تحليل فيلم Stalker: رحلة إلى عالم الإنسان المجهول

You are currently viewing تحليل فيلم Stalker: رحلة إلى عالم الإنسان المجهول
تحليل Stalker للمخرج العظيم أندريه تاركوفسكي

فيلم Stalker هو المفضل لدى النقاد من بين جميع أعمال المخرج الروسي العظيم أندريه تاركوفسكي، وقد وضع هذا الفيلم على رأس العديد من القوائم باعتباره واحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما. لكن ما أذهل هؤلاء النقاد ليست حبكة الفيلم التي تجتاح المشاهد، بل الانغماس في تجربة سينمائية تعكس العديد من التكهنات الوجودية. في هذا المقال نخوض سوياً رحلة ممتعة مع تحليل فيلم Stalker بمزيد من التفصيل.

معلومات عن فيلم Stalker

  • البلد: الاتحاد السوفيتي.
  • اللغة: الروسية.
  • تاريخ الإصدار: 17 أبريل 1980.
  • المخرج: أندريه تاركوفسكي.
  • الكاتب: أركادي وبوريس ستروغاتسكي (رواية)| أندريه تاركوفسكي (سيناريو).
  • وقت العرض: 162 دقيقة.
  • النوع: دراما | خيال علمي.
  • التصنيف: (PG-13) يجب إرشاد الآباء، غير مناسب لمن هم دون سن 13 عام.
  • فريق التمثيل: أناتولي سولونيتسين | ألكسندر كايدانوفسكي | نيكولاي جرينكو | أليسا فريندليخ.
  • التقييم: 8.1.

مرحلة الإنتاج

هذا الفيلم فريد من نوعه، ويمتاز بالأجواء المتقلبة ولقطات التعقب الطويلة والبطيئة التي تتبع الشخصيات في صورة مقربة، فتشعر حينها بأنك تحدق بها، وهي تيمة أساسية في جميع أعمال تاركوفسكي. لقد كان المخرج الروسي أحد أكثر المخرجين دقة، ويقال إنه غالباً ما يمضي يومين في التخطيط فقط للقطة واحدة من هذه اللقطات قبل التقاطها الفعلي. ويتكون جزء كبير من فيلم Stalker من هذه اللقطات الطويلة، حيث يحتوي الفيلم على إجمالي 122 لقطة فقط في وقت عرضه البالغ 163 دقيقة.

لا شك أن العمل بمثل هذه الطريقة في مواقع التصوير أمراً عسيراً، لكن إنتاج فيلم Stalker كان على ما يبدو شاقاً بشكل خاص. فلقد قام تاركوفسكي أولاً بتصوير جزء كبير من الفيلم في طاجيكستان، لكن الزلزال دمر هذا الجهد، وكان عليه أن يبدأ من مكان آخر. وبعد البحث المضني وجد موقعاً مناسباً في محطة طاقة كهرومائية مهجورة في إستونيا. ولكن بعد تصوير جزء كبير من الفيلم مرة أخرى، لم يرض تاركوفسكي بالفيلم المطور الذي شاهده، وبدأ من جديد في نفس الموقع. لقد كان لهذا الموقع الإستوني مشاكل أخرى، حيث كان بمثابة مصب لمصنع كيميائي شديد التلوث، ويُزعم أنه كان سبب وفاة تاركوفسكي وزوجته لاريسا والممثل أناتولي سولونيتسين بسبب السرطان في غضون العقد التالي.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Ivan’s Childhood: دراما مأساوية عن روح الإنسان المعاصر

فلسفة تاركوفسكي

من المستحيل التحدث عن أفلام أندريه تاركوفسكي دون الحديث عن فلسفته في الحياة. حيث ترتبط أفلامه وفلسفته في الحياة ارتباطاً وثيقاً. لكن للأسف لم يصنع تاركوفسكي الكثير من الأفلام، نظراً لموته المبكر. ولو أسعفه العمر لكان قادراً على صياغة نظام فلسفي كامل من خلال فنه. هذا الفن الذي يرتبط بكفاح العصر الحديث، والبحث عن وجود ذي معنى للإنسان. لقد كان يأمل تاركوفسكي في أن يكون هناك فداء، ولكنه مع ذلك يبدو متشككاً في احتمالية حدوث ذلك. بينما يشعر بالقلق الوجودي بشأن الحالة الروحية للإنسان المعاصر، وليس هناك أوضح من فيلمه Stalker للتعبير عن ذلك.

“بدون إيمان وبدون جذور روحية، الإنسان مثل الأعمى”.

هذا ما قاله أندريه تاركوفسكي في إحدى المقابلات عام 1980 مشيراً إلى فيلمه Stalker. وبغض النظر عما إذا كنت فيلسوفاً أو فناناً أو عالماً، فإن المعرفة التي تكتسبها طوال حياتك لن تكون مكتملة ولن تجلب لك الرضا. لكن إذا علمت أن هناك مكاناً يمكن أن تتحقق فيه أكثر الرغبات صدقاً، تلك الرغبات التي ولدت من المعاناة، فهل ستذهب إلى هناك؟

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Solaris 1972: تحفة سينمائية فلسفية تأملية عجيبة

قصة فيلم Stalker

قصة فيلم Stalker
مشهد من فيلم Stalker

يستند فيلم Stalker على رواية “نزهة على جانب الطريق” التي كتبها أركادي وبوريس ستروغاتسكي عام 1971، وهي رواية خيال علمي تدور أحداثها في المستقبل القريب. حيث تزور بعض الكائنات الفضائية ست مناطق مختلفة من الأرض، ثم تغادر تاركة ورائها بعض القطع الأثرية التي أصبحت فيما بعد كنزاً للمهربين. لكن الحصول على هذه القطع الأثرية ليس بالأمر السهل، نظراً للعقبات والمصاعب التي تواجههم عند الدخول إلى تلك المناطق، والتي يمكن أن تودي بحياتهم.

قام تاركوفسكي بالعديد من التغييرات الجوهرية على هذه القصة. تستغرق حبكة القصة التي قدمها تاركوفسكي بعض الوقت للكشف عنها للمشاهد، وهي تدور حول موقع يُعرف باسم “المنطقة” يقال إن نيزكاً قد تحطم ودمر هذا الموقع قبل حوالي عشرين عاماً. وعندما ذهب الناس وجنود الحكومة للتحقيق فيما حدث هناك، اختفى الكثير منهم. لذلك طوقت الحكومة المنطقة بسياج عسكري وحراس. وبعد فترة، ظهرت شائعات أنه يوجد داخل المنطقة مكان غامض يُعرف باسم “الغرفة” يتمتع بقوى غامضة – أي شخص دخل الغرفة سيتم منحه أعمق أمنياته بأعجوبة.

مهنة المرشد

أدى استخدام الحكومة للقوة المميتة لمنع أي شخص من دخول المنطقة إلى زيادة الإيمان بالقوى السحرية للغرفة. ومن هنا ظهر العديد من الأشخاص الذين أرادوا الوصول إلى الغرفة وكانوا على استعداد للمخاطرة بحياتهم للقيام بذلك. من هذه الظروف نشأت مهنة مشبوهة تعرف باسم “المطارد” أو “مقتفي الأثر” وربما الوصف المناسب لهذه المهنة هي “المرشد” أو “الدليل” نظراً لأن ترجمة الكلمة الروسية لم تكن ملائمة لوصف هذه المهنة. هؤلاء المرشدون يقدمون خدماتهم بسعر مرتفع لإرشاد الأشخاص إلى ما وراء خطوط الشرطة المسلحة حتى يتمكنوا من الدخول إلى الغرفة. يدور هذا الفيلم حول مرشد واحد يرافق اثنين من عملائه إلى المنطقة من أجل دخول الغرفة.

قد تبدو هذه الظروف وكأنها تمهد الطريق لجميع أنواع الأحداث المذهلة والمثيرة للعقل. ولكن لا يحدث الكثير من الحركة في هذه القصة البطيئة، ويجد الكثير من الناس الفيلم فارغاً ومملاً. أما ما يحدث في هذا الفيلم فهو مستوى أكثر إبداعاً من الأحداث والحركة.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Wild Strawberries: السحر الغامض للحب والحياة والموت

تحليل فيلم Stalker

تفسير فيلم Stalker
مشهد من فيلم Stalker

يعرض فيلم Stalker من الناحية الموضوعية تحقيقاً متعدد الأوجه حول ما هو حقيقي من خلال الجدال الموسع بين الشخصيات الرئيسية الثلاث، فلكل شخصية منظورها الأولي والمتميز حول كيفية تكوين العالم، وكيف ينبغي للمرء أن يعيش حياته بداخله. فعندما تتكشف القصة تتجادل الشخصيات مع بعضها البعض حول ما يجب القيام به في الحياة ككل. بينما تمثل المنطقة شخصية رابعة غامضة، وسنتناول هذا الأمر فيما بعد. لكن في البداية يتكشف الفيلم عبر خمسة أجزاء الجزئين الأول والخامس عبارة عن نهايات خارجية للحكاية الداخلية.

يأخذ المرشد مهمة جديدة

يبدأ فيلم Stalker بطيئاً للغاية ويظهر باللون البني الداكن. تتحرك الكاميرا على المرشد – ألكسندر كايدانوفسكي – وهو ينام بجانب زوجته وابنته على سرير كبير. إنه على وشك تولي مهمة إرشاد جديدة، على الرغم من أنه قد خرج للتو من السجن لقيامه بهذا العمل، تعاتبه زوجته – أليسا فرايندليش – وتلومه على هذا الأمر، ومع ذلك يغادر شقته الضيقة ويذهب إلى حانة قذرة، حيث يلتقي بعميليه اللذين لم يسبق لهما التعرف على بعضهما البعض.

لم يذكر أحد اسمه الحقيقي في ظل هذه الظروف، ولم يتم تحديد هوية العميلين إلا على أنهما الكاتب – أناتولي سولونيتسين – والأستاذ – نيكولاي جرينكو. الأستاذ فيزيائي ويقول إنه يريد الذهاب إلى المنطقة للتحقق من خصائصها علمياً. من الواضح أنه طوال الفيلم عقلاني يسعى إلى تحديد الخصائص الموضوعية للعالم من حوله. على هذا النحو، فهو مشابه لجميع أولئك الذين يؤمنون بقدرة العلم على اكتشاف كل ما يوجد في العالم.

أما الكاتب فهو مثقف من الجانب الإنساني للفكر الأكاديمي. طريقته هي الجدل الديالكتيكي على طريقة ما بعد الحداثيين. ومن خلال الشك في كل شيء والنظر دائماً إلى الأشياء من منظور نقدي، فقد أصبح عدمياً ساخراً: فلا شيء صحيح تماماً، ولا يوجد سوى إجابة “أكثر صحة” لسياق معين من الاحتمالات الأخرى.

عندما نلتقي بالكاتب لأول مرة، قبل أول لقاء له مع المرشد، كان يتحدث بطريقة مغازلة إلى حد ما مع امرأة راقية عن المنطقة وألغازها، ويؤكد لها أنه لا يوجد إله وأن العالم تحكمه قوانين صلبة. لكن مع ذلك لا نمتلك حقيقة واضحة عن ماهية هذه القوانين.

سرعان ما يُشرك الكاتب الأستاذ في مناقشة مثيرة للجدل حول طرق عملهما المتناقضة. أخبره أن البحث عن الحقيقة (كما يفعل الفيزيائي) ممل، لأن الحقيقة الموضوعية مختبئة دائماً والعالم يواصل البحث عنها. بينما هو نفسه (الكاتب) يبحث عن الحقيقة، يحدث الكثير لها – فعل البحث يغيرها.

الوصول إلى المنطقة

الآن يأخذ المرشد عملائه في سيارة جيب ويحاولون التسلل عبر السياج العسكري ودخول المنطقة. يمرون من خلال اتباع قطار عن كثب يُسمح له بدخول المنطقة، ثم يتفادون إطلاق النار من الحراس الذين يرونهم يمرون. أثناء العثور على لحظة للاستراحة في وقت ما، يواصل الكاتب تعليقه على الأستاذ، هذه المرة حول فكرة الغرفة التي ستمنحه ما يريد، وهو الإلهام لكتابة أشياء رائعة:

“أنا لا أبالي بالإلهام. كيف لي أن أعرف الكلمة الصحيحة لما أريد؟ كيف لي أن أعرف أنني في الواقع لا أريد ما أريد ؟. . إنها [الحقائق] أشياء مراوغة: في اللحظة التي نسميها، يختفي معناها، وتذوب وتتحلل مثل قنديل البحر في الشمس. ضميري يتمنى أن تنتصر النظرية النباتية في العالم أجمع، ولكن خيالي يتوق إلى قطعة من اللحم”.

في النهاية وصلوا إلى المنطقة على عربة سكة حديد آلية، وبمجرد دخولهم، يتحول العالم الملون سابقاً إلى باللون البني الداكن إلى الألوان الطبيعية. وخلال فترة توقف أخرى في تحركاتهم، يعرف الأستاذ الكاتب ببعض الحقائق التي يعرفها عن المنطقة. يقول له ما يلي:

  • قضى المرشد عدة سنوات بالسجن وتعرض للأذى في المنطقة.
  • ابنة المرشد هي متحولة ومشلولة.
  • تعلم مرشدهما كل شيء عن المنطقة من مرشده المعروف باسم “النيص”.
  • لا يُفترض أن يذهب المرشدون إلى الغرفة، لكن من الواضح أن النيص ذهب إلى هناك وأصبح بعد ذلك من الأثرياء. وفي غضون أسبوع انتحر.

هذا دليل آخر على أن الحصول على ما تريد قد لا يكون أفضل شيء بالنسبة لك.

التجول في المنطقة

العالم خارج المنطقة الذي تم عرضه على المشاهد حتى هذه النقطة هو ديستوبيا صناعية مليئة بالمخلفات. إنه عالم مظلم ورطب من صنع الإنسان ليس به سوى الخراب والقمامة. لكن داخل المنطقة، كل شيء أخضر وخصب. وعلى الرغم من وجود بعض الحطام والقطع الأثرية المحطمة والمتناثرة من مساكن البشر، إلا أن الطبيعة تطغى عليها.

يقول المرشد إنه يحب المنطقة نظراً لنقاوتها الطبيعية، لكنه يحذر عملائه من أن المنطقة خطيرة أيضاً ولا يمكن التنبؤ بها. إنها تغير نفسها باستمرار استجابة للوجود البشري وليس لها حقيقة ثابتة. وللوصول إلى الغرفة بنجاح، يجب أن يتبع المرء مساراً مخصصاً ومختلفاً في كل مرة. وعلى الرغم من أنهم وصلوا إلى نقطة قريبة جداً من الغرفة. حيث لا يبعد المبنى عنهم سوى بضع مئات من الياردات، إلا أن المرشد أخبرهم أنه يجب رسم مسار ملتوي من خلال

(أ) رمي صمولة صامولة معدنية مربوطة بقطعة رقيقة من القماش في اتجاه عشوائي.

(ب) السير إلى حيث سقط خيط القماش.

(ج) تكرار هذه العملية عدة مرات.

إنه يعتقد أن الحدس الخالص هو الطريقة الوحيدة للوصول بأمان إلى الغرفة. وفي نقطة توقف أخرى في المنطقة، يتساءل الكاتب، وهو يواصل حديثه الخلافي مع الأستاذ، بصوت عالٍ ماذا سيحدث إذا تم منحه رغبته في أن يكون كاتباً عظيماً:

“المرء يكتب لأنه معذب، لأن لديه شكوك. يحتاج أن يثبت لنفسه وللآخرين باستمرار أن له قيمة. وإذا كنت متأكد أنني عبقري، فلماذا أكتب وقتها؟”

وهو يتجاهل بازدراء قيمة العلم والهندسة، ويقول إن جميع المصنوعات الهندسية مجرد امتدادات وأطراف صناعية إذا جاز التعبير وليس لها غرض أسمى. الفن هو دعوة أسمى.

الفن ومعنى الحياة

“البشرية موجودة من أجل خلق الأعمال الفنية. على عكس جميع الأنشطة البشرية الأخرى، هذا النشاط غير أناني “.

بعد الاستلقاء على طول مجرى صغير والراحة، يستيقظ المرشد ويضيف أفكاره الخاصة حول الفن باعتباره نداء:

“كنت تتحدث عن معنى حياتنا،. . . . من عدم أنانية الفن. خذ الموسيقى، على سبيل المثال. إنها لا تتصل بالواقع على الإطلاق، إنها شيء آلي خالي من أي أفكار مجرد صوت شفاف خالي من أي ارتباط، ومع ذلك بمعجزة ما تصل إلى قلوبنا. ما الذي يتردد صداه بداخلنا كاستجابة لضوضاء متناغمة، ويجعلها مصدراً لأعظم بهجة. حيث تدهشنا وتقربنا من بعض. في ماذا نحتاج كل ذلك؟ والسؤال الأهم من يحتاجه؟”

هنا يمثل المرشد عنصراً ثالثاً من هذا النقاش الثلاثي الذي يدور بين الكاتب والأستاذ والمرشد. وبشكل عام، يعبر المرشد عن يقين على عكس الآخرين الأكثر تفكيراً وشكاً.

يوجه المرشد رفيقيه من خلال رمي القماش المربوط بالمسامير عبر أماكن مختلفة في المنطقة القريبة من الغرفة. وعلى طول الطريق، يتحدى الكاتب والأستاذ في بعض الأحيان بعناد تحذيرات المرشد الرهيبة حول ما سيحدث لهم إذا لم يتبعوا تعليماته بدقة. لكن لا شيء سيئ يحدث لهم في هذه المناسبات، مما يثبت أن معرفة المرشد بالمنطقة محدودة. وفي النهاية يمرون عبر قناة مائية أنبوبية كبيرة ثم إلى غرفة مملوءة بالكثبان الرملية ثم إلى الغرفة سيئة السمعة التي تُعرف باسم “مفرمة اللحم” قبل أن يصلوا أخيراً إلى غرفة صغيرة خارج الغرفة.

قبل الغرفة

بعد أن وصلوا إلى وجهتهم الثمينة، لن يدخل المرشد، لكنه يحث الاثنين الآخرين على المضي قدماً، ونصحهما أن أهم شيء بالنسبة لهما في هذه المرحلة هو “الإيمان”. لكن الإيمان هو بالضبط ما لا يملكه الكاتب المتشكك. في هذه المرحلة يكشف الأستاذ لهما أنه أحضر في حقيبته قنبلة ذرية مصغرة لتدمير المنطقة وكل ما بداخلها. يقول إن وجود الغرفة التي تمنح الأمنيات أمر خطير للغاية بالنسبة للبشرية، لأنه قد يكون هناك دائماً بعض المتعصبين المليئين بالكراهية الذين قد يستخدمونها لتحقيق نهاية العالم. يحاول المرشد على الفور الحصول القنبلة بالقوة من الأستاذ قبل تفعيلها. وبينما يعتقد الأستاذ أن وجود الغرفة يمثل تهديداً للبشرية، يعتقد المرشد أن الأمل هو كل ما لدى الناس وأن هذا هو المكان الوحيد الذي يمكنهم يأتوا إليه إذا فقدوا الأمل. وفي القتال بالأيدي الذي أعقب ذلك، يدافع الكاتب الذي لا يؤمن بالقصص الخرافية عن الأستاذ، وبعد صراع غير حاسم، توقف المقاتلون المنهكون لالتقاط أنفاسهم.

يتساءل الكاتب ذو العقلية الديالكتيكية عما إذا تحققت أمنيات المرء الأعمق هنا، ماذا سيحدث؟

“تحقيق الأمنيات هنا يتماشى فقط مع جوهرك، الذي لا تعرف شيئاً عنه. لكنها موجودة بداخلك، وتوجهك طوال حياتك”.

من ناحية أخرى، يشك الكاتب فيما إذا كانت الغرفة حقيقية بالفعل، ويسأل المرشد على أي شخص جعلته الغرفة سعيداً. الآن كلهم مشلولون بسبب عدم اليقين وتركوا يائسين. في لقطة حزينة مدتها 4:48، يبدأ الأستاذ في تفكيك قنبلته وإلقاء القطع في بركة من المياه الراكدة، بينما يجلسون جميعاً ويحدقون باكتئاب.

النهاية الغامضة في فيلم Stalker

على الرغم من أن البحث عن الغرفة قد انتهى بشلل ناتج عن الخوف، إلا أنه لا يزال هناك أكثر من عشرين دقيقة حاسمة متبقية لهذه القصة، والآن ينتقل التركيز بالكامل إلى المرشد. بالعودة إلى الحانة القذرة ومع عودة لون الصورة إلى اللون البني الداكن، تدخل زوجة المرشد وتحثه على العودة إلى المنزل. يشتكي لها في المنزل أن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم المثقفين والعلماء لا يؤمنون بأي شيء. وإذا لم يؤمن العالم بشيء فمن سيصطحبه إذن إلى المنطقة مرة أخرى. وأخبرها أنه لن يذهب إلى هناك مرة أخرى. عرضت عليه زوجته أن تذهب معه. لكنه رفض وقال: “ماذا لو لم ينجح معكِ أيضاً؟”

ثم ننتقل إلى لقطة مدتها ثلاث دقائق لزوجته تتحدث مباشرة إلى الكاميرا، وتشير إلى المرشد في صيغة الغائب، وتدافع عن قرارها بقضاء حياتها معه. وتقول هي أيضاً – مثل زوجها – إن الحياة تدور حول الأمل. وتقول إن هناك تقلبات في الحياة، وهي ليست فقط حتمية ولكنها ضرورية.

أخيراً، في لقطة غامضة مدتها أربع دقائق نرى ابنة المرشد في غرفتها بالألوان، وهي تقرأ بعض الشعر. ثم تستخدم التحريك الذهني ببطء وبتأمل لتحريك بعض أكواب الشرب على المنضدة أمامها.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Tree of Life: ملحمة روحية تعبر الزمان والمكان والذاكرة

أسلوب تاركوفسكي

أفلام أندريه تاركوفسكي
المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي

أحد الأشياء الرائعة في فيلم Stalker للمخرج تاركوفسكي أنه يستخدم وسائل سينمائية مختلفة لينقل لنا إحساساً بالحبس الذي يسبب الخوف من الأماكن المغلقة تقريباً. هذا ليس مجرد الشعور بالوجود في غرفة مغلقة، ولكن الشعور بأن الواقع نفسه يؤثر علينا. بينما يفعل ذلك بعدة طرق:

الصورة المقربة والأصوات

هناك لقطات تتبع متكررة لأشخاص في صورة مقربة وهم يحدقون في شيء ما؛ لكننا لا نرى ما الذي يبحثون عنه. وهذا يجعلنا نريد أن نرى ما وراء الإطار المرئي الذي يقيد رؤيتنا. وبالمثل، هناك العديد من الأصوات خارج الشاشة التي يتم سماعها عن الأنشطة التي لا يمكننا رؤيتها. هذه الضوضاء ليست ضرورية للعمل، لكنها تمنح المشاهد إحساساً بأن الأشياء التي تدور حولنا خارج نطاق رؤيتنا.

مرة أخرى يشعر المشاهد أن العالم يتعدى عليه من مصادر غير مرئية. ومن الأمثلة البارزة على هذا الأصوات غير المرئية التي تحدث عدة مرات في الفيلم الأصوات المدوية التي تسمع من داخل شقة المرشد لقطار يمر بالقرب منه. حيث تمتزج أصوات القطار المتسارع مع أصوات نشطة من نشيد يتم عزفه. هذه الضوضاء لها أيضاً تأثير مخيف للاختناق على المشاهد، مما يمنح المرء الشعور بأن الحياة، نفسها، تندفع بدونه.

الموسيقى

 الموسيقى في فيلم Stalker عبارة عن مزيج غريب من الموسيقى الآلية والإلكترونية التي يتم إنشاؤها أحياناً لتنسجم مع الأصوات الحقيقية التي تسمعها القصة. يمنح هذا المزج للأصوات إحساساً غريباً أكثر بالعالم المقدم. كذلك افتتان تاركوفسكي بالمياه واضح هنا. فالعالم غارق في الماء، حيث قام أبطال الفيلم مراراً وتكراراً بالتدافع والخوض في المستنقعات والظروف المبللة بالمطر. هذه المياه تدخلية أيضاً، فهي تثقل كل شيء وتزيد من تقييد الحركة وإعاقتها.

عالم مذهل

إن السبب وراء أهمية هذه التقنيات من حيث الموضوع هو أن الموضوع الرئيسي للفيلم يتعلق بطبيعة الواقع. كيف يمكننا تمييز العناصر ذات المعنى من وهم الصور الخيالية التي يتم تقديمها كتجربة واعية؟ يبدو أن تاركوفسكي يقول، ربما بما يتماشى مع هايدجر، أن المشهد التكنولوجي الذي بنيناه بذهننا العلمي قادنا إلى ديستوبيا ضيقة الأفق. هذا الواقع المرير هو عالم أحادي اللون بلون بني داكن قذر يظهر خارج المنطقة. لكن الواقع الحقيقي بكل ثرائه هو ما يظهر في المنطقة – وهذه هي موهبتها السرية. العالم الخارجي محدود وثابت. نحن نسمي الأشياء – كما يقول الكاتب – ولكن بمجرد أن نسميها يختفي معناها. المنطقة، من ناحية أخرى، تفيض بالحياة. إنه أمر لا يمكن التنبؤ به، ولكنه دائماً ما يكون حيوياً وتفاعلياً.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم El Topo: كتاب مقدس بلا عقيدة

وجهات النظر في فيلم Stalker

يُظهر فيلم Stalker عدة نقاشات حول هذه القضايا، وهذا النوع من النقاش الثلاثي هو سمة لعدد من أفلام تاركوفسكي، مثل طفولة إيفان (1962) وأندريه روبليف (1966). دعونا نعود إلى المناقشات الأربعة ووجهات نظرهم هنا.

الأستاذ

يمثل الأستاذ وجهة النظر العلمية الموضوعية للواقع التي تحاول اختزال كل شيء إلى التفكير الميكانيكي. يتمتع هذا التفكير الميكانيكي بقوة لا يمكن إنكارها، لكن اختزاليته المدمرة للروح تتركنا مع نظرة فقيرة لإمكانيات الحياة.

الكاتب

 الكاتب عقلاني أيضاً، يقول الكاتب أن الصلابة والقوة هم رفقاء الموت، لكن المرونة ونقص القوة هي تعبيرات عن نضارة الحياة. فبأي أسلحة ندافع عن أنفسنا ومن نحارب؟ والأستاذ الذي جاء بقنبلة سرعان ما يتخلى عن تدمير المنطقة. حيث يمكنك تدمير آمالك الخاصة، ولكن لا يمكنك تدمير آمال الآخرين أبداً. بينما المرشد لا يحتاج إلى دخول الغرفة، فهذا من شأنه أن يتعارض مع إيمانه. وبالنسبة له من المهم أن يعتقد الآخرون أن رغباتهم ستتحقق، وأن المعجزة يمكن أن تحدث. إنه بمثابة نبي نقي وصادق يؤمن بأن العالم سيهلك بسبب نقص الحياة الروحية.

المرشد

المرشد هو الذي يقود الناس إلى هذا الفضاء الغامض الذي يسمى المنطقة. ومن المؤكد أن عمله هذا يجعل لحياته معنى، إنه سبب يمكن أن يتخلى عن نفسه من أجله. وعلى الرغم من التعب بعد المحاولات العديدة وتحذير زوجته من اصطحاب الناس إلى المنطقة، إلا أنه لا يستمع إليها. بالنسبة له، من المهم إشعال شرارة الإيمان في قلوب أولئك الذين فقدوا ذرة الأمل الأخيرة. لذا عليك أن تكون بريئاً فكرياً إلى حد ما لتتمنى أن تتحقق أحلامك داخل جدران الغرفة.

يشعر المرشد بالكمال فقط حينما يكون في المنطقة وأي مكان أخر بالنسبة له مجرد سجن. وبمجرد اكتشافه لهذه الحرية، يريد أن يمنحها للبشرية. وإلا فلماذا قد يرغب الرجل في إسعاد الآخرين إذا لم يحصل هو نفسه على السعادة بفعل ذلك؟ إنها شكل من أشكال الإيثار الذي يصعب فهمه في عالم مليء بالمصالح الشخصية.

الابنة

ابنة المرشد هي وجهة نظر رابعة تظهر أخيراً كعامل مجسد للمنطقة في الفصل الأخير. إنها تمثل التعقيد الحيوي للمنطقة نفسها. فالابنة – مثل المنطقة – تبدو هادئة وطبيعية، لكن لغزها المطلق قد يشمل الخطر أيضاً. هذه الطفلة التي تمتلك قوى التحريك الذهني تمثل الأمل، وهو شكل جديد من الإيمان، يعطي وجهات نظر جديدة، قوى روحية جديدة غير معروفة. فلا نعرف دائماً الأشكال التي يمكن أن تتخذها الحقيقة، لكن الطريق لا يزال مفتوحاً للبحث، مع أو بدون دليل.

أعتقد أن تاركوفسكي تصور نفسه أحياناً مثل الكاتب وأحياناً مثل المرشد. ولكن هنا يلمح إلى الثراء الذي لا يسبر غوره للمنطقة نفسها. كما علق ذات مرة على هذه الفكرة قائلاً:

“من وجهة نظر رمزية، تمثل [قوى الفتاة الصغيرة] وجهات نظر جديدة، وقوى روحية جديدة غير معروفة لنا حتى الآن، فضلاً عن قوى جسدية جديدة.”

النهاية غامضة في فيلم Stalker. فلا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانوا قد دخلوا الغرفة بعد مواجهة جميع الأخطار في الطريق أم لا. إن البشر لا يحبون التحدث عن مشاعرهم الداخلية. عند عتبة الغرفة الغامضة، يخبرهم المرشد أنها أهم لحظة في حياتهم، لحظة صدق شديد. إن النظر في المرآة دون كذب ليس بالأمر السهل. والخوف من تغيير شيء ما يقف حاجزاً أمام الجميع. لذا نراهم راضين عما لديهم.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Shining: رحلة اللاعودة إلى أعماق الجنون

في الختام، لا يمكننا القول أننا نتحدث عن رحلة إلى عالم الفيلم المجهول، ولكن عن تجربة فريدة من نوعها من سيد الفن السابع، وأحد أعظم المخرجين في القرن العشرين الذي خلق عالماً فريداً من الصفر، بدون تأثيرات وبدون مشاهد حركة. ومع ذلك، قد لنا مغامرة فريدة من نوعها بعد أن نزع منها سلاحها وفرض قوة الطبيعة والحياة نفسها والخيارات الفردية. فيلم Stalker هو تحفة فنية. ليس عليك سوى مشاهدتها والانغماس في سحرها.

This Post Has 2 Comments

  1. غير معروف

    تحليلك رائع بس الي قال: “القوة والصلابة رفيقا الموت” هو المرشد على ماذكر

    1. وائل الشيمي

      ربما أكون أخطأت، سأشاهد الفيلم مرة أخرى وإذا كان هناك خطأ سأعدله.. شكراً على الملاحظة.. تحياتي إليك

اترك تعليقاً