الطاوية: كيف نعيش في وئام تام مع الكون؟

You are currently viewing الطاوية: كيف نعيش في وئام تام مع الكون؟
كل شيء عن الطاوية في الصين

الطاوية هي أكثر من مجرد ديانة، إنها نظام فلسفي يتبع تعاليم الفيلسوف الصيني لاو تسي التي تم جمعها في كتاب تاو تي تشينغ. تتصور الطاوية العالم تحكمه ثلاث قوى: اليين واليانغ والطاو، وتوضح مبادئها الفلسفية كيف يمكن للإنسان أن يعثر على الانسجام الداخلي، ويعيش في وئام تام مع الكون. في السطور التالية نتعرف على الديانة الطاوية وفلسفتها بمزيد من التفصيل.

تاريخ الطاوية

يعود تاريخ الطاوية إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وكان لهذا التقليد الديني والفلسفي تأثير كبير على الشرق الأقصى لأكثر من ألفي عام. وترجع أصول هذه الفلسفة إلى تلك الفترة التي تفككت فيها الهياكل الاجتماعية، ففي تلك الأوقات لجأ بعض الأرستقراطيين إلى الريف وحاولوا هناك أن يجدوا أنفسهم وسط الحياة الطبيعية الخالية من المادية، ويتواصلوا مع الطبيعة البكر، وقد انتهى بهم إلى وضع بعض المبادئ التي أصبحت ديناً فيما بعد.

 يستند مبدأ الأساسي على “الطاو” أو الطريق، وهي عبارة عن مجموعة من المعتقدات والمبادئ الفلسفية والأخلاقية والصوفية التي وضعها الفيلسوف الصيني لاو تسي في القرن السادس قبل الميلاد. تعلي الطاوية من قيمة الأخلاق والروحانية، وعلى مدار التاريخ اختلطت الطاوية بعناصر من الكونفوشيوسية والبوذية والتقاليد الشعبية.

كان أبرز فلاسفة الطاوية في التاريخ الصيني هم “المعلمون السماويون” في مدرسة تيانشي، وهي أول مدرسة طاوية ظهرت في الصين، انضم إليها فيما بعد ما يسمة بالحكماء السبعة في عهد أسرة جين. لكن أشهر هؤلاء الفلاسفة هو لاو تسي الذي وضع خلاصة تعاليمه في كتاب “تاو تي تشينغ”. ويحتوي على حكم وأمثال مختلفة توضح وجهة النظر الأخلاقية للطاوية، مع مفاهيم مثل الخير والشر، الحياة والموت، الحرب والسلام، انسجام البشر مع الطبيعة، وغيرها من المفاهيم.

يمكننا تلخيص أفكار الطاوية في القصة التالية:

“تقول القصة أن حصاناً هرب من مزارع، فأتى إليه أهل قريته وقالوا له: أي شر أصابك بهروب الحصان، فقال لهم: من يدري إن كان شراً أم خيراً. وفي اليوم التالي عاد الحصان برفقة عدد من الخيول البرية. هنا ذهب أهل القرية لتهنئة جارهم بالهدية التي سقطت عليه من السماء، فقال له: أي خير أصابك بهروب الحصان. فقال لهم: من يدري إن كان خيراً أم شراً. وفي ذات يوم امتطى ابنه الحصان، وسقط وكسرت ساقه. وجاءه الجيران يقولون له: أي شر أصابك ابنك بعودة الحصان. فرد عليهم نفس الرد. وفي اليوم التالي أتى بعض الجنود إلى المزارع ليطلبوا منه أن يسلمهم ابنه للتجنيد في حرب لا يعود منها أحد، فلما علموا أن ساقه مكسورة تركوه. جاء أهل القرية ليهنئوا الرجل، فرد عليهم بمثل رده. هذه القصة التمثيلية توضح بصورة كبيرة أن كل شيء في الحياة نسبي، وعلى الإنسان أن يترك الأحداث تسير بمجراها الطبيعي دون تدخل منه. وهذا الأمر هو العمود الفقري للديانة الطاوية”.

اقرأ أيضًا: كيف أسس النبي زرادشت الديانة الزرادشتية؟

لاو تسي مؤسس الطاوية

لاو تسي مؤسس الفلسفة الطاوية
الفيلسوف الصيني لاو تسي

تشير السجلات التاريخية إلى أن لاو تسي[1] هو المؤسس الفعلي للديانة الطاوية. لكن لا يُعرف سوى القليل جداً عن لاو تسي، لدرجة أن بعض المؤرخين المعاصرين يشكون في وجوده. والعديد من السجلات التاريخية التي تتناول حياة هذا الفيلسوف الصيني محاطة بضباب الأساطير. على سبيل المثال يقال أنه في يوم من الأيام قرر أن يترك العالم ويرحل على ظهر دابته إلى الجنوب، حيث من المفترض أن يجد هناك جنة الخالدين، لكن عند الحدود أوقفه الحارس، وطلب منه مخطوطة كانت معه. هذه المخطوطة تضمنت 81 حكمة هي خلاصة فلسفة لاو تسي في الحياة، والتي أصبحت فيما بعد كتاب “تاو تي تشينغ” الكتاب المقدس للديانة الطاوية.

كذلك يقال أن لاو تسي قد ولد قبل كونفوشيوس بحوالي 20 عاماً، أي حوالي 570 قبل الميلاد، وقد استقى كونفوشيوس منه الكثير من حكمته. بينما يعتبر معتنقو الديانة الطاوية أن لاو تسي هو المعلم الأول ويحمل قداسة عظيمة.


ما هو الطاو؟

تعني الطاو الطريق الذي يؤدي إلى الهدف، وهو مبدأ مطلق كان موجوداً قبل السماء والأرض. كيان لا يمكن رؤيته أو سماعه أو التعبير عنه. وهو بمثابة كون خلق نفسه بدون وجود الإله الخالق، يمكن اعتباره نوعاً من “الواقع المكتفي ذاتياً” أو “باب كل العجائب” أو “لغز كل الألغاز”. إنه الطريق الذي يجب على كل إنسان إتباعه، وخاصةً الحكام الجيدين. باختصار يمكننا القول بأن الطاو هي المصدر الكوني الأساسي الذي يأتي منه كل ما هو موجود.

اقرأ أيضًا: من هو بوذا؟ وما هي قصة ذلك النبي الغامض؟

الرموز الطاوية

تستند الديانة الطاوية على الروحانيات بشكل كبير. حيث يعتقد الطاوي أن الإنسان هو “عالم مصغر” للكون، والجسد مرتبط مباشرة بالعناصر الخمسة الصينية (الخشب، النار، الأرض، المعدن، الماء). وبهذه الطريقة، ترتبط الأعضاء الخمسة بالعناصر الخمسة، والاتجاهات الخمسة، والفصول الخمسة. كذلك تدافع الطاوية عن أن الإنسان سيفهم العالم من خلال فهم نفسه. بينما من أهم رموز الطاوية التي تعبر عن مبادئها ما يلي:

يين ويانغ

إن مفهوم اليين واليانغ شائع بصورة كبيرة ليس في الديانة الطاوية فحسب، بل في الفكر الصيني بأكمله. يستخدم اليين واليانغ لوصف القوى المتعارضة والمترابطة في الوقت ذاته داخل العالم الحقيقي. حيث يتسبب أحدهما في الآخر والعكس صحيح. فهناك العديد من الثنائيات الطبيعية: النور والظلام، الليل والنهار، الحب والكراهية، الولادة والموت، كل هذه الثنائيات تُفهم على أنها تعبيرات عن يين ويانغ.

إذن يين ويانغ يرمزان إلى العلاقة بين الأضداد التي تميز الحياة بأكملها. ومن هنا توضح الديانة الطاوية إلى أن هناك ثلاث قوى في الكون: اليين واليانغ وهما قوتان متعارضتان ويكملان بعضهما البعض، والقوى الثالثة هي الطاو. يمثل اليين المبدأ الأنثوي السلبي، الخفي، الرطب، البارد، الناعم، المظلم، الأرض، الامتصاص، الليل. بينما اليانغ هو المبدأ الذكوري، السماء، الضوء، النشاط، الاختراق، الواضح، والصعوبة، والسخونة، وما إلى ذلك. إنها ليست كيانات ثابتة أو مستقرة، ولكنها ديناميكية ومترابطة، فهي بحاجة إلى بعضها البعض، وهي حاضرة في جميع ظواهر الكون.

وو وي

مفهوم أساسي في الطاوية، ويعني “بلا عمل”. يُشبه هذا المبدأ الطاوي الفلسفة الرواقية اليونانية. حيث يدعونا لاو تسي من خلاله إلى قبول ما يحدث من حولنا وعدم محاولة السيطرة على العالم والتحكم في أحداثه. يقول لاو تسي في كتابه عن هذا المبدأ:

“ابق بغير عمل، ولن تجد شيئاً لم يُعمل، إن أردت أن تملك المملكة فكن على الدوام بلا عمل، لأن من يعمل يعجز عن امتلاك المملكة”.

يرتبط وو وي[2] ارتباطاً وثيقاً بالمياه كعنصر يوضح طبيعة الاستسلام. فالماء رقيق وضعيف، لكن يمكنه تكسير الصخور ونحت الحجر. وبهذه الطريقة، تدعو الفلسفة الطاوية إلى أن الكون يعمل في انسجام يتماشى مع طبيعته ووجوده. وعندما يحاول شخص ما فرض سيطرته على العالم، فهو يدمر هذا الانسجام.

بو

يعني رمز بو في الطاوية “قطعة الخشب غير المنحوتة” أي التي لم تمسها يد البشر، وهي استعارة ترمز إلى البساطة، وتمثل حالة سلبية من التقبل. يعتقد معتنقو الديانة الطاوية أن كل شيء يمكن ملاحظته هو جزء من الطبيعة البكر، وعلى الإنسان ألا يمسها، في إشارة إلى محاولة العثور على الذات من خلال الرجوع إلى الحالة البدائية، دون تعليم وتجارب وخبرات. مجرد حالة من الوعي الخالص.

اقرأ أيضًا: المعنى الحقيقي لأسطورة القرود الثلاثة الحكيمة

الكتاب المقدس في الطاوية

الكتاب المقدس للطاوية
كتاب تاو تي تشينغ

يعد كتاب تاو تي تشينغ هو الكتاب المقدس للديانة الطاوية، وهو عمل متعدد الجوانب من حيث الموضوع، لأنه يغطي العديد من مجالات التعايش البشري. كما أن لهجته متشككة في العادة، ولا يعلن لاو تسي أن أحكامه حقائق لا تقبل الجدل ولا يثق في مفهوم المعرفة. وبالتالي، فإن معظم فصول كتاب تاو تي تشينغ غامضة من حيث معناها وتترك مجالاً واسعاً لمختلف التفسيرات والـتأويلات. كذلك يعج الكتاب العديد من الرمزيات والأقوال الغامضة بدلاً من العبارات الواضحة، وهو ما يحفز القارىء على القراءة وإعادتها والتفكير فيما يقرأه.

هذا الانفتاح على التفسيرات المختلفة هو بالضبط ما يجعل العمل جذاباً وأثار حماسة الكثير من القراء من مختلف الأوساط الثقافية والديانات والعصور. بينما المجال الموضوعي الوحيد الذي يكون فيه لاو تسي واضحاً بل ومتحمساً في بعض الأحيان هو الحرب والعنف، فليس هناك أثر للشك في إدانة المؤلف استخدام الأسلحة ونبذ العنف والحرب.

اقرأ أيضًا: فلسفة جان جاك روسو: الحرية هي ما تجعلنا بشراً

الأفكار الأساسية للديانة الطاوية

مبادىء الطاوية
من أقوال لاو تسي

يعد تاو تي تشينغ أهم نص في الطاوية وواحد من أكثر الأعمال قراءة على نطاق واسع كونه مرجعاً أساسياً في فلسفة الشرق الأقصى[3]. تتمحور الفكرة الأساسية للطاوية في “الطاو” أو الطريق الذي يؤدي إلى التنوير وحياة هادئة وسلمية. وفي نفس الوقت، فإن الطاو هو أصل كل الكائنات ووحدة الأضداد. بينما تتميز الفلسفة الطاوية بالشفقة والاعتدال ونبذ الفعل البشري ونبذ العنف.

الطريق

الطريق هو مبدأ السماء والأرض، وهو الأبدية، ولا يمكننا الوصول إليه إلا من خلال التخلي على الرغبات والشهوات، وبهذه الطريقة نتعرف على عجائب الطاو، فهو بمثابة وعاء فارغ لا ينضب يمكن دائماً استخلاص المزيد منه. إنه مبدأ كل الوجود، وهو غير مرئي وغير مسموع ولا يمكن تصوره. ومع ذلك يسود كل شيء، من يتبعه يرى سر الأسرار، فهو الباب الذي يؤدي إلى سر كل الحياة.

هناك أربع قوى في الكون: الإنسان والأرض والسماء والطريق. أحدهما يتبع الآخر، فقط الطريق هو قوة في حد ذاتها تتبع طبيعتها. يقول لاو تسي عن الطريق في كتابه:

“إن الطريق عظيم، وعظيمة هي السماء. عظيمة هي الأرض، وعظيم هو الملك.

أولئك الأربعة الكبار في الكون، والإنسان أحدهم.

الإنسان يتخذ الأرض قانوناً له، والأرض تتخذ السماء قانوناً لها، والسماء تتخذ الطريق قانوناً لها، والطريق يتخذ قانونه من نفسه”.

اتباع الطريق

من يسلك الطريق لا يحتاج إلى الأخلاق. إنه فاضل دون الحاجة إلى العمل. تنتج الأخلاق من ضياع الطريق، وهي شكل ضامر من الفضيلة لا يؤدي إلا إلى الارتباك. ويدل وجودها على فقدان الثقة والولاء بين الناس. ومن يريد أن يسلك الطريق عليه أن يحرس ثلاثة كنوز: الرحمة، والاعتدال، والتخلي عن المجد. يقول لاو تسي:

“أنا أملك كنوزاً ثلاثة، أحافظ عليها وأحميها. الكنز الأول اسمه الرحمة، الكنز الثاني اسمه الاعتدال، والكنز الثالث هو ألا تتقدم أو تصدر المملكة.

رحيم، من أجل هذا وحده استطيع أن أكون شجاعاً.

معتدل، من أجل هذا وحده استطيع أن أكون كريماً، والذي يرفض أن يتصدر المملكة هو القادر حقاً على أن يكون سيد الوزراء. أما اليوم فالناس شجعان على حساب الرحمة، كرام على حساب الاعتدال، والذي يتقدم على حساب المتخلفين ينتهي إلى الموت.

من يكافح بالرحمة ينتصر، من يحمي نفسه بها، يعيش في أمان. من تريد السماء له النجاة، بالرحمة تحميه”.

الحكيم

لا يظهر الحكيم أبداً في المقدمة، لكنه ينسحب. ويقرر عدم التصرف والتزام الصمت بدلاً من إيذاء الآخرين بالقول والفعل. إن الحكيم هو من يتخلى عن نفسه، ونسيانها، فمن خلال نسيان نفسه يمكنه أن يجد نفسه. الحكيم هو من يمتلك القليل، ويمنح نفسه للآخرين، ولا يعط أهمية لنفسه. وهذا هو السبب الذي يجعله يحظ بالاحترام والتقدير. وليس على الحكيم أن يسافر بعيداً ليعرف شيئاً عن العالم ويفهم الطريق، فكلما خرج إلى العالم قل فهمه.

وحدة الأضداد

لأننا نعرف القبيح، يمكننا أن نقدر الجميل. يُولد الوجود من العدم، وكل الأضداد تعتمد على بعضها البعض. الطريق فقط هو ما يوحد كل هذه الأضداد. فكل الأشياء تشير إليه، ومع ذلك فهو لا يحتاج إلى ممتلكات أو قوة، ولا يريد أن ينال الشكر. لذا يجب علينا أن نوحد الأضداد في داخلنا، نحافظ على النور والظلام، الشرف والعار.

التواضع

إن الإفراط في كل شيء يؤدي إلى عواقب وخيمة، فأولئك الذين يمتلكون الكثير يتعرضون للسرقة. ومن يطممح إلى التقدير العالي يخيب أمله. لذا عليك أن ترضى بما لديك ولا تفخر بأفعالك فلن تنال المجد والتقدير من الخارج. إن أكبر جريمة هي الرغبة وأكبر شر هو الجشع. يقول لاو تسي:

“من وجد الكفاية فيما يكفيه، فسوف يجد على الدوام ما يكفيه”.

على الإنسان أن يتخلص من الرغبات والشهوات ليتحد مع الطريق، يقول لاو تسي:

“من كان إلى الأبد بغير شهوة، فسوف يرى سر الوجود.

من كان محكوماً إلى الأبد بالشهوات، فلن يرى إلا طرف ثوبه”.

الحرب والأسلحة

لا يحاول القائد الحكيم تخويف الآخرين بالسلاح، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى هجوم مضاد. تجلب الحرب الإزعاج لجميع المعنيين: إنها تدمر البلاد. هذا هو السبب في أن الشخص الصالح يلجأ إلى العنف فقط إذا كان لا يمكن تجنبه. عندما يمارس شخص قوي العنف ضد شخص ضعيف، فإنه ينقلب على الطريق. فدائما ما تجلب الأسلحة سوء الحظ. إذا تم إجبار المرء على استخدامها، فلا ينبغي للمرء أن يشعر بالسعادة أو يكون سعيداً بالنصر. فالحرب ليست سبباً للفرح أبداً، ولكنها مثل الجنازة. وبدلاً من التهليل والفرح، يجب الحزن على الضحايا. يقول لاو تسي:

“عندما يشرع اثنان السلاح في وجه بعضهما، فإن من يندب حظه منهما هو المنتصر”.

“حيث تكون الجيوش، تنمو الأشواك والأحراش،

وبعد المعركة العظيمة، تأتي السنون العجاف”.

تدعو الديانة الطاوية إلى نبذ القتال والعنف والانتقام والتخلي عن الأسلحة. بينم يجب على أي شخص يرغب في قيادة الآخرين أن يمتلك مثل هذه الفضيلة. حيث يجب ألا يشن أي حاكم هجوماً على أي بلد آخر، ولكن يدافع فقط بقلب مثقل. يمكن إظهار القوة حتى بدون أسلحة. يقول لاو تسي:

“الممالك لا تحكم إلا بالحق، والأسلحة لا تشرع إلا بالباطل”.

كلما زاد عدد الأسلحة الحادة بين الناس، ازداد الاضطراب في بيت الحاكم”.

الجريمة والعقاب

يرتكب الناس الجرائم فقط عندما تُقدم إليهم أشياء لا يمكنهم امتلاكها باعتبارها مرغوبة. وعندما لا يتوق الناس إلى الهيبة أو الثروة، وعندما يكون لديهم ما يكفي من الطعام والعيش، يتم الحفاظ على نظام البلد تلقائياً. تؤدي القوانين والمحظورات فقط إلى جعل الناس أكثر فقراً. فكلما عوقب الناس بقسوة، زاد قلقهم وخبثهم، وزاد تعرضهم لارتكاب المزيد من الجرائم. يقول لاو تسي:

“كلما زاد في المملكة الحظر والتحريم، ازداد الشعب فقراً. وكلما ازداد الناس مكراً ودهاءاً، ازداد الإخلال بالنظام. كلما زاد عدد القوانين والتعليمات، زاد عدد اللصوص وقطاع الطريق. لذلك يقول الحكيم: أنا لا أفعل شيئاً، والشعب يتحسن من تلقاء نفسه”.

يخشى الكثير من الناس الموت. وهذا هو السبب في أن الحكومات تعاقب المجرمين بالموت. ومع ذلك، فإن قتل شخص ما هو مهمة قوة طبيعية وليست مهمة دولة. ومن خلال فرض عقوبة الإعدام، تتولى الحكومات سلطة لا تملكها في الواقع.

الحاكم الحكيم

كما يجب على الحكام أن يتطلعوا إلى البساطة والاستقامة، وأن يكونوا مثل كتلة من الخشب الخام. عندما لا يتدخلون في حياة الناس ويصدرون الأوامر، فسوف يطيعونهم بمبادرة منهم. ولا ينبغي أن يكون لدي الحكام الرغبة الشديدة في الحكم والسيطرة، بل عليهم أن يسعوا إلى الصمت حتى يسود السلام والهدوء في العالم.

الحكام الذين لا يتبعون الطريق يجمعون الكنوز في قصورهم بينما يتضور الناس جوعاً. إنهم يزينون أنفسهم ويستمتعون بالحياة ولديهم أكثر مما يحتاجون إليه. لكن الفخامة تافهة ولا تجعل الحكام أفضل من اللصوص. الحاكم الحكيم متواضع ولا يضطهد الناس.

الرحمة

يعتني الحكيم بكل الناس، حتى الأشرار. ينصح لاو تسي أن يكون الإنسان خيّراً مع الأخيار والأشرار بنفس الدرجة كي يزداد الخير في العالم. يقول في كتابه:

“الحكيم ليس له قلب يختص به، بل يعد قلب الشعب قلبه. أنا خيّر مع الأخيار، ومع الأشرار أيضاً. أنا أصدق الصادقين وكذلك الكاذبين، وبذلك أتلقى الثقة”.

اللين والصلب

يشير لاو تسي في كتابه إلى أن الإنسان يولد ليناً وضعيفاً، وعندما يموت يكون متصلباً وقوياً. فعندما تبدأ النباتات في النمو تكون لينة وغنية بالعصارة، لكن عند الموت تكون جافة. لذا أن تكون صلباً يعني أن تكون قريباً من الموت، وأن تكون ليناً يعني أنك قريب من الحياة. يقول لاو تسي:

“ما من شيء على الأرض ألين ولا أضعف من الماء، ومع ذلك فلا يتفوق عليه شيء في التغلب على الصلب والقوي.

عدم الوجود يجعل ذلك سهلاً عليه.

الضعيف يهزم القوي، واللين يهزم الصلب.

لا أحد على الأرض يجهل هذا، لا أحد على الأرض يقوى على أن يتبعه.

من أجل هذا يقول الحكيم: من يتحمل قذارة العالم فهو سيد المملكة”.

المراجع

[1] Laozi.

[2]Wu Wei: The Taoist Principle of Action in Non-Action.

[3] Philosophy and Philosophers in the Far East.

اترك تعليقاً