاناة الاقتصادية والتجارية والثقافية الواضحة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية التي لم تعد موجودة بعد ذلك.

اقرأ أيضًا: تاريخ العصور الوسطى: كيف كانت الحياة في العصور المظلمة؟

نهاية الحرب الباردة

انتهت الحرب الباردة رسمياً بانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، بعد سنوات من الأزمة وتراجع كبير في نفوذه الدولي. وفي أواخر الثمانينيات، تعرضت قدرة الاتحاد السوفيتي على ضخ الموارد والنفوذ في الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية للعديد من الضربات. علاوة على ذلك، بدأ العديد من حلفائها الأيديولوجيين السابقين الانتقال إلى السوق الحرة بطريقة أو بأخرى.

حاولت عمليات التغيير وإعادة الهيكلة التي أجريت خلال ولاية ميخائيل جورباتشوف، والمعروفة باسم البيريسترويكا من خلال ما يسمى جلاسنوست (الشفافية) وقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي للعملاق السوفيتي، ولكن في نفس الوقت تم تفسيرها كاعتراف دولي بالفشل الشيوعي. وفي تلك الفترة، بدأت العديد من الدول التي تشكل الاتحاد السوفيتي عمليات الاستقلال الخاصة بها. مما أدى إلى تقطيع أوصال الأمة بعد 73 عاماً من الوجود. وهكذا ظهرت الرأسمالية منتصرة من الحرب الباردة، كما فعلت الثقافة الأمريكية.


هوامش

[1] الثورة الروسية.

[2] جوزيف ستالين.

[3] الناتو.

اترك تعليقاً