يبحث جميع البشر عن معنى الحياة. بل لديهم هوساً بهذا الأمر. حيث يعتقد الكثيرون أن الموت يدمر المعنى، وهو العقبة الأساسية أمام حياة ذات معنى. لكن هل إذا اكتشفنا معنى الموت فهل سيلقي الضوء على معنى الحياة؟
الجميع يموت
كثيراً ما يتطرق إلى سمعنا عبارات من أمثال: الجميع سيموت لامحالة، لذا فإن الحياة لا معنى لها. هذا على المستوى الفردي. أما على المستوى الجمعي الأكبر فقد نسمع من أحدهم يقول ” إن دمار الكون أمر لا مفر منه، وهذا يعني فنائنا نحن الجنس البشري بالتأكيد. إذاً فإن وجود الجنس البشري بأكمله بلا معنى”. ربما تكون هذه الاستدلالات البسيطة صحيحة نوعاً ما. فهي تخرج أعمق مخاوفنا من وجودنا على هذا الكوكب. لكن الأمر ليس كذلك.
إن الأشياء التي تحمل معنى لأحد ما، لن تستمر بذات المعنى إذا مات هذا الشخص، فمن الطبيعي أنه إن كان في عداد الأموات فلن يهمه شيء البتة. فالأشياء التي كانت لها معنى في حياته أصبحت بلا معنى. لأن هذا الشخص هو من جعل لها معنى خلال حياته.
لكن تلك الاستدلالات المتعجلة ربما تكون مضللة، أو ربما غير صحيحة على الإطلاق. حيث يمكن لبعض المعاني أن تنجو من موتنا الفردي. على سبيل المثال أطفالنا ومساهمتنا في المجتمع وإنجازاتنا العلمية والأدبية التي ستظل في الوجود حتى بعد موتنا. وفي بعض الحالات الخاصة التضحية بالنفس من أجل قضية نبيلة، هنا يمكن القول أن المعنى لم يزل موجوداً حتى بعد فنائنا، وربما يكون الموت ضرورياً لتحقيق المعنى في الحياة.
لكن ماذا عن اللامعنى للبشرية على نطاق كوني واسع؟ هذا الأمر بحاجة إلى وقفة منا. حيث يخبرنا العلم أن على مدى بضع مليارات من السنوات في أحسن الأحوال ستنتهي الحياة على هذا الكوكب. لكن ليس هنالك يقين بشأن هذا الأمر. إننا حتى الآن لم نعرف ما الذي يشكل 95% من الكون. إذن لن يمكننا الجزم بانهياره.
قضايا الحياة والموت
إذا أردنا أن نكون على صواب بشأن معنى الحياة في مواجهة الموت، فعلينا أولاً أن نفهم بعض الأمور الأساسية حول الموت. ولكي نفهم الموت جيداً علينا أن نبحث في الحياة. هنا نجد أن الحياة لها العديد من التعريفات التي تعتمد على المنظور والمنهج. فإذا سألنا شخصاً ما عن ماهية الحياة سيجيب بأن معايير الحياة الرئيسية هي الطاقة والتكاثر والقدرة على التمثيل الغذائي. لكن مع ذلك لا يوجد تعريف واحد شامل صحيح للحياة. فتعريف الحياة في الفلسفة يختلف عن تعريفها في علم النفس يختلف عن تعريفها في علم الفلك أو الطب، ولكل تعريف أوصافاً شتى مختلفة.
اقرأ أيضًا: الفلسفة الكلبية: حل المعاناة عن طريق تدمير الكون |
تعريفات مختلفة
يتشابه هذا الأمر كثيراً مع الموت، فحتى وقت قريب كان يتم اعتبار بعض الأشخاص الذين توقفوا عن التنفس أمواتاً. هذا الأمر جعل من الناس حينها يدفنون موتاهم وهم أحياء كي يعرفوا إذا كان ميتاً بحق أم لا. وكان هذا الأمر يعرف بالتافوفوبيا، والتافوفوبيا لمن لا يعرفها، هي دفن الإنسان حياً للتأكد من موته. أما الآن فهناك الكثير من الطرق أكثر موثوقية ورحمة مثل قياس النبض وضربات القلب ومراقبة عمل الدماغ.
في حين أن علم الأحياء والعلوم الطبية الأخرى لها تعريفات مختلفة للحياة والموت. فإذا تعمقنا أكثر في تفسير الحياة والموت من وجهة نظر الفيزياء. لكن لحظة! لماذا الفيزياء؟ نظراً لأن الأحياء تقوم في الأساس على الكيمياء، وتستند الكيمياء بدورها على الفيزياء. إذن فإن الفيزياء هي الأساس لكل هذه العلوم. فمن وجه نظر الفيزياء نجد أن قانون حفظ الطاقة وقانون بقاء المادة لا يسمحا بالفناء بالمعنى الحرفي للكلمة. وإنما يسمحا فقط بتحويل المادة والطاقة من صورة إلى أخرى. لذا فلا يمكننا تدمير المادة ولا الطاقة، ولا يمكنهما أن يختفيا بل يمكنهما أن يتغيرا فحسب.
إذن ليس هنالك معنى للموت على مستوى الفيزياء، ولا حتى مظهر واحد من مظاهر الموت. فكيف نفسر مفهوم الموت؟
اقرأ أيضًا: باروخ سبينوزا: رؤية كل شيء من منظور الأبدية |
تفسير الموت
طبقاً لعلوم الأحياء والفيزياء ونظرية الأنظمة. فإن الموت يسمى بالظاهرة الناشئة داخل أنظمة الحياة أو المحيط الحيوي. إذن يمكن تفسير الموت على أنه نهاية العلامات الحيوية للكائن الحي، لذا لن يكون هناك موت بدون حياة بيولوجية. وبالتالي فإن الموت شيء يحتاج إلى الحياة أولاً. نستنتج من هذا الأمر أن العلاقة أحادية الاتجاه. نظراً لأن الموت لا يمكن أن يحدث بدون حياة. على الرغم من أن الحياة يمكنها أن توجد دون موت. كيف يحدث ذلك؟
الموت فيزيائياً
إن الموت على حسب الفيزياء ليس أمراً ضرورياً بل ظاهرة ناشئة. حيث يمكن لجميع الكائنات الحية تجديد أجسامها باستخدام الطاقة في بيئتها. كما أنه ليس هناك سبب مادي أساسي يمنع الكائنات الحية من القيام بذلك إلى أجل غير مسمى. لو أننا أمعنا النظر في كثير من الكائنات الحية حولنا سنجد أموراً مذهلة فلا تمت العديد من الكائنات وحيدة الخلية المتكاثرة مثل خلايا هيلا الخالدة بسبب الشيخوخة. لكن الوفاة تحدث فقط بسبب التأثيرات البيئية أو الحوادث.
الكائنات أحادية الخلية التي تعيش اليوم هي نفسها التي بدأت بالانقسام منذ مليارات السنوات، وتنقسم باستمرار ومازالت تعيش حتى الآن. أو بعبارة أكثر دقة فهي خالدة، والخلود في الكائنات الحية ممكن جداً، فعلى سبيل المثال نجد أن بعض الكائنات متعددة الخلايا مثل الهيدرا لا تصاب بأعراض الشيخوخة التي تصاب بها الكائنات الحية الأخرى. كما إنها لا تتقدم في العمر.
هناك أيضاً بعض الكائنات الحية الأخرى الأكثر تعقيداً مثل الأشجار. نجد إنها تعيش لألاف السنوات، ومع ذلك فإن احتمالية موت الأنواع واردة جداً. لكن الموت يأتي نتيجة للكوارث الطبيعية أو المرض أو الحيوانات المفترسة. إلا إنه لا يأت بسبب الشيخوخة.
أما بالنسبة للموت نتيجة الشيخوخة فيختلف توقيت الموت باختلاف الأنواع الحية. فإن التوقيت الطبيعي للموت الناتج عن الشيخوخة يتراوح من أيام الى آلاف السنوات. على سبيل المثال يختلف التوقيت في الذباب عن الفئران عن الفيلة والأشجار. لكن الموت من الشيخوخة لا يعد نتيجة الحياة بشكل عام. بل أمر تسببه بعض العوامل والأسباب الخاصة بالنوع. حيث أن الموت الطبيعي هو وظيفة تعتمد على الهيكل البيولوجي والسلوك والبيئة. يمكننا أن نرى شيئاً غريباً مع الموت الحتمي المشترك خلال الشيخوخة. وهو أن الموت أنتجته طقوس التزاوج التي تسمح بإمكانية التكاثر. هذا التكاثر وارتباطه بالموت يدل على كفاءة دورات حياة الكائنات الحية.
اقرأ أيضًا: الصوفية الحقيقة ليست تجارب خارقة للطبيعة |
الموت كميزة تطورية
إن للموت فوائد تطورية جمة. حيث يوفر للأنواع الموارد الطبيعية. هذا الأمر يساهم في توفير مساحة معيشية وموارد كافية للنسل من أجل الطفرات، وبالتالي يساعده على التكيف التطوري. أما إذا بقي جميع الأسلاف على قيد الحياة، فسيكون ذلك مقيداً بشكل كبير للنسل. نظرا لأنه سيؤدي إلى نفاد الموارد والمساحة على المدى القصير، مما يعيق التكيف على المدى الطويل. وهكذا، على النطاق الأوسع، فإن الموت يخدم الحياة بدلاً من تدميرها.
لذا فإن الموت لا يحدث بسبب ضرورة فيزيائية أو كيميائية أو حيوية، ولكن بسبب آثاره المفيدة. فالموت لا يعتمد ببساطة على الحياة. نظراَ لأن الأحياء فقط هم من يستطيعون الموت، وبدلا من ذلك، فالعمليات التطورية ولدت الموت من أجل أغراضها الخاصة مع نشأة الكائنات الحية المعقدة الأولى. أي منذ حوالي سبعمائة مليون سنة أو نحو ذلك. ومع ذلك، فإننا كأفراد نعتبر الموت كارثة بسبب مشاركتنا الشخصية وخوفنا وخسارتنا. إننا يمكننا رؤية الموت قادماً، لكن لا يمكننا رؤية آثاره المفيدة بعد زوالنا.
اقرأ أيضًا: السفسطائيون: كيف اكتسبوا هذه السمعة السيئة؟ |
إعادة النظر في الحياة والموت
إذن ما معنى الموت؟ المعنى هو مساهمته في النجاح والبقاء والتكيف وتطوير الحياة. حقيقة أن الحياة موجودة في كل مكان تقريباً على كوكبنا في مثل هذا التنوع الكبير اليوم أصبحت ممكنة فقط عن طريق الموت. على نفس المنوال، ساهم الموت أيضاً في ظهور البشرية.
علاوة على ذلك، فإن الخلود نفسه لن يعف الحياة من انعدام المعنى الظاهري. في الواقع، فإن عدم وجود الموت سيجعل الحياة لا تطاق على المدى الطويل، وكذلك غير مستدامة. من المرجح أن يؤدي الخلود إلى اكتظاظ الأرض بمجتمعات مليئة بعدم المساواة والتوترات الاجتماعية في نظام بيئي منهار. كما سيسعى القادة الأقوياء والأثرياء إلى الحفاظ على سلطتهم وثروتهم وزيادتها؛ هذا بالإضافة إلى أن عدداً أقل من العقول الجديدة التي تولد ستؤدي إلى ابتكار أقل؛ وتأثير الخلود على مواردنا الطبيعية وبيئتنا المنهكة بالفعل سيكون كارثياً.
هل معنى الموت يقود إلى معنى الحياة أيضاً؟ لقد رأينا أن الموت ليس عقبة أمام حياة ذات معنى. إلى جانب ذلك، لها معناها الخاص، من خلال المساهمة في الحياة. لذلك، الحياة لها معنى أيضاً، أليس كذلك؟
اقرأ أيضًا: قانون الكارما .. نحن ورثة أفعالنا |
لسوء الحظ، فإن الموت الذي له هدف لا يعطي معنى للحياة تلقائياً. وإذا تبين أن الحياة لا معنى لها، فإن الموت، حتى لو كان ذا قيمة تطورية، سيكون أيضاً بلا معنى. لقد أزلنا ببساطة بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الموت وتأثيره على معنى الحياة. لذلك، قمنا إلى حد ما بتقليل احتمالية الإجابات السلبية عما إذا كان للحياة معنى. لكن إعطاء إجابة إيجابية على السؤال القديم، إن أمكن، يتطلب مزيداً من البحث.
المراجع:
1. Author: Laszlo Makay, George Marosan Jr. and David Vatai, (5/13/2020), The Meaning of Death, www.philosophynow.org, Retrieved: 1/20/2021. |
2. Author: JEFF MASON, (1/31/2015), Death and Its Concept, www.philosophersmag.com, Retrieved: 1/20/2021. |
3. Author: the editors of health Europa, (1/7/2019), Philosophical definition of death or the scientific version?, www.healtheuropa.eu, Retrieved: 1/20/2021. |