الفلسفة الكلبية: حل المعاناة عن طريق تدمير الكون

You are currently viewing الفلسفة الكلبية: حل المعاناة عن طريق تدمير الكون
الفلسفة الكلبية تدعو إلى التخلص من المعاناة عن طريق تدمير الكون

الفلسفة الكلبية هي واحدة من أغرب المذاهب الفلسفية. تدعو هذه المدرسة إلى ضرورة انقراض البشر من أجل التخلص من المعاناة. وقد اتخذ نهج هذه المدرسة القديمة عدداً من فلاسفة العصر الحديث أمثال شوبنهاور وهارتمان. فما هي الفلسفة الكلبية؟ وما وجهة نظرها الراغبة في نهاية الكون؟ وكيف تأثرت آراء شوبنهاور وهارتمان بهذه المدرسة؟

ما هي الفلسفة الكلبية

الفلسفة الكلبية هي أحد المذاهب الفلسفية التي أنشاها الفيلسوف الاغريقي أنتيستنيس خلال القرن الرابع قبل الميلاد. يعد مؤسسها أحد تلامذة الفيلسوف العظيم سقراط. أما مذهبها فيقوم على أن الخير ليس له وجود في الطبيعة البشرية، وأن المعاناة شيئاً متأصلاً في البشر. لذا يجب أن ينقرض البشر للتخلص من المعاناة. استمرت هذه الفلسفة التشاؤمية حتى نهاية القرن الرابع إلى أن ظهرت مدرسة أخرى أنشأها الفيلسوف الإغريقي زينون وهي الرواقية. وتعد الرواقية امتداداً للفلسفة الكلبية.


الفلسفة الرواقية

دعت هذه الفلسفة إلى التخلي عن فكرة الأخلاق والدين وشتى الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة حينها. وانتهاج أسلوب حياة لا مادي وبسيط يدعو إلى التناغم مع الطبيعة كإطار لفهم جميع الأشياء والأمور من حولنا. أما الوصول إلى السعادة أو ما أطلقوا عليه الراحة الدائمة فيكون عن طريق قبول الحاضر كما هو. على الرغم من أن ظاهر هذه المدرسة رائعاً إلا أنها تحمل بداخلها الكثير من الأفكار التي تدعو إلى التخلص من الحياة البشرية إذا لم يستطع البشر التخلص من معاناته.


الفلسفة الكلبية تدعو إلى انقراض البشر

منذ وجود البشر على هذه الأرض وهذا الوجود يهدد بانقراض العديد من الأنواع الأخرى. لذا  قد لا يبدو مفاجئاً أن يعتقد بعض الناس أن انقراض جنسنا البشري سيكون أمراً جيداً. خذ على سبيل المثال، الحركة الطوعية لانقراض الجنس البشري التي يعتقد مؤسسها أن انقراض البشر سيضع حداً للضرر الذي نلحقه ببعضنا البعض، وبالنظم البيئية بشكل عام. أو لننظر إلى رأي الفيلسوف الجنوب أفريقي ديفيد بيناتار الذي يقول بأن جلب الناس إلى الوجود يضرهم دائماً. لذا فهو يوصي بأن نتوقف عن الإنجاب ونهجر الأرض تدريجياً. من سنتخلص على المعاناة والألم في هذه الحياة.

لكن غاب عن الفيلسوف الأفريقي أن البشر ليسوا الكائنات الوحيدة التي تشعر بالألم. حيث ستعاني الحيوانات والكائنات الأخرى بدون وجودنا. لذلك دعا البعض بشكل صادم إلى التخلص من الكون بأكمله بدافع من الرغبة في القضاء على المعاناة تماماً. يعود هذا الموقف المزعج والمتطرف بشكل مدهش إلى الوراء في التاريخ كما أوضحنا سابقاً.

اقرأ أيضًا: أقوال عدمية عن الحب والصداقة والوحدة والدين والحياة

نظرة الفلسفة الكلبية إلى الطبيعة البشرية

الفلسفة الكلبية؛ نهاية الكون؛ انقراض الإنسان
كيف تنظر الفلسفة التشاؤمية إلى الطبيعة البشرية

إن نظرة الفلسفة الكلبية إلى الطبيعة البشرية التي لا تحمل الخير أبداً شديدة السوء، وهذه النظرة قديمة جداً، فمنذ حوالي 1600 عام، اقترح القديس أوغسطين أن يتوقف البشر عن الإنجاب. لكنه دعا إلى ذلك من أجل تسريع الدينونة الأخيرة وأبدية الفرح بعد ذلك. فهناك في العالم الأخر لا وجود للمعاناة. أما إذا كنت لا تؤمن بوجود الحياة الأخرة، فإن هذا الخيار يصبح أقل جاذبية. حيث من الضروري أن يكون سعيك لتخليص البشر من المعاناة نابع من هدف سامي دون أية وعود بمكافآت خارقة للطبيعة.


أثر الفلسفة الكلبية في آراء شوبنهاور عن الوجود

لعل أول شخص دعا إلى الانقراض البشري هو الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور الذي فعل ذلك قبل 200 عام. كان ذلك في عام 1819 حينما حث جميع البشر على تجنيب الأجيال القادمة ما أسماه “عبء الوجود”. كانت آراء شوبنهاور حول الوجود أنه معاناة وألم. لذلك اعتقد أن على الجميع التوقف عن جلب البشر إلى الوجود. كما كان واضحاً بشأن النتيجة وهي إذا أراد البشر هذا الأمر فالنتيجة هي ” انقراض الجنس البشري”؛ وبالتالي نهاية الكون.

لكن ماذا عن آلام ومعاناة الكائنات الحية غير البشرية؟ كان لدى شوبنهاور إجابة، لكنها لم تكن إجابة مقنعة. حيث كان مثالياً فلسفياً، إذ أنه يعتقد أن وجود الطبيعة الخارجية يعتمد على وعينا الذاتي بها. لذلك، مع إلغاء أدمغة الإنسان ووعيه، فإن معاناة الكائنات الحية الأخرى الأقل وعياً بذاتها سوف تختفي أيضاً لأنها لن تعد موجودة دون أن ندركها.

آراء شوبنهاور المتطرفة شابتها مشكلة أخرى ألا وهي ماذا لو وجدت كائنات ذكية وواعية أخرى؟ ربما على كواكب أخرى؟ من المؤكد إذن أن تضحيتنا لن تعني شيئاً. سيستمر وجودها والإدراك المؤلم لها. هنا أتى بحل أكثر اكتمالاً تلميذ شوبنهاور النجيب الفيلسوف الألماني إدوارد فون هارتمان.

اقرأ أيضًا: معضلة قنفذ آرثر شوبنهاور وبعض المعضلات الغريبة الأخرى

هارتمان والقضاء على الكون

يعد هارتمان فيلسوفاً ألمانياً حظى بسمعة سيئة في عصره، ولكنه منسي تماماً في عصرنا الحديث. اقترح الفيلسوف هارتمان نظاماً من الفلسفة التشاؤمية كان بطول لحيته الرائعة تقريباً. حيث قدم رؤية راديكالية صادمة لحل المعاناة عن طريق نهاية الكون بتدميره.

انتقد هارتمان آراء شوبنهاور حول مشكلة المعاناة البشرية التي لن تحدث إلا من خلال انقراض الانسان عن طريق الزهد الجنسي. فهذه الطريقة لن تكون كافية وشاملة. حيث أن هارتمان كانت لديه قناعات بأنه بعد بضعة دهور ستعاود أنواع أخرى واعية بذاتها التطور على الأرض، وهذا من شأنه إدامة بؤس الوجود. كما أن هارتمان يعتقد أيضاً أن الحياة موجودة على كواكب أخرى. هذه الحياة ربما تكون غير ذكية بالمرة على حسب اعتقاده. لذا فهذه الكائنات غير الذكية ستكون عاجزة على فعل أي شيء تجاه المعاناة. لذلك بدلاً من تدمير نوعنا فقط، اعتقد هارتمان أننا بصفتنا كائنات ذكية فنحن ملزمون بإيجاد طريقة للقضاء على المعاناة بشكل دائم وكوني. لذا فإن أمر إبادة الكون متروك للإنسانية. لذا يجب على البشر أن يسعوا إلى تدمير الكون بأكمله.


القتل الرحيم

كان هارتمان مقتنعاً أن هذا هو الغرض من الخلق هو أن هذا الكون موجود من أجل تطوير كائنات عطوفة وذكية بما يكفي لتقرر إلغاء الوجود نفسه. أو السعى وراء نهاية الكون. كما تخيل هذه اللحظة الأخيرة على أنها موجة صدمة من القتل الرحيم الذي يمتد من الأرض إلى الخارج. لكن هذه آراء هارتمان التشاؤمية أو العبثية ربما ظلت غير واضحة بشأن كيفية تحقيق هذا الهدف بالضبط. لقد تحدث بشكل غامض عن التوحيد العالمي المتزايد للبشرية وخيبة الأمل الروحية. كما  ألمح إلى الاكتشافات العلمية والتكنولوجية المستقبلية. ربما لحسن الحظ أن هارتمان كان ميتافيزيقياً وليس فيزيائياً.

اقرأ أيضًا: اللغات المنقرضة: ما هي؟ ولماذا تختفي اللغات من التاريخ؟

رؤى مجنونة متأثرة بالفلسفة الكلبية

فلسفة هارتمان رائعة. لكنه مع ذلك قد ارتكب خطأ لا يمكن تصوره. هذا الخطأ في خلطه بين استئصال المعاناة واستئصال مَن يعانون. يؤدي هذا الخلط إلى رؤى مجنونة لقتل كل شيء. فمن أجل التخلص من المعاناة لا تحتاج إلى التخلص من الذين يعانون، يمكنك بدلاً من ذلك محاولة إزالة أسباب الألم والمعاناة. إننا نحاول أن نقضي على المعاناة وليس من يعاني.


هل يمكننا التخلص من المعاناة

في الواقع هناك فرصة كبيرة لإزالة المعاناة بشكل جذري. حتى أن الفلاسفة مثل ديفيد بيرس يجادلون بأنه في المستقبل ستكون هناك تقنيات مثل الهندسة الوراثية قادرة على التخلص التدريجي منها بالكامل، وإلغاء الألم من الأرض. ربما يساعدنا العلم في المستقبل على التخلص التدريجي من الألم وتجنب الشعور السلبي، وقد تكون الأجيال القادمة من البشرية قادرة على إحداث تغيير عظيم في كوننا الذي نحيا فيه، وربما في جميع أنحاء الكون المرئي أيضاً.


ربما السعي وراء التخلص من المعاناة هو أولويتنا المطلقة نحن البشر. ومن الممكن أن نصل إلى تلك اللحظة الفارقة الخالية من الألم والمعاناة، وربما تكون المعاناة جزءً لا يتجزأ من تكويننا البشري فيكون سعينا وراء سراب.

المراجع:

1.     Author: Thomas Moynihan, (11/17/2020), Solve suffering by blowing up the universe? The dubious philosophy of human extinction, theconversation.com, Retrieved: 1/18/2021.

2.     Author: Charilaos Platanakis, (2/4/2018), Cynic, ancient Greek philosophy, www.britannica.com, Retrieved: 1/18/2021.

3.     Author: Julie Piering, (8/12/2016), Cynics, iep.utm.edu, Retrieved: 1/18/2021.

اترك تعليقاً