نظرة على فلسفة الفن والجمال

You are currently viewing نظرة على فلسفة الفن والجمال
نظرة على فلسفة الفن والجمال

نعلم جميعاً ما هو الفن، أو هكذا نعتقد، لأنه مفهوم متأصل في الإنسان، فلقد كان موجوداً منذ الأبد. لكن هل تساءلنا يوماً ما هو الفن؟ وما علاقة الفن بالجمال؟ وهل الفن جميل فعلاً؟ دعونا نستكشف فلسفة الفن وعلاقة الفن بالجمال.

ما هو الفن؟

تعريف الفن والجمال
معنى الفن

تعددت المذاهب التي حاولت تعريف الفن على مدار التاريخ، وعلاقة الفن بالفلسفة، فمنها على سبيل المثال مذهب يرى أن العمل الفني ما هو إلا نوع من اللعب، والفنان مثل اللاعب. حيث يتعامل الفنان مع الفن مثلما يتعامل الطفل مع ألعابه. فحينما نرى الطفل وهو يكتشف أن باستطاعته أن يبني منزل من المكعبات فهذا لا يحدث بين يوم وليلة، وإنما يستغرق الكثير من الوقت إلى أن تنضج الفكرة في عقله. والشيء نفسه بالنسبة للفنان، فالفنان يقوم بتجسيد الأفكار التي تعتمل بداخله حتى ترى النور.

يشير مذهب آخر إلى أن الفنان هو ذلك المبتكر للأفكار البعيدة عن التقليد. تلك الأفكار الجديدة السابقة لعصره، فالفنان هو أكثر الناس خيالاً وإحساساً. وهو مَن يستطيع أن يتحرر من كل القيود التي تكبله ويحاول أن يُخرج ما في نفسه من شتى العواطف الإنسانية من خوف وألم وعطف عن طريق الفن.

تعريف آخر يوضح أن الفن هو ما يُركز على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعوري، إذ لابد من البعد عن الواقع وعن الحقيقة، وأن نطلق العنان لأفكارنا المكبوتة وتصوراتنا الخيالية، ونتخلص من مبادئ الفن التقليدية ونخلق إحساس بعدم الواقعية ونستخدم اللاشعور، ونهتم بالمضمون وليس بالشكل.

لكن أشارت العديد من المذاهب الحديثة إلى أن الفنان الحقيقي لا ينقل الأشياء كما هي في الأصل بل ينقلها كما يشعر بها، ومعنى هذا أن الناس والأشياء تبدو مختلفة في نظره وفقاً لأحاسيسه التي يشعر بها عند رؤيتها. لننظر مثلاً إلى الحيوان المتوحش الذي نخاف منه فإذا رسمه الفنان فلسوف يظهر في الصورة أضخم مما هو عليه في الطبيعة، وكذلك تبدو أسنانه ومخالبه لأننا نخشاه. وإذا قمنا مثلاً برسم جبل نتسلقه فيبدو وكأنه قد ازداد وعورة وانحدار.

اقرأ أيضًا: التذوق الفني: كيف نتطور قدرتنا على الحساسية الفنية؟

فلسفة الفن والجمال

مقدمة عن الفن والجمال
الفن والجمال

يولد الفن معنا، فبدخل كل منا يوجد فنان يسلط الضوء بطريقة أو بأخرى على عمل ذي غرض جمالي، إنه حكم هدفه متعة الجمال. لكن هذا الأمر يقودنا إلى المزيد من الأسئلة: ما الذي يحدد ما هو جميل وما هو دون ذلك؟ وهذا السؤال هو محور فلسفة الفن والجمال.

هناك العديد من الجوانب التي يمكن أن تجعل العمل الفني جميلاً، لكن الفن ليس ذلك فقط. فالجمال أمر شخصي تماماً، إنه صفة لشيء ما أو لشخص ما تجعلنا نشعر بالبهجة والسعادة. هذا على الرغم من أن القبح أيضاً يمنحنا مشاعر مختلفة. ولذلك إذا كان الفن يبحث عن استجابة من المشاهد، فلا ينبغي أن يركز فقط على الجمال. فالجمال موجود في أذهاننا، ولدينا جميعاً تحيزات مثبتة بداخلنا منذ طفولتنا. حيث يمكن أن نشعر بجاذبية أو عدم جاذبية شيء ما بسبب الأنماط والنماذج التي نشأنا عليها، وتلقيناها خلال تعليمنا. والقيم التي غرست فينا تجعلنا نرى الأشياء بطريقة ملموسة، فهي تخلق قوالب نمطية ومعايير وكليشيهات أنشأها المجتمع والبيئة التي نعيش فيها.

نعود إلى فكرة أن الجمال هو في الحقيقة تقييم. والفنان هو الشخص الذي اكتسب بعض المعرفة الإضافية التي تختلف عن تلك التي حصل عليها باقي الناس، فلديه القدرة على تقدير المفهوم والتعبير عنه وجعله عالمياً، وبإمكانه تحقيق الانسجام بين الجميع بحيث يتأسس عمله كإبداع بشكل عام جميل. هذه الأفكار العالمية للجمال التي ظهرت منذ فترة طويلة متأصلة فينا ولا يمكننا التخلص منها.

اقرأ أيضًا: ما بعد الحداثة: المفهوم والنشأة والسمات الرئيسية

الفن والجماليات

تاريخ الفن والجمال
الفن والجمال عبر الأزمنة

نشأت النظرية الأولى عن الجماليات مع أفلاطون واستمرت مع أرسطو. وكان الفن بالنسبة لهما تقليداً للطبيعة، لكنه ساهم فيما لم تستطع الطبيعة إنهاءه، لأن التقليد لم يكن نسخاً أصلياً فحسب، بل كان يمثل جانباً محدداً لشيء ما. وكانت الجماليات لا تنفصل عن الأخلاق كذلك. وفي العصور الوسطى كان الفن تعبيراً عن التدين، بينما في القرنين الخامس عشر والسادس عشر غطت الجماليات مجالات أكثر من الدينية، مما فرض عصر العقل. ومع ذلك فإن الدافع العظيم للفكر الجمالي حدث في العالم الحديث، وبالتحديد في القرن الثامن عشر، عندما أصبح كانط مهتماً بأحكام الذوق الجمالي، وطور فكرة العبقرية التي تتلخص في كون العبقري يرى ما وراء ما تظهره الطبيعة، ويلتقط شيء يتحول بتقليده إلى فن.

خلق هذا المثال جسراً بين الجمالية الكلاسيكية القائمة على المحاكاة والفكر بأن الجمال جاء من الله، وأن الجمالية الحديثة هي الفن. وفي القرن العشرين ننتقل إلى انعكاس آخر، فالتقدم التكنولوجي يعدل طريقة رؤية الفن ودراسة الجماليات. يمكن أن يكون الغريب والوحشي جميلاً، والمهم هو استجابة المتلقي للعمل، وليس استجابة الفنان. لذلك فإن الفن يبحث عن عاطفة.

إثارة المشاعر

كل هذا يقودنا إلى الاعتقاد بأننا قطعنا شوطاً طويلاً، وأنه في الأزمنة المعاصرة كان هناك انتقال من نموذج مثالي للجمال إلى نموذج حديث أكثر تصورياً. حيث يتم إثارة المشاعر في المشاهد بواسطة أدوات أخرى، مثل الألوان والأشكال وما إلى ذلك. وأقرب مثال على ذلك هو الفن التجريدي، فالتقليد كما كان في السابق لم يعد سائداً، بل يرتكز هذا الفن على المفهوم والفكرة. حيث يستكشف مبتكر العمل حاجته الداخلية لالتقاط شعور ما، وإثارة شعور مشابه أو مختلف تماماً لدى المتلقي.

هذه خطوة رائعة في نهج الفن. ومع ذلك لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه، لأن الغالبية العظمى من الجمهور لا يفهم هذا المفهوم الجديد للفن. إنهم يحملون بعمق فكرة محاكاة الطبيعة على قدم المساواة مع الجمال، ومن الممكن أن يكونوا قد طوروا الكثير من الأحاسيس قبل الإبداعات الفنية الطليعية دون أن يعرفوا ذلك. فالعمق هو ما تبحث عنه العروض الجديدة، وتلك الاستجابة موضوعية دون شك، وحرة مثل تلك الناتجة عن الصوت والرائحة والذاكرة.

اقرأ أيضًا: تأثير الحركة الرومانسية في أوروبا على الفن والأدب والفلسفة

ما هو دور الفن؟

المدارس الفلسفية
أهمية الفن

إن ملايين من البشر لا حصر لهم يقرأون الكتب، ويسمعون الموسيقى، ويشاهدون المسرح واللوحات، ويرتادون السينما.. لماذا؟ حاول العديد من الفلاسفة والمفكرين الوصول إلى إجابة شافية على هذا السؤال المعقد. فإذا قلنا إنهم يفعلون ذلك لشعورهم بالراحة والمتعة، فإننا لم نُجب عن السؤال، ويبقى التساؤل، لماذا نشعر بالراحة والمتعة عندما نغرق أنفسنا في حياة غيرنا ومشاكلهم؟ ثم ما هذه المتعة التي تعترينا؟ يمكن أن تكون لدينا الرغبة في الهروب من وجود لا يرضينا إلى وجود أغنى، لكن لماذا لا يكفينا وجودنا؟

الرغبة في الكمال

إن ما يفسر سبب فعلنا لهذا الأمر هو رغبتنا في الكمال، فالإنسان في سعي حثيث للخروج من عزلته ليختلط مع البشر ويعيش تجارب الآخرين، إنه لا يقبل أن يحيا عمره في حدود حياته الضيقة، بل يرغب في أن يحتوي العالم بأسره، ويريد أن يصل إلى أبعد من مجرات السماء، وإلى أعمق أعماق الذرة. فرغبة الإنسان في الكمال دليل على أنه ليس مجرد فرد، وهو لا يستطع الوصول إلى هذا الكمال إلا إذا حصل على تجارب الآخرين، إنه يريد الاندماج. والفن هو الأداة اللازمة لإتمام هذا الاندماج بين الفرد والمجموع، فهو يساعده على الالتقاء بالآخرين وعلى تبادل الرأي معهم والتجربة معهم.

نقل الأحاسيس

إن الفن بمثابة وسيلة لربط الناس بعضهم ببعض، فكما أن الكلمة تنقل الأفكار إلى الآخرين ينقل الفن الأحاسيس إلى الآخرين فيتبادل الجميع أحاسيسهم. إن الإنسان الذي يعاني من أحاسيس معينة يستطيع أن ينقلها إلى إنسان أخر، ليعاني مثله، ويفرح مثله، فعندما يضحك أحد يشعر الآخر بالفرح، أو يبكي فيشعر الأخر بالحزن، فالإنسان يدخل في نفس الحالة النفسية التي ينقلها له الشخص الآخر.

الأحاسيس مهما تنوعت إذا انتقلت بالعدوى إلى القارئ أو المستمع أو المشاهد فهي تصبح مادة للفن ليس في الأعمال الفنية فحسب، فإذا استطاع الفنان أن ينقل تلك المشاعر التي عانى منها إلى غيره فهذا هو الفن ذاته، لذلك فإن الفن وسيلة اختلاط بين الناس وهي ضرورية جداً من أجل الحياة ولصالح تطور الإنسان. معنى هذا أن حياة الإنسانية كلها مليئة بمختلف أنواع الفنون من أغاني ونوادر ومحاكاة وتزيين المساكن والثياب حتى زخرفة الكنائس والمساجد والمعابد كل ذلك من نشاط الفن.

الهروب من الوعي

لكن ماذا لو لم يكن الفن، كل الفن، أكثر من تهرب من الوعي؟ لحظة تخرجنا من ذواتنا وتجعلنا ننسى حاضرنا مثل الحب أو النوم أو الموت؟ إننا نقف صامتين في دهشة ونحن ننظر إلى لوحة فنية، ونشتري رواية لقراءة شيء لم يحدث أبداً وربما لن يحدث. ندفع تذكرة لسماع بعض الأصوات، ولكنها ليست أي أصوات أو نغمات بل نغمات معدلة خصيصاً لغرس البهجة والمتعة بداخلنا. لكن لماذا يسعدنا الفن؟ وما الذي يربطنا به؟ وماذا يجلب لنا؟ عندما ننتهي من كتاب أو زيارة متحف أو حفلة موسيقية تستمر الحياة بائسة للبائسين وسعيدة للسعداء. فما الذي أدرجناه في كياننا في تلك التجربة؟ هل هو شيء يترك أثراً علينا؟ أم هو شيء يقع في مكان ما بداخلنا؟ أم إنها مجرد لحظة تتلاشى حسب حساسية كل واحد فينا؟ لم تتوصل فلسفة الفن والجمال إلى الإجابة على هذه الأسئلة.

إعادة تشكيل الحياة

ربما يكون ما يقدمه الفن لنا هو أنه يضعنا خارج الزمكان الحقيقي. ويُلقي بنا في زمكان مصمم على مقاس كل واحد منا. يعيد الفن الحقيقي تشكيل حياتنا ويغير من تقديرنا لأنفسنا. لأنه في العمل الفني الحقيقي نحن المحتوى. إن الشكل هو ما يستخدمه الفنان كمرآة، لكنها مرآة مثل تلك التي لدى زوجة أبي سنو وايت تمنحنا دائماً صورة محسنة عن أنفسنا. ما نراه هو كيف يجب أن نكون وهو يحررنا من “هكذا نحن” حتى النوع المظلم والمأساوي من الفن يعمل على جذب المثالية، ويمكن للرعب أن يكشف عن الشجاعة والبطولة والقيم التي تستحق العيش من أجلها. وهذه هي فلسفة الفن والجمال.

اترك تعليقاً