فن

تحليل فيلم Adam’s Apples: جوهرة بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه

فيلم Adam’s Apples هو جوهرة دنماركية كتبها وأخرجها أندرس توماس جنسن. دراما مأساوية في قالب من الكوميديا السوداء، يطعم فيها المخرج عمله برمزية دينية وفلسفية عميقة، ورغم ذلك فهي قصة بسيطة ومعقدة في الوقت ذاته حول الصراع الأبدي بين الخير والشر، الإيمان والعقل، الرحمة والقسوة، تحولات العلاقات الإنسانية، حول معنى الحياة والقدر، حول حقيقة أن المرء وحده مًن يقرر ما هو الواقع الذي يعيش فيه، وما الذي يجب أن يناضل من أجله، وما الذي سيحصل عليه في النهاية. في السطور التالية نتعرف على قصة فيلم Adam’s Apples، ثم نستعرض تحليل فيلم Adam’s Apples بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Adam’s Apples

  • البلد: الدنمارك| ألمانيا.
  • اللغة: الدنماركية.
  • تاريخ الإصدار: 15 إبريل 2005.
  • المخرج: أندرس توماس جنسن.
  • الكاتب: أندرس توماس جنسن.
  • وقت العرض: 94 دقيقة.
  • النوع: دراما | كوميديا | جريمة.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط، يحتوي الفيلم على مشاهد عنيفة.
  • فريق التمثيل: أولريش تومسن | مادس ميكلسن | نيكولاس برو | بابريكا ستين.
  • التقييم: 7.7.

قصة فيلم Adam’s Apples

تبدأ قصة فيلم Adam’s Apples بوصول آدم – أولريش تومسن – وهو معتقل سابق يتبع النازية الجديدة إلى كنيسة للقيام بخدمة اجتماعية بعد الإفراج عنه على أمل تغيير سلوكه. يستقبل آدم القس الطيب إيفان – مادس ميكليسن – ويأخذه في جولة لتعريفه بالمجمع الكنسي وأعضاءه. يبدو على آدم أنه شرير، ومن الصعب تغيير سلوكه. وعلى الرغم من ذلك لا يبدي أن القس يأخذ هذا الأمر على محمل الجد، فهو يعتقد أن الإنسان طيب بفطرته، لكن الشيطان هو المسؤول عن تصرفاته الشريرة.

يتعرف آدم على سكان الدير وهم خالد: شاب سعودي مسلم كان معتقل كذلك لتورطه في سرقة محطات الوقود التابعة لشركة بترول متعددة الجنسيات. يعتقد خالد أن هذه الشركة سرقت أرضه في بلده وهو يحاول استعادة ما سرقته بهذه الطريقة للعودة مجدداً إلى بلده. جونار: وهو لاعب تنس سابق ومدمن خمور يعاني من داء السرقة، وله خلفية إجرامية، كما إنه مصاب بالاكتئاب بعد أن خسر أهم مباراة في مسيرته الرياضية. الدكتور كولبرج  وهو طبيب المجمع الكنسي العابث الذي لا يؤمن بالخرافات. وأخيراً تصل إلى الدير سارة وهي امرأة تريد أخذ مشورة القس في حملها. حيث أخبرها الأطباء أن الطفل سيولد معاقاً، وتريد أن تعرف إذا ما عليها إجهاضه أم تركه.

الهدف

كل ساكن في هذا المجتمع الديني لابد له من هدف، حتى وإن كان صغيراً. لذا يسأل القس آدم عن هدفه الذي يريد تحقيقه أثناء فترة إقامته. لا يجد آدم أي فكرة، وأول ما تبادر إلى ذهنه أنه يريد صنع كعكة من ثمار شجرة التفاح الموجودة في فناء الدير. يحذره القس أن الشيطان سيمنعه من تحقيق هدفه، لكن عليه أن يتغلب عليه.

كان على آدم أن ينتظر حتى ينضج التفاح، لكن هناك ما يمنع هذا الأمر، ففي البداية أصبح التفاح على الأشجار وليمة للغربان. وبعد التخلص من الغربان بدأت الديدان تنتشر في ثمار التفاح. وعندما تخلصوا من الديدان جاءت عاصفة رعدية أحرقت أشجار التفاح. لذا لم يظهر آدم أي علامات على التقدم، لكن مع ذلك بدأ يتصرف بشكل عقلاني نوعاً ما أكثر من العنف الذي كان عليه لدى وصوله. هناك أمراً واحداً يغضبه وهو تفاؤل القس غير المبرر، وتجاهل كل شيء قبيح أو شرير أو سيء.

يحاول آدم البحث وراء أسباب تصرف القس على هذا النحو، ويعلم أن هناك حياة غامضة عاشها القس تسببت في تصرفات هذه. يبدأ آدم اكتشاف هذه الحياة.

إلى هنا نتوقف عن سرد القصة حتى لا يفقد المشاهد متعة المشاهدة. وننتقل إلى تحليل فيلم Adam’s Apples.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Only the Animals: هنا تبدأ وتنتهي معظم الألغاز

تحليل فيلم Adam’s Apples

قصة فيلم Adam's Apples
مشهد فيلم Adam’s Apples

بعد فيلم Flickering Lights في عام 2000، ثم The Green Butchers في عام 2003، تغلق هذه الثلاثية بفيلم Adam’s Apples وهي عبارة عن ثلاثية “المجانين” في المجتمع الدنماركي. ثلاثية كتبها وأخرجها أندرس توماس جنسن. وفي هذا الفيلم الأخير يتوج المخرج بموهبة لا يمكن إنكارها، إبداع من الفكاهة السوداء، يقودنا من خلالها مادس ميكلسن وأولريش تومسن إلى عالم ثنائي التفرع، وصراع لا يرحم بين الخير والشر، يجسد فيه الخير من خلال شخصية إيفان، هذا الكاهن المتفائل بحزم، ويجسد الشر من خلال شخصية آدم، هذا الفاشي العدمي الذي يبحث عن الخلاص.

الصراع بين العقل والإيمان

“سيكون العالم مكاناً كئيباً إذا استمعنا جميعاً إلى صوت العقل”

بهذه العبارة التي قالها القس إيفان يتبين لنا ما يريد المخرج قوله في هذا الفيلم. إنه الصراع الدائم بين العقل والإيمان، بين الخير والشر. في كنيسة منعزلة تقريباً، هناك كاهن غريب، شاب مسلم، ولاعب تنس سابق له خلفية إجرامية، وامرأة تواجه مشكلة في حملها، وطبيب غريب الأطوار. يجمع هذا الفيلم كل هذه الشخصيات معاً ليخرج لنا أندرس توماس جنسن تحفة فنية ممتعة مليئة بالرمزية في قالب من الكوميديا السوداء.

إن موضوع الصراع بين الإيمان، الذي يمثله إيفان بالطبع، والعلم، الذي ينادي به الطبيب، مثير للاهتمام بشكل خاص. حيث نرى بعض الأحداث التي يحاول الطبيب دعمها بالحقائق العلمية، إلا أن الإيمان غالباً ما يفوز على العقل والمنطق كما رأينا في النهاية حينما قرر الطبيب الرحيل بعد رؤيته للمعجزات التي تحدث للقس.

المسيح في عالم اليوم

إن كل المشاهد التي تبدو سخيفة أو هزلية في الفيلم تنبع من قضايا أساسية يناقشها الفيلم. إيمان الكاهن غير المحدود، أو إقناع نفسه بأن إيمانه غير محدود. وقد يكون تشويه الحقائق وحتى الكذب طريقاً يختاره بسبب الرعب والألم اللذان عانى منهما في حياته، أو لأنه يدرك حقاً محيطه بهذه الطريقة. يمثل هذا الكاهن شخصية المسيح في عالم اليوم الذي انعدمت فيه البراءة. ففي المشهد الذي تعرض فيه للضرب، يرقد مستلقياً في الكنيسة كما هو الحال في جميع الأعمال التي تُظهر المسيح موضوعاً على الصليب، كما لا يبدي أي معارضة لضاربه بل على العكس يدير له خده الآخر. كذلك يرى أن كل الشر وسوء الحظ من حوله من عمل إبليس.

معضلة الشر

كانت مسألة الشر هي الشغل الشاغل للعديد من الفلاسفة واللاهوتيين على مدار التاريخ. وقد حاولوا الإجابة على السؤال الأهم: إذا كان الله هو الخير الكلي، فلماذا يوجد الشر في العالم؟ وقد ميز القديس أغسطين بين شكلين من الشرّ: الشرّ “الأخلاقي” المرتكب بالاختيار والشر “الطبيعي”. إن المرء الذي ينظر إلى تاريخ البشرية كما هو سيجد نفسه محاصراً داخل وجود شرير لا يحصد منه على مواساة لما يعانيه. الكراهية، الجشع، عدم التسامح، جنون العظمة، النفاق، نزع الصفة الإنسانية عن الإنسان، عدم وجود القيم الأخلاقية. لكن عنصر واحد فقط هو ما يواسي الإنسان في هذا الشر العظيم: الأمل!

الطريق إلى الخلاص

الطريق إلى الخلاص هو العمود الفقري للسيناريو الذي استوحاه المخرج من سفر أيوب في الكتاب المقدس، ومن بعض الأساطير الإسكندنافية. ومن خلال هذا المزيج الماهر يمكنك أن تشم رائحة عمل فني رمزي غاية في القوة.

وفقاً لمؤامرة الفيلم، تم تكليف آدم بالعناية بشجرة التفاح في حديقة الكنيسة للحصول على ثمارها بحلول الخريف من أجل صنع كعكة تفاح للقطيع. ومع ذلك، تتحول مهمة بسيطة إلى سلسلة كاملة من المشاكل – الغربان تنقر التفاح، ثم الديدان، ثم يضرب البرق الشجرة فيحرقها. في البداية يعد آدم بالوفاء بالمهمة على سبيل السخرية حتى يتخلص القس من مبادئه وأخلاقه. لكن تدريجياً يتضح أن كل شيء أكثر تعقيداً مما نراه للوهلة الأولى. على سبيل المثال نجد مشهد سرقة المتجر لافتاً للنظر، عندما يأخذ الجميع ما يحتاجوه: جونار – طعام وشراب، خالد – المال، آدم – ميكروويف لصنع كعكة التفاح.

يلف المخرج قصة فيلم Adam’s Apples بالقصص التوراتية في غلاف من الفكاهة السوداء، ويضفي النكات التافهة على المواقف الفلسفية للوجودية. حيث يصور روح آدم على شكل شجرة تفاح – شجرة معرفة الخير والشر في جنة عدن. يقع عليه غضب الله في شكل مشكلات (ديدان الشك، وغربان الرأي العام، إلخ). تتحول شجرة التفاح حرفياً إلى شجيرة محترقة. كعكة التفاح في النهاية هي قربان الشخص الجديد الذي عاد مؤمناً والجاهز لتعميده.

أسطورة أودين

يمكن تفسير رمزيات الفيلم كذلك بعيداً عن التلميحات التوراتية من خلال الأساطير الإسكندنافية. حيث تمثل الغربان أسطورة أودين كبير الآلهة. تحكي الأسطورة أن أودين يتدلى من شجرة العالم ويحمل إليه الأخبار غرابان هما هوجين ومونين. أما الشجرة فتمثل شجرة إغدراسيل العملاقة والمقدسة التي تعد مركز العالم طبقاً للأساطير الإسكندنافية. وعلى أي حال إذا أخذنا بالرمزية التوراتية أو الأسطورية فلن يتغير معنى الفيلم على الإطلاق ولن يفقد طبيعته المجازية: كعكة تفاح آدم هي رمز للإيمان الجديد، وإعادة التفكير في قيم المرء وولادة جديدة. وبالتالي تحدث المعجزة، حيث يتمكن آدم من رؤية القيمة الحقيقية للحياة والاختيار بين الواقع المفروض والواقع الذي خلقه بنفسه.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Tiresia: لا شيء يدوم إلى الأبد

في الختام وبعد تحليل فيلم Adam’s Apples لا يسعنا سوى القول أن شخصيات فيلم Adam’s Apples هي أرواح ضائعة تحاول من خلال الأعمال الصالحة أن تصل إلى الله، وينتظرون إجابات أو معجزة من أجل ملء الفجوة داخل نفوسهم.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!