فن

فيلم Knight of Cups: رحلة فارس في عالم من الأوهام الخالصة

Knight of Cups هي دراما تأملية حزينة ومذهلة بصرياً لفيلسوف السينما تيرينس مالك. وكعادة أفلام مالك لا تروي قصصاً بشكل صريح، بل مجرد تأملات وجودية وصور وموسيقى ومونولوج داخلي يتسلل إلى داخلك كالموجة الهادئة، ولكن في بعض الأحيان تجرفك بعيداً لتلقي بك على شاطئ مقفر بلا إجابات. يتناول مالك في قصة فيلم Knight of Cups نفس موضوعاته ولكن في شكل مختلف: معنى الحياة؛ الإنسان والطبيعة؛ البراءة والفساد؛ الاغتراب؛ الحب. في المقال التالي نغوص في رحلة الإنسان الوجودية خلاله بحثه عن معنى الحياة من خلال تحليل فيلم Knight of Cups بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Knight of Cups

  • البلد: الولايات المتحدة.
  • اللغة: الإنجليزية | الألمانية | الإسبانية.
  • تاريخ الإصدار: 8 فبراير 2015.
  • المخرج: تيرينس ماليك.
  • الكاتب: تيرينس ماليك.
  • وقت العرض: 118 دقيقة.
  • النوع: دراما | رومانسية | فانتازيا.
  • التصنيف: (R) للكبار فقط، يحتوي الفيلم على مشاهد فاضحة.
  • فريق التمثيل: كريستيان بيل | كيت بلا نشيت | ناتالي بورتمان | أنطونيو بانديراس.
  • التقييم: 5.6.

قصة فيلم Knight of Cups

تبدأ قصة فيلم Knight of Cups بقصة رمزية بسيطة:

“ذات مرة كان هناك أمير شاب أرسله والده ملك الشرق إلى مصر ليجد لؤلؤة ثمينة. ولكن عندما وصل الأمير، سكبوا له كوباً من الشراب، وشربه ونسى أنه ابن الملك، ونسي اللؤلؤة وسقط في سبات عميق”.

ريك – كريستيان بيل – هو شاب ثري يعمل ككاتب سيناريو شهير في مدينة الملائكة – لوس أنجلوس – لديه كل شيء في الحياة الثروة والشهرة وما تشتهيه النفوس. لكن كل هذا لا يرضيه، ويشعر أن حياته بلا معنى أو هدف. يخوض ريك رحلة يتأمل فيها حياته وذكرياته وما عايشه من أجل العثور على المعنى.

كان لدى ريك شقيقان مات أحدهما وتبقى الآخر. يعاني والده من الشعور بالذنب، كما يحاول شقيقه الأصغر باري التعافي من هذه الخسارة. لم يعد بمقدور ريك أن يواصل حياته كما كان يفعل من قبل. لذا عليه أن يجد طرقاً جديدة. ترافقه العديد من النساء وتساعده وتوجهه في هذه الرحلة الداخلية. يعثر ريك على عراف يقرأ المستقبل من خلال أوراق التاروت، فيذهب إليه ليضع العراف الأوراق التالية على الطاولة: القمر، الرجل المشنوق، الناسك، الحكم، البرج، الكاهنة الكبرى، الموت والحرية.

تمثل هذه البطاقات مراحل القصة. حيث يُقسم الفيلم إلى عدد من الأقسام، وعنوان كل قسم هو بطاقة تاروت محددة. يستخدم مالك المعاني والرموز المرتبطة بكل بطاقة لتمثيل فصول رحلة ريك الداخلية. يفكر فيها ويجمعها ويخلق صورة متحركة منها.

ليس من السهل متابعة قصة فيلم Knight of Cups، لذا يجب على المشاهدين فك شفرات الرموز المعروضة. وهذا هو الشيء المثير حول هذا الفيلم. لقد بنى مالك قصة فيلم Knight of Cups وفقاً لمنطق غير عادي، فلا توجد حوارات في فيلمه، فقط أجزاء من الأفكار والمونولوجات، وبالطبع أنواع مختلفة من الموسيقى. وقبل كل شيء عالمه المرئي الكثيف للغاية.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم A Hidden Life: ملحمة وجودية عن الإنسانية والجمال

فلسفة الصورة

قصة فيلم Knight of Cups
مشهد من فيلم Knight of Cups

تيرنس مالك مخرج ذو أسلوب مميز يتميز بالحد الأدنى من الحوار. والطريقة المجردة للتصوير التي تركز بشكل كبير على تصوير المشاعر الإنسانية والطبيعة. وهو أسلوب تجريبي رائع ميز هذا الفيلسوف عن غيره من مخرجي السينما، ولكنه أيضاً أسلوب لا يروق لجزء كبير من الجمهور، ولهذا السبب تحصل أفلامه دائماً على ردود أفعال متباينة. وبالنسبة للكثير يعد فيلم Knight of Cups لمالك فيلماً مخيباً للآمال، حيث اتخذ مساراً مختلفاً عما كانوا يتخيلونه. لكن خيبة الأمل هذه يجب رفضها، فهذا الفيلم يبين بوضوح معنى السينما الحقيقية. فالسينما في المقام الأول هي فن الصورة. لذا ينبغي علينا أن نحترم هذا الأمر ونقدره. إن الصور لها جمال غير محدود وقادرة على التحليق بنا خارج حدود إدراكنا. بينما يعلم مالك هذا الأمر جيداً، لذا يقدم لنا صوراً تجعلنا نبحث ونفكر ونتساءل، صوراً متحركة ككل شيء في الوجود في حالة حركة مستمرة.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Tree of Life: ملحمة روحية تعبر الزمان والمكان والذاكرة

أدوات ضرورية للسرد

كاميرا مالك هي عينه التي تحاول سبر أغوار الروح وحركاتها: إنها تنزلق، تطارد، تشتت الانتباه، تظل ثابتة. إنها نظرة لا تفرق بين الشيء والموضوع: ينظر ريك إلى البحر “المرآة العظيمة لليأس”، كما وصفه بودلير. ريك في الهواء، في السماء، في امرأته. لا يمكن للمرء أن يشارك نظرة المخرج في تدينه ومعتقداته، لكن لا يسع المشاهد إلا أن يحظى بالإعجاب برغبته في تحويل روحانية المرء إلى صورة. يلجأ مالك إلى كل الوسائل الممكنة من التصوير الرقمي الأكثر دقة إلى كاميرا فيديو الهاتف المحمول، لا يستبعد أياً من الإمكانيات الجديدة التي توفرها السينما لكسر حواجز النظرة والتفكير. لماذا تكتب قصة في حين أن السينما الخاصة بك يمكن أن تحتوي على ألف؟

إذا كان هناك شيء عام في سينما مالك، فهو أن الممثلين ليسوا مهمين بالنسبة له. وهذا ليس بالطبع تحيز ضد الممثلين؛ ذلك لأنه في سينما مالك يعتبر الممثلون والشخصيات أدوات ضرورية للسرد، فهم مكملون للعمل بشكل عام، وهم عناصر رمزية وعواطف وأرواح ذات جسد.

يجعلك مالك تنظر إلى البحر ويشتت انتباهك فجأة برحلة لطيور النورس، أو يمكنك متابعة بطل الرواية ثم ترك عينك تسقط على حيوان جريح يعبر الطريق. سينما مالك تحاكي الفكر البشري المتذبذب الذي يحاول بقلق فهم معنى الأشياء؛ فكر يرغب في الطيران إلى أقاصي الكون لفهم الروح الإلهية الكامنة في الطبيعة.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Stalker: رحلة إلى عالم الإنسان المجهول

قصائد شعرية

أفلام تيرنس مالك بمثابة قصائد شعرية، حتى وإن كنت لا تفهم مغزاها فأنت تستمتع بها. يحاول مالك ترجمة الحياة بألغازها وخباياها إلى صور تشعر معها أن سينماه منفصلة عن الزمن. حيث يصبح كل مشهد قصة في حد ذاته. أفلام قادرة على كتابة نفسها بطرق مختلفة لا حصر لها في ذاكرة الشخصية التي تعيشها أو في ذهن المشاهد التي تستحوذ عليه. في فيلم Knight of Cups لا نعرف أبداً ما يحدث بالفعل، أو من هم الشخصيات الغامضة المؤثرة في الأحداث، ولكن مالك يجعلنا نحبهم ويقدمهم إلينا عراة ممزقين مكشوفين في جمال لم يكونوا أنفسهم على دراية به. وبهذا المعنى فإن سينما مالك قريبة جداً من الحب، قريبة منا أو لنقل جزءاً منا. إنها شكل من أشكال الحب للكون، للمساحة التي نسكنها، للطبيعة، للشوارع. كلها عناصر مألوفة لنا بقدر ما لا يمكننا معرفتها. إنها الحياة بشتى أشكالها تنزلق من بين أصابعنا، لكنها قادرة على فتح نافذة نلمح من خلالها الجمال العابر اللانهائي.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Cloud Atlas: رحلة الروح الأبدية

البحث عن الذات

تحليل فيلم Knight of Cups
مشهد من فيلم فارس الكؤوس

رجل في الأربعينيات من عمره يعمل في هوليوود الفاتنة ككاتب سيناريو. يتجول في جسده المتعب عبر أماكن حقيقية ومتخيلة، باحثاً عن ذاته الحقيقية وعن معنى الحياة. يتجول بلا أهداف، يرى حياته كمتفرج، من خلال المحطات التي عاشها. في فيلم Knight of Cups من خلال مجموعة رائعة من الصور والتراكيب الموسيقية والمونولوجات المدروسة لراوي غير مرئي، نتبع الرحلة المنومة لروح ضالة ومُعذبة في عالم المتعة، الخالي من المعنى.

تدور قصة رمزية في فلك الفيلم عن فارس يرسله والده إلى مصر للعثور على لؤلؤة ثمينة، لكن ينتهي به المطاف في عالم مليء بالإغراءات، يشرب من ماء النسيان وينسى حياته السابقة ووجهته. هكذا هي الشخصية الرئيسية (التي لعبها كريستيان بيل بشكل ممتاز)، والتي تشبه في الفيلم بطاقات التاروت التي لا يمكن التنبؤ بها، وتتجول بتكاسل من مشهد إلى آخر وتنغمس أحياناً في التجارب الحسية، وتنسحب في أحيان أخرى إلى عالم من التأمل والمطلق والعزلة.

اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم Drive My Car: قطعة أدبية معقدة ومثيرة للتفكير

الجنة الأرضية

يحافظ مالك على شكله وأسلوبه الفلسفي المعروف في فيلمه التأملي الوجودي الذي يعرض فيه اليأس البشري في العالم الحديث بقوة أكبر. دون التخلي عن الموضوعات المحببة للطبيعة والفضاء الكوني. يتحول في هذا الفيلم إلى مجال أكثر واقعية. كاليفورنيا، الجنة الأرضية، ولوس أنجلوس، حيث تنتهي الملائكة الساقطة، هي المكان الذي تتحرك فيه كاميرا لوبيتسكي، مدير التصوير في فيلمه. صور متدفقة، إيقاعات سريعة، حركة مستمرة للكاميرا في سلسلة من الحلقات – شظايا، تماماً مثل حياة البطل. سيرك صداقة ملون، أرض عجائب حديثة، حيث كل شيء ممكن ولا ينتهي. ثرثرة الأغنياء، همسات الوجود المغرية، سبات الحياة الحلوة. وتفاهة لا تطاق. من ناحية أخرى، تتحول الكاميرا إلى استوديوهات الأفلام الفارغة والشوارع المهجورة، تلك التي هجرها الناس. يطور مالك ببراعة وبدقة هندسية الهياكل المعمارية الصارمة للعالم الحديث، البارد والبسيط الذي يفتقر إلى المعنى مثل الشقة الفارغة، وحياة البطل نفسها.

من هذا المكان الوهمي، حيث يتجمد الوقت سوى من لحظات فقط، مثل الدورات المتكررة باستمرار، غالباً ما يهرب البطل ليجد نفسه في وسط صحراء قاحلة أو على شواطئ المحيط. بنظرة فارغة، ينظر إلى المحيط ويسعى أحياناً إلى العزلة أو الاتصال بالقوى الكونية. كما لو أن حقيقة الأشياء – أو ربما السعادة المفقودة – موجودة في الماء وهو يحاول يائساً الإمساك بها، ويغوص فيها.

في هذه الرحلة الحالمة تمتزج ذكريات الطفولة مع التجارب المؤلمة من حياة عائلته، يتذكر البطل بشكل أساسي النساء اللواتي مررن بحياته. وهذه اللحظات من أجمل اللحظات في الفيلم، لأنها تصور الأنوثة بكل مجدها. هؤلاء النساء، على الرغم من اقتصارهن على الأدوار النموذجية – كل منها يمثل نموذجاً مختلفاً – يؤكد بقوة نفسية البطل المرتبكة. ومن خلال اللقطات الديناميكية ذات الزاوية العريضة، ينتقل البطل من امرأة إلى أخرى، ويتخلى مؤقتاً عن سلبيته. يبحث عن الأمان والحب والسرور والإلهام، ولكن لا يجد كل هذه الأشياء معاً. فالبحث الطوباوي عن حب يخشى الاستسلام له.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Solaris 1972: تحفة سينمائية فلسفية تأملية عجيبة

رمزية فيلم Knight of Cup

ينشيء مالك في فيلمه العديد من الاستعارات المرئية والمسموعة واللفظية بشكل أكثر كثافة مقارنةً بأي عمل آخر من أعماله. ريك هو فارس الكؤوس، والذي يرمز في أوراق التاروت إلى التأمل والانسجام المتناغم والحلم الرومانسي. كما أن قصة أمير الشرق الرمزية تشير إلى ريك الذي شرب من كأس النسيان (أي ماء هوليوود) ونسى من أين أتى؟ وما هو هدفه؟

النساء اللواتي تناوب ريك عليهن خلال رحلته هن اللواتي ما يشعر به ريك – الحب والخوف والرغبة والضياع – ويبحث البطل من خلالهن عن متعة عابرة تافهة حتى يعثر على الحب الحقيقي ويكتشف ذاته. كذلك ترمز النساء إلى بطاقات التاروت: القمر (إيموجين بوتس)، والدينونة (كيت بلانشيت)، والكاهنة العليا (تيريزا بالمر)، والموت (ناتالي بورتمان) والحرية (إليزابيث لوكاس).

 وعندما يظهر الكاهن من العدم تظهر التلميحات الكتابية المخبأة في أعماق القصة المجزأة إلى السطح، وتختفي رمزية الأمير المحكوم عليه بالنسيان، ومن ثم يتحول إلى فتى ضال يبحث عن والده والعقل والنور في كل موجة صغيرة من البحر.

في فيلم Knight of Cups، يحول التصوير السينمائي لمالك الموضوع المشترك لفقدان الهوية في عالم من الأوهام إلى ملحمة شعرية. فالذكريات والرغبات والأحلام يتم تصورها والتعبير عنها في صور، وقد تظل الأسئلة التي تطرحها هذه الملحمة الشعرية بلا إجابة، لكنها مع ذلك تحتفظ للمشاهد بالعديد من لحظات الوحي الصغيرة، وتغمره في عالم سحري متغير للوعي البشري.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!