تحليل فيلم From the Life of the Marionettes: لا يوجد مخرج!
فيلم From the Life of the Marionettes لإنجمار بيرجمان هو أحد أظلم أفلامه وأكثرها غموضاً، وربما أكثر أفلامه تطرفاً. يحاول بيرجمان في هذا الفيلم أن يقتلعنا من جذورنا وينزع عنا الأقنعة الزائفة لتظهر حقيقتنا واضحة للعيان. في السطور التالية نقدم تحليل فيلم From the Life of the Marionettes بمزيد من التفصيل.
معلومات عن فيلم From the Life of the Marionettes
- البلد: ألمانيا الغربية | النمسا.
- اللغة: الألمانية.
- تاريخ الإصدار: 30 يونيو 1981.
- المخرج: إنجمار بيرجمان.
- الكاتب: إنجمار بيرجمان.
- وقت العرض: 104 دقيقة.
- النوع: دراما.
- التصنيف: (R) للكبار فقط | يحتوي على مشاهد فاضحة وعنيفة.
- فريق التمثيل: روبرت أتزورن| كريستين بوجيجر| مارتن بنراث | ريتا روسك | والتر شميدينجر.
- التقييم: 7.3.
قصة فيلم From the Life of the Marionettes
تبدأ أحداث الفيلم بقيام رجل الأعمال بيتر إيجرمان – روبرت أتزورن – بقتل عاهرة تدعى كاتارينا كرافت – ريتا روسك – واغتصاب جثتها. ثم يستعرض إنجمار برجمان ذكريات الماضي والاستجوابات مع أصدقاء القاتل وأقاربه لمعرفة السبب وراء ارتكبه جريمة القتل، وما هي دوافعه؟
بيتر رجل أعمال ناجح في ميونيخ، متزوج من امرأة ناجحة بنفس القدر تحمل نفس اسم ضحيته – كاتارينا. وهي زوجة غير مخلصة تعمل في صناعة الأزياء. زواجهما مقفر وحياتهما شديدة الملل، ويبدو أن كلاهما يتجنبان بعضهما البعض طوال الوقت. في البداية يعترف بيتر لطبيبه النفسي البروفيسور موجينز جنسن – مارتن بينراث – بأن لديه رغبة في قتل زوجته. لكن الطبيب يحاول أن يخلصه من أوهامه. وعندما كان بيتر على وشك مغادرة العيادة سمع محادثة بين زوجته والطبيب النفسي، وكان من الواضح أنهما على علاقة غرامية ببعضهما البعض.
نعلم من تقرير الطبيب النفسي عن بيتر عجزه الجنسي وشذوذه الكامن، وغضبه تجاه زوجته، واكتئابه الشديد، وعدم قدرته على التعامل مع والدته المتسلطة التي كانت ممثلة شهيرة في الماضي.
يحصل بيتر على عنوان العاهرة من صديق زوجته مثلي الجنس الذي يدعى تيم – والتر شميدينجر. تيم هو رجل في منتصف العمر يعاني من فشله في العثور على الحب، وقد وقع في حب بيتر لكنه لم يخبره بذلك، لذلك قدم له عنوان عاهرة ليقضي معها ليلته حتى يشعر بالانتصار عندما يخون بيتر زوجته. بعد التحقيقات نعود لجريمة القتل التي حدثت في المشهد الأول ثم نرى بيتر في مصحة نفسية يعاني من الوحدة والاكتئاب. إلى هنا تنتهي القصة فإلى تحليل فيلم From the Life of the Marionettes بمزيد من التفصيل.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Tree of Life: ملحمة روحية تعبر الزمان والمكان والذاكرة |
تحليل فيلم From the Life of the Marionettes
فيلم From the Life of the Marionettes هو الفيلم الوحيد الذي صوره بيرجمان بالكامل في ألمانيا أثناء فترة منفاه بعد قضية التهرب الضريبي، ويُعتقد أنه كان في الأصل جزءاً من مشروع أكبر وأكثر طموحاً. إنه فيلم تجريبي يشبه إلى حد كبير الفيلم الوثائقي. حيث نحاول اكتشاف سبب قيام رجل أعمال ناجح بقتل عاهرة بوحشية. وفيه يستكشف بيرجمان مخاوفه المعتادة بشأن الزواج والجنس واليأس الوجودي، وعلى الرغم من إنه ليس أفضل أفلام بيرجمان إلا أنه واحد من أفلامه المميزة التي ينظر فيها إلى القاتل باعتباره دمية يحركها المجتمع، ويسحب خيوط قمعه ورغباته حتى يصبح غير قادر على التحكم في حياته.
الأبيض والأسود
يأخذ بيرجمان شخصيتين ثانويتين من “مشاهد من زواج” بيتر وكاتارينا، لإضفاء الحياة على هذه الحكاية الغامضة، مع تأثيرات قوية من الفلسفة الوجودية لهيدجر وكيركجارد. ومثل معظم أفلام بيرجمان ينصب التركيز الأساسي على الحياة الداخلية وتدفقها، ويلاحظ ذلك من خلال اللونين الأبيض والأسود اللذان استخدامهما في الفيلم كله باستثناء بدايته ونهايته.
تتكشف قصة فيلم From the Life of the Marionettes من خلال وتيرة السرد المجزأة وغير المنتظمة، بينما تتوقف الكاميرا في أغلب الأحيان على الوجوه لنقضي معها الكثير من الوقت على الشاشة في حوارات طويلة أشبه بالمونولوجات، مما يدل على الافتقار الشديد للتواصل الحقيقي، والتعاطف في العلاقات الإنسانية والفراغ العاطفي.
الغوص في الأعماق
يقدم لنا بيرجمان هذا اللغز في فيلمه ليس لإيجاد حل، ولكن ليجعلنا نغوص في الأعماق النفسية للبطل. فالخسارة العاطفية، والفشل في العلاقات، وغموض المشاعر، ومزيج الكراهية والحب، والرغبة المتناقضة في إيذاء وشفاء المحبوب في نفس الوقت، كل هذه الأمور التي أنتجها الفشل في التواصل ومحاولة الفهم بسبب العادات الشخصية والتقاليد الاجتماعية أصبحت مثل الجدران السميكة. لذلك يرغب بيتر في الانفصال عن كل ذلك، ويريد أن يتجاهل معاناته الداخلية وإنكارها باعتبارها نتاجاً لاختلال هرموني بسيط. ورغم أنه لم يكن قادراً على الاستماع إلى قلبه، إلا إنه يعترف دون وعي بأنه المصدر الحقيقي للحرية.
يظهر هذا التناقض في أحد أكثر مشاهد فيلم From the Life of the Marionettes روعة وجمالاً. حيث يعيش بيتر أخيراً في حلم مرض تماماً عاطفياً وحسياً مع زوجته. لكن الحلم ليس خالياً من الجانب المظلم، إنه في نفس الوقت بمثابة رغبة في الحياة والحرية وشوق داخلي للموت ورفض الحياة. لكن عندما يُجبر بيتر على مواجهة صادقة مع نفسه، يغرق ويرتكب جريمة القتل المروعة في النهاية.
أحجية نفسية
فيلم From the Life of the Marionettes عبارة عن بناء معقد مثل أحجية، رحلة في نفسية شخصياتها الرئيسية. وهكذا يأخذنا بيرجمان في رحلة عبر قصته. إن تقسيم الفيلم إلى أجزاء يشير إلى العديد من المراحل الزمنية في رحلة بيتر، هذه الأجزاء المصحوبة بتغييرات مستمرة في السرد ووجهات النظر تنتقل من المقابلات إلى الشكل السينمائي التقليدي. بينما يستخدم المخرج شخصيات متباينة تهدف جميعها إلى البحث العميق عن الحقيقة.
في إعادة بناء هذا اللغز نجد أن كل مداخلة شاهد، وكل مرحلة من الماضي، والحاضر أو الحلم هي قطعة جديدة تتناسب مع بعضها البعض. يتحدث إلينا بيرجمان عن صعوبة إعادة بناء الأحداث التي أدت إلى مأساة، وعن استحالة فهم الأسباب التي أدت إلى ارتكاب جريمة قتل، والتشابك الوثيق لعدد من الأفعال والإيماءات التي لا يمكن أن تكون بمعزل عن بعضها البعض.
لا يوجد مخرج
أم متسلطة؟ شذوذ جنسي مكبوت؟ سياق اجتماعي مقيد؟ قلق وجودي يحاول بيتر التخلص منه من خلال الخمر؟ يريد بيرجمان أن يخبرنا أن السترة الاجتماعية هي ما تقيد المرء وتخنقه. لكن عندما يجد بيتر نفسه بمفرده مع العاهرة، يحاول الهرب وهو يصرخ “لا يوجد مخرج” وعندما يكتشف أنه في الواقع محبوس معها في هذا المكان المغلق تنفجر كل هذه المحظورات. إن العاهرة ليست من خلفيته الاجتماعية ولذلك فهي لا تثير في نفسه تلك المحظورات التي يكبتها، ومن هنا تنطلق جميع دوافعه فيقتل ويغتصب، وخاصة عندما يعلم أنها تحمل نفس اسم زوجته.
يبدو أن فعل بيتر الإجرامي كان أمراً لا مفر منه. فمنذ حلمه الأول، يدفعه كل شيء إلى ارتكاب هذه الجريمة. لقد فعل كل ما بإمكانه لكن لا شيء يساعده. تحدث مع طبيبه النفسي، وحاول أن يخفف من حدة المشكلات في علاقته الزوجية، كما واجه زوجته بكل ما يعتريه، حتى إنه حاول الانتحار. لكن لا شيء يساعد، ومن هنا تأخذ العاهرة دور زوجته، ليقوم بتنفيذ كل رغباته المكبوتة.
تدمير الذات
يخبرنا فيلم From the Life of the Marionettes عن شعور عميق بالضيق. قبل ارتكاب بيتر لجريمة القتل يخبر طبيبه رغبته في قتل زوجته، ولكنه كان يخشى التحدث عنها خوفاً من أن الكلمات يمكن أن تجسد دوافعه إلى أفعال. إنه يشعر باستمرار بالحاجة التي لا يمكن كبتها لقتل زوجته كاتارينا. هذه المرأة التي “يمارس الحب معها بلا مشاعر”، والتي كان يتجادل معها باستمرار، في صورة متكررة وكأنها مسرحية بلا متفرجين. زوجان في أزمة، ومع ذلك لا يمكنهما الانفصال. توضح كاتارينا أن بيتر بداخلها وتحمله معها في كل مكان، ونفس الدوافع تدمر أعصابهما. بيتر وكاتارينا مرتبطان بجوهر أجسادهما. لا يمكنهم العيش معاً ومع ذلك لا يمكنهم العيش منفصلين.
هذه الحاجة إلى تدمير من تحب هي وسيلة لتدمير الذات، في محاولة لكسر القناع الذي كان يرتديه دائماً، ويمنعه من التنفيس. إن كراهية بيتر تجاه زوجته، هي كراهية تجاه نفسه. كراهية تراكمت على مر السنين. ولقد شكّل كل حدث في حياته قناعه وزاد من حاجته إلى تدميره.
سقوط القناع
والدة بيتر، المتسلطة والأنانية التي توضح أن ابنها قضى بالفعل وقته في لعب الدمى منذ صغره يعيدنا إلى الوراء لوزن الأسرة الذي يثقل كاهل كل فرد. فالصورة التي نبنيها لأنفسنا هي أولاً وقبل كل شيء الصورة التي نريد أن نقدمها لوالدينا. حتى لو كان ذلك يعني أن تصبح ما لست عليه، فإنك تخلق من الصفر ما يريده والدك ووالدتك. ومنذ الطفولة المبكرة نعاني جميعاً من الحاجة للإرضاء. ونعيش بعد ذلك حياة كاملة مبنية على الأكاذيب. ففي جميع مراحل التطور البطيء للفرد نخضع باستمرار لنظرة الآخرين. بعد الوالدين والأسرة، نجد الأصدقاء والأقارب والحياة المهنية والزوجية والأطفال.
تيم هو رجل عجوز مثلي الجنس يشعر بالاشمئزاز من التقدم في السن، وهو الشخصية التي تصف هذا الشعور بأنك لست من أنت حقاً. فهو يشعر بالاشمئزاز من عنفه الكامن، بينما يحاول يائساً إقناع نفسه أنه يبحث فقط عن اللطف، والحب. في مشهده الرائع مع كاتارينا ينظر إلى نفسه في المرآة، ويمكن رؤية القناع بجانب انعكاسه على المرآة. تقول هذه اللقطة كل شيء تقريباً.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Persona: التجربة النفسية الأكثر غموضاً وجاذبية |
The Life of the Marionettes هو فيلم آخر من أفلام بيرجمان المميزة التي تحاول الغوص في موضوعات مظلمة حول التواصل والعلاقات والزواج والخوف والبارانويا والنفسية البشرية. الفيلم عبارة عن دراما نفسية تستكشف روح إنسان على حافة الجنون.