كشف أسرار جلسات العلاج بالقرآن من الجن
العلاج بالقرآن من الجن والسحر والمس الشيطاني أمور دخيلة على الدين الإسلامي، وقد استغل الكثير من الدجالين المشعوذين إيمان الناس الراسخ في النصب عليهم. في هذا المقال نفتح القضية الخطيرة التي تمس أسس القيم في المجتمع الإسلامي بل وتهدم أصوله وثوابته. نخوض رحلة سوياً إلى إحدى جلسات العلاج بالقرآن من الجن ليحكم القارىء بنفسه على ما سوف يقرأه.
بداية قصة العلاج بالقرآن من الجن
بدأت قصة العلاج بالقرآن من الجن حينما كنت أسير ذات يوم في شوارع إحدى المناطق الشعبية فإذا بي يتطرق إلى سمعي صراخاً يتعالى من إحدى الشقق. في البداية ظننت أنها مشاجرة بين أفراد إحدى الأسر، أو لعلها مشاجرة بين الجيران، ولكني كنت معتاداً في هذه المشاجرات على سماع أصوات النساء إلا أن الصوت كان لرجل وليس لامرأة. كما أن اللافت للنظر أنني سمعت بعض آيات من القرآن الكريم تتلى بصوت عالى. كل هذا كان أمراً طبيعياً لكن ما ليس طبيعياً أنه عندما اقتربت أكثر من مصدر الصوت رنا إلى سمعي صراخ رجل وهو يقول: “كفاية.. كفاية.. حرام عليك هتحرقني[1]“.
هنا توقفت عن السير وأيقنت أن الأمر لم يكن أبداً مجرد مشاجرة بل هو شيء أخر تماماً. انتابني الفضول فنظرت حولي لأرى أي أحد في الشارع قد أثار فضوله هذا الصوت لكني لم أجد. وفي إحدى المتاجر الصغيرة القاطنة تحت هذا المنزل سألت صاحبه عما يحدث، فقال لي بطريقة تدل على إنه معتاداً على هذا الأمر: “الظاهر إن فيه حالة عند الشيخ حسني[2]“.
أصابتني الدهشة فقلت للرجل: “حالة.. يعني إيه حالة؟”
فرد صاحب المتجر قائلاً: يعني حد ملبوس بجن ربنا يحفظنا يابني..
فقلت له: هو الشيخ حسني ده دجال يعني ولا إيه؟
فقال: لا يابني ده معالج بالقرآن وما بياخدش فلوس من حد أبداً، لكنه بيعمل ده لله وعلى فكرة ده مدرس أصلاً.
فشكرته على إفادتي وأكملت طريقي، وأنا أفكر فيما حدث. لكن التفكير ظل مشوشاً لعدم اتضاح الرؤية بالكامل، فعزمت على أن أقطع الشك باليقين وأذهب مرة أخرى لاقابل الشيخ حسني نفسه لمعرفة ما يقوم به، وما قصة هذه الحالات الغريبة.
المعالج بالقرآن
توجهت إلى نفس المكان وسألت عن شقة الشيخ حسني، طرقت الباب وكانت دهشتي شديدة حينما فتح لي رجلاً في العقد الرابع من العمر حليق اللحية يرتدي قميصاً وبنطالاً يقول لي: تحت أمرك. قلت له: أنا أسال عن الشيخ حسني. فأجابني: أنا الشيخ حسني، أي خدمات؟
كنت أتخيل الشيخ حسني شيخاً كبير السن ذا لحية طغى عليها البيضا يرتدي ملابس غريبة وتمائم عليها رموز، لكنه كان شخصاً عادية جداً. عرفته بي وقلت له إنني أود أن أجري معه حوار لمعرفة ما يقوم به من العلاج بالقرآن من الجن والمس الشيطاني. رحب الرجل جداً بأي سؤال أو استفسار، لكن بشرطين أولهما: ألا أذكر اسمه، وثانيهما: أن تكون المقابلة غداً، نظراً لانشغاله في الوقت الحالي. لذا اتفقنا على موعد في الغد.
ماضي من الخرافات
في موعدنا التقينا مجدداً، رحب بي الشيخ حسني، وصنع لنا القهوة ثم جلس أمامي. بدأت بسؤاله عن وظيفته وعلاقته بتخريج الجن فقاطعني قائلاً: من حسن حظك أن هناك حالة سوف تأتي بعد حوالي ساعتين حتى ترى بعينيك ما تود معرفته، وإلى أن تأتي الحالة إسال ما شئت.. ثم بدأ بالإجابة عن سؤالي الأول قائلاً:
وظيفتي الأساسية هي مدرس أول لغة عربية وأنا حاصل على دبلوم المعلمين خمس سنوات، ثم قمت بتحضير ماجستير في اللغة العربية. أما عن ارتباطي بما أقوم به من رقية المصابين بالمس من الجن أو السحر فهي مجرد هواية بدأت عندما وجدت كتاباً قديماً وأنا في الحادية عشرة من عمري عثرت عليه في خزانة أبي المتوفي، وكانت والداتي تحذرنا أنا وأخوتي من الاقتراب منه. لكن الفضول دفعني لأن اقرأ فيه وأعرف ما به، وما سبب إخفائه عنا. كان الكتاب ملكاً لأبي ورثه عن أبيه الذي ورثه عن أحد أجداده. وكان الجد قد حصل عليه من رجل مغربي كان جاراً له فتوفي ولم يكن له أقرباء.
فتحت الكتاب وبدأت اقرأ فيه، لكنني فوجئت بأربعة كلاب سوداء تخرج من جدار الحجرة، وتقترب مني، فألقيت الكتاب بسرعة، وهرعت إلى الخارج وأنا أصرخ، ففزعت أمي، وصرخت في قائلة: ألم أحذرك من الاقتراب من هذا الكتاب؟! فاعترفت بخطئي لكني لم أنس ما حدث إلى أن بلغت السادسة عشرة وعاودت القراءة في هذا المجال. وحاولت أن أتعرف على خباياه وأسراره. وقرأت لعلماء كبار مثل ابن سينا وغيرهم إلى أن وصلت لمرحلة من معرفة كيفية التعامل مع الجن بعد إلمامي بكل خصائصهم وصفاتهم وأنواعهم ودياناتهم وغير ذلك.
اقرأ أيضًا: كشف النقاب عن حقيقة قصة هاروت وماروت |
العلاج بالقرآن من الجن أول مرة
يقول الشيخ حسني أول مرة أقدم فيها على تخريج جن من شخص كان قريباً لي، وكانت تحدث له أشياء غريبة ومفزعة مثل كثرة الكوابيس التي تمتلىء بالثعابين والعقارب والكلاب السوداء. كما كانت تحدث له حالات من الصرع وظل فترة يتردد على الأطباء، ولكن دون جدوى. فقمت ذات مرة بوضع يدي اليمنى على جبهته وقرأت آيات من القرآن الكريم إلى أن وصلت إلى قراءة آية الكرسي، فإذا به يزداد هياجاً وصراخاً، وكاد يطيح بكل من حوله إلا أني ظللت ممسكاً به. وبدت عليه علامات حضور الجن التي قرأتها في الكتب مثل طرف شديد في العينين أو شخوصهما، ورعشة شديدة في الأطراف، وحركات متتالية في الأصابع، وشعور المريض بأشياء تتحرك بعنف في بطنه.
وفي تلك اللحظة صاحت الجنية وطلبت مني الكف عن القراءة، وذلك على لسان المريض، ولكن بصيغة المؤنث. فبدأت أتعامل معها بثبات كما تعلمت. وكأني أخاطب إنساناً مخطئاً في حق نفسه، وفي حق غيره. بدأت بالتعرف على الجنية بسؤالها عن اسمها وديانتها وسبب دخولها جسده. وهل هي مكلفة من ساحر أم إنها عاشقة؟ أم انها تريد إيذاءه لضرر ألحقه بها دون علم أم ماذا؟
اقرأ أيضًا: بلعام بن باعوراء: قصة رجل غامض حمل اسم الله الأعظم |
أخذ العهد على الجن
يأتي بعد ذلك دور الارشاد والتوجيه، وبيان الحرمة فيما تصنعه على أساس معرفة سبب هذا المس من الجن، فإذا استجاب الجني لهذا الترغيب فهو فضل من الله ونعمة، وإذا لم يستجب فهناك أسلوب الترهيب حتى يقول الجني أو الجنية اعترفت بخطأي وسوف أتركه. لكن الجني غالباً ما يكون كاذباً. ومن هنا ينبغي أن أخذ عليه العهد قبل أن يخرج. ولابد أن يردده ورائي وهو كالتالي:
“عاهدت الله العظيم رب العرش العظيم أن أخرج من هذا الجسد، ولا أعود إليه مرة أخرى، ولا لأحد من المسلمين، ولا أضر مسلماً ولا مسلمة. واستغفر الله العظيم ثلاثاً. وبعد أن أبعد آذاي عنه نهائياً فإن غدرت أو خنت أو نكثت عهدي فعليّ لعنة الله والملائكة والأنس والجن أجمعين، ودمي هدر. اللهم إن كنت صادقاً في عهدي فسهل عليّ خروجي، وإن كنت كاذباً فمكن المؤمنون مني. والله على ما أقول شهيد وصلى على نبينا محمد”.
ثم اسأله من أين سيخرج؟ فلا أقبل أن يخرج من عينيه أو أذنه أو بطنه أو حنجرته، ولكن آمره أن يخرج من فمه، أو من أنفه أو من إصبع يديه أو رجليه، وأفضلهم وأقلهم ضرراً أن يخرج من إصبع قدمه بعد شكه بدبوس صغير. ولكن عليه قبل أن يجمع نفسه من الجسد ويخرج لابد أن يقول السلام عليكم.
كما عليّ أن أتاكد من خروجه بقراءة الرقية الشرعية مرة أخرى، فإذا تأثر بها فإنه قد نكث عهده، وإذا لم يتأثر فقد خرج فعلاً. وفي حالة عدم خروجه يمكن للمعالج بالقرآن من الجن أن يقرأ عليه آيات الحرق والعذاب مثل آية الكرسي، أو سورة يس، أو سورة الصافات، سورة الدخان، أو أخر سورة الحشر، أو سورة الهمزة، سورة الأعلى، وكل آية بها ذكر للعذاب أو ذكر للشيطان فإنها تؤذي الجن.
اقرأ أيضًا: عزير ابن الله أم رجل أماته الله مائة عام ثم بعثه؟ |
الجن يصرخ
وفي أحيان كثيرة يحضر الجني ويصرخ ويتوعد ويهدد، فلا أخاف وأقوم بتأديبه حتى يسكن باذن الله، وأقوم بقراءة قوله تعالى:
“الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً “[3]
وأحيان أخرى يقول الجني سوف أخرج كرامة لك. وفي هذه الحالة فإنه يضرب على وتر الغرور حتى يغتر المعالج، ويكون بذلك عصى الله. فعلىّ إذن أن أقول له: “أنا عبد ضعيف، واخرج طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم”. وأحيان أخرى يشترط الجني شروطاً معينة حتى يخرج فإذا كانت تلك الشروط فيها طاعة لله ورسوله فلا بأس بها، وعلي أن أنفذها له كأن يطلب مني أن أحفظه القرآن الكريم. ومعروف أن الجني يحفظ الآية بمجرد قراءتها عليه مرة واحدة على عكس الإنسان الذي قد يجد صعوبة في ذلك. أما إذا كانت شروطه فيها كفر فإنني أرفض وأحاول أن أهديه بفضل الله. وهذا مثل أن يطلب أن أذبح له، وطبعاً كل ما يُذبح لغير الله فهو كفر وشرك كبير.
اقرأ أيضًا: قصة تابوت العهد: حكاية أكثر الألغاز المحيرة في التاريخ |
مرحلة ما بعد العلاج بالقرآن من الجن
أما إذا ظل الجني يراوغ ويحاول إيذاء المريض، ويرفض الخروج من جسده فإن علىّ أن أقوم بحرقه أو قتله. وذلك بقراءة آيات العذاب والموت بعزيمة وبقوة، وبنية قتل الجني فإنه يقتل إن شاء الله وهي كقوله تعالى:
“خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم[4]“.
كما يمكن كتابة آية الكرسي، وسورة البروج، والمعوذتين على قطعة قماش نظيفة بالمداد الطاهر مثل المسك والزعفران. ثم نقوم باشعالها ونقربها من أنف الممسوس فإن دخانها يؤلم الجن ويحرقه. ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة وهي مرحلة ما بعد العلاج من المس من الجن. وهي مهمة جداً لأن الإنسان معرض للأذى مرة أخرى من الجني أو من عشيرته وعليه أن يتبع الاتي:
- البسملة عند كل شيء.
- المحافظة على الصلاة في جماعة.
- مصاحبة الصالحين والبعد عن الفاسقين.
- عدم سماع الغناء.
- الوضوء قبل النوم.
- قراءة سورة البقرة كل 3 أيام.
- إذا كانت امرأة فعليها بالحجاب، لأن الشيطان أقرب للمتبرجة.
- يقول بعد صلاة الفجر “لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك، وله الحمد. يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
- المداومة على قراءة أذكار الصباح والمساء، والتحصينات من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ويضيف الشيخ حسني هذا ما تعلمته بفضل وكرم من الله. وهذه هي الطريقة التي أتعامل بها مع أي شخص ممسوس. ومنذ أول حالة شفيت بإذن الله زاد أقاربي ومعارفي وأصدقائي الذين يأتون إليّ بعد الذهاب للأطباء. وبسؤاله عما إذا كان كل من يأتون إليه ممسوسين أم هناك من يأتيه من المصابين بأمراض عضوية؟
يقول الشيخ حسني هناك أشخاص لا يكون بهم مس من الجن أو سحر، ولكنها مجرد أعراض ناجمة عن اكتئاب أو خلافات شخصية مع شخص عزيز، مما يسبب للمريض بعض الهلاوس. وفي تلك الحالات أطلب منه أن يذهب إلى طبيب نفسي أو غير ذلك مع الحرص على الالتزام بالقرآن والسنة. وبعد أن مر من الوقت حوالي ساعتين دق جرس الباب.
اقرأ أيضًا: قصة خاتم سليمان: عندما حكم إبليس العالم |
جلسة العلاج بالقرآن من الجن
قال لي الشيخ حسني: “دي لازم الحالة اللي قلت لك عليها”.. فتح الباب، فإذا بشاب في حوالي الثلاثين من عمره ومعه اثنان من أقاربه أحدهما ابن عمه، والأخر أخوه الأكبر. فما كاد الشيخ حسني يرد عليهم السلام ويقول لهم تفضلوا بالدخول حتى صرخ هذا الشاب فيهم قائلاً: “يلا بينا نمشي من هنا يلا”.
تعجبت مما يفعله فامسكا به قريباه، وطلب منهما الشيخ حسني الدخول وألا يفلت منهما. زاد صراخ الشاب وهو لا ينظر إلا للشيخ حسني، ويحملق فيه بشدة بنظرة خوف ورعب. في تلك اللحظة قمت ببطء وجلست بعيداً عنهم قليلاً حتى أتابع ما سوف يحدث في هذا الموقف.
جلس الضيوف الثلاثة، وكان الشاب في الوسط، وهما ممسكان به جيداً فيما يحاول هو الهروب منهما. حيث كان ينظر إلى الحجرة وكأنه يبحث عن أي مكان ليهرب منه. ولكنه كلما حاول الهرب أمسك به قريباه بشدة حتى إنه حاول أن يهرع إلى الشرفة ليلقي نفسه منها، إلا أنهما أمسكوه. ثم أمسك به الشيخ حسني وحاول أن يجلسه ويهدأه، لكنه ازداد صراخاً كلما اقترب منه الشيخ حسني. فقال أخوه الكبير:
“متأسفين يا شيخ حسني، لكن ولاد الحلال دلونا عليك. وده زي ما أنت شايف أخويا الصغير محمد، وده ابن عمه حسين، وأنا اسمي إبراهيم. أنا مش عارف إيه اللي حصل له. ده كان زي الفل فجأة لاقينا حاله اتغير مرة واحدة بعد وفاة أمه الله يرحمها. لكن أنا فاكر إنه مرة دخل الحمام بعد وفاتها، وقبل أن نخرج لندفنها. ثم سمعناه وهو يبكي بكاءً شديداً. فخبطنا عليه علشان يخرج وميبكيش في الحمام، لأن ده غلط زي ما كل الناس عارفة. لاقيناه راح صارخ فينا من داخل الحمام، وقال لنا سيبوني في حالي، وقال ليه يارب كدة؟ ليه أمي بالذات دونا عن الناس كلها. ومن بعدها حاله انقلب. دايماً يصرخ فينا ويصرخ لما حد يقرأ قرآن، ودايماً عاوز يقعد لوحده”.
اقرأ أيضًا: كشف أسرار ما حدث في سدوم وعمورة! |
التحصينات الضرورية
طلب منا الشيخ حسني أن نتوضأ أنا وأقرباءه حتى لا نصاب بأذى. ففعلنا ما طلبه منا ثم قرأ على كل منا بعض التحصينات والآيات القرآنية التي قال لي فيما بعد أنها تحمينا من مس الجن إذا خرج من المريض وحتى لا يدخل في جسد أحدنا.
وضع الشيخ حسني يده اليمنى على جبهة المريض. وبدأ بتلاوة آيات قرآنية واسترسل في القراءة إلى أن وصل إلى آية الكرسي. فإذا بالمريض قد تغير وانتقل إلى حالة من الفزع الزائد والصراخ والهياج الشديد. كما لاحظت أنه ينظر إلى أخيه وابن عمه وكأنه يراهما لأول مرة. وقد سيطرت عليه قوة شديدة فحاول الجميع الإمساك به وتقييده. حيث جلس أخوه الكبير على قدمه حتى لا يتحرك.
استمر الشيخ حسني في القراءة حتى هدء محمد قليلاً عندما قرأ عليه الشيخ حسني آيات الطمأنينة – كما ذكر لي بعد ذلك – لكنه كان ينهج بشكل ملحوظ، وكأنه كان يجري عشرات الكيلو مترات. فقام الشيخ حسني بقراءة آية الكرسي ثلاث مرات على كوب ماء وسقاه للمريض. فإذا به يتقيأ بشكل بشع كأن روحه تخرج من جسده. ثم قال محمد بنفس نبرة صوته ولكن بلهجة شخص عليل في حالة إعياء شديدة: أخرجني ..
فقال الشيخ حسني: لن تخرج قبل أن تخبرني بسبب دخولك لجسده، وتعطيني العهد على ألا تعود إليه أو إلى غيره مرة أخرى. فقال محمد بنبرة الصوت الغريبة العليلة: أنا دخلت إلى جسده عندما صرخ داخل الحمام ونطق بكلمات الكفر.
اقرأ أيضًا: النمرود بن كنعان: قصة أول طاغية في التاريخ تقتله بعوضة |
ماذا حدث بعد العلاج بالقرآن من الجن؟
ثم أخذ عليه الشيخ حسني العهد المذكور سالفاً، وهو ممسك بيده اليمنى. ولكن كانت يد الشيخ حسني أعلى يد المريض، وكان يردد العهد، ثم يردده محمد وراءه. وتحولت نبرة صوته إلى الحزن وكأنه يفارق شيئاً غالياً عليه. وكان يبكي بكاءً شديداً وسط دهشتي ودهشة الحاضرين. ثم أمره الشيخ حسني بأن يخرج من إصبع قدمه الصغير، وبألا يؤذيه عند الخروج. فقال الصوت وهو يبكي السلام عليكم فرددنا عليه السلام.
بدت على محمد علامات الراحة بعد التعب، لكنه ظل غائباً عن الوعي حتى قام الشيخ حسني بسكب بعض الماء المقروء عليه آية الكرسي، فإذا بمحمد يفيق وهو ينظر لنا جيداً ويحملق فينا ويسألنا: “فيه إيه.. إحنا فين؟ ومين ده؟”. يقصد الشيخ حسني، وتساءل مجدداً: “هو أنا تعبان ولا حاجة؟ فأجاب الحاضرون بأنه كان مرهقاً بعض الشيء، مما أدى إلى حدوث إغماء له. لكن الحمد لله بسيطة. وأخبره أخوه الكبير بأنهم عند الأستاذ حسني حتى يخبرهم عن مستوى نجله الذي هو في الصف الثالث الاعدادي في المدرسة التي يدرس بها الأستاذ حسني، وحتى يطمئنهم على درجته في مادة اللغة العربية.
كانت هذه هي الحجة التي برروا بها حضورهم إلى الشيخ حسني. ثم اصطحبه ابن عمه وانصرفا وبقى أخوه الكبير حتى يشكر الأستاذ حسني على ما فعله معهم وعلاج أخيه من المس من الجن. وقال له: “لولا إني عرفت أنك لا تأخذ مقابل هذا العمل الإنساني أنا كنت قدمت لك كل اللي حيلتي، لأن أخويا أغلى عندي من أي شيء، وبارك الله فيك”.
اقرأ أيضًا: ديانة الفودو: ماذا تعرف عن دين السحر الأسود؟ |
سؤال وجواب عن عالم الجن
ثم ألقى السلام وانصرف لحاله، وبقيت أنا والشيخ حسني بمفردنا مرة أخرى، وأنا أحاول تفسير ما حدث أمام عيني. جاء الشيخ حسني وقال لي: “ها إيه رأيك في اللي شفته؟ فلم أجب عليه إلا بابتسامة تنم عن الحيرة، وقررت ألا أحاول أن أكون كثير الشكوك حتى يظل الشيخ حسني مسترسلاً في حديثه. وقبل أن تنتهي المقابلة كان علي أن اتعرف منه على خصائص وسمات هذا العالم الذي يتعامل معه حتى تتضح الصورة بشكل كامل.
ما أصل كلمة جني؟
الجن اسم جنس مفرده “جني” بمعنى الخفي أو المستتر وهو ما يُطلق عليه عالم الخفاء.
من هم الجن؟
الجن أمم أمثالنا خلقها الله تعالى للعبادة، بل وقدمهم علينا حين قال الله تعالى:
“وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[5]“.
كما أرسل النبي محمد إلى الإنس والجن عامة، فقال تعالى:
” قل أوحي إليّ إنه استمع نفر من الجن، فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً[6]“.
ما حقيقة مس الجن وتأثير الجن والشيطان على الإنسان؟
الشياطين هم مجموع الأسر الابليسية منذ أن نال اللعنة أباهم إبليس، وطرد من رحمة الله عز وجل. حيث تخصصوا في الفساد واللهو بالجنس البشري منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد أعطاهم الله مقومات القيام بهذه الأعمال الشريرة بإذنه حتى يمتحن المؤمنين في إيمانهم، ويستخلص الصفوة الذي قال عنهم إبليس اللعين في قوله تعالى:
“قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين[7]“.
أنواع الجن
أما الجن فصنوف عديدة منهم المؤمن والكافر والصالح والطالح والمفسد والمصلح والمسلم وغير ذلك. وهو ما أقره الجن في قوله تعالى:
“وإنا منا الصالحون، ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً[8]“.
وقد أقر القرآن العظيم بعالم الجن وأقر بوجودهم بل وسمى سورة كاملة باسم الجن مما لا يدع مجالا للشك في وجودهم.
أين يسكن الجن وما هي أماكن تواجدهم؟
الجن يسكن هذه الأرض ويكثر تواجدهم في الأماكن الخربة والمهجورة، وفي أماكن النجاسات كالحمامات والمزابل والقاذورات والمقابر. لذا فإن السحرة التي تحاول أن تتقرب للشياطين لابد لهم من الذهاب لتلك الأماكن ليتم اللقاء بينهم والاتفاق على الأعمال المشتركة. بالإضافة إلى ذلك فإن كل بيت لا يقرأ فيه القرآن هو بيت خرب أيضاً وليس بالضرورة أن يكون خالياً من الناس. فقد صور الرسول تلك البيوت بأنها قبور.
التحصين من مس الجن
وبقى في النهاية معرفة كيف يحصن كل منا نفسه من المس من الجن والشيطان والحسد وغيرها. وذلك عن طريق العض بالنواجز على الالتزام بالكتاب والسنة فإنها أعظم سبيل للحماية. أما تقوى الله فهي خير منجي وأسهل طرق التحصين المداومة على ذكر الله.
وإلى هنا ينتهي لقائنا مع الشيخ حسني، ومع جلسات العلاج بالقرآن من الجن. لكن لم تتوقف هذه الممارسات على المسلمين فحسب، فهناك علاج آخر يستخدمه معتنقي الديانة المسيحية في القضاء على المس الشيطاني. لذا كان لابد من معرفة رأي أحد المختصين في هذه الأمور في الديانة المسيحية.
اقرأ أيضًا: لماذا لم يُذكر عذاب القبر في القرآن؟ |
المس الشيطاني في المسيحية
يقول القس مكاري يونان أن الجن هم ملائكة رفضت الخضوع وخدمة الله، وسقطت في وادي الغيرة والتكبر والسخط على سلطان الله، فعاقبها بالتحول إلى شياطين. وهي مخلوقات نارية تسعى دائماً لمحاربة قوة الله في شعبه كما هو مذكور في سفر حزقيال وأشعيا.
ويختلف القس مع وجود أنواع الشياطين كالجن والعفريت والمارد. بينما يرى أن جميعهم شيء واحد هو شيطان، ولكن تقسم إلى رتب الرؤوساء والسلاطين كل حسب قوته، وعن مدى قهر الشيطان. فلسلطان السيد المسيح وحده القدرة على ردعه. والشيطان يجد غايته وينفذ حيلته في قليلي الإيمان وأصحاب الضعف الروحي. بينما الشيطان يضرب الإنسان بأمر من الله وحكمه، وبالتالي لا يرفع ضرر الشيطان غير الله. والجن ذو قوة خارقة ضربت النبي أيوب وبناته.
وعن هؤلاء الذين يزعمون قدرهم في رفع غضب الشيطان، وبالتالي يقومون بتسخير الجن والتفاوض فيما بينهم طالباً مطالب عصيبة على الضحية مثل هؤلاء هم ضعاف الإيمان ويجدهم الشيطان وسيلة لترويج هذه الاعتقادات.
رأي الطب النفسي في العلاج بالقرآن من الجن
وكان لابد لنا معرفة رأي الطب النفسي في هذه القضية. يقول حامد زهران أستاذ الصحة النفسية أن السحر والمس من الجن ليسا إلا جهل. ولا وجود علمي يبرهن على ذلك الكلام مطلقاً. ويذكر إنه خلال دراسته في لندن وأمريكا لم يؤكد أي طبيب نفسي تلك الخرافات. فالمرض النفسي يعالج بالطب النفسي وليس بالسحر والشعوذة، فإذا كان هناك سحر فأين السحرة، فإذا كانوا موجودين فليسددوا لنا ديون مصر أو يسخروا العفاريت مثلما فعل سيدنا سليمان لخدمة البشر.
وانتشرت هذه التخاريف في مصر بشكل كبير لوجود الأمية التي وصلت إلى حد كبير من الشعب فمعظم شعب مصر جاهل، ويعتقد بهذه الخرافات. فلا يوجد أي إنسان مثقف يؤمن بهذه الخزعبلات من المس من الجن وغيرها، وهي تؤثر تأثيراً خطيراً على المريض الجاهل، وتؤدي به إلى عواقب وخيمة في المستقبل.
هوامش
[1] اعتذر للقارىء عن استخدام اللهجة العامية في بعض الحوارات، لكنها ضرورة للأمانة العلمية.
[2] سوف أطلق علي هذا المعالج اسم – الشيخ حسني – حفاظاً على سرية المصدر.. مع الاعتذار للفنان محمود عبدالعزيز في فيلم الكيت كات.
[3] سورة النساء – الآية 76.
[4] القرآن الكريم – سورة الحاقة – الآية 30 – 33.
[5] سورة الذاريات – الآية 56.
[6] القرآن الكريم – سورة الجن – الآية 1.
[7] سورة ص – الآية 82 – 83.
[8] سورة الجن – الآية 11.
تحياتي اخي الكريم على الموضوع الممتع، و على الإحاطة الشاملة به من جميع النواحي الدينية (من خلال اللقاء بالشيخ – حفظه الله – أو بالقس “مكاري” أيضا) و هذه الإحاطة عززت من شمولية المقال و ساهمت في إثراءه و رفع اللبس عن هذه الممارسة الروحية (إن صح التعبير).
إستفدت و إستمتعت بقراءة المقال، كما اتمنى أن لا يصيبنا و إياكم و كل قارئ أي ضرر من هذه المخلوقات المكلفة كما حالنا فلا قدرة لنا بهم، على أن يشملنا و إياكم أجمعين حفظ العلي القدير من شرورهم و أن لا يصلنا بطشهم، و السلام عليكم.
أشكرك بشدة على هذه الإشادة التي أعتز بها.. وأدعو الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح.. أطيب تحياتي إليك.