دين

قصة أصحاب الأخدود: حيرة غلام بين دين الساحر ودين الراهب

قصة أصحاب الأخدود ذُكرت بإيجاز في القرآن الكريم. تدور أحداثها حول جماعة من المؤمنين قتلوا عبر إلقاءهم في أخدود عظيم من تحته نار، وذلك لإيمانهم بالله وكفرهم بغيره. ومع ذلك هناك روايات عديدة تحكي قصة أصحاب الأخدود بكثير من التفاصيل. فما هي قصة أصحاب الأخدود بالتفصيل؟

أين وقعت قصة أصحاب الأخدود

تبدأ قصة أصحاب الأخدود في الفترة التي سبقت البعثة المحمدية بأكثر من مائة عام، وذلك في منطقة نجران بأرض اليمن. حيث كان يحكم هذه المنطقة ملك يدعى ” ذو نواس” وكان على دين اليهودية، وبعد ظهور المسيحية وانتشارها في العديد من البلدان من حوله، آمن العديد من شعب الملك ذو نواس بالمسيحية.


بداية القصة – الساحر والراهب

كان لدى الملك أبو نواس ساحراً حاذقاً، ولما بلغ هذا الساحر من العمر عتياً ذهب إلى الملك ليطلب منه أن يجعل له غلاماً يعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يقال له عبد الله. وكان هذا الغلام كلما ذهب إلى الساحر يعرج على بيت راهب على دين المسيحية، فيستمع له ويعجبه حديثه. حتى إنه بدأ يؤمن بدين هذا الراهب. ولما كان الأمر كذلك حيث يجلس الفتى مع الراهب أوقاتاً كثيرة لذا تأخر على الساحر الذي يعلمه السحر، وعندما يسأله الساحر عن سبب تأخره لا يجيبه. فما كان من الساحر إلا أن ذهب إلى والد الغلام ليشكوه. بينما يعاقبه والده بالضرب.

شكي الغلام ذلك إلى الراهب الذي اقترح عليه قائلاً: إذا أتيت الساحر فقل له أن جن الساحر أخرني عنك. وبهذه الحيلة تنقذ نفسك من العقاب اليومي. ففعل الصبي ما اقترحه عليه الراهب، وأصبح لديه من الوقت الكثير ليقضيه مع الراهب.

اقرأ أيضًا: قصة أصحاب الكهف: أعجب القصص في القرآن الكريم

الحية تقطع الطريق

قصة أصحاب الأخدود
مكان حدوث قصة أصحاب الأخدود

وكان في المدينة حية عظيمة تسببت في قطع الطريق على الناس، وكان الجميع يخشاها. حتى جاءها الغلام ذات يوم وحمل بيده حجارة ثم حاول أن يلقيها على الحية وهو يقول: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتلها. وما إن قذف بالحجارة حتى سقطت الحية صريعة.  هنا أدرك الغلام أن دين الراهب هو الدين الصحيح، وشرع في اعتناق المسيحية، بل وذاع صيت الغلام في جميع أنحاء المملكة. وبدأ يدعو الناس إلى المسيحية.

اقرأ أيضًا: النمرود بن كنعان: قصة أول طاغية في التاريخ تقتله بعوضة

معجزات الغلام في قصة أصحاب الأخدود

كان للفتى الكثير من المعجزات، حيث كان يعالج الأبرص والأكمه والأعمى. في ذلك الوقت الذي ذاع فيه صيت الفتى طلب الملك من أعوانه أن يحضروه إليه. وما إن فعله حتى سأله الملك: أأنت قتلت الحية؟ فأجابه الغلام: بل قتلها الله. قال الملك: فمن هو الله؟ أجابه قائلاً: رب السماوات والأرض.

هنا حاول الملك أن يتأكد من صدق حديث الفتى فقال له: إن لي ابن عم كفيف. فهل تستطيع أن ترد إليه بصره؟ ثم طلب حضور الأعمى إلى الفتى. ولدى حضوره قال للفتى: إن كنت صادقاً فيما تقوله فرد عليّ بصري. قال له الفتى: إن رد الله لك بصرك فهل تؤمن بدينه، أجابه: نعم. هنا دعا الفتى الله قائلاً: إن كان هذا الرجل صادقاً فيما يدعيه فرد عليه بصره. وما إن فعل حتى عاد للرجل بصره، فآمن بدين المسيحية.

اقرأ أيضًا: قصة النبي زكريا: لا تُكلم الناس ثلاث ليال سوياً

قتل الغلام

الأخدود العظيم
صورة للأخدود العظيم

استشاط الملك غضباً فأمر ابن عمه أن يعود إلى دينه ولما أبى شرع في تعذيبه، وعندما وجد رفضه أتى بمنشار ووضعه في مفرق رأسه وشقه حتى وقع نصفين. ثم أتى بالغلام وقال له ارجع عن دينك؟ فرفض الفتى أن يفعل ذلك. هنا أمر الملك جنوده أن يقتلوا الفتى، ولما استل الجنود سيوفهم تيبست أيديهم ولم يستطيعوا قتله. حاول بعدة طرق أخرى أن يقتل الفتى لكن كل الطرق باءت بالفشل.

في هذه اللحظة أخبر الفتى الملك قائلاً له: إذا أردت قتلى عليك أن تجمع شعب مملكتك ثم تصلبني على جذع شجرة وترميني بسهم وتقول: باسم رب الغلام. ففعل الملك ما أخبره به الفتى فأصابته ضربة قاتلة، وهنا صاح الناس قائلين: آمنا برب الغلام.

اقرأ أيضًا: قصة آسيا بنت مزاحم: امرأة فرعون التي كفرت به

نهاية قصة أصحاب الأخدود

هنا زاد غضب الملك على هؤلاء الناس الذين آمنوا بدين الفتى المقتول. بينما بدا أن الغالبية تركوا دين الملك واعتنقوا دين الفتى، لذا أمر جنوده أن يحفروا أخدوداً ضخماً ويشعلوا النار من تحته حتى يلقوا فيه كل من آمن بدين الفتى.

وهكذا ألقي الكثيرين في أتون نار هذا الأخدود حتى إذا كانت امرأة كان لها من الأولاد ثلاثة أحدهم في المهد رضيع. قال لها الملك: أترجعين عن دينك وإلا ألقيتك أنت وأولادك في نار هذا الأخدود فأبت، فألقى بابنها الأكبر في أتون النار ثم أخذ الأوسط وفعل به ما فعل بالأكبر حتى إذا ما جاء دور الرضيع انتزعه من يديها وهنا ضعفت وأرادت الرجوع عن دينها رحمة بالطفل، لكن الطفل تحدث إليها وهو في المهد قائلاً لها: لا ترجعي عن دينك فإنك على الحق. ثم ألقى الرضيع ومن بعده أمه. ويقال إن الله عذب هذا الملك من بعد ذلك عذاباً عظيماً.

إلى هنا تنتهي قصة أصحاب الأخدود كما تناقلتها الروايات المختلفة في كتب المؤرخين ومفسري القرآن. كما ذكرت في العديد من الأحاديث النبوية في صحيح مسلم. إلا أن هناك البعض الذي شكك في هذه القصة واعتبرها أسطورة من الأساطير العربية القديمة. فما هي أصل القصة؟

اقرأ أيضًا: قصة عصا موسى: حكايات غريبة ومعجزات حقيقية

قصة أصحاب الأخدود حقيقة أم مجرد خيال

هناك الكثير من الثغرات في هذه قصة أصحاب الأخدود مما يجعل من الصعب علينا تصديق ما بها من أحداث. أما هذه الثغرات فتتمثل في الآتي. أولهم أن الملك كان على دين اليهودية كما ادعت هذه الروايات فكيف له أن يسأل الغلام قائلاً له: ومن الله؟ على الرغم من إيمان اليهود بالله. أما الأمر الثاني هو الكثير من المعجزات التي قامت على يد الغلام. حيث تشبه هذه المعجزات بصورة كبيرة معجزات المسيح ذاته، وهو الأمر الغريب. والأمر الثالث هو تلك القصة الغريبة التي اختتمت بها قصة الغلام، أقصد هنا قصة الأم التي لديها ثلاثة أبناء، فهي تشبه كثيراً قصة ماشطة فرعون مع أبناءها التي أحرقهم فرعون في التنور المغلي.


وإلى هنا يسدل الستار عن قصة أصحاب الأخدود كما ذكرتها الروايات. بينما يجب الإشارة إلى هذه القصة قد ذكرها القرآن كما أوضحنا سابقاً بصورة موجزة تشير إلى تعرض جماعة من المؤمنين للإحراق بسبب إيمانهم بالله الواحد، هذا ما ذكره القرآن وهو ما يهمنا في هذا الأمر. أما هذه القصص فتعد مجرد أسطورة من أساطير العرب القديمة.


المصادر:

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!