إنجمار بيرجمان: سيرة حياة أحد أعظم المخرجين في تاريخ السينما
إنجمار بيرجمان هو واحد من أعظم المخرجين في تاريخ السينما. وقد كان مخرجاً وكاتباً ومنتجاً سويدياً عمل في السينما والتلفزيون والمسرح والراديو. حيث أخرج أكثر من ستين فيلماً و170 مسرحية؛ وهو من بين أكثر صانعي الأفلام إنجازاً وتأثيراً على الإطلاق، ومن أهم أفلامه Smiles of a Summer Night (1955)، The Seventh Seal (1957)، Wild Strawberries (1957)، Persona (1966)، Cries and Whispers (1972)، Scenes from a Marriage (1973)، Fanny and Alexander (1982). بينما تتميز أعماله بشخصيات مكثفة ومحتوى فكري ونفسي وفلسفي ورمزي. في هذا المقال نتناول سوياً السيرة الذاتية لهذا المخرج العظيم بشيء من التفصيل.
النشأة المبكرة
وُلد إرنست إنجمار بيرغمان في 14 يوليو 1918 في أوبسالا بالسويد، وهو ابن إريك بيرغمان، وزير لوثري ثم قسيس لملك السويد. كان لدى والده أفكاراً دينية متشددة وصارمة، وعلى الرغم من تلك النشأة فقد صرح برجمان أنه فقد إيمانه عندما كان في الثامنة من عمره. لكنه لم يتقبل هذا الأمر باعتباره حقيقة يؤمن بها إلا أثناء تصويره لفيلم فيلم Winter Light في عام 1962.
في عام 1934، عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً، تم إرساله إلى ألمانيا لقضاء العطلة الصيفية مع أصدقاء العائلة. وهناك حضر مسيرة نازية في فايمار رأى فيها أدولف هتلر. وقد كتب لاحقاً في مذكراته التي تحمل اسم “المصباح السحري” عن زيارته لألمانيا، واصفاً كيف أن العائلة الألمانية التي كان يقطن لديها وضعت صورة لهتلر على الحائط بجوار سريره. وعلق برجمان قائلاً: “كان هتلر يتمتع بشخصية كاريزمية لا تصدق.”
وبعد العودة من ألمانيا خدم بيرجمان بفترتين مدتهما خمسة أشهر في السويد للخدمة العسكرية الإلزامية. ثم التحق بجامعة ستوكهولم في عام 1937 لدراسة الفن والأدب. بينما قضى فيها معظم وقته في المسرح الطلابي وأصبح “مدمناً حقيقياً للأفلام”. وفي عام 1942، بعد الإنتاج الرائع لماكبث ويليام شكسبير (1564–1616)، تم تعيين المخرج الطموح في الأوبرا الملكية السويدية. وفي السنوات التالية، قسّم مواهبه بالتساوي بين جهود المسرح والسينما.
على الرغم من أنه لم يتخرج من الجامعة، إلا أنه كتب عدداً من المسرحيات والأوبرا، وأصبح مخرجاً مساعداً في مسرح محلي. وفي عام 1943 تزوج من إلسي فيشر[1].
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Bergman Island: عندما تمتزج الحقيقة بالخيال |
المسيرة السينمائية
بدأت مسيرة إنجمار بيرجمان السينمائية في عام 1941 بعمله في إعادة كتابة النصوص، ولكن أول إنجاز كبير له كان في عام 1944 عندما كتب سيناريو فيلم Torment، وهو فيلم أخرجه ألف سيوبيرغ. وإلى جانب كتابة السيناريو، تم تعيينه أيضاً مساعد مخرج الفيلم. وخلال السنوات العشر التالية كتب وأخرج أكثر من عشرة أفلام، بما في ذلك Prison في عام 1949، بالإضافة إلى Sawdust and Tinsel وSummer with Monika، وكلاهما صدر في عام 1953.
حقق بيرجمان نجاحاً عالمياً لأول مرة مع فيلم Smiles of a Summer Night عام 1955، والذي فاز بعدة جوائز دولية. تبع ذلك The Seventh Sealو Wild Strawberries، الذي صدر في السويد بعد عشرة أشهر في عام 1957. وقد حصل كلا الفيلمان على جوائز دولية عديدة كذلك. ومنذ أوائل الستينيات قضى برجمان معظم حياته في جزيرة فارو، حيث أخرج العديد من الأفلام.
فترة الستينيات في مسيرة إنجمار بيرجمان
أخرج في أوائل الستينيات ثلاثة أفلام استكشفت موضوع الإيمان والشك في الله، من خلال ثلاثية صمت الرب؛ وهي على التوالي فيلم Through a Glass Darkly عام 1961، وفيلم Winter Light عام 1963، وأخيراً فيلم The Silence عام 1963. بينما ابتكر النقاد فكرة أن الموضوعات المشتركة في هذه الأفلام الثلاثة جعلت منها ثلاثية سينمائية. ولكن رد بيرجمان في البداية أنه لم يخطط لهذه الأفلام الثلاثة باعتبارها ثلاثية وأنه لا يستطيع رؤية أي أفكار مشتركة فيها، لكنه بدا فيما بعد أنه يتبنى الفكرة، مع بعض المراوغة.
يعد فيلم Persona (1966) نقلة نوعية في مسيرة المخرج إنجمار برجمان؛ وهو فيلم اعتبره بيرغمان نفسه أحد أهم أعماله. وفي حين أن هذا الفيلم التجريبي للغاية فاز بجوائز قليلة، إلا أنه اعتبر تحفة فنية له. تشمل الأفلام الأخرى في تلك الفترة The Virgin Spring عام 1960، وHour of the Wolf عام 1968، وShame عام 1968 وThe Passion of Anna عام 1969، وأخيراً فيلم Cries and Whispers (1972)، والذي حصل على ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم. أنتج أيضاً على نطاق واسع للتلفزيون السويدي في هذا الوقت عملين هما Scenes from a Marriage عام 1973 وThe Magic Flute عام 1975.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم possession: فيلم ملعون لا يمكن نسيانه |
اتهامات بالتهرب الضريبي عام 1976
في 30 يناير 1976، بينما كان يتدرب على رقصة الموت لأغسطس ستريندبرغ في المسرح الدرامي الملكي في ستوكهولم، تم اعتقاله من قبل ضابطي شرطة يرتديان ملابس مدنية ووجهت إليه تهمة التهرب من ضريبة الدخل. لقد كان تأثير هذا الحدث على برجمان مدمراً. حيث أصيب بانهيار عصبي نتيجة الإذلال، وأدخل المستشفى بحالة من الاكتئاب الشديد. وفي 23 مارس من نفس العام، أسقطت التهم الموجهة إلى بيرجمان.
وعلى الرغم من إسقاط التهم، أصبح إنجمار بيرجمان محبطاً، وذهب إلى منفى اختياري في ميونيخ. وقد ناشده رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه، وشخصيات عامة رفيعة، وقادة صناعة السينما، بالعودة مرة أخرى إلى السويد إلا أنه تعهد بعدم العمل في السويد مرة أخرى. حيث أغلق الاستوديو الخاص به في جزيرة فارو، وأوقف مشروعين سينمائيين معلنين.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Cloud Atlas: رحلة الروح الأبدية |
بعد الاعتقال
نظر إنجمار بيرجمان لفترة وجيزة في إمكانية العمل في أمريكا. وقد قام بالفعل بالعمل على فيلمه التالي The Serpent’s Egg (1977) وكان إنتاجه ألمانياً أمريكياً. ثم تبع ذلك إنتاج مشترك بريطاني نرويجي هو فيلم Autumn Sonata عام 1978، وفيلم From the Life of the Marionettes عام 1980.
على الرغم من استمراره في العمل من ميونيخ، إلا أنه بحلول منتصف عام 1978 تغلب بيرغمان على بعض مرارته تجاه الحكومة السويدية. بينما في يوليو من ذلك العام، زار السويد، احتفالاً بعيد ميلاده الستين في جزيرة فارو، واستأنف جزئياً عمله كمخرج في المسرح الدرامي الملكي. ولتكريم عودته، أطلق المعهد السويدي للسينما جائزة إنجمار بيرغمان الجديدة التي ستُمنح سنوياً للتميز في صناعة الأفلام.
وفي النهاية عاد إلى وطنه للعمل على فيلم Fanny and Alexander في عام 1981. وقد صرح بيرجمان أن الفيلم سيكون آخر فيلم له، وأنه بعد ذلك سيركز على إخراج المسرح. لكن بعد ذلك كتب عدة سيناريوهات سينمائية وأخرج عدداً من العروض التلفزيونية الخاصة. بينما تم عرض بعض هذه الأعمال في وقت لاحق على شكل مسرحي. وكان آخر عمل من هذا القبيل هو Saraband (2003)، وهو تكملة ل Scenes from a Marriage وإخراجه برجمان عندما كان يبلغ من العمر 84 عاماً.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Mulholland Drive: فن التلاعب بالعقول |
الزواج والأطفال
تزوج إنجمار بيرجمان خمس مرات في حياته؛ وهذه الزيجات على الترتيب:
- إلسي فيشر 1943 – 1945 وهي ممثلة وراقصة ومخرجة؛ وقد أنجب منها ابنة تدعى لينا برجمان.
- إلين لوندستروم 1945 – 1950 وهي مصممة رقصات ومخرجة أفلام. بينما أنجب منها أربعة أطفال هم إيفا وجان والتوءم ماتس وآنا.
- لغون جروت 1951 – 1959 وهي صحفية؛ وأنجب منها إنجمار جونيور.
- كابي لاريتي 1959 – 1969 وهي عازفة بيانو؛ وقد أنجب منها دانيال.
- إنجريد فون روزين 1971 – 1995.
ولقد انتهت الزيجات الأربع الأولى بالطلاق في حين انتهت آخر زيجاته عندما توفيت زوجته إنجريد بسرطان المعدة في عام 1995. وبغض النظر عن زيجاته أقام برجمان علاقات رومانسية مع الممثلات هارييت أندرسون (1952-1955)، بيبي أندرسون (1955–1955)، وليف أولمان (1965-70). وإجمالاً، كان لبرجمان تسعة أطفال، توفي أحدهم قبله. بينما تزوج برجمان في النهاية من جميع أمهات أبنائه.
اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Tree of Life: ملحمة روحية تعبر الزمان والمكان والذاكرة |
التقاعد والوفاة
تقاعد إنجمار بيرجمان من صناعة الأفلام في ديسمبر 2003. بينما قد أجرى جراحة في الفخذ في أكتوبر 2006 وكان يتعافى بصعوبة. توفي وهو نائم عن عمر ناهز 89 عاماً. بينما تم العثور على جثته في منزله في جزيرة فارو في 30 يوليو 2007. وفي نفس اليوم توفي مخرج سينمائي وجودي مشهور آخر هو مايكل أنجلو أنطونيوني. وكان الدفن خاصاً في كنيسة فارو في 18 أغسطس 2007. حيث تم إعداد مكان له في باحة كنيسة فارو تحت ستار من السرية الشديدة.
اقرأ أيضًا: التذوق الفني: كيف نتطور قدرتنا على الحساسية الفنية؟ |
أعمال إنجمار بيرجمان الفنية
ربما لا يمكن حصر جميع أعمال إنجمار بيرجمان الفنية؛ فلقد أخرج على مدار مسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من ستين عاماً 54 فيماً سينمائياً وأكثر من مائة وعشرين عملاً مسرحياً. هذا بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين مسرحية إذاعية. وذلك بغض النظر عن الأعمال التي شارك في كتابتها والأعمال التي لم يكتب لها الخروج للنور. ولعل من أشهر أعماله ما يلي:
- Crisis
- Prison
- Summer with Monika
- Sawdust and Tinsel
- The Seventh Seal
- Wild Strawberries
- The Magician
- Winter Light
- The Virgin Spring
- Through a Glass Darkly
- The Devil’s Eye
- The Silence
- Persona
- Shame
- Scenes from a Marriage
- The Magic Flute
- Face to Face
- Autumn Sonata
- Fanny and Alexander
إرث إنجمار بيرجمان
رحل المخرج الكبير إنجمار بيرجمان عن عالمنا بعد أن ترك إرثاً فنياً عظيماً. بينما كان مرجعية وإلهاماً لعدد من المخرجين العظام ولعل من أهمهم هو المخرج وودي آلن الذي ذكر عدد من أفلام برجمان في أفلامه وأشاد بها. وبعد وفاة بيرجمان، تم التبرع بأرشيف كبير من الملاحظات إلى معهد الفيلم السويدي. تضمنت هذا الأرشيف عدد من السيناريوهات غير المنشورة وغير المكتملة لكل من المسرح والسينما، والعديد من الأفكار الأخرى للأعمال في مراحل مختلفة من التطوير.
الجوائز
في عام 1971، حصل إنجمار بيرجمان على جائزة إيرفينغ جي ثالبرج التذكارية في حفل توزيع جوائز الأوسكار. بينما فازت ثلاثة من أفلامه هم Through a Glass Darkly، وThe Virgin Spring وFanny and Alexanderبجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية. كذلك حصل على جائزة السعفة الذهبية لأفضل فيلم عن فيلمه Wild Strawberries، بالإضافة إلى جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي. كما فاز بالعديد من الجوائز الأخرى وتم ترشيحه للعديد من الجوائز.
هوامش
[1] إلسي فيشر هي مخرجة وممثلة سويدية، ولدت عام 1918، وتوفيت 2006؛ وكانت الزوجة الأولى للمخرج السويدي إنجمار برجمان.
المراجع:
1. Author: Maaret Koskinen, Ingmar Bergman, the biographical legend and the intermedial ties of memory, www.tandfonline.com, Retrieved: 02/09/2022. |
2. Author: Mervyn Rothstein, Ingmar Bergman, Master Filmmaker, dies at 89, www.nytimes.com, Retrieved: 02/09/2022. |
3. Author: Hamish Ford, Bergman, Ingmar, www.sensesofcinema.com, Retrieved: 02/09/2022. |