فن

مراجعة مسلسل Midnight Mass: عندما يمتزج الرعب بالدين

مسلسل Midnight Mass أحد أفضل المسلسلات التي أُنتجت في عام 2021؛ وهو مسلسل يمزج بين الرعب والدين والدراما في إطار غامض. في هذا المقال نتناول مراجعة مسلسل Midnight Mass بشيء من التفصيل.

قصة مسلسل Midnight Mass

تدور أحداث المسلسل في جزيرة كروكيت الخيالية قبالة ساحل نيو إنجلاند. يعيش على هذه الجزيرة ما يقارب من مائة شخص أو يزيد، والغالبية العظمى من سكانها يمتهنون مهنة الصيد، ويبدو أنهم يعيشون في عزلة عن العالم الخارجي، فليس هنالك سوى عبارتين تنقل سكانها من الجزيرة إلى البر الرئيسي للمدينة في مواعيد محددة.

هناك العديد من الشخصيات التي تعيش على هذه الجزيرة، ومنها رايلي فلين – زاك جيلفورد – ذلك الشاب الذي قضى أربع سنوات في السجن لقتله امرأة عن طريق الخطأ أثناء قيادته للسيارة وهو مخمور. وهذه المرأة التي قتلها تلاحقه في أحلامه باستمرار. يعود رايلي على متن إحدى العبارات بعد إطلاق سراحه إلى الجزيرة، ليستقبله والداه إد – هنري توماس – وآني – كيت سيجل – ويبدو أنه شاب محطم.

الكاهن العجوز

 وصل كذلك على متن العبارة القس الشاب بول هيل – هاميش لينكلاتر – ليقوم بمهام الكاهن العجوز برويت في كنيسة القديس باتريك الموجودة على الجزيرة. وعند وصوله يخبر جميع سكان الجزيرة أن الأب برويت البالغ من العمر ثمانين عاماً قد ذهب في رحلة حج لمدة أسبوعين إلى الأرض المقدسة، لكنه أصيب بمرض خطير، ولا يعلم موعد عودته.

سكان الجزيرة

هناك أيضاً إيرين جيرين – كيت سيجل – المرأة الحامل التي كانت تحب رايلي، لكنها هربت من الجزيرة لتعمل كممثلة. إلا أنها فشلت وحملت ثم عادت للجزيرة مرة أخرى لتعمل مدرسة. كذلك نتعرف على شخصية أخرى هي بيف – سامانثا سلويان – وهي تعمل خادمة في الكنيسة، وتمتاز هذه المرأة بشدة الورع وتعتبر نفسها المشرفة الأخلاقية ليس فقط على زوار الكنيسة بل على الجزيرة بأكملها. كذلك توجد الشابة الصغيرة إليزا التي أصيبت في حادثة إطلاق نار على يد أحد السكارى في الجزيرة لتعيش طوال حياتها على كرسي متحرك.  هناك أيضاً المسؤول عن الأمن في الجزيرة الشريف حسن – راهول كوهلي – وهو ضابط مسلم لديه ابن شاب وقد ماتت زوجته جراء السرطان. أما الشخصية الأخيرة فهي شخصية الطبيبة سارة – أنابيث غيش – التي تعيش مع والدتها المصابة بالزهايمر.

كانت حياة سكان الجزيرة هادئة لا تشوبها شائبة حتى ظهر ذات يوم من الأيام على الشاطئ الكثير من القطط المذبوحة، وعدد كبير جداً من طيور النورس. ولم يحدث هذا الأمر إلا بعد وصول القس بول، الذي قرر أن يعيد إحياء إيمان سكان الجزيرة، ومن هنا يبدأ في صنع الكثير من المعجزات. وكانت المعجزة الأولى له هي جعل إليزا تمشي مجدداً، ثم شفاء والدة الطبيبة سارة من الزهايمر. وغيرها من المعجزات.

على الجانب الأخر من القصة نكتشف أن القس بول الشاب هو ذاته الكاهن العجوز برويت الذي ذهب في رحلة حج ليختبئ في أحد الكهوف ليظهر له مصاص دماء – اعتقده بول أنه ملاك الرب – ليمتص دمائه فيعود إليه شبابه مرة أخرى، وقد قرر أن يحمل معه هذا المخلوق إلى الجزيرة. ومن هنا تبدأ خطة القس في تحويل جميع سكان الجزيرة لمصاصي دماء من أجل أن يحصلوا على الحياة الأبدية. لكن الفوضى تسود في الجزيرة كلها.

مراجعة مسلسل Midnight Mass

قداس منتصف الليل يتبع سكان جزيرة كروكيت، حيث تبدأ أشياء غريبة في الحدوث بعد وصول كاهن جديد يتمتع بشخصية كاريزمية. هذا المسلسل هو في جوهره دراما مدفوعة بالشخصية، ويتعمق في مواضيع الحزن والشعور بالذنب والإيمان والصدمات الماضية. أما الطريقة التي يتعامل بها المسلسل مع هذه الأمور على مدار الحلقات السبع تعد من أكثر القصص دقة وجمالاً. فهي تعتمد في المقام الأول على الرعب الكلاسيكي ممزوجاً بعمق موضوعي مذهل، هذا بالإضافة إلى التشويق الذي يمكن لمثل هذه القصة أن تولده. ليس هذا فحسب بل إن القصة هنا ذات صدى عاطفي ودقيقة وغير متوقعة ومخيفة.

الشخصيات في مسلسل Midnight Mass

جميع الشخصيات في هذا مسلسل Midnight Mass معيبة للغاية ومتعددة الطبقات، كما إنها مثيرة للاهتمام بشكل رائع. فكل منهم لديه بعض الصدمات السابقة (أو الحالية)، وقد قدم فريق التمثيل أداءً مذهلاً للغاية، وبالتحديد هاميش لينكلاتر الذي قدم أداء عالي المستوى. بالطبع هناك بعض لسعات الرعب التقليدية، ولكن هناك أيضاً الكثير من المشاهد الأكثر هدوءً وعاطفية، جنباً إلى جنب مع بعض الأجزاء المؤرقة والمقلقة في كثير من الأحيان. هذا المسلسل استطاع الوصول إلى كل نوع من المشاعر الممكنة.

هذا المسلسل عبارة عن لائحة اتهام ذكية لفكرة التعصب الديني، وقيام الناس بالكثير من الأذى للآخرين تحت شعار خدمة الدين وباسم الإله.  إن الطريقة التي يتعامل بها MIDNIGHT MASS مع هذه الموضوعات من خلال الرعب رائعة. وأنت ترى وتفهم سبب ملاءمة موضوعه الخيالي لتلك الموضوعات بمجرد أن يبدأ في الكشف عن نفسه من خلال السرد. لقد استطاع المخرج مايك فلاناغان أن يمزج الرعب موضوعات عميقة مثل الإنسانية والموت والحياة والإيمان والفداء، وربما قد يكون هذا المسلسل هو أكثر أعمال فلاناغان عمقاً حتى الآن، على الرغم من المشاهد الحوارية الطويلة والثقيلة التي تتحدث عما يحدث بعد الموت أو معنى الحياة أو تفسيرات الدين. وهذه الموضوعات سوف نتناولها بشيء من التفصيل.

ماذا يحدث عندما نموت؟

إنه سؤال طُرح عدة مرات في مسلسل Midnight Mass. لقد قال مايك فلاناغان إن هذا هو أكثر مشاريعه الشخصية حتى الآن، وكان يعمل من أجله طوال حياته المهنية، ويبدو بالفعل أن المخرج قد صب قلبه وروحه في هذا العمل، وهو أمر جيد وسيء في الوقت ذاته. فعند مشاهدة المسلسل تشعر أن فلاناغان لديه الكثير مما يريد قوله، وهو يضع كل هذه الكلمات على لسان شخصياته، وكثير منهم ينطلق في مناجاة وجودية طويلة للغاية. مما يجعل بعض هذه الحوارات مرهقة ومشتتة، فلا أحد يتحدث بهذه الطريقة في الحياة الواقعية. ورغم ذلك فهي تعمل بشكل رائع نظراً لأنها تمتاز بالصراحة، وتمتلئ بالطاقة والحياة، هذا على الرغم من أن الموت هو العامل المشترك بين جميع هذه الحوارات، ولكنه لا يسأل فقط ماذا يحدث عندما نموت؟ بل يسأل أيضاً: ماذا لو كنت تستطيع العيش إلى الأبد؟

الدين والرعب

غالباً ما يسير الدين والرعب جنباً إلى جنب، لا سيما المسيحية. سواء كانت هذه المخاوف المرعبة من المسيح الدجال أو الأرواح الشريرة أو قصص الأشباح والشياطين ونهاية العالم. وربما أفضل مثال على ذلك هو سفر الرؤيا الذي يعد أحد أقدم قصص الرعب المسجلة في التاريخ. فهو يشتمل على حكايات الوحوش متعددة الرؤوس والحرائق التي تلتهم كل شيء، ولن ينجو من هذا الرعب سوى الصالحون. ولكن من يقرر من هو الصالح حقاً؟ ومن المحكوم عليه بالاحتراق الأبدي؟

ربما استخدمت العديد من الأعمال الفنية فكرة الرعب القائم على الدين بصورة أو بأخرى، لكن مسلسل Midnight Mass لديه ما يقوله، ويقدمه في هذا الأمر. فلا تتعلق الفكرة بالدين بقدر ما تتعلق بالشخصيات. فالشخصيات الدينية هنا ليست أكثر من وحوش أحادية البعد، حيث يتسلل الشر إلى الزي المقدس ببساطة. وسواء كانت هذه الشخصيات جيدة أو شريرة فهي ملتزمة بالإيمان، ويعتقدون أن هذا الإيمان هو المبرر لكل أفعالهم، وهذا الأمر هو الأشد رعباً على الإطلاق.

هناك كاهن شرير في مسلسل Midnight Mass هذه الشخصية التي لعبها ببراعة هاميش لينكلاتر؛ كان من الممكن وبكل بساطة أن يجعلها فلاناغان شخصية محتالة تتلاعب بجماعة صغيرة من المؤمنين من أجل مصالحه الشخصية، لكن هذا لم يحدث، فعلى الرغم من أن الكاهن يمكن أن يكون خاطئاً أو قاتلاً إلا إنه يؤمن بما يفعله ويعد نفسه المنقذ.

كأس الحياة الأبدية

علمنا في النهاية أن الأب برويت المسن، أثناء زيارته لدمشق، دخل كهف قديم ليختبئ من عاصفة رملية. داخل هذا الكهف واجه مخلوقاً مجنحاً – افترض على الفور أنه ملاك – ينقض المخلوق على برويت ويجبر الكاهن على شرب دمه. النتيجة: برويت يعود شاباً، ويضع خطة لحمل “الملاك” إلى جزيرة كروكيت حتى يتمكن من مشاركة هذا الدم مع سكان الجزيرة.

يمكننا أن نرى على الفور حماقة مثل هذه الفكرة، لكن الأب برويت يؤمن حقاً بما يفعله. فهو يريد إنقاذ أهل الجزيرة. يريدهم أن يغتسلوا بهذا الدم الشافي لتكون أرواحهم طاهرة ومقدسة وأقرب إلى الرب. ونظراً لأن المؤمنين في جزيرة كروكيت يشاركون في قداس الكنيسة، فإنهم يشربون عن غير قصد دماء مصاصي الدماء القوية، وهذا يغيرهم. حيث نجدهم يصغرون في السن ويزدادون قوة. وفي بعض الحالات يتعرضون لمأساة مثل إجهاض حمل إيرين بشكل غير متوقع.

في غضون ذلك، يُترك أولئك الذين لا يحضرون إلى الكنيسة خارج الحلقة. هؤلاء الغرباء مثل مسؤول إنفاذ القانون الوحيد في الجزيرة الشريف حسن، وهو رجل مسلم تنظر إليه بيف العنصرية الكارهة بعين الريبة كلما قطعت طريقه. بينما ينزعج حسن عندما يعرب ابنه علي – الذي نشأ على العقيدة الإسلامية – فجأة عن رغبته في حضور قداس كنيسة القديس باتريك.

في البداية، تكون التغييرات على الجزيرة دقيقة ويسهل تجاهلها. لكن هذا يصبح مستحيلاً عندما يشهد أولئك الذين يحضرون الكنيسة معجزة القس بول الأولى وهي شفاء الفتاة الصغيرة التي تستخدم كرسياً متحركاً. إنه الدم الملعون الذي شفي ليزا، لكن لا أحد يعرف ذلك؛ إنهم يعتقدون ببساطة أن الله قد استخدم الأب بول لعمل معجزة.

يطرح مسلسل Midnight Mass الكثير من الأسئلة، وأحد هذه الأسئلة هو: من سيقول إن كل ما يحدث هنا ليس إرادة الله؟

الشك مقابل الإيمان

لدى رايلي شكوكه، وهذه الشكوك تؤدي إلى أقوى مشهد في المسلسل. ففي أعقاب فقدان إيرين طفلها، تسأل رايلي عما يعتقد أنه يحدث عندما يموت. ومن هنا يبدأ المونولوج، حيث يتحدث رايلي عن كيفية توقف جسده، وفي النهاية لن يكون شيئاً مذكوراً، وبينما لا يوجد حديث عن الله في هذا الحوار، إلا أن هناك شيء يريحه في كلماته. فالموت – بحسب رايلي – سيكون الحلم الذي يُنهي كل الأحلام.

أما إيرين – المؤمنة – فلديها نظرية بديلة – هي نظرية الاتحاد مع أولئك الذين فقدناهم. وتتحدث عن طفلها الذي لم يولد بعد. حيث تقول إيرين: “إنها سعيدة، لا شيء سوى الفرح إلى الأبد، أنت محبوب ولست وحدك”. وهذا ما نعنيه عندما نقول الجنة. فليست هي القصور، أو الأنهار، أو أجنحة الملاك. لا أنت محبوب ولست وحدك. وهذا هو الله.”

المشهد مجرد شخصين يتحدثان في مونولوج طويل إلا أن كلماتهما جاءت بشكل مقنع جداً، جميل جداً. فهذا الحديث بين الاثنان اللذان يعبران عنه حسب اعتقادهما هو وجهان لعملة واحدة هي “الموت لمن يؤمنون ومن لا يؤمنون”.

نهاية مسلسل Midnight Mass

الشمس تشرق. وأولئك الذين تحولوا إلى مصاصي دماء يحترقون في نار مجيدة مطهرة. لقد ماتت الجزيرة أخيراً مع سكانها. أما الناجون الوحيدون هما إليزا، التي أصبحت فجأة غير قادر على المشي مرة أخرى، وشقيق رايلي الأصغر، الذي يشاهد الجزيرة تحترق من مسافة آمنة. إنها نهاية مؤلمة بشكل عام. نهاية مفعمة بالأمل إلى حد ما ويائسة في الوقت ذاته. يمكن أن يكون الإيمان أمراً جيداً، ولكنه قد يكون أيضاً سيئاً.

مسلسلات تشبه مسلسل Midnight Mass


في الختام فإن الرعب خارق للطبيعة، لكنه ولد من الطبيعة البشرية. ومسلسل Midnight Mass يستكشف الإيمان ويختبر جوهر الدين. إنه يثير مخاوفنا من الموت والنسيان، ويترك الرهبة الوجودية تشق طريقها عبر القصة إلى رأسك. ويطرح أحلك الأفكار التي تبدد النجوم وتعتم على الضوء. إنه ليس نوعاً مخيفاً فحسب بل نوعاً يدخل عقلك مثل الحلم، ويأبى الخروج.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!