قصة النبي نوح عليه السلام واحدة من القصص القرآني التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم ليتخذ منها الناس الموعظة والعبرة. فما هي قصة نوح عليه السلام؟ وما هي قصة أبناء نوح وزوجته؟ هذا ما سنتعرف عليه.
ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر
لم تبدأ قصة النبي نوح بدعوة قومه إلى عبادة الله الواحد؛ بل إنها تعود إلى سنوات كثيرة مضت بعد موت آدم عليه السلام. فلقد كان الناس بالفعل يؤمنون بالله الواحد في عصر آدم وما بعده. لكن ما حدث كان شديد الغرابة بالفعل. فقبل أن يولد قوم نوح عليه السلام بسنوات كثيرة كان هناك خمسة رجال صالحين من أجداده يعيشون على هذه الأرض. هؤلاء الرجال كانوا يدعون “ود” و “سواع” و “يغوث” و “يعوق” و “نسر”.
عبادة الأصنام الأولى في التاريخ
أحب الناس هؤلاء الرجال وقدروهم. لذا حين موتهم جاءتهم فكرة صنع تماثيلاً لهم ليخلدوا ذكراهم على هذه الأرض. ومرت الأعوام وتوالت الأجيال جيلاً بعد جيل حتى نسى الناس أمر هؤلاء الرجال ولم يبق من ذكراهم سوى هذه التماثيل المنحوتة. من هنا بدأ الناس ينسجون حكايات وأساطير حول هؤلاء الرجال. وفي تلك اللحظة استغل إبليس تخبط الناس في الوهم والخرافة حتى وسوس لهم بأن هؤلاء الرجال ما هم إلا الآلهة خلقتهم وهي التي خلقت جميع من في الأرض حولهم.
بدأ الناس بالفعل في تقديم فروض الطاعة والعبادة لهذه التماثيل؛ ومن هنا كانت بداية عبادة الأصنام في التاريخ البشري. ظلت هذه الأقوام على هذه الحال إلى ظهور رجل من بينهم يدعى نوح. أتاه الله العلم والحكمة، ثم أرسله إلى هؤلاء القوم ليدعوهم إلى ترك عبادة هذه الأصنام وعبادة الله الواحد القهار. ومن هنا تبدأ قصة النبي نوح عليه السلام.
| اقرأ أيضًا: قصة النبي هود: ربما آلهتنا أصابتك بالجنون |
بشر مثلنا
لم يعجب كبار القوم حديث نوح بل واتهموه بأن مجرد بشر مثلهم لم يؤت حظاً من المال أو الجاه أو السلطان. ولو أراد الإله الحق الذي تدعوننا إليه لأمر ملاكاً من السماء أن يحمل إلينا هذه الرسالة. تجادل معهم نوح كثيراً وأخبرهم أن الشيطان لعب برؤوسهم ليخدعهم زمناً طويلاً. لم يؤمن بنوح ودعوته سوى شرذمة قليلة من الناس وكانوا من الفقراء والبؤساء؛ أما الأغنياء من قومه والأقوياء فقد نظروا بعين الشك إلى دعوة نوح. ومن هنا بدأت حربهم عليه. وخلال هذا الصراع لجأ الذين كفروا به إلى المساومة. حيث أخبره بأنه إذا أراد أن يؤمنوا له عليه بطرد هؤلاء البؤساء الضعفاء فلا يمكن أن تجمعنا دعوة واحدة مع هؤلاء. لكن نوح لم يرضخ لما يطلبه سادة القوم؛ وكان رده عليهم كما جاء في القرآن الكريم:
“قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون”.
| اقرأ أيضًا: قصة النبي لوط في الكتاب المقدس: هل ارتكب الفاحشة مع ابنتيه؟! |
كم عاش النبي نوح عليه السلام
استمر نوح في دعوة قومه مراراً وتكراراً على مدار الأيام والسنوات. لقد كان يدعوهم جهراً وعلانية؛ ليلاً ونهاراً. ولكنهم لم يستمعوا له وكلما حدثهم بشيء وضعوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق. وبرغم كل ذلك إلا أن نوح لم ييأس وظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً. وظل محتفظاً بالأمل طوال 950 سنة. وربما كانت أعمار الناس في تلك الحقبة من الزمن طويلة جداً. أو ربما يكون عمر نوح الطويل هو معجزة خاصة به، فلا أحد يعلم على وجه التحديد.
أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن له إلا من آمن من قبل، وأن هؤلاء القوم سيظلوا على عنادهم وكفرهم ما عاشوا. لذا أخبره الله بألا يحزن. وفي تلك اللحظة لم يكن هناك سبيل أمام النبي نوح عليه السلام إلا أن يدعو على قومه بالهلاك. فقال:
” رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً”
استجاب الله لدعوة نبيه نوح وأصدر عقابه بالفعل على الكافرين بالطوفان العظيم. لكن قبل ذلك أمر نوح أن يصنع سفينة عملاقة ليحمل فيها من كل زوجين اثنين، ومن آمن معه. هذا بالإضافة إلى أهله.
| اقرأ أيضًا: قصة عيسى عليه السلام كما ذُكرت في الإنجيل والقرآن |
قصة سفينة نوح عليه السلام
استمع نوح لربه وشرع في صنع السفينة. حيث بدأ يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة وانتظر سنوات حتى بدأ في صناعة سفينة عملاقة. وكان يمر به قومه فيسخرون منه ومما يصنع، فلم يكن هناك وجود لبحر أو مياه لتبحر فيها السفينة فكان عمله مصدراً لسخرية عظيمة من هؤلاء. وبعد أن أتم نوح صنع السفينة أوحى إليه الله أن علامة الطوفان العظيم هي فوران التنور. أي لحظة خروج الماء من فرن بيته هي تلك اللحظة التي من المفترض أن يبدأ فيها بجمع المؤمنين والحيوانات على متن السفينة.
وفي اللحظة التي خرج منها الماء أسرع نوح إلى سفينته ليحمل عليها من كل زوجين اثنين سواء كانت طيوراً أو حيوانات. وأمر المؤمنين برسالته أن يصعدوا على متن السفينة. وراح يطلب من زوجته أن تأتي إليه لتذهب معه، ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً فهي لم تؤمن به ولا بالله الواحد. وطلب من أبناءه الصعود فصعدوا جميعاً إلا أحد ابناءه وهو كنعان رفض كذلك أن يصعد إلى السفينة.
| اقرأ أيضًا: قصة بني إسرائيل من البداية وحتى ظهور المسيح |
أبناء نوح
تذكر التوراة في قصة النبي نوح أن أبناء نوح كانوا أربعة؛ وهم سام وحام ويافث وكنعان. ولكن لم يذكر القرآن أحداً منهم بالاسم؛ وكل ما ذكره هو أحد أبناءه الذي رفض أن يركب معه السفينة؛ أما هذا الابن طبقاً للتوراة فهو كنعان. وعندما أمره نوح بالذهاب معه لأن الطوفان سيقضي على كل شيء رفض كنعان الاستجابة لوالده. وقال له أنه سآوي إلى جبل يعصمه من الماء. فأجابه نوح أن لا عاصم اليوم من أمر الله. وهنا طلب نوح من الله أن ينجي ابنه من الغرق كما وعده بإنقاذه هو وأهله. فأجابه الله تعالى أن ابنه ليس من أهله. ولنا هنا وقفة مع حديث القرآن عن زوجة نوح وابنه.
قصة زوجة النبي نوح
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
” ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين”.
في هذه الآية ذكر الله أن امرأة نوح قد خانت زوجها، وعلى الرغم من أن الكثير من المفسرين حاولوا تفسير هذه الخيانة على أنها خيانة أدبية أي الكفر بدعوة زوجها. إلا أن القرآن يشير إلى غير ذلك. فلقد قال في معرض الحديث عن نوح: ” ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين” هنا ذكر نوح أن ابنه من أهله. لكن الله عز وجل قال له: ” يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين”.
لذا يحق لنا القول إن كنعان ابن نوح الذي غرق في الطوفان لم يكن ابنه في الواقع كما أشار بذلك القرآن الكريم. وحينما نعلم أن زوجته كانت كافرة كذلك فهذا مما يؤكد هذا الأمر. وقد فرق القرآن بين لفظي زوج وامرأة حينما قال امرأة نوح وليس زوج نوح.
| اقرأ أيضًا: أمنون وثامار: قصة الحب المحرمة التي ذكرت في التوراة |
الطوفان العظيم
لنعود إلى لاستكمال قصة نوح عليه السلام. وقد توقفنا عند الابن الذي غرق في الطوفان العظيم. ارتفعت المياه من فتحات الأرض وانهمرت من السماء أمطاراً غزيرة لم تر الأرض مثيلها من قبل. لقد فقدت البحار هدوءها وتعالت الأمواج حتى غطت جميع جنبات الأرض. أغرقت الأرض بكاملها للمرة الأولى في تاريخ البشرية. استمر الطوفان العظيم زمناً لا نعرف مقداره، حتى صدر الأمر الإلهي للسماء أن تكف عن الأمطار، وإلى الأرض أن تبتلع ماءها.
جبل الجودي في قصة النبي نوح
بعد أن عادت الحياة على الأرض إلى طبيعتها وجد نوح أن السفينة قد استقرت على جبل الجودي. وفي ذلك الوقت هبط نوح من السفينة وأطلق سراح جميع الحيوانات والطيور التي حملها معه فتفرقت في الأرض. سجد نوح شكراً لله على الخلاص من الكفار، وانقاذه ومن معه من هول الطوفان العظيم. ثم وضع الأساس لبناء معبداً لعبادة الإله الواحد. إلى هنا يسدل الستار عن قصة نوح عليه السلام، ولا نعلم ماذا حدث بعد ذلك إلا أن نوحاً قبل موته أوصى ابناءه أن يستمروا في عبادة الله وحده. ثم مضى نوح إلى الرفيق الأعلى.
| اقرأ أيضًا: قصة النبي صالح عليه السلام: صاعقة جبارة تُهلك قوم ثمود |
قصة النبي نوح في التوراة
كل تفاصيل قصة النبي نوح كما تم ذكرها هنا تتشابه بصورة كبيرة مع تفاصيل القصة في التوراة. إلا بعض الاختلاف الطفيفة التي لم يذكر القرآن عنها شيئاً. ونأبى أن نؤمن بها فهي تشوه صورة النبي الفاضل. لكن مع ذلك لابد لنا من ذكرها.
تقول التوراة في قصة النبي نوح أنه بعد انتهاء الطوفان شرع نوح في زراعة كرم. وبعد أن حصد ما زرع بدأ بصنع الخمر، وشرب من هذا الخمر الكثير حتى فقد صوابه وأصبح سكيراً. وحينما دخل خيمته استلقى عارياً حتى غاط في نوم عميق. وما إن دخل عليه ابناءه الخيمة ورأوه في هذه الحال وضعوا ثوباً ليغطوا جسد والدهم والتفوا بوجوههم إلى الجهة الأخرى حتى لا يروا عورة أبيهم. إلا ابنه الأصغر حام الذي سخر من والده. ولما استيقظ نوح من نومه وعلم بما فعله أبناءه سام ويافث باركهما؛ ولما علم بما فعله ابنه الصغير لعنه هو ونسله فيما بعد.
إلى هنا تنتهي قصة النبي نوح عليه السلام كما ذكرت في القرآن وفي الكتاب المقدس وفي حكايات المفسرين والمؤرخين. ومن هذه القصة نتعلم الكثير من الدروس المستفادة منها.
المراجع:
- القرآن الكريم – سورة الأعراف – سورة التحريم – سورة هود.
- الكتاب المقدس – سفر التكوين الإصحاح 7 – 8.
- البداية والنهاية – الجزء الأول – قصة نوح عليه السلام – ابن كثير.
