لماذا لا تقترب الفلسفة من الناس؟

You are currently viewing لماذا لا تقترب الفلسفة من الناس؟
أهمية تبسيط الفلسفة

لطالما كانت الفلسفة ثقيلة عن النفوس، بما تحتويه من مصطلحات معقدة وأفكار تبدو وكأنها ألغازاً عصية على الفهم. هذا على الرغم أهمية وجود الفلسفة في حياة الناس كونها طريقة للتفكير، ومن المنطقي أن تصل إلى عامة الناس، وتقريبها وتبسيطها وجعلها متاحة للجميع بعيداً عن الموضوعات الأكاديمية والمصطلحات المعقدة. فلماذا لا تنزل الفلسفة إلى الشارع بدلاً من البقاء في برجها العاجي. إن حدث ذلك يمكننا أن نرى حينها كتب الفلسفة أصبحت الأكثر مبيعاً على رفوف المكتبات. فما الذي يمنع حدوث هذا الأمر؟

تبسيط الفلسفة

لقد فعل العلم هذا الأمر وأصبح هناك الكثير من الكتب التي تبسط العلم وتجعله في متناول القارىء العادي. صحيح أن هناك بعض الأعمال التي تبدو أشبه بمحاكاة ساخرة للعلم ولا تساهم بأي شيء في للقارىء بخلاف خسارة الأموال التي دفعها. وصحيح كذلك أن عدد هذه الكتب قد نما إلى مستويات مذهلة. حيث من المستحيل الذهاب إلى أي متجر لبيع الكتب دون الاصطدام بما لا يقل عن عشرة كتب شهيرة لتبسيط العلوم أو كتب المساعدة الذاتية وغيرها من الفروع، إلا أن القارىء سيعرف عاجلاً أم آجلاً الغث من السمين. وسيلفظ كل ذلك بعيداً ويحتفظ فقط بالكتب التي تحمل فائدة وقيمة علمية.

لكن من الغريب أن الفلسفة وهي أحد فروع المعرفة لا تتمتع بتمثيل خاص في هذا المجال. فمنذ فصل الفلسفة عن العلم في القرن التاسع عشر بدت الفلسفة وكأنها تنغلق على نفسها. مما أدى إلى ظهور جميع أنواع النظريات والأفكار القيمة التي لم تحظ بالتقدير الذي تستحقه نظراً لصعوبة فهمها. هذا على الرغم من أنها تستند على حقائق وأفكار رائعة دون أي مصلحة حقيقية. لقد ظلت الفلسفة خلال القرون الماضية رافضة ترك مكانها الأكاديمي، لتحكم على البشر العاديين على أنهم لا يستحقون حكمتها وفائدتها العملية.


نشر المعرفة

لم يكن هذا هو الحال مع العديد من فروع المعرفة الأخرى، التي عرفت كيفية الاستفادة من تقديم نفسها لعامة الناس. وقد فعلت ذلك من خلال لغة أبسط وسرد انسيابية ومرونة. وهذا جعل أنواع المعرفة المختلفة مثل علم النفس وعلم الاجتماع والتكنولوجيا وغيرها متاحة لأي شخص على هذا الكوكب. وقد حقق مؤلفو هذه الأعمال شهرة عظيمة. بينما أظهر نشر المعرفة البسيطة أن الناس جائعون للمعرفة وطرح الأسئلة والبحث عن إجابات. باختصار أثبت هذا الأمر أن الناس لم يكونوا فارغين ولا يستحقون كما يراهم الفلاسفة. ومن هنا تظهر أهمية تبسيط الفلسفة وتقريبها من العامة.

وهذا هو الوريد الذي يجب أن تستغله الفلسفة. حيث ينبغي أن تقترب من الناس، دون أن تنسى قاعدتها ومحتواها الأكاديمي. وعليها أن تتخلص من تلك السمعة الفظة والمعقدة، وتلبس أفضل ملابسها من الداخل ولكن مع الجينز من الخارج وتخرج وهي واثقة من نفسها إلى الشارع. فهناك الكثير من المزايا في نشر هذا الفرع من المعرفة وتقريبه للناس على الرغم من صعوبة اعتراف البعض بذلك، إلا أن نزول الفلسفة إلى الشارع سيساهم في إشراك القارىء وتحفيزه، وإثارة فضوله. كذلك تبني أسلوب سردي فعال في متناول كل من يريد الاقتراب من الموضوع مهما كان مبتدئاً. هذا بالإضافة إلى الربح الذي سيحصل عليه الفلاسفة، ولما لا؟

اقرأ أيضًا: العلاج بالقراءة: الأدب الذي يُشفي نفوسنا

العيش بدون فلسفة

إذا كان “العيش بدون فلسفة يعني أن تغلق عينيك دون محاولة فتحهما أبداً” كما قال رينيه ديكارت، ألا يحق للجميع فتحهما والنظر؟ لا شيء يمكن أن يكون أكثر ثراءً، في هذه الأوقات، من ضمان أن تنزل الفلسفة إلى الشارع، وتلتقط أكبر عدد ممكن من الناس. رجال ونساء، كبار وصغار، غني وفقير. ولحسن الحظ أو للأسف، نحن نعيش في عصر التكنولوجيا وثورة معلوماتية، حيث المعلومات – الجيدة والسيئة – متاحة لأي شخص. إننا نمتلك الآن قدر أكبر من الحرية والفورية في القراءة أكثر من أي وقت مضى في التاريخ. ولا توجد فرصة سانحة أفضل من هذا الوقت. وبالجهد والجودة والمهارة (وربما القليل من الحظ أيضاً) قد تظهر الفلسفة يوماً ما على رف الكتب الأكثر مبيعاً، وتصل نظرياتها إلى جمهور عريض لدرجة أنها تصبح جزءاً من الأحاديث اليومية.

اقرأ أيضًا: فلسفة القطط والبحث عن المعنى في الحياة

ماذا سيحدث إذا نزلت الفلسفة إلى الشارع؟

دعونا نتخيل للحظة التأثير الذي يمكن أن يحدثه تبسيط الفلسفة على مستوى العالم. إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى عدم فهم أفكار أفلاطون وأرسطو وأوغسطين وتوما الأكويني ورينيه ديكارت ولوك باعتبارها مقررات دراسية، بل يتم استيعابها والاستمتاع بها. ومن هنا نخلق مواطن يعيش ويراقب ويفكر ويتصرف والفلسفة في عروقه.


في الختام لا يسعنا سوى القول أن الفلسفة تمتلك بعضاً من أكثر العقول ذكاءً في التاريخ، ولا يمكن أن يأتي شيء جيد من إخفائها. إن تبسيط الفلسفة ونشرها والترويج لها وجذب الناس إليها يمكنه تغيير كل شيء. فمن نحن حتى ننكر مثل هذه الهبة للبشرية؟

اترك تعليقاً